الباحث القرآني

أعاد الضمير إلى النساء، ولم يجر لهن ذكر. لأن الفرش دلت عليهن، إذ هي محلهن. وقيل: الفرش في قوله: ﴿وَفُرُشٍ مَرْفُوعَةٍ﴾ كناية عن النساء، كما يكنى عنهن بالقوارير والأزر وغيرها، ولكن قوله: «مرفوعة» يأبى هذا إلا أن يقال: المراد رفعة القدر. وقد تقدم تفسير النبي ﷺ للفرش وارتفاعها. فالصواب: أنها الفرش نفسها، ودلت على النساء لأنها محلهن غالبا. قال قتادة وسعيد بن جبير: خلقناهن خلقا جديدا. وقال ابن عباس: يريد نساء الآدميات. وقال الكلبي، ومقاتل: يعني نساء أهل الدنيا العجّز الشّمط. يقول الله: خلقناهن بعد الكبر والهرم بعد الخلق الأول في الدنيا. ويؤيد هذا التفسير: حديث أنس المرفوع «هن عجائزكم العمش الرمص» رواه الثوري عن موسى بن عبيدة عن يزيد الرقاشي عنه. ويؤيده أيضا ما رواه يحيى الحماني حدثنا ابن إدريس عن ليث عن مجاهد عن عائشة «أن رسول الله ﷺ دخل عليها، وعندها عجوز. فقال: من هذه؟ فقالت: إحدى خالاتي، فقال: أما إنه لا يدخل الجنة عجوز، فدخل على العجوز من ذلك ما شاء الله، فقال النبي ﷺ: إنا أنشأهن إنشاء خلقا آخر، يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلا، وأول من يكسي إبراهيم خليل الله، ثم قرأ النبي ﷺ إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً. قال آدم بن أبي إياس: حدثنا شيبان عن الزهري عن جابر الجعفي عن يزيد بن مرة عن سلمة بن يزيد قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في قوله: إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً «يعني الثيبات والأبكار اللاتي كن في الدنيا». قال آدم: وحدثنا المبارك بن فضالة عن الحسن قال: قال رسول الله ﷺ: «لا يدخل الجنة العجز» فبكت عجوز، فقال رسول الله ﷺ: «أخبروها أنها يومئذ ليست بعجوز، إنها يومئذ شابة. إن الله عز وجل يقول: إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً». وقال ابن أبي شيبة: حدثنا أحمد بن طارق حدثنا مسعدة بن اليسع حدثنا سعيد بن أبي عروبة عن قتادة عن سعيد بن المسيب عن عائشة «أن النبي ﷺ أتته عجوز من الأنصار، فقالت: يا رسول الله، ادع الله أن يدخلني الجنة. فقال النبي ﷺ: إن الجنة لا يدخلها عجوز. فذهب نبي الله ﷺ، فصلى. ثم رجع إلى عائشة، فقالت عائشة: لقد لقيت من كلمتك مشقة وشدة. فقال ﷺ: إن ذلك كذلك إن الله تعالى إذا أدخلهن الجنة حوّلهن أبكارا». وذكر مقاتل قولا آخر، وهو اختيار الزجاج: أنهن الحور العين اللاتي ذكرهن قبل، أنشأهن الله عز وجل لأوليائه لم يقع عليهن ولادة. والظاهر: أن المراد أنشأهن الله في الجنة إنشاء. ويدل عليه وجوه: أحدها: أنه قد قال في حق السابقين يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ بِأكْوابٍ - إلى قوله - كَأمْثالِ اللُّؤْلُؤِ المَكْنُونِ فذكر سدرهم، وآنيتهم، وشرابهم، وفاكهتهم وطعامهم، وأزواجهم من الحور العين. ثم ذكر أصحاب الميمنة، وطعامهم، وشرابهم، وفرشهم، ونساءهم. والظاهر أنهن مثل نساء من قبلهم، خلقن في الجنة. الثاني: أنه سبحانه قال: إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً وهذا ظاهر: أنه إنشاء أول لا ثان. لأنه سبحانه حيث يريد الإنشاء الثاني يقيده بذلك، كقوله: ﴿وَأنَّ عَلَيْهِ النَّشْأةَ الأُخْرى﴾ وقوله: ﴿وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ النَّشْأةَ الأُولى﴾. الثالث: أن الخطاب بقوله: وكُنْتُمْ أزْواجًا ثَلاثَةً إلى آخره: للذكور والإناث. والنشأة الثانية أيضا عامة للنوعين. قوله: ﴿إنّا أنْشَأْناهُنَّ إنْشاءً﴾ ظاهره اختصاصهن بهذا الإنشاء. وتأمل تأكيده بالمصدر. والحديث لا يدل على اختصاص العجائز المذكورات بهذا الوصف، بل يدل على مشاركتهن للحور العين في هذه الصفات المذكورة. فلا يتوهم انفراد الحور العين عنهن بما ذكر من الصفات، بل هن أحق به منهن فالإنشاء واقع على الصنفين. والله أعلم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب