الباحث القرآني
﴿وَأمّا إنْ كانَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾
فأكثر المفسرون حاموا حول المعنى وما وردوه وقالوا أقوالا لا يخفى بعدها عن المقصود.
وإنما معنى الآية والله أعلم فسلام لك أيها الراحل عن الدنيا حال كونك من أصحاب اليمين.
أي فسلامه لك كائنا من أصحاب اليمين الذين سلموا من الدنيا وأنكادها، ومن النار وعذابها.
فبشر بالسلامة عند ارتحاله من الدنيا وقدومه على الله، كما يبشر الملك روحه عند أخذها بقوله:
ابشري بروح وريحان ورب غير غضبان.
وهذا أول البشرى التي للمؤمن في الآخرة.
* (فصل)
وأما قوله تعالى: ﴿وَأمّا إنْ كانَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ فَسَلامٌ لَكَ مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾
فليس هذا سلام تحية ولو كان تحية لقال فسلام عليه كما قال: ﴿سَلامٌ عَلى إبْراهِيمَ﴾، ﴿سَلامٌ عَلى نُوحٍ﴾
ولكن الآية تضمنت ذكر مراتب الناس وأقسامهم عند القيامة الصغرى حال القدوم على الله فذكر أنهم ثلاثة أقسام مقرب له الروح والريحان وجنة النعيم ومقتصد من أصحاب اليمين له السلامة فوعده بالسلامة ووعد المقرب بالغنيمة والفوز وإن كان كل منهما سالما غانما وظالم بتكذيبه وضلاله فأوعده بنزل من حميم وتصلية جحيم فلما لم يكن المقام مقام تحية وإنما هو مقام إخبار عن حاله ذكر ما يحصل له من السلامة.
فإن قيل: فهذا فرق صحيح لكن ما معنى اللام في قوله (لك) ومن هو المخاطب بهذا الخطاب وما معنى حرف من في قوله: ﴿مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾
فهذه ثلاثة أسئلة في الآية؟
قيل: قد وفينا بحمد الله تعالى بذكر الفرق بين هذا السلام في الآية وبين سلام التحية وهو الذي كان المقصود وهذه الأسئلة وإن كانت متعلقة بالآية فهي خارجة عن مقصودنا ولكن نجيب عنها إكمالا للفائدة بحول الله وقوته وإن كنا لم نر أحدا من المفسرين شفى في هذا الموضع الغليل ولا كشف حقيقة المعنى واللفظ بل منهم من يقول المعنى فمسلم لك إنك من أصحاب اليمين ومنهم من يقول غير ذلك مما هو حوم على معناها من غير ورود فاعلم أن المدعو به من الخير والشر مضاف إلى صاحبه بلام الإضافة الدالة على حصوله له ومن ذلك قوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَهُمُ اللَّعْنَةُ﴾ ولم يقل عليهم اللعنة إيذانا بحصول معناها وثبوته لهم وكذلك قوله: ﴿وَلَكُمُ الوَيْلُ يمِمّا تَصِفُونَ﴾
ويقول في ضد هذا لك الرحمة ولك التحية ولك السلام ومنه هذه الآية ﴿فَسَلامٌ لَكَ﴾ أي ثبت لك السلام وحصل لك وعلى هذا فالخطاب لكل من هو من هذا الضرب فهو خطاب للجنس أي فسلام لك يا من هو من أصحاب اليمين كما تقول هنيئا لك يا من هو منهم.
ولهذا - والله أعلم - أتى بحرف من في قوله: ﴿مِن أصْحابِ اليَمِينِ﴾ والجار والمجرور في موضع حال أي سلام لك كائنا من أصحاب اليمين كما تقول هنيئا لك من اتباع رسول الله ﷺ وحزبه أي كائنا منهم والجار والمجرور بعد المعرفة ينتصب على الحال كما تقول أحببتك من أهل الدين والعلم أي كائنا منهم فهذا معنى هذه الآية وهو وإن خلت عنه كتب أهل التفسير فقد حام عليه منهم من حام وما ورد ولا كشف المعنى ولا أوضحه فراجع ما قالوه والله تعالى الموفق المان بفضله.
[مسألة: مستقر الأرواح]
وهي أين مستقر الأرواح ما بين الموت إلى يوم القيامة: هل هي في السماء أم في الأرض؟ وهل هي في الجنة أم لا؟ وهل تودع في أجساد غير أجسادها التي كانت فيها فتنعم وتعذب فيها أم تكون مجردة؟
هذه مسألة عظيمة تكلم فيها الناس واختلفوا فيها، وهي إنما تتلقى من السمع فقط، واختلف في ذلك، فقال قائلون: أرواح المؤمنين عند اللّه في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم، وهذا مذهب أبي هريرة وعبد اللّه بن عمر رضي اللّه عنهم.
وقالت طائفة: هم بفناء الجنة على بابها، يأتيهم من روحها ونعيمها ورزقها.
وقالت طائفة: الأرواح على أفنية قبورها.
وقال مالك: بلغني أن الروح مرسلة تذهب حيث شاءت.
(وقال) الإمام أحمد في رواية ابنه عبد اللّه: أرواح الكفار في النار وأرواح المؤمنين في الجنة.
(وقال) أبو عبد اللّه بن منده: وقال طائفة من الصحابة والتابعين: أرواح المؤمنين عند اللّه عز وجل ولم يزيدوا على ذلك، قال: روي عن جماعة من الصحابة والتابعين أن أرواح المؤمنين بالجابية وأرواح الكفار ببرهوت بئر بحضرموت.
وقال صفوان بن عمرو: سألت عامر بن عبد اللّه أبا اليمان: هل لأنفس المؤمنين مجتمع؟
فقال: إن الأرض التي يقول اللّه تعالى: ﴿ولَقَدْ كَتَبْنا في الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أنَّ الأرْضَ يَرِثُها عِبادِيَ الصّالِحُونَ﴾
قال هي الأرض التي يجتمع إليها أرواح المؤمنين حتى يكون البعث. وقالوا: هي الأرض التي يورثها اللّه المؤمنين في الدنيا وقال كعب: أرواح المؤمنين في عليين في السماء السابعة، وأرواح الكفار في سجين في الأرض السابعة تحت جند إبليس.
وقالت طائفة: أرواح المؤمنين ببئر زمزم، وأرواح الكفار ببئر برهوت.
وقال سلمان الفارسي: أرواح المؤمنين في برزخ من الأرض، تذهب حيث شاءت وأرواح الكفار في سجين، وفي لفظ عنه: نسمة المؤمن تذهب في الأرض حيث شاءت.
وقالت طائفة: أرواح المؤمنين عن يمين آدم، وأرواح الكفار عن شماله.
وقالت طائفة أخرى منهم ابن حزم: مستقرها حيث كانت قبل خلق أجسادها.
قال: والذي نقول به في مستقر الأرواح هو ما قاله اللّه عز وجل ونبيه صلى اللّه عليه وآله وسلم لا نتعداه، فهو البرهان الواضح وهو أن اللّه عز وجل قال: ﴿وإذْ أخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهم وأشْهَدَهم عَلى أنْفُسِهِمْ ألَسْتُ بِرَبِّكم قالُوا: بَلى شَهِدْنا أنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيامَةِ إنّا كُنّا عَنْ هذا غافِلِينَ﴾
وقال تعالى: ﴿وَلَقَدْ خَلَقْناكم ثُمَّ صَوَّرْناكم ثُمَّ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ﴾
فصح أن اللّه تعالى خلق الأرواح جملة، وكذلك أخبر صلى اللّه عليه وآله وسلم أن الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف.
وأخذ اللّه عهدها وشهادتها له بالربوبية وهي مخلوقة مصورة عاقلة قبل أن يأمر الملائكة بالسجود لآدم وقبل أن يدخلها في الأجساد، والأجساد يومئذ تراب وماء، ثم أقرها حيث شاء هو البرزخ الذي ترجع إليه عند الموت، ثم لا يزال يبعث منها الجملة بعد الجملة فينفخها في الأجساد المتولدة من المنى، إلى أن قال: فصح أن الأرواح أجساد حاملة لأعراضها من التعارف والتناكر وأنها عارفة مميزة فيبلوهم اللّه في الدنيا كما يشاء ثم يتوفاهم فترجع إلى البرزخ الذي رآها فيه رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليلة أسري به عند سماء الدنيا أرواح أهل السعادة عن يمين آدم وأرواح أهل الشقاوة عن يساره وذلك عند منقطع العناصر ويعجل أرواح الأنبياء والشهداء إلى الجنة.
قال: وقد ذكر محمد بن نصر المروزي عن إسحاق بن راهويه أنه ذكر هذا الذي قلنا بعينه، قال: وعلى هذا أجمع أهل العلم.
قال ابن حزم وهو قول جميع أهل الإسلام قال: وهذا هو قول اللّه تعالى: ﴿فَأصْحابُ المَيْمَنَةِ ما أصْحابُ المَيْمَنَةِ، وأصْحابُ المَشْئَمَةِ ما أصْحابُ المَشْئَمَةِ، والسّابِقُونَ السّابِقُونَ أُولئِكَ المُقَرَّبُونَ في جَنّاتِ النَّعِيمِ. ثُلَّةٌ مِنَ الأوَّلِينَ وقَلِيلٌ مِنَ الآخِرِينَ﴾
وقوله تعالى: ﴿فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾ إلى آخرها.
فلا تزال الأرواح هنالك حتى يتم عدد الأرواح كلها بنفخها في الأجساد، ثم برجوعها إلى البرزخ فتقوم الساعة ويعيد اللّه عز وجل الأرواح إلى أجسادها ثانية، وهي الحياة الثانية يحاسب الخلق فريق في الجنة، وفريق في السعير مخلدين أبدا. انتهى.
وقال أبو عمر بن عبد البر: أرواح الشهداء في الجنة، وأرواح عامة المؤمنين على أفنية قبورهم، ونحن نذكر كلامه وما احتج به ونبين ما فيه.
(وقال) ابن المبارك عن ابن جريج فيما قرئ عليه عن مجاهد: ليس هي في الجنة ولكن يأكلون من ثمارها ويجدون ريحها.
وذكر معاوية بن صالح عن سعيد بن سويد أنه سأل ابن شهاب عن أزواج المؤمنين فقال: بلغني أن أرواح الشهداء كطير خضر معلقة بالعرش تغدو وتروح إلى رياض الجنة تأتي ربها في كل يوم تسلم عليه.
(وقال) أبو عمر بن عبد البر في شرح حديث ابن عمر: إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إلى يوم القيامة، قال: وقد استدل به من ذهب إلى أن الأرواح على أفنية القبور، وهو أصح ما ذهب إليه في ذلك واللّه أعلم، لأن الأحاديث بذلك أحسن مجيئا وأثبت نقلا من غيرها.
قال: والمعنى عندي أنها تكون على أفنية قبورها لا على أنها تلزم ولا تفارق أفنية القبور كما قال مالك رحمه اللّه أنه بلغنا أن الأرواح تسرح حيث شاءت.
قال: وعن مجاهد أنه قال: الأرواح على أفنية القبور سبعة أيام من يوم دفن الميت لا تفارق ذلك، واللّه أعلم.
وقالت فرقة: مستقرها العدم المحض، وهذا قول من يقول: إن النفس عرض من أعراض البدن كحياته وإدراكه، فتعدم بموت البدن كما تعدم سائر الأعراض المشروطة بحياته، وهذا قول مخالف لنصوص القرآن والسنّة وإجماع الصحابة والتابعين كما سنذكر ذلك إن شاء اللّه، والمقصود أن عند هذه الفرقة المبطلة أن مستقر الأرواح بعد الموت العدم المحض.
وقالت فرقة: مستقرها بعد الموت أرواح أخر تناسب أخلاقها وصفاتها التي اكتسبتها في حال حياتها فتصير كل روح إلى بدن حيوان يشاكل تلك الأرواح فتصير النفس السبعية إلى أبدان السباع، والكلبية إلى أبدان الكلاب، والبهيمية إلى أبدان البهائم، والدنية والسفلية إلى أبدان الحشرات، وهذا قول المتناسخة منكري المعاد، وهو قول خارج عن أقوال أهل الإسلام كلهم.
فهذا ما تلخص لي من جمع أقوال الناس في مصير أرواحهم بعد الموت ولا تظفر به مجموعا في كتاب واحد غير هذا البتة، ونحن نذكر ما أخذ هذه الأقوال وما لكل قول وما عليه، وما هو الصواب من ذلك الذي دل عليه الكتاب والسنّة على طريقتنا التي منّ اللّه بها وهو مرجو الإعانة والتوفيقة.
* [فصل: مكان الروح]
فأما من قال هي الجنة: فاحتج بقوله تعالى: ﴿فَأمّا إنْ كانَ مِنَ المُقَرَّبِينَ فَرَوْحٌ ورَيْحانٌ وجَنَّةُ نَعِيمٍ﴾
قال: وهذا ذكره سبحانه عقيب ذكر خروجها من البدن بالموت وقسم الأرواح إلى ثلاثة أقسام:
مقربين: وأخبر أنها في جنة النعيم.
وأصحاب يمين: حكم لها بالإسلام وهو يتضمن سلامتها من العذاب.
ومكذبة ضالة، وأخبر أن لها نزلا من حميم وتصلية جحيم، قالوا: وهذا بعد مفارقتها للبدن قطعا، وقد ذكر سبحانه حالها يوم القيامة في أول السورة فذكر حالها بعد الموت وبعد البعث واحتجوا بقوله تعالى: ﴿يا أيَّتُها النَّفْسُ المُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إلى رَبِّكِ راضِيَةً مَرْضِيَّةً. فادْخُلِي في عِبادِي وادْخُلِي جَنَّتِي﴾
وقد قال غير واحد من الصحابة والتابعين أن هذا يقال لها عند خروجها من الدنيا يبشرها الملك بذلك، ولا ينافي ذلك قول من قال: إن هذا يقال لها في الآخرة فإنه يقال لها عند الموت وعند البعث وهذه من البشرى التي قال تعالى: ﴿إنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ ألّا تَخافُوا ولا تَحْزَنُوا وأبْشِرُوا بِالجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ﴾.
وهذا التنزل يكون عند الموت ويكون في القبر ويكون عند البعث، وأول بشارة الآخرة عند الموت.
وقد تقدم في حديث البراء بن عازب أن الملك يقول لها عند قبضها:
أبشري بروح وريحان، وهذا من ريحان الجنة.
واحتجوا بما رواه مالك في الموطأ عن ابن شهاب عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك أنه أخبره أن أباه كعب بن مالك كان يحدث أن رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال:
«إنما نسمة المؤمن طير يعلق في شجرة الجنة حتى يرجعه اللّه إلى جسده يوم يبعثه} «١».
قال أبو عمرو في رواية مالك هذه بيان سماع الزهري لهذا الحديث من عبد الرحمن بن كعب بن مالك، وكذا رواه يونس عن الزهري قال: سمعت عبد الرحمن بن كعب بن مالك يحدث عن أبيه، وكذلك رواه الأوزاعي عن الزهري حدثني عبد الرحمن بن كعب وقد أعل محمد بن يحيى الذهلي هذا الحديث بأن شعيب بن أبي حمزة ومحمد بن أخي الزهري وصالح بن كيسان رووه عن الزهري عن عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب بن مالك عن جده كعب فيكون منقطعا، وقال صالح بن كيسان عن ابن شهاب عن عبد الرحمن أنه بلغه أن كعبا بن مالك كان يحدث، قال الذهلي: وهذا المحفوظ عندنا وهو الذي يشبهه حديث صالح وشعيب وابن أخي الزهري وخالفه في هذا غير من الحفّاظ فحكموا لمالك والأوزاعي.
قال أبو عمر: فاتفق مالك ويونس بن يزيد والأوزاعي والحارث بن فضيل على رواية هذا الحديث عن الزهري عبد الرحمن بن كعب بن مالك عن أبيه وصححه الترمذي وغيره.
(وقال) أبو عمرو: لا وجه عندي لما قاله محمد بن يحيى من ذلك ولا دليل عليه، واتفاق مالك ويونس بن زيد والأوزاعي ومحمد بن إسحاق أولى بالصواب والنفس إلى قولهم: وروايتهم أسكن وهم من الحفظ والإتقان بحيث لا يقاس بهم من خالف في هذا الحديث. انتهى.
وقد قال محمد الذهلي: سمعت علي ابن المديني يقول: ولد كعب خمسة:
عبد اللّه، وعبيد اللّه، ومعبد، وعبد الرحمن، ومحمد.
قال الذهلي: فسمع الزهري من عبد اللّه بن كعب، وكان قائد أبيه حين عمي، وسمع من عبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب، وروي عن بشير بن عبد الرحمن بن كعب، ولا أراه سمع منه. انتهى.
فالحديث إن كان لعبد الرحمن عن أبيه عن كعب كما قال مالك ومن معه، فظاهر، وإن كان لعبد الرحمن بن عبد اللّه بن كعب عن جده كما قال شعيب ومن معه فنهايته أن يكون مرسلا من هذا الطريق وموصولا من الأخرى والذين وصلوه ليسوا بدون الذين أرسلوه قدرا ولا عددا فالحديث عن صحاح الأحاديث، وإنما لم يخرجه صاحبا الصحيح لهذه العلة، واللّه أعلم.
(قال) أبو عمر: وأما قوله نسمة المؤمن، فالنسمة هاهنا الروح، يدل على ذلك قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم في الحديث نفسه، حتى يرجعه إلى اللّه جسده يوم يبعثه، وقيل: النسمة الروح والنفس والبدن، وأصل هذه اللفظة أعني النسمة الإنسان بعينه.
وإنما قيل للروح نسمة واللّه أعلم، لأن حياة الإنسان بروحه، وإذا فارقه عدم أو صار كالمعدوم.
والدليل على أن النسمة الإنسان قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم: «ومن أعتق نسمة مؤمنة»
وقول علي رضي اللّه عنه: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، وقال الشاعر:
؎بأعظم منك تقي في الحساب ∗∗∗ إذا النسمات نفضن الغبارا
يعني إذا بعث الناس من قبورهم يوم القيامة، وقال الخليل بن أحمد:
النسمة الإنسان، قال: والنسمة الروح، والنسيم هبوب الريح، وقوله تعالى في شجر الجنة يروى بفتح اللام وهو الأكثر، ويروى بضم اللام والمعنى واحد وهو الأكل والرعي، يقول: تأكل من ثمار الجنة وتسرح بين أشجارها، والعلوقة والعلوق الأكل والرعي، تقول العرب: ما ذاق اليوم علوقا أي طعاما، قال الربيع بن أبي زياد يصف الخيل:
؎ومجنبات ما يذقن علوقة ∗∗∗ يمصعن بالمهرات والأمهار
وقال الأعشى:
؎وفلاة كأنها ظهر ترس ∗∗∗ ليس فيها إلا الرجيع علاق
قلت: ومنه قول عائشة: والنساء إذ ذاك خفاف لم يغشهن «١» اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام، وأصل اللفظة من التعليق وهو ما يتعلق بالقلب والنفس من الغذاء.
قال: واختلف العلماء في معنى هذا الحديث، فقال قائلون منهم: أرواح المؤمنين عند اللّه في الجنة شهداء كانوا أم غير شهداء إذا لم يحبسهم عن الجنة كبيرة ولا دين، وتلقاهم ربهم بالعفو عنهم والرحمة لهم.
قال: واحتجوا بأن هذا الحديث لم يخص فيه شهيدا من غير شهيد.
واحتجوا أيضا بما روي عن أبي هريرة:
«أن أرواح الأبرار في عليين وأرواح الفجار في سجين»
وعن عبد اللّه بن عمرو مثل ذلك.
قال أبو عمر: وهذا قول يعارضه من السنة ما لا مدفع في صحة نقله، وهو قوله:
«إذا مات أحدكم عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة، فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار، يقال له: هذا مقعدك حتى يبعثك اللّه إليه يوم القيامة».
وقال آخرون: إنما معنى هذا الحديث في الشهداء دون غيرهم، لأن القرآن والسنّة إنما يدلان على ذلك. أما القرآن فقوله تعالى: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِ﴾.
وأما الآثار فذكر حديث أبي سعيد الخدري رضي اللّه عنه من طريق بقي بن مخلد مرفوعا:
«الشهداء يغدون ويروحون ثم يكون مأواهم إلى قناديل معلقة بالعرش فيقول لهم الرب تبارك وتعالى: {هل تعلمون كرامة أفضل من كرامة أكرمتكموها، فيقولون: لا، غير أنا وددنا أنك عدت أرواحنا في أجسادنا حتى نقاتل مرة أخرى فنقتل في سبيلك». رواه عن هناد عن إسماعيل بن المختار عن المختار عن عطية عنه.
(ثم ساق حديث) ابن عباس رضي اللّه عنهما قال: قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم: «لما أصيب إخوانكم (يعني يوم أحد) جعل اللّه أرواحهم في أجواف طير خضر ترد أنهار الجنة وتأكل ثمارها وتأوي إلى قناديل من ذهب مدلاة في ظل العرش، فلما وجدوا طيب مأكلهم ومشربهم ومقبلهم قالوا: ومن يبلغ إخواننا أنا أحياء في الجنة نرزق لئلا ينكلوا عن الحرب ويزهدوا في الجهاد؟ قال:
فقال اللّه عز وجل: أنا أبلغهم عنكم، فأنزل اللّه تعالى: ﴿ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ﴾
والحديث في مسند أحمد وسنن أبي داود.
ثم ذكر حديث الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن مسروق قال: سأل عبد اللّه بن مسعود رضي اللّه عنه عن هذه الآية: ولا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا في سَبِيلِ اللَّهِ أمْواتًا بَلْ أحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}
فقال: أما إنا قد سألنا عن ذلك فقال: أرواحهم في جوف طير خضر تسرح في الجنة في أيها شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل فاطلع إليهم ربك اطلاعة، فقال: هل تشتهون شيئا؟ قالوا: وأي شيء نشتهي ونحن نسرح من الجنة حيث شئنا! فعل بهم ذلك ثلاث مرات، فلما رأوا أنهم لم يتركوا من أن يسألوا، قالوا: يا رب نريد أن ترد أرواحنا في أجسادنا حتى نقتل في سبيلك مرة أخرى، فلما رأى أن ليس لهم حاجة تركوا». والحديث في صحيح مسلم.
قلت: وفي صحيح البخاري عن أنس أن أم الربيع بنت البراء وهي أم حارثة بنت سراقة أتت النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم فقالت: يا نبي اللّه ألا تحدثني عن حارثة؟ (وكان قتل يوم بدر أصابه سهم غرب) فإن كان في الجنة صبرت وإن كان في غير ذلك اجتهدت عليه في البكاء، قال: «يا أم جنان وإن ابنك أصاب الفردوس الأعلى» «١».
ثم ساق: من طريق بقي بن مخلد حدثنا يحيى بن عبد الحميد حدثنا ابن عيينة عن عبيد اللّه بن أبي يزيد أنه سمع ابن عباس يقول: أرواح الشهداء تجول في أجواف طير خضر تعلق في ثمرة الجنة.
ثم ذكر: عن معمر عن قتادة قال: بلغنا أن أرواح الشهداء في صور طير بيض تأكل من ثمار الجنة.
(ومن طريق) أبي عاصم النبيل عن ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن عبد اللّه بن عمرو: أرواح الشهداء في طير كالزراير «١» يتعارفون ويرزقون من ثمر الجنة.
قال أبو عمر: هذه الآثار كلها تدل على أنهم الشهداء دون غيرهم، وفي بعضها في صور طير، وفي بعضها في أجواف طير، وفي بعضها كطير خضر، قال:
والذي يشبه عندي واللّه أعلم أن يكون القول قول من قال كطير أو صور طير لمطابقته لحديثنا المذكور (يريد حديث كعب بن مالك) وقوله: فيه نسمة المؤمن كطائر، ولم يقل في جوف طائر.
قال: وروى عيسى بن يونس حديث ابن مسعود عن الأعمش عن عبد اللّه بن مرة عن مسروق عن عبد اللّه كطير خضر.
قلت: والذي في صحيح مسلم في أجواف طير خضر.
قال أبو عمر: فعلى هذا التأويل كأنه صلى اللّه عليه وآله وسلم قال: إنما نسمة المؤمن من الشهداء طائر يعلق في شجر الجنة.
قلت: لا تنافي بين قوله صلى اللّه عليه وآله وسلم:
«نسمة المؤمن من طائر يعلق في شجر الجنة»، وبين قوله: «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعد، بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة، وإن كان من أهل النار، فمن أهل النار»
وهذا الخطاب يتناول الميت على فراشه والشهيد، كما أن قوله: «نسمة المؤمن طائر يعلق في شجر الجنة»، يتناول الشهيد وغيره، ومع كونه يعرض عليه مقعده بالغداة والعشي ترد روحه أنهار الجنة، وتأكل من ثمارها.
وأما المقعد الخاص به والبيت الذي أعد له فإنه إنما يدخله يوم القيامة، ويدل عليه أن منازل الشهداء ودورهم وقصورهم التي أعدّ اللّه لهم ليست هي تلك القناديل التي تأوي إليها أرواحهم في البرزخ قطعا، فهم يرون منازلهم ومقاعدهم من الجنة ويكون مستقرهم في تلك القناديل المعلقة بالعرش، فإن الدخول التام الكامل إنما يكون يوم القيامة، ودخول الأرواح الجنة في البرزخ أمر دون ذلك.
ونظير هذا أهل الشقاء، تعرض أرواحهم على النار غدوا وعشيا، فإذا كان يوم القيامة دخلوا منازلهم ومقاعدهم التي كانوا يعرضون عليها في البرزخ فتنعم الأرواح بالجنة في البرزخ شيء، وتنعمها مع الأبدان يوم القيامة بها شيء آخر، فغذاء الروح من الجنة في البرزخ دون غذائها مع بدنها يوم البعث، ولهذا قال:
«تعلق في شجر الجنة» أي تأكل العلقة، وتمام الأكل والشرب واللبس والتمتع فإنما يكون إذا ردت إلى أجسادها يوم القيامة، فظهر أنه لا يعارض هذا القول من السنن شيء، وإنما تعاضده السنّة وتوافقه.
وأما قول من قال: إن حديث كعب في الشهداء دون غيرهم، فتخصيص ليس في اللفظ ما يدل عليه وهو محل اللفظ العام على أقل مسمياته: فإن الشهداء بالنسبة إلى عموم المؤمنين قليل جدا، والنبي صلى اللّه عليه وآله وسلم علق هذا الجزاء بوصف الإيمان، فهو المقتضي له ولم يعلقه بوصف الشهادة، ألا ترى أن الحكم الذي اختص بالشهداء علق بوصف الشهادة كقوله في حديث المقدام بن معد يكرب: «للشهيد عند اللّه ست خصال، يغفر له في أول دفقة من دمه، ويرى مقعده من الجنة، ويحلى حلة الإيمان، ويزوج من الحور العين، ويجار من عذاب القبر، ويأمن من الفزع الأكبر ويوضع على رأسه تاج الوقار، الياقوتة منه خير من الدنيا وما فيها، ويزوج اثنتين، وسبعين من الحور العين، ويشفع في سبعين إنسانا من أقاربه»، فلما كان هذا يختص بالشهيد قال: إن للشهيد ولم يقل إن للمؤمن، كذلك قوله في حديث قيس الجذامي يعطي الشهيد ست خصال، وكذلك سائر الأحاديث والنصوص التي علّق فيها الجزاء بالشهادة.
وأما ما علق فيه الجزاء بالإيمان فإنه يتناول كل مؤمن شهيدا كان أم غير شهيد.
وأما النصوص والآثار التي ذكرت في رزق الشهداء وكون أرواحهم في الجنة فكلها حق، وهي لا تدل على انتفاء دخول أرواح المؤمنين الجنة، ولا سيما الصديقين الذين هم أفضل الشهداء بلا نزاع بين الناس، فيقال لهؤلاء: ما تقولون في أرواح الصديقين هل هي في الجنة أم لا؟
فإن قالوا أنها في الجنة - لا يسوغ لهم غير هذا القول- فثبت أن هذه النصوص لا تدل على اختصاص أرواح الشهداء بذلك، وإن قالوا: ليست في الجنة لزمهم من ذلك أن تكون أرواح سادات الصحابة كأبي بكر الصديق وأبي بن كعب وعبد اللّه بن مسعود وأبي الدرداء وحذيفة بن اليمان وأشباههم رضي اللّه عنهم ليست في الجنة، وأرواح شهداء زماننا في الجنة، وهذا معلوم البطلان ضرورة.
فإن قيل: فإذا كان هذا حكما لا يختص بالشهداء فما الموجب لتخصيصهم بالذكر في هذه النصوص؟
قلت: التنبيه على فضل الشهادة وعلو درجتها، وإن هذا مضمون لأهلها ولا بد وأن لهم منه أوفر نصيب، فنصيبهم من هذا النعيم في البرزخ أكمل من نصيب غيرهم من الأموات على فراشهم، وإن كان الميت على فراشه أعلى درجة منهم فله نعيم يختص به لا يشاركه فيه من هو دونه.
ويدل على هذا أن اللّه سبحانه جعل أرواح الشهداء في أجواف طير خضر، فإنهم لما بذلوا أنفسهم للّه حتى أتلفها أعداؤه فيه أعاضهم منها في البرزخ أبدانا خيرا منها تكون فيها إلى يوم القيامة، ويكون نعيمها بواسطة تلك الأبدان أكمل من نعيم الأرواح المجردة عنها، ولهذا كانت نسمة المؤمن في صورة طير أو كطير، ونسمة الشهيد في جوف طير، وتأمل لفظ الحديثين فإنه قال: «نسمة المؤمن طير»
فهذا يعم الشهيد وغيره، ثم خص الشهيد بأن قال: «و هي في جوف طير»
ومعلوم أنها إذا كانت في جوف طير صدق عليها أنها طير، فصلوات اللّه وسلامه على من يصدق كلامه بعضه بعضا، ويدل على أنه حق من عند اللّه، وهذا الجمع أحسن من جمع أبو عمرو وترجيحة رواية من روى أرواحهم كطير خضر، بل الروايتان حق وصواب، فهي كطير خضر وفي أجواف طير خضر.
{"ayahs_start":90,"ayahs":["وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ","فَسَلَـٰمࣱ لَّكَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ"],"ayah":"وَأَمَّاۤ إِن كَانَ مِنۡ أَصۡحَـٰبِ ٱلۡیَمِینِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











