الباحث القرآني

أيْ هَلّا تَرُدُّونَ الرُّوحَ إلى مَكانِها إنْ كُنْتُمْ غَيْرَ مَرْبُوبِينَ مَقْهُورِينَ ولا مَجْزِيِّينَ، وهَذِهِ الآيَةُ تَحْتاجُ إلى تَفْسِيرٍ، فَإنَّها سِيقَتْ لِلِاحْتِجاجِ عَلَيْهِمْ في إنْكارِهِمُ البَعْثَ والحِسابَ، ولا بُدَّ أنْ يَكُونَ الدَّلِيلُ مُسْتَلْزِمًا لِمَدْلُولِهِ، بِحَيْثُ يَنْتَقِلُ الذِّهْنُ مِنهُ إلى المَدْلُولِ، لِما بَيْنَهُما مِنَ التَّلازُمِ، فَيَكُونُ المَلْزُومُ دَلِيلًا عَلى لازِمِهِ، ولا يَجِبُ العَكْسُ. وَوَجْهُ الِاسْتِدْلالِ: أنَّهم إذا أنْكَرُوا البَعْثَ والجَزاءَ فَقَدْ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ، وأنْكَرُوا قُدْرَتَهُ ورُبُوبِيَّتَهُ وحِكْمَتَهُ، فَإمّا أنْ يُقِرُّوا بِأنَّ لَهم رَبًّا قاهِرًا مُتَصَرِّفًا فِيهِمْ، كَما سَيُمِيتُهم إذا شاءَ ويُحْيِيهِمْ إذا شاءَ، ويَأْمُرُهم ويَنْهاهُمْ، ويُثِيبُ مُحْسِنَهم ويُعاقِبُ مُسِيئَهُمْ، وإمّا أنْ لا يُقِرُّوا بِرَبٍّ هَذا شَأْنُهُ، فَإنْ أقَرُّوا بِهِ آمَنُوا بِالبَعْثِ والنُّشُورِ، والدِّينِ الأمْرِيِّ والجَزائِيِّ، وإنْ أنْكَرُوهُ كَفَرُوا بِهِ، فَقَدْ زَعَمُوا أنَّهم غَيْرُ مَرْبُوبِينَ ولا مَحْكُومٍ عَلَيْهِمْ، ولا لَهم رَبٌّ يَتَصَرَّفُ فِيهِمْ كَما أرادَ، فَهَلّا يَقْدِرُونَ عَلى دَفْعِ المَوْتِ عَنْهم إذا جاءَهُمْ، وعَلى رَدِّ الرُّوحِ إلى مُسْتَقَرِّها إذا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ، وهَذا خِطابٌ لِلْحاضِرِينَ وهم عِنْدَ المُحْتَضِرِ، وهم يُعايِنُونَ مَوْتَهُ، أيْ: فَهَلّا تَرُدُّونَ الرُّوحَ إلى مَكانِها إنْ كانَ لَكم قُدْرَةٌ وتَصَرُّفٌ، ولَسْتُمْ بِمَرْبُوبِينَ ولا بِمَقْهُورِينَ لِقاهِرٍ قادِرٍ، تَمْضِي عَلَيْكم أحْكامُهُ، وتَنْفُذُ أوامِرُهُ، وهَذِهِ غايَةُ التَّعْجِيزِ لَهُمْ، إذْ بَيَّنَ عَجْزَهم عَنْ رَدِّ نَفْسٍ واحِدَةٍ إلى مَكانِها، ولَوِ اجْتَمَعَ عَلى ذَلِكَ الثَّقَلانِ، فَيا لَها مِن آيَةٍ دالَّةٍ عَلى وحْدانِيَّتِهِ ورُبُوبِيَّتِهِ سُبْحانَهُ، وتَصَرُّفِهِ في عِبادِهِ، ونُفُوذِ أحْكامِهِ فِيهِمْ، وجَرَيانِها عَلَيْهِمْ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب