الباحث القرآني

قِيلَ: لَمْ يَكُنْ مُهْلِكَهم بِظُلْمِهِمْ، وشِرْكِهِمْ وهم غافِلُونَ، لَمْ يُنْذَرُوا ولَمْ يَأْتِهِمْ رَسُولٌ. وَقِيلَ: لَمْ يُهْلِكْهم قَبْلَ التَّذْكِيرِ بِإرْسالِ الرَّسُولِ، فَيَكُونُ قَدْ ظَلَمَهُمْ، فَإنَّهُ سُبْحانَهُ لا يَأْخُذُ أحَدًا ولا يُعاقِبُهُ إلّا بِذَنْبِهِ، وإنَّما يَكُونُ مُذْنِبًا إذا خالَفَ أمْرَهُ ونَهْيَهُ، وذَلِكَ إنَّما يُعْلَمُ بِالرُّسُلِ. فَإذا شاهَدَ العَبْدُ القَدَرَ السّابِقَ بِالذَّنْبِ، عَلِمَ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ قَدَّرَهُ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِأثَرِهِ مِنَ العُقُوبَةِ، كَما قَدَّرَ الطّاعَةَ سَبَبًا مُقْتَضِيًا لِلثَّوابِ، وكَذَلِكَ تَقْدِيرُ سائِرِ أسْبابِ الخَيْرِ والشَّرِّ، كَجَعْلِ السُّمِّ سَبَبًا لِلْمَوْتِ، والنّارِ سَبَبًا لِلْإحْراقِ، والماءِ سَبَبًا لِلْإغْراقِ. فَإذا أقْدَمَ العَبْدُ عَلى سَبَبِ الهَلاكِ - وقَدْ عَرَفَ أنَّهُ سَبَبُ الهَلاكِ - فَهَلَكَ فالحُجَّةُ مُرَكَّبَةٌ عَلَيْهِ، والمُؤاخَذَةُ لازِمَةٌ لَهُ، كالحَرِيقِ مَثَلًا، والذَّنْبُ كالنّارِ، وإتْيانُهُ لَهُ كَتَقْدِيمِهِ نَفْسَهُ لِلنّارِ، ومُلاحَظَةُ الحُكْمِ فِيما لا يُجْدِي عَلَيْهِ شَيْئًا، فَإنَّما الَّذِي يَشْهَدُهُ عِنْدَ قِيامِ الحُجَّةِ عَلَيْهِ مُلاحَظَةُ الأمْرِ، لا مُلاحَظَةُ القَدَرِ. فَجَعْلُ صاحِبِ المَنازِلِ هَذِهِ اللَّطِيفَةَ مِن مُلاحَظَةِ الجِنايَةِ والقَضِيَّةِ لَيْسَ بِالبَيِّنِ، بَلْ هو مِن مُلاحَظَةِ الجِنايَةِ والأمْرِ، لَكِنَّ مُرادَهُ أنَّ سِرَّ التَّقْدِيرِ أنَّهُ قَدْ عَلِمَ أنَّ هَذا العَبْدَ لا يَصْلُحُ إلّا لِلْوَقُودِ، كالشَّوْكِ الَّذِي لا يَصْلُحُ إلّا لِلنّارِ، والشَّجَرَةُ تَشْتَمِلُ عَلى الثَّمَرِ والشَّوْكِ، فاقْتَضى عَدْلُهُ سُبْحانَهُ أنْ يَسُوقَ هَذا العَبْدَ إلى ما لا يَصْلُحُ إلّا لَهُ، وأنْ يُقِيمَ عَلَيْهِ حُجَّةَ عَدْلِهِ، فَإنْ قَدَّرَ عَلَيْهِ الذَّنْبَ فَواقَعَهُ، فاسْتَحَقَّ ما خُلِقَ لَهُ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿وَما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وما يَنْبَغِي لَهُ إنْ هو إلّا ذِكْرٌ وقُرْآنٌ مُبِينٌ - لِيُنْذِرَ مَن كانَ حَيًّا ويَحِقَّ القَوْلُ عَلى الكافِرِينَ﴾ [يس: ٦٩-٧٠].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب