الباحث القرآني

وَرُبَّما اتَّكَلَ بَعْضُ المُغْتَرِّينَ عَلى ما يَرى مِن نِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ في الدُّنْيا وأنَّهُ لا يُغَيِّرُ ما بِهِ، ويَظُنُّ أنَّ ذَلِكَ مِن مَحَبَّةِ اللَّهِ لَهُ، وأنَّهُ يُعْطِيهِ في الآخِرَةِ أفْضَلَ مِن ذَلِكَ، فَهَذا مِنَ الغُرُورِ. قالَ الإمامُ أحْمَدُ: حَدَّثَنا يَحْيى بْنُ غَيْلانَ حَدَّثَنا رِشْدِينُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ حَرْمَلَةَ بْنِ عِمْرانَ التُّجِيبِيِّ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ مُسْلِمٍ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عامِرٍ عَنِ النَّبِيِّ ﷺ قالَ: «إذا رَأيْتَ اللَّهَ عَزَّ وجَلَّ يُعْطِي العَبْدَ مِنَ الدُّنْيا عَلى مَعاصِيهِ ما يُحِبُّ فَإنَّما هو اسْتِدْراجٌ، ثُمَّ تَلا قَوْلَهُ عَزَّ وجَلَّ: ﴿فَلَمّا نَسُوا ما ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ أبْوابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتّى إذا فَرِحُوا بِما أُوتُوا أخَذْناهم بَغْتَةً فَإذا هم مُبْلِسُونَ﴾». وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: إذا رَأيْتَ اللَّهَ يُتابِعُ عَلَيْكَ نِعَمَهُ وأنْتَ مُقِيمٌ عَلى مَعاصِيهِ فاحْذَرْهُ؛ فَإنَّما هو اسْتِدْراجٌ مِنهُ يَسْتَدْرِجُكَ بِهِ، وقَدْ قالَ تَعالى: ﴿وَلَوْلا أنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَن يَكْفُرُ بِالرَّحْمَنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفًا مِن فَضَّةٍ ومَعارِجَ عَلَيْها يَظْهَرُونَ - ولِبُيُوتِهِمْ أبْوابًا وسُرُرًا عَلَيْها يَتَّكِئُونَ - وزُخْرُفًا وإنْ كُلُّ ذَلِكَ لَمّا مَتاعُ الحَياةِ الدُّنْيا والآخِرَةُ عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُتَّقِينَ﴾ [الزخرف: ٣٣-٣٥]. وَقَدْ رَدَّ سُبْحانَهُ عَلى مَن يَظُنُّ هَذا الظَّنَّ بِقَوْلِهِ: ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِي - وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِي - كَلّا﴾ [الفجر: ١٥-١٧] أيْ لَيْسَ كُلُّ مَن نَعَّمْتُهُ ووَسَّعْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أكُونُ قَدْ أكْرَمْتُهُ، ولَيْسَ كُلُّ مَنِ ابْتَلَيْتُهُ وضَيَّقْتُ عَلَيْهِ رِزْقَهُ أكُونُ قَدْ أهَنْتُهُ، بَلْ أبْتَلِي هَذا بِالنِّعَمِ، وأُكْرِمُ هَذا بِالِابْتِلاءِ. وَفِي جامِعِ التِّرْمِذِيِّ عَنْهُ ﷺ: «إنَّ اللَّهَ يُعْطِي الدُّنْيا مَن يُحِبُّ ومَن لا يُحِبُّ ولا يُعْطِي الإيمانَ إلّا مَن يُحِبُّ». وَقالَ بَعْضُ السَّلَفِ: رُبَّ مُسْتَدْرَجٍ بِنِعَمِ اللَّهِ عَلَيْهِ وهو لا يَعْلَمُ، ورُبَّ مَغْرُورٍ بِسَتْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ وهو لا يَعْلَمُ، ورُبَّ مَفْتُونٍ بِثَناءِ النّاسِ عَلَيْهِ وهو لا يَعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب