الباحث القرآني

هذا عطف على قوله: ﴿أنَّها إذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ﴾ أي نحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم تلك الآية فلا يؤمنون. واختلف في قوله: كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ فقال كثير من المفسرين: المعنى نحول بينهم وبين الإيمان لو جاءتهم الآية، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أول مرة قال ابن عباس في رواية عطاء عنه: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم حتى يرجعوا إلى ما سبق عليهم من علمي. قال: وهذا كقوله: ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ المَرْءِ وقَلْبِهِ﴾. وقال آخرون: المعنى: ونقلب أفئدتهم وأبصارهم لتركهم الإيمان به أول مرة، فعاقبناهم بتقليب أفئدتهم وأبصارهم. وهذا معنى حسن. فإن كاف التشبيه تتضمن نوعا من التعليل. كقوله: ﴿وَأحْسِنْ كَما أحْسَنَ اللَّهُ إلَيْكَ﴾ وقوله: ﴿كَما أرْسَلْنا فِيكم رَسُولًا مِنكم يَتْلُوا عَلَيْكم آياتِنا ويُزَكِّيكم ويُعَلِّمُكُمُ الكِتابَ والحِكْمَةَ ويُعَلِّمُكم ما لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ، فاذْكُرُونِي أذْكُرْكُمْ﴾ والذي حسن اجتماع التعليل والتشبيه: الإعلام بأن الجزاء من جنس العمل في الخير والشر. والتقليب: تحويل الشيء من وجه إلى وجه، وكان الواجب من مقتضى إنزال الآية ووصولهم إليها كما سألوا: أن يؤمنوا إذ جاءتهم لأنهم رأوها عيانا وعرفوا أدلتها وتحققوا صدقها. فإذا لم يؤمنوا كان ذلك تقليبا لقلوبهم وأبصارهم عن وجهها الذي ينبغي أن تكون عليه. وقد روى مسلم في صحيحه من حديث عبد الله بن عمرو أنه سمع رسول الله ﷺ يقول: «إن قلوب بني آدم كلها بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه كيف يشاء، ثم قال رسول الله ﷺ: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا على طاعتك» وروى الترمذي من حديث أنس قال: «كان رسول الله ﷺ يكثر أن يقول: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا رسول الله، آمنا بك وبما جئت به. فهل تخاف علينا؟ قال: إن القلوب بين إصبعين من أصابع الله يقلبها كيف يشاء» قال الترمذي: هذا حديث حسن. وروى حماد عن أيوب وهشام ويعلى بن زياد عن الحسن قال: قالت عائشة رضي الله عنها: «دعوة كان رسول الله ﷺ يكثر أن يدعو بها: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك. فقلت: يا رسول الله، دعوة كثيرا ما تدعو بها؟ قال: إنه ليس من عبد إلا وقلبه بين إصبعين من أصابع الله. فإذا شاء أن يقيمه أقامه، وإذا شاء أن يزيغه أزاغه». وقوله: ﴿وَنَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ قال: ابن عباس: أخذلهم وأدعهم في ضلالهم يتمادون. وأما التزيين إليه سبحانه خلقا ومشيئة. وحذف فاعله تارة، ونسبه إلى سببه، ومن أجراه على يده تارة. وهذا التزيين منه سبحانه حسن، إذ هو ابتلاء واختبار للعبد ليتميز المطيع منهم من العاصي، والمؤمن من الكافر، كما قال تعالى: ﴿إنّا جَعَلْنا ما عَلى الأرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهم أيُّهم أحْسَنُ عَمَلًا﴾ وهو من الشيطان قبيح. وأيضا فتزيينه سبحانه للعبد عمله السيئ عقوبة منه له على إعراضه عن توحيده وعبوديته، وإيثار سيء العمل على حسنه فإنه لا بد أن يعرفه سبحانه السيئ من الحسن، فإذا آثر القبيح واختاره وأحبه ورضيه لنفسه زينه سبحانه له وأعماه عن رؤية قبحه بعد أن رآه قبيحا. وكل ظالم وفاجر وفاسق لا بد أن يريه الله تعالى ظلمه وفجوره وفسقه قبيحا، فإذا تمادى عليه ارتفعت رؤية قبحه من قلبه. فربما رآه حسنا عقوبة له، فإنه إنما يكشف له عن قبحه بالنور الذي في قلبه، وهو حجة الله عليه فإذا تمادى في غيه وظلمه ذهب ذلك النور، فلم ير قبحه في ظلمات الجهل والفسوق والظلم. ومع هذه فحجة الله قائمة عليه بالرسالة، وبالتعريف الأول. فتزيين الرب تعالى عدل، وعقوبته حكمة، وتزيين الشيطان إغواء وظلم وهو السبب الخارج عن العبد، والسبب الداخل فيه حبه وبغضه، وإعراضه، والرب سبحانه خالق الجميع، والجميع واقع بمشيئته وقدرته، ولو شاء لهدى خلقه أجمعين. والمعصوم من عصمه الله، والمخذول من خذله الله. ألا له الخلق والأمر تبارك الله رب العالمين. * (فائدة) حذار حذار من أمرين لهما عواقب سوء: أحدهما: رد الحق لمخالفته هواك فإنك تعاقب بتقليب القلب ورد ما يرد عليك من الحق رأسا ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك قال تعالى: ﴿وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ﴾ فعاقبهم على رد الحق أول مرة بأن قلب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك. والثاني: التهاون بالأمر إذا حضر وقته، فإنك إن تهاونت به ثبطك الله وأقعدك عن مراضيه وأوامره عقوبة لك قال تعالى: ﴿فَإنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إلى طائِفَةٍ مِنهم فاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أبدا ولَنْ تُقاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إنَّكم رَضِيتُمْ بِالقُعُودِ أوَّلَ مَرَّةٍ فاقْعُدُوا مَعَ الخالِفِينَ﴾. فمن سلم من هاتين الآفتين والبليتين العظيمتين فليهنه السلامة. * (فصل: الذُّنُوبُ قد تَخْذُلُ صاحَبَها عِنْدَ المَوْتِ، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الخاتِمَةِ الحُسْنى) إنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وتَعالى يُعاقِبُ عَلى السَّيِّئَةِ بِسَيِّئَةٍ أُخْرى، وتَتَضاعَفُ عُقُوبَةُ السَّيِّئاتِ بَعْضِها بِبَعْضٍ، كَما يُثِيبُ عَلى الحَسَنَةِ بِحَسَنَةٍ أُخْرى. إذا نَظَرْتَ إلى حالِ كَثِيرٍ مِنَ المُحْتَضِرِينَ وجَدْتَهم يُحالُ بَيْنَهم وبَيْنَ حُسْنِ الخاتِمَةِ، عُقُوبَةً لَهم عَلى أعْمالِهِمُ السَّيِّئَةِ. قالَ الحافِظُ أبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الحَقِّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الإشْبِيلِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ: واعْلَمْ أنَّ لِسُوءِ الخاتِمَةِ - أعاذَنا اللَّهُ مِنها - أسْبابًا، ولَها طُرُقٌ وأبْوابٌ، أعْظَمُها الِانْكِبابُ عَلى الدُّنْيا، والإعْراضُ عَنِ الأُخْرى، والإقْدامُ والجَرْأةُ عَلى مَعاصِي اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، ورُبَّما غَلَبَ عَلى الإنْسانِ ضَرْبٌ مِنَ الخَطِيئَةِ، ونَوْعٌ مِنَ المَعْصِيَةِ، وجانِبٌ مِنَ الإعْراضِ، ونَصِيبٌ مِنَ الجَرْأةِ والإقْدامِ، فَمَلَكَ قَلْبَهُ، وسَبى عَقْلَهُ وأطْفَأ نُورَهُ وأرْسَلَ عَلَيْهِ حُجُبَهُ فَلَمْ تَنْفَعْ فِيهِ تَذْكِرَةٌ، ولا نَجَحَتْ فِيهِ مَوْعِظَةٌ، فَرُبَّما جاءَهُ المَوْتُ عَلى ذَلِكَ، فَسَمِعَ النِّداءَ مِن مَكانٍ بَعِيدٍ، فَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ المُرادُ، ولا عَلِمَ ما أرادَ، وإنْ كَرَّرَ عَلَيْهِ الدّاعِي وأعادَ. قالَ: ويُرْوى أنَّ بَعْضَ رِجالِ النّاصِرِ نَزَلَ المَوْتُ بِهِ، فَجَعَلَ ابْنُهُ يَقُولُ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَقالَ: النّاصِرُ مَوْلايَ، فَأعادَ عَلَيْهِ القَوْلَ، فَأعادَ مِثْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ أصابَتْهُ غَشْيَةٌ، فَلَمّا أفاقَ قالَ: النّاصِرُ مَوْلايَ، وكانَ هَذا دَأْبَهُ كُلَّما قِيلَ لَهُ قُلْ: لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، قالَ: النّاصِرُ مَوْلايَ، ثُمَّ قالَ لِابْنِهِ: يا فُلانُ، النّاصِرُ إنَّما يَعْرِفُكَ بِسَيْفِكَ، والقَتْلَ القَتْلَ، ثُمَّ ماتَ. قالَ عَبْدُ الحَقِّ: وقِيلَ لِآخَرَ - مِمَّنْ أعْرِفُهُ - قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ. فَجَعَلَ يَقُولُ: الدّارُ الفُلانِيَّةُ أصْلِحُوا فِيها كَذا، والبُسْتانُ الفُلانِيُّ افْعَلُوا فِيهِ كَذا. وَقالَ: وفِيما أذِنَ أبُو طاهِرٍ السَّلَفِيُّ أنْ أُحَدِّثَ بِهِ عَنْهُ: أنَّ رَجُلًا نَزَلَ بِهِ المَوْتُ، فَقِيلَ لَهُ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ بِالفارِسِيَّةِ: دَهْ يازَدَهْ دَهْ وازَدَهْ، تَفْسِيرُهُ: عَشْرٌ بِأحَدَ عَشَرَ. وَقِيلَ لِآخَرَ: قُلْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَجَعَلَ يَقُولُ: أيْنَ الطَّرِيقُ إلى حَمّامِ مِنجابِ قالَ: وهَذا الكَلامُ لَهُ قِصَّةٌ، وذَلِكَ أنَّ رَجُلًا كانَ واقِفًا بِإزاءِ دارِهِ، وكانَ بابُها يُشْبِهُ بابَ هَذا الحَمّامِ، فَمَرَّتْ بِهِ جارِيَةٌ لَها مَنظَرٌ، فَقالَتْ: أيْنَ الطَّرِيقُ إلى حَمّامِ مِنجابِ؟ فَقالَ: هَذا حَمّامُ مِنجابِ، فَدَخَلَتِ الدّارَ ودَخَلَ وراءَها، فَلَمّا رَأتْ نَفْسَها في دارِهِ وعَلِمَتْ أنَّهُ قَدْ خَدَعَها، أظْهَرَتْ لَهُ البُشْرى والفَرَحَ بِاجْتِماعِها مَعَهُ، وقالَتْ لَهُ: يَصْلُحُ أنْ يَكُونَ مَعَنا ما يَطِيبُ بِهِ عَيْشُنا وتَقَرُّ بِهِ عُيُونُنا، فَقالَ لَها: السّاعَةَ آتِيكِ بِكُلِّ ما تُرِيدِينَ وتَشْتَهِينَ، وخَرَجَ وتَرَكَها في الدّارِ ولَمْ يُغْلِقْها، فَأخَذَ ما يَصْلُحُ ورَجَعَ، فَوَجَدَها قَدْ خَرَجَتْ وذَهَبَتْ، ولَمْ تَخُنْهُ في شَيْءٍ، فَهامَ الرَّجُلُ وأكْثَرَ الذِّكْرَ لَها، وجَعَلَ يَمْشِي في الطُّرُقِ والأزِقَّةِ ويَقُولُ: ؎يا رُبَّ قائِلَةٍ يَوْمًا وقَدْ تَعِبَتْ ∗∗∗ كَيْفَ الطَّرِيقُ إلى حَمّامِ مِنجابِ؟ فَبَيْنَما هو يَوْمًا يَقُولُ ذَلِكَ، إذا بِجارِيَتِهِ أجابَتْهُ مِن طاقٍ: ؎هَلّا جَعَلْتَ سَرِيعًا إذْ ظَفِرْتَ بِها ∗∗∗ حِرْزًا عَلى الدّارِ أوْ قُفْلًا عَلى البابِ فازْدادَ هَيَمانُهُ واشْتَدَّ، ولَمْ يَزَلْ عَلى ذَلِكَ، حَتّى كانَ هَذا البَيْتُ آخِرَ كَلامِهِ مِنَ الدُّنْيا. وَلَقَدْ بَكى سُفْيانُ الثَّوْرِيُّ لَيْلَةً إلى الصَّباحِ، فَلَمّا أصْبَحَ قِيلَ لَهُ: كُلُّ هَذا خَوْفًا مِنَ الذُّنُوبِ؟ فَأخَذَ تِبْنَةً مِنَ الأرْضِ، وقالَ: الذُّنُوبُ أهْوَنُ مِن هَذا، وإنَّما أبْكِي مِن خَوْفِ سُوءِ الخاتِمَةِ. وَهَذا مِن أعْظَمِ الفِقْهِ: أنْ يَخافَ الرَّجُلُ أنْ تَخْذُلَهُ ذُنُوبُهُ عِنْدَ المَوْتِ، فَتَحُولُ بَيْنَهُ وبَيْنَ الخاتِمَةِ الحُسْنى. وَقَدْ ذَكَرَ الإمامُ أحْمَدُ عَنْ أبِي الدَّرْداءِ أنَّهُ لَمّا احْتُضِرَ جَعَلَ يُغْمى عَلَيْهِ ثُمَّ يَفِيقُ ويَقْرَأُ: ﴿وَنُقَلِّبُ أفْئِدَتَهم وأبْصارَهم كَما لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أوَّلَ مَرَّةٍ ونَذَرُهم في طُغْيانِهِمْ يَعْمَهُونَ﴾ [الأنعام: ١١٠]. فَمِن هَذا خافَ السَّلَفُ مِنَ الذُّنُوبِ، أنْ تَكُونَ حِجابًا بَيْنَهم وبَيْنَ الخاتِمَةِ الحُسْنى. قالَ: واعْلَمْ أنَّ سُوءَ الخاتِمَةِ - أعاذَنا اللَّهُ تَعالى مِنها - لا تَكُونُ لِمَنِ اسْتَقامَ ظاهِرُهُ وصَلُحَ باطِنُهُ، ما سُمِعَ بِهَذا ولا عُلِمَ بِهِ ولِلَّهِ الحَمْدُ، وإنَّما تَكُونُ لِمَن لَهُ فَسادٌ في العَقْدِ، أوْ إصْرارٌ عَلى الكَبائِرِ، وإقْدامٌ عَلى العَظائِمِ، فَرُبَّما غَلَبَ ذَلِكَ عَلَيْهِ حَتّى يَنْزِلَ بِهِ المَوْتُ قَبْلَ التَّوْبَةِ، فَيَأْخُذُهُ قَبْلَ إصْلاحِ الطَّوِيَّةِ، ويَصْطَلِمُهُ قَبْلَ الإنابَةِ فَيَظْفَرُ بِهِ الشَّيْطانُ عِنْدَ تِلْكَ الصَّدْمَةِ، ويَخْتَطِفُهُ عِنْدَ تِلْكَ الدَّهْشَةِ، والعِياذُ بِاللَّهِ. قالَ: ويُرْوى أنَّهُ كانَ بِمِصْرَ رَجُلٌ يَلْزَمُ مَسْجِدًا لِلْأذانِ والصَّلاةِ، وعَلَيْهِ بَهاءُ الطّاعَةِ وأنْوارُ العِبادَةِ، فَرَقِيَ يَوْمًا المَنارَةَ عَلى عادَتِهِ لِلْأذانِ، وكانَ تَحْتَ المَنارَةِ دارٌ لِنَصْرانِيٍّ، فاطَّلَعَ فِيها، فَرَأى ابْنَةَ صاحِبِ الدّارِ فافْتُتِنَ بِها، فَتَرَكَ الأذانَ، ونَزَلَ إلَيْها، ودَخَلَ الدّارَ عَلَيْها، فَقالَتْ لَهُ: ما شَأْنُكَ وما تُرِيدُ؟ قالَ: أُرِيدُكِ، فَقالَتْ: لِماذا؟ قالَ: قَدْ سَبَيْتِ لُبِّي، وأخَذْتِ بِمَجامِعِ قَلْبِي، قالَتْ: لا أُجِيبُكَ إلى رِيبَةٍ أبَدًا، وقالَ: أتَزَوَّجُكِ؟ قالَتْ: أنْتَ مُسْلِمٌ وأنا نَصْرانِيَّةٌ وأبِي لا يُزَوِّجُنِي مِنكَ، قالَ: أتَنَصَّرُ، قالَتْ: إنْ فَعَلْتَ أفْعَلُ، فَتَنَصَّرَ الرَّجُلُ لِيَتَزَوَّجَها، وأقامَ مَعَهم في الدّارِ، فَلَمّا كانَ في أثْناءِ ذَلِكَ اليَوْمِ، رَقِيَ إلى سَطْحٍ كانَ في الدّارِ فَسَقَطَ مِنهُ فَماتَ، فَلَمْ يَظْفَرْ بِها، وفاتَهُ دِينُهُ. قالَ: ويُرْوى أنَّ رَجُلًا عَشِقَ شَخْصًا فاشْتَدَّ كَلَفُهُ بِهِ، وتَمَكَّنَ حُبُّهُ مِن قَلْبِهِ، حَتّى وقَعَ ألَمٌ بِهِ ولَزِمَ الفِراشَ بِسَبَبِهِ، وتَمَنَّعَ ذَلِكَ الشَّخْصُ عَلَيْهِ، واشْتَدَّ نِفارُهُ عَنْهُ، فَلَمْ تَزَلِ الوَسائِطُ يَمْشُونَ بَيْنَهُما حَتّى وعَدَهُ بِأنْ يَعُودَهُ، فَأخْبَرَهُ بِذَلِكَ النّاسُ، فَفَرِحَ واشْتَدَّ سُرُورُهُ وانْجَلى غَمُّهُ، وجَعَلَ يَنْتَظِرُ المِيعادَ الَّذِي ضَرَبَ لَهُ، فَبَيْنا هو كَذَلِكَ إذْ جاءَهُ السّاعِي بَيْنَهُما، فَقالَ: إنَّهُ وصَلَ مَعِي إلى بَعْضِ الطَّرِيقِ ورَجَعَ، ورَغَّبْتُ إلَيْهِ وكَلَّمْتُهُ، فَقالَ: إنَّهُ ذَكَرَنِي وصَرَّحَ بِي، ولا أدْخُلُ مَداخِلَ الرِّيبَةِ ولا أُعَرِّضُ نَفْسِي لِمَواقِعِ التُّهَمِ، فَعاوَدْتُهُ فَأبى وانْصَرَفَ، فَلَمّا سَمِعَ البائِسُ أُسْقِطَ في يَدِهِ، وعادَ إلى أشَدَّ مِمّا كانَ بِهِ، وبَدَتْ عَلَيْهِ عَلائِمُ، فَجَعَلَ يَقُولُ في تِلْكَ الحالِ: ؎يا سَلْمُ يا راحَةَ العَلِيلِ ∗∗∗ ويا شِفا المُدْنَفِ النَّحِيلِ ؎رِضاكِ أشْهى إلى فُؤادِي ∗∗∗ مِن رَحْمَةِ الخالِقِ الجَلِيلِ فَقُلْتُ لَهُ: يا فُلانُ اتَّقِ اللَّهَ، قالَ: قَدْ كانَ، فَقُمْتُ عَنْهُ، فَما جاوَزْتُ بابَ دارِهِ حَتّى سَمِعْتُ صَيْحَةَ المَوْتِ، فَعِياذًا بِاللَّهِ مِن سُوءِ العاقِبَةِ، وشُؤْمِ الخاتِمَةِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب