الباحث القرآني

وَلَمّا كانَ الإيمانُ مُوجِبًا لِلْخُشُوعِ، وداعِيًا إلَيْهِ، قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهم لِذِكْرِ اللَّهِ وما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ﴾ دَعاهم مِن مَقامِ الإيمانِ إلى مَقامِ الإحْسانِ. يَعْنِي: أما آنَ لَهم أنْ يَصِلُوا إلى الإحْسانِ بِالإيمانِ؟ وتَحْقِيقُ ذَلِكَ بِخُشُوعِهِمْ لِذِكْرِهِ الَّذِي أنْزَلَهُ إلَيْهِمْ؟ * [فَصْلٌ مَنزِلَةُ الخُشُوعِ] وَمِن مَنازِلِ ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ الخُشُوعِ قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿ألَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهم لِذِكْرِ اللَّهِ وما نَزَلَ مِنَ الحَقِّ﴾ قالَ ابْنُ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: ما كانَ بَيْنَ إسْلامِنا وبَيْنَ أنْ عاتَبَنا اللَّهُ بِهَذِهِ الآيَةِ إلّا أرْبَعُ سِنِينَ، وقالَ ابْنُ عَبّاسٍ: إنَّ اللَّهَ اسْتَبْطَأ قُلُوبَ المُؤْمِنِينَ، فَعاتَبَهم عَلى رَأْسِ ثَلاثَ عَشْرَةَ سَنَةً مِن نُزُولِ القُرْآنِ وقالَ تَعالى ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هم في صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ﴾. والخُشُوعُ في أصْلِ اللُّغَةِ الِانْخِفاضُ، والذُّلُّ، والسُّكُونُ، قالَ تَعالى ﴿وَخَشَعَتِ الأصْواتُ لِلرَّحْمَنِ﴾ [طه: ١٠٨] أيْ سَكَنَتْ، وذَلَّتْ، وخَضَعَتْ، ومِنهُ وصْفُ الأرْضِ بِالخُشُوعِ، وهو يُبْسُها، وانْخِفاضُها، وعَدَمُ ارْتِفاعِها بِالرَّيِّ والنَّباتِ، قالَ تَعالى ﴿وَمِن آياتِهِ أنَّكَ تَرى الأرْضَ خاشِعَةً فَإذا أنْزَلْنا عَلَيْها الماءَ اهْتَزَّتْ ورَبَتْ﴾ [فصلت: ٣٩]. والخُشُوعُ: قِيامُ القَلْبِ بَيْنَ يَدَيِ الرَّبِّ بِالخُضُوعِ والذُّلِّ، والجَمْعِيَّةِ عَلَيْهِ وَقِيلَ: الخُشُوعُ الِانْقِيادُ لِلْحَقِّ، وهَذا مِن مُوجِباتِ الخُشُوعِ. فَمِن عَلاماتِهِ أنَّ العَبْدَ إذا خُولِفَ ورُدَّ عَلَيْهِ بِالحَقِّ اسْتَقْبَلَ ذَلِكَ بِالقَبُولِ والِانْقِيادِ. وَقِيلَ: الخُشُوعُ خُمُودُ نِيرانِ الشَّهْوَةِ، وسُكُونُ دُخانِ الصُّدُورُ، وإشْراقُ نُورِ التَّعْظِيمِ في القَلْبِ. وَقالَ الجُنَيْدُ: الخُشُوعُ تَذَلُّلُ القُلُوبِ لِعَلّامِ الغُيُوبِ. وَأجْمَعَ العارِفُونَ عَلى أنَّ الخُشُوعَ مَحَلُّهُ القَلْبُ، وثَمَرَتُهُ عَلى الجَوارِحِ، وهي تُظْهِرُهُ، «وَرَأى النَّبِيُّ ﷺ رَجُلًا يَعْبَثُ بِلِحْيَتِهِ في الصَّلاةِ، فَقالَ: لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذا لَخَشَعَتْ جَوارِحُهُ» «قالَ النَّبِيُّ ﷺ التَّقْوى هاهُنا وأشارَ إلى صَدْرِهِ ثَلاثَ مَرّاتٍ» وَقالَ بَعْضُ العارِفِينَ: حُسْنُ أدَبِ الظّاهِرِ عُنْوانُ أدَبِ الباطِنِ، ورَأى بَعْضُهم رَجُلًا خاشِعَ المَنكِبَيْنِ والبَدَنِ، فَقالَ: يا فُلانُ، الخُشُوعُ هاهُنا، وأشارَ إلى صَدْرِهِ، لا هاهُنا، وأشارَ إلى مَنكِبَيْهِ. وَكانَ بَعْضُ الصَّحابَةِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم وهو حُذَيْفَةُ، يَقُولُ: إيّاكم وخُشُوعَ النِّفاقِ، فَقِيلَ لَهُ: وما خُشُوعُ النِّفاقِ؟ قالَ: أنْ تَرى الجَسَدَ خاشِعًا والقَلْبُ لَيْسَ بِخاشِعٍ، ورَأى عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ رَجُلًا طَأْطَأ رَقَبَتَهُ في الصَّلاةِ، فَقالَ: يا صاحِبَ الرَّقَبَةِ، ارْفَعْ رَقَبَتَكَ، لَيْسَ الخُشُوعُ في الرِّقابِ، إنَّما الخُشُوعُ في القُلُوبِ، ورَأتْ عائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْها شَبابًا يَمْشُونَ ويَتَمارَوْنَ في مِشْيَتِهِمْ، فَقالَتْ لِأصْحابِها: مَن هَؤُلاءِ؟ فَقالُوا: نُسّاكٌ، فَقالَتْ: كانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ إذا مَشى أسْرَعَ، وإذا قالَ أسْمَعَ، وإذا ضَرَبَ أوْجَعَ، وإذا أطْعَمَ أشْبَعَ، وكانَ هو النّاسِكَ حَقًّا، وقالَ الفُضَيْلُ بْنُ عِياضٍ: كانَ يُكْرَهُ أنْ يُرِيَ الرَّجُلُ مِنَ الخُشُوعِ أكْثَرَ مِمّا في قَلْبِهِ، وقالَ حُذَيْفَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: أوَّلُ ما تَفْقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الخُشُوعُ، وآخِرُ ما تَفْقِدُونَ مِن دِينِكُمُ الصَّلاةُ، ورُبَّ مُصَلٍّ لا خَيْرَ فِيهِ، ويُوشِكُ أنْ تَدْخُلَ مَسْجِدَ الجَماعَةِ فَلا تَرى فِيهِمْ خاشِعًا، وقالَ سَهْلٌ: مَن خَشَعَ قَلْبُهُ لَمْ يَقْرَبْ مِنهُ الشَّيْطانُ. * (فَصْلٌ) قالَ صاحِبُ المَنازِلِ: الخُشُوعُ: خُمُودُ النَّفْسِ، وهُمُودُ الطِّباعِ لِمُتَعاظِمٍ، أوْ مُفْزِعٍ. يَعْنِي انْقِباضَ النَّفْسِ والطَّبْعِ، وهو خُمُودُ قُوى النَّفْسِ عَنِ الِانْبِساطِ لِمَن لَهُ في القُلُوبِ عَظَمَةٌ ومَهابَةٌ، أوْ لِما يَفْزَعُ مِنهُ القَلْبُ. والحَقُّ أنَّ الخُشُوعَ مَعْنًى يَلْتَئِمُ مِنَ التَّعْظِيمِ، والمَحَبَّةِ، والذُّلِّ والِانْكِسارِ. قالَ: وهو عَلى ثَلاثِ دَرَجاتٍ، الدَّرَجَةُ الأُولى: التَّذَلُّلُ لِلْأمْرِ، والِاسْتِسْلامُ لِلْحُكْمِ، والِاتِّضاعُ لِنَظَرِ الحَقِّ. التَّذَلُّلُ لِلْأمْرِ تَلَقِّيهِ بِذِلَّةِ القَبُولِ والِانْقِيادِ والِامْتِثالِ. ومُواطَأةُ الظّاهِرِ الباطِنَ، مَعَ إظْهارِ الضَّعْفِ، والِافْتِقارِ إلى الهِدايَةِ لِلْأمْرِ قَبْلَ الفِعْلِ، والإعانَةِ عَلَيْهِ حالَ الفِعْلِ، وقَبُولِهِ بَعْدَ الفِعْلِ. وَأمّا الِاسْتِسْلامُ لِلْحُكْمِ فَيَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ الحُكْمَ الدِّينِيَّ الشَّرْعِيَّ، فَيَكُونُ مَعْناهُ عَدَمَ مُعارَضَتِهِ بِرَأْيٍ أوْ شَهْوَةٍ، ويَجُوزُ أنْ يُرِيدَ بِهِ الِاسْتِسْلامَ لِلْحُكْمِ القَدَرِيِّ، وهو عَدَمُ تَلَقِّيهِ بِالتَّسَخُّطِ والكَراهَةِ والِاعْتِراضِ. والحَقُّ أنَّ الخُشُوعَ هو الِاسْتِسْلامُ لِلْحُكْمَيْنِ، وهو الِانْقِيادُ بِالمَسْكَنَةِ والذُّلِّ لِأمْرِ اللَّهِ وقَضائِهِ. وَأمّا الِاتِّضاعُ لِنَظَرِ الحَقِّ فَهو اتِّضاعُ القَلْبِ والجَوارِحِ، وانْكِسارُها لِنَظَرِ الرَّبِّ إلَيْها، واطِّلاعِهِ عَلى تَفاصِيلِ ما في القَلْبِ والجَوارِحِ، وهَذا أحَدُ التَّأْوِيلَيْنِ في قَوْلِهِ تَعالى ﴿وَلِمَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ﴾ [الرحمن: ٤٦] وَقَوْلِهِ: ﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى﴾ [النازعات: ٤٠] وَهُوَ مَقامُ الرَّبِّ عَلى عَبْدِهِ بِالِاطِّلاعِ والقُدْرَةِ والرُّبُوبِيَّةِ. فَخَوْفُهُ مِن هَذا المَقامِ يُوجِبُ لَهُ خُشُوعَ القَلْبِ لا مَحالَةَ، وكُلَّما كانَ أشَدَّ اسْتِحْضارًا لَهُ كانَ أشَدَّ خُشُوعًا، وإنَّما يُفارِقُ القَلْبَ إذا غَفَلَ عَنِ اطِّلاعِ اللَّهِ عَلَيْهِ، ونَظَرِهِ إلَيْهِ. والتَّأْوِيلُ الثّانِي: أنَّهُ مَقامُ العَبْدِ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِ عِنْدَ لِقائِهِ. فَعَلى الأوَّلِ يَكُونُ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى الفاعِلِ. وَعَلى الثّانِي وهو ألْيَقُ بِالآيَةِ يَكُونُ مِن بابِ إضافَةِ المَصْدَرِ إلى المُخَوِّفِ، واللَّهُ أعْلَمُ. * (فَصْلٌ) قالَ: الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ: تَرَقُّبُ آفاتِ النَّفْسِ والعَمَلِ، ورُؤْيَةُ فَضْلِ كُلِّ ذِي فَضْلٍ عَلَيْكَ، وتَنَسُّمُ نَسِيمِ الفَناءِ. يُرِيدُ انْتِظارَ ظُهُورِ نَقائِصِ نَفْسِكِ وعَمَلِكَ وعُيُوبِهِما لَكَ، فَإنَّهُ يَجْعَلُ القَلْبَ خاشِعًا لا مَحالَ، لِمُطالَعَةِ عُيُوبِ نَفْسِهِ وأعْمالِهِ ونَقائِصِهِما مِنَ الكِبْرِ، والعُجْبِ، والرِّياءِ، وضَعْفِ الصِّدْقِ، وقِلَّةِ اليَقِينِ، وتَشَتُّتِ النِّيَّةِ، وعَدَمِ تَجَرُّدِ الباعِثِ مِنَ الهَوى النَّفْسانِيِّ، وعَدَمِ إيقاعِ العَمَلِ عَلى الوَجْهِ الَّذِي تَرْضاهُ لِرَبِّكَ، وغَيْرِ ذَلِكَ مِن عُيُوبِ النَّفْسِ، ومُفْسِداتِ الأعْمالِ. وَأمّا رُؤْيَةُ فَضْلِ كُلِّ ذِي فَضْلٍ عَلَيْكَ فَهو أنْ تُراعِيَ حُقُوقَ النّاسِ فَتُؤَدِّيَها، ولا تَرى أنَّ ما فَعَلُوهُ مِن حُقُوقِكَ عَلَيْهِمْ، فَلا تُعاوِضَهم عَلَيْها. فَإنَّ هَذا مِن رُعُوناتِ النَّفْسِ وحَماقاتِها. ولا تُطالِبُهم بِحُقُوقِ نَفْسِكَ، وتَعْتَرِفُ بِفَضْلِ ذِي الفَضْلِ مِنهُمْ، وتَنْسى فَضْلَ نَفْسِكَ. وَسَمِعْتُ شَيْخَ الإسْلامِ ابْنَ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ يَقُولُ: العارِفُ لا يَرى لَهُ عَلى أحَدٍ حَقًّا، ولا يَشْهَدُ عَلى غَيْرِهِ فَضْلًا، ولِذَلِكَ لا يُعاتِبُ، ولا يُطالِبُ، ولا يُضارِبُ. وَأمّا تَنَسُّمُ نَسِيمِ الفَناءِ فَلَمّا كانَ الفَناءُ عِنْدَهُ غايَةً، جَعَلَ هَذِهِ الدَّرَجَةَ كالنَّسِيمِ لِرِقَّتِهِ، وعَبَّرَ عَنْها بِالنَّسِيمِ لِلُطْفِ مَوْقِعِهِ مِنَ الرُّوحِ، وشَدَّةِ تَشَبُّثِها بِهِ، ولا رَيْبَ أنَّ الخُشُوعَ سَبَبٌ مُوصِلٌ إلى الفَناءِ، فاضِلَهُ ومَفْضُولَهُ. * (فَصْلٌ) قالَ: الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ: حِفْظُ الحُرْمَةِ عِنْدَ المُكاشَفَةِ، وتَصْفِيَةُ الوَقْتِ مِن مُراءاةِ الخَلْقِ، وتَجْرِيدُ رُؤْيَةِ الفَضْلِ. أمّا حِفْظُ الحُرْمَةِ عِنْدَ المُكاشَفَةِ فَهو ضَبْطُ النَّفْسِ بِالذُّلِّ والِانْكِسارِ عَنِ البَسْطِ والإدْلالِ، الَّذِي تَقْتَضِيهِ المُكاشَفَةُ، فَإنَّ المُكاشَفَةَ تُوجِبُ بَسْطًا، ويُخافُ مِنهُ شَطْحٌ، إنْ لَمْ يَصْحَبْهُ خُشُوعٌ يَحْفَظُ الحُرْمَةَ. وَأمّا تَصْفِيَةُ الوَقْتِ مِن مُراءاةِ الخَلْقِ فَلا يُرِيدُ بِهِ أنْ يُصَفِّيَ وقْتَهُ عَنِ الرِّياءِ، فَإنَّ أصْحابَ هَذِهِ الدَّرَجَةِ أجَلُّ قَدْرًا وأعْلى مِن ذَلِكَ. وَإنَّما المُرادُ أنْ يُخْفِيَ أحْوالَهُ عَنِ الخَلْقِ جُهْدَهُ، كَخُشُوعِهِ وذُلِّهِ وانْكِسارِهِ، لِئَلّا يَراها النّاسُ فَيُعْجِبُهُ اطِّلاعُهم عَلَيْها، ورُؤْيَتُهم لَها، فَيُفْسِدُ عَلَيْهِ وقْتَهُ وقَلْبَهُ وحالَهُ مَعَ اللَّهِ، وكَمْ قَدِ اقْتَطَعَ في هَذِهِ المَفازَةِ مِن سالِكٍ؟ والمَعْصُومُ مَن عَصَمَهُ اللَّهُ، فَلا شَيْءَ أنْفَعُ لِلصّادِقِ مِنَ التَّحَقُّقِ بِالمَسْكَنَةِ والفاقَةِ والذُّلِّ، وأنَّهُ لا شَيْءَ، وأنَّهُ مِمَّنْ لَمْ يَصِحَّ لَهُ بَعْدُ الإسْلامُ حَتّى يَدَّعِيَ الشَّرَفَ فِيهِ. وَلَقَدْ شاهَدْتُ مِن شَيْخِ الإسْلامِ ابْنِ تَيْمِيَّةَ قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ مِن ذَلِكَ أمْرًا لَمْ أُشاهِدْهُ مِن غَيْرِهِ، وكانَ يَقُولُ كَثِيرًا: ما لِي شَيْءٌ، ولا مِنِّي شَيْءٌ، ولا فِيَّ شَيْءٌ، وكانَ كَثِيرًا ما يَتَمَثَّلُ بِهَذا البَيْتِ: ؎أنا المُكَدِّي وابْنُ المُكَدِّي ∗∗∗ وهَكَذا كانَ أبِي وجَدِّي وَكانَ إذا أُثْنِي عَلَيْهِ في وجْهِهِ يَقُولُ: واللَّهِ إنِّي إلى الآنِ أُجَدِّدُ إسْلامِي كُلَّ وقْتٍ، وما أسْلَمْتُ بَعْدُ إسْلامًا جَيِّدًا. وَبَعَثَ إلَيَّ في آخِرِ عُمُرِهِ قاعِدَةً في التَّفْسِيرِ بِخَطِّهِ، وعَلى ظَهْرِها أبْياتٌ بِخَطِّهِ مِن نَظْمِهِ: ؎أنا الفَقِيرُ إلى رَبِّ البَرِيّاتِ ∗∗∗ أنا المُسَيْكِينُ في مَجْمُوعِ حالاتِي ؎أنا الظَّلُومُ لِنَفْسِي وهي ظالِمَتِي ∗∗∗ والخَيْرُ إنْ يَأْتِنا مِن عِنْدِهِ يَأْتِي ؎لا أسْتَطِيعُ لِنَفْسِي جَلْبَ مَنفَعَةٍ ∗∗∗ ولا عَنِ النَّفْسِ لِي دَفْعُ المَضَرّاتِ ؎وَلَيْسَ لِي دُونَهُ مَوْلًى يُدَبِّرُنِي ∗∗∗ ولا شَفِيعٌ إذا حاطَتْ خَطِيئاتِي ؎إلّا بِإذْنٍ مِنَ الرَّحْمَنِ خالِقِنا ∗∗∗ إلى الشَّفِيعِ كَما قَدْ جاءَ في الآياتِ ؎وَلَسْتُ أمْلِكُ شَيْئًا دُونَهُ أبَدًا ∗∗∗ ولا شَرِيكٌ أنا في بَعْضِ ذَرّاتِ ؎وَلا ظُهَيْرٌ لَهُ كَيْ يَسْتَعِينَ بِهِ ∗∗∗ كَما يَكُونُ لِأرْبابِ الوِلاياتِ ؎والفَقْرُ لِي وصْفُ ذاتِ لازِمٍ أبَدًا ∗∗∗ كَما الغِنى أبَدًا وصْفٌ لَهُ ذاتِي ؎وَهَذِهِ الحالُ حالُ الخَلْقِ أجْمَعِهِمْ ∗∗∗ وكُلُّهم عِنْدَهُ عَبْدٌ لَهُ آتِي ؎فَمَن بَغى مَطْلَبًا مِن غَيْرِ خالِقِهِ ∗∗∗ فَهو الجَهُولُ الظَّلُومُ المُشْرِكُ العاتِي ؎والحَمْدُ لِلَّهِ مِلْءَ الكَوْنِ أجْمَعِهِ ∗∗∗ ما كانَ مِنهُ وما مِن بَعْدُ قَدْ ياتِي وَأمّا تَجْرِيدُ رُؤْيَةِ الفَضْلِ فَهو أنْ لا يَرى الفَضْلَ والإحْسانَ إلّا مِنَ اللَّهِ، فَهو المانُّ بِهِ بِلا سَبَبٍ مِنكَ، ولا شَفِيعٍ لَكَ تَقَدَّمَ إلَيْهِ بِالشَّفاعَةِ، ولا وسِيلَةٍ سَبَقَتْ مِنكَ تَوَسَّلْتَ بِها إلى إحْسانِهِ. والتَّجْرِيدُ هو تَخْلِيصُ شُهُودِ الفَضْلِ لِوَلِيِّهِ، حَتّى لا يَنْسُبَهُ إلى غَيْرِهِ، وإلّا فَهو في نَفْسِهِ مُجَرَّدٌ عَنِ النِّسْبَةِ إلى سِواهُ، وإنَّما الشَّأْنُ في تَجْرِيدِهِ في الشُّهُودِ، لِيُطابِقَ الشُّهُودُ الحَقَّ في نَفْسِ الأمْرِ، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب