الباحث القرآني
يعني قد استكثرتم من إضلالهم وإغوائهم.
قال ابن عباس، ومجاهد، والحسن وغيرهم "أضللتم منهم كثيرا" فيجيبه سبحانه أولياؤهم من الإنس بقولهم:
﴿رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ﴾ [الأنعام: ١٢٨].
يعنون استمتاع كل نوع بالنوع الآخر. فاستمتاع الجن بالإنس: طاعتهم لهم فيما يأمرونهم به: من الكفر، والفسوق، والعصيان. فإن هذا أكثر أغراض الجن من الإنس. فإذا أطاعوهم فيه فقد أعطوهم مُناهُم.
واستمتاع الإنس بالجن: أنهم أعانوهم على معصية الله تعالى، والشرك به بكل ما يقدرون عليه: من التحسين، والتزيين، والدعاء، وقضاء كثير من حوائجهم، واستخدامهم بالسحر والعزائم، وغيرها. فأطاعهم الإنس فيما يرضيهم: من الشرك، والفواحش، والفجور، وأطاعتهم الجن فيما يرضيهم: من التأثيرات، والإخبار ببعض المغيبات.
فتمتع كل من الفريقين بالآخر.
وهذه الآية منطبقة على أصحاب الأحوال الشيطانية الذين لهم كشوف شيطانية وتأثير شيطاني. فيحسبهم الجاهل أولياء الرحمن، وإنما هم من أولياء الشيطان. أطاعوه في الإشراك، ومعصية الله، والخروج عما بعث به رسله، وأنزل به كتبه. فأطاعهم في أن خدمهم بإخبارهم بكثير من المغيبات والتأثيرات، واغتر بهم من قل حظه من العلم والإيمان فوالى أعداء الله، وعادى أولياءه، وحسن الظن بمن خرج عن سبيله وسنته، وأساء الظن بمن اتبع سنة الرسول، وما جاء به، ولم يدعها لأقوال المختلفين، وآراء المتحيرين وشطحات المارقين، وترهات المتصوفين.
والبصير الذي نور الله بصيرته بنور الإيمان والمعرفة إذا عرف حقيقة ما عليه أكثر هذا الخلق، وكان ناقدا، لا يروج عليه الزغل، تبين له أنهم داخلون تحت حكم هذه الآية، وهي منطبقة عليهم.
فالفاسق يستمتع بالشيطان، بإعانته له على أسباب فسوقه، والشيطان يستمتع به في قبوله منه وطاعته له فيسره ذلك، ويفرح به منه.
والمشرك يستمتع به الشيطان بشركه به، وعبادته له. ويستمتع هو بالشيطان في قضاء حوائجه، وإعانته له.
ومن لم يحط علما بهذا لم يعلم حقيقة الإيمان والشرك، وسر امتحان الرب سبحانه كلا من الثقلين بالآخر.
ثم قالوا ﴿وَبلَغْنا أجَلَنا الّذِي أجَّلْتَ لَنا﴾ [الأنعام: ١٢٨].
وهو يتناول أجل الموت، وأجل البعث. فكلاهما أجل أجله الله تعالى لعباده وهما الأجلان اللذان قال الله فيهما: ﴿ثُمَّ قَضى أجَلًا وأجَلٌ مُسَمى عِنْدَهُ﴾ [الأنعام: ٢].
وكأن هذا - والله أعلم - إشارة منهم إلى نوع استعطاف وتوبة. فكأنهم يقولون: هذا أمر قد كان إلى وقت وانقطع بانقطاع أجله. فلم يستمر ولم يدم، فبلغ الأمر الذي كان أجله وانتهى إلى غايته. ولكل شيء آخر، فقال تعالى: ﴿النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها﴾ [الأنعام: ١٢٨].
فإنه وإن انقطع زمن التمتع وانقضى أجله، فقد بقي زمن العقوبة، فلا يتوهم أنه إذا انقضى زمن الكفر والشرك، وتمتع بعضكم ببعض أن مفسدته زالت بزواله، وانتهت بانتهائه.
والمقصود: أن الشيطان تلاعب بالمشركين حتى عبدوه، واتخذوه وذريته أولياء من دون الله.
* (فصل)
فَما عَبَدَ أحَدٌ مِن بَنِي آدَمَ غَيْرَ اللَّهِ كائِنًا مَن كانَ إلّا وقَعَتْ عِبادَتُهُ لِلشَّيْطانِ، فَيَسْتَمْتِعُ العابِدُ بِالمَعْبُودِ في حُصُولِ غَرَضِهِ، ويَسْتَمْتِعُ المَعْبُودُ بِالعابِدِ في تَعْظِيمِهِ لَهُ، وإشْراكِهِ مَعَ اللَّهِ الَّذِي هو غايَةُ رِضا الشَّيْطانِ، ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا يامَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ﴾ أيْ: مِن إغْوائِهِمْ وإضْلالِهِمْ ﴿وَقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾.
فَهَذِهِ إشارَةٌ لَطِيفَةٌ إلى السِّرِّ الَّذِي لِأجْلِهِ كانَ الشِّرْكُ أكْبَرَ الكَبائِرِ عِنْدَ اللَّهِ، وأنَّهُ لا يَغْفِرُهُ بِغَيْرِ التَّوْبَةِ مِنهُ، وأنَّهُ يُوجِبُ الخُلُودَ في العَذابِ، وأنَّهُ لَيْسَ تَحْرِيمُهُ وقُبْحُهُ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَنْهُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ أنْ يَشْرَعَ لِعِبادِهِ عِبادَةَ إلَهٍ غَيْرِهِ، كَما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ما يُناقِضُ أوْصافَ كَمالِهِ، ونُعُوتَ جَلالِهِ، وكَيْفَ يُظَنُّ بِالمُنْفَرِدِ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلَهِيَّةِ والعَظْمَةِ والإجْلالِ أنْ يَأْذَنَ في مُشارَكَتِهِ في ذَلِكَ، أوْ يَرْضى بِهِ؟ تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
{"ayah":"وَیَوۡمَ یَحۡشُرُهُمۡ جَمِیعࣰا یَـٰمَعۡشَرَ ٱلۡجِنِّ قَدِ ٱسۡتَكۡثَرۡتُم مِّنَ ٱلۡإِنسِۖ وَقَالَ أَوۡلِیَاۤؤُهُم مِّنَ ٱلۡإِنسِ رَبَّنَا ٱسۡتَمۡتَعَ بَعۡضُنَا بِبَعۡضࣲ وَبَلَغۡنَاۤ أَجَلَنَا ٱلَّذِیۤ أَجَّلۡتَ لَنَاۚ قَالَ ٱلنَّارُ مَثۡوَىٰكُمۡ خَـٰلِدِینَ فِیهَاۤ إِلَّا مَا شَاۤءَ ٱللَّهُۗ إِنَّ رَبَّكَ حَكِیمٌ عَلِیمࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق