الباحث القرآني

* (فصل) قال عدي ابن ثابت كان في زمن بني إسرائيل راهب يعبد الله حتى كان يؤتى بالمجانين يعوذهم فيبرأون على يديه وإنه أتي بامرأة ذات شرف من قومها قد جنت وكان لها إخوة فأتوه بها فلم يزل الشيطان يزين له حتى وقع عليها فحملت فلما استبان حملها لم يزل يخوفه ويزين له قتلها حتى قتلها ودفنها فذهب الشيطان في صورة رجل حتى أتى بعض إخوتها فأخبره بالذي فعل الراهب ثم أتى بقية إخوتها رجلا رجلا فجعل الرجل يلقى أخاه فيقول والله لقد أتاني آت فذكر لي شيئا كبر علي ذكره فذكر ذلك بعضهم لبعض حتى رفعوا ذلك إلى ملكهم فسار الناس إليه حتى استنزلوه من صومعته فأقر لهم بالذي فعل فأمر به فصلب فلما رفع على الخشبة تمثل له الشيطان فقال أنا الذي زينت لك هذا وألقيتك فيه فهل أنت مطيعي فيما أقول لك وأخلصك قال نعم قال تسجد لي سجدة واحدة، فسجد له وقتل الرجل فهو قول الله تعالى ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إنِّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ﴾. * (فائدة) وهذا السياق لا يختص بالذي ذكرت عنه هذه القصة، بل هو عام في كل من أطاع الشيطان في أمره له بالكفر، لينصره ويقضي حاجته، فإنه يتبرأ منه ويسلمه كما يتبرأ من أوليائه جملة في النار، ويقول لهم: ﴿إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ﴾ [إبراهيم: ٢٢]. فأوردهم شر الموارد وتبرأ منهم كل البراءة. * (فصل: في آفة العابد الجاهِل) وَأما العابد الجاهِل فآفته من إعراضه عَن العلم وأحْكامه وغَلَبَة خياله وذوقه ووجده وما تهواه نَفسه، ولِهَذا قالَ سُفْيان ابْن عُيَيْنَة وغَيره احْذَرُوا فتْنَة العالم الفاجِر وفتنة العابد الجاهِل فَإن فتنتهما فتْنَة لكل مفتون فَهَذا بجهله يصد عَن العلم وموجبه وذاكَ بغيّه يَدْعُو إلى الفُجُور وقد ضرب الله سُبْحانَهُ مثل النَّوْع الآخر بقوله ﴿كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إذْ قالَ لِلْإنْسانِ اكْفُرْ فَلَمّا كَفَرَ قالَ إنِّي بَرِيءٌ مِنكَ إنِّي أخافُ اللَّهَ رَبَّ العالَمِينَ (١٦) فَكانَ عاقِبَتَهُما أنَّهُما في النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وذَلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ﴾ وقصته مَعْرُوفَة فَإنَّهُ بنى أساس أمره على عبادَة الله بِجَهْل فأوقعه الشَّيْطان بجهله وكفّره بجهله فَهَذا إمام كل عابِد جاهِل يكفر ولا يدْرِي وذاكَ إمام كل عالم فاجر يخْتار الدُّنْيا على الآخِرَة. وَقد جعل سُبْحانَهُ رضى العَبْد بالدنيا وطمأنينته وغفلته عَن معرفَة آياته وتدبرها والعَمَل بها سَبَب شقائه وهلاكه ولا يجْتَمع هَذانِ أعني الرضى بالدنيا والغفلة عَن آيات الرب إلّا في قلب من لا يُؤمن بالمعاد ولا يَرْجُو لِقاء رب العباد وإلّا فَلَو رسخ قدمه في الإيمان بالمعاد لما رَضِي الدُّنْيا ولا اطْمَأن إلَيْها ولا أعرض عَن آيات الله. وَأنت إذا تَأمَّلت أحْوال النّاس وجدت هَذا الضَّرْب هو الغالِب على النّاس وهم عمّار الدُّنْيا وأقل النّاس عددا من هو على خلاف ذَلِك وهو من أشد النّاس غربَة بَينهم لَهُم شَأْن وله شَأْن علمه غير علومهم وإرادته غير إرادتهم، وطَرِيقه غير طريقهم، فَهو في واد وهم في واد قالَ تَعالى ﴿إنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا ورَضُوا بِالحَياةِ الدُّنْيا واطْمَأنُّوا بِها والَّذِينَ هم عَنْ آياتِنا غافِلُونَ أُولَئِكَ مَأْواهُمُ النّارُ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ﴾ ثمَّ ذكر وصف ضد هَؤُلاءِ ومآلهم وعاقبتهم بقوله ﴿إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ يَهْدِيهِمْ رَبُّهم بِإيمانِهِمْ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الأنْهارُ في جنّات النَّعيم﴾ فَهَؤُلاءِ إيمانهم بلقاء الله أورثهم عدم الرِّضا بالدنيا والطمأنينة إلَيْها ودوام ذكر آياته. فَهَذِهِ مَوارِيث الإيمان بالمعاد وتلك مَوارِيث عدم الإيمان بِهِ والغفلة عَنهُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب