الباحث القرآني
وصفهن سبحانه بقصر في ثلاثة مواضع. أحدها: هذا.
والثاني: قوله تعالى في الصافات: ﴿وَعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ عِينٌ﴾.
والثالث: قوله تعالى في ص: ﴿وَعِنْدَهم قاصِراتُ الطَّرْفِ أتْرابٌ﴾.
وأجمع المفسرون كلهم على أن المعنى: أنهن قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يطمحن إلى غيرهم.
وقيل: قصرن طرف أزواجهن عليهن. فلا يدعهم حسنهن وجمالهن أن ينظروا إلى غيرهن.
وهذا صحيح من جهة المعنى.
وأما من جهة اللفظ: فقاصرات صفة مضافة إلى الفاعل لحسان الوجوه.
وأصله قاصر طرفهن، أي ليس بطامح متعد.
قال آدم: حدثنا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله: ﴿قاصِراتُ الطَّرْفِ﴾
قال: يقول قاصرات الطرف على أزواجهن، فلا يبغين غير أزواجهن.
وقال آدم: حدثنا المبارك بن فضالة «١» عن الحسن قال:
قصرن طرفهن على أزواجهن، فلا يردن غيرهم. والله ما هن متبرجات، ولا متطلعات.
وقال منصور عن مجاهد: قصرن أبصارهن وقلوبهن وأنفسهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم.
وفي تفسير سعيد عن قتادة قال: قصرن أطرافهن على أزواجهن فلا يردن غيرهم.
وأما «الأتراب» فجمع ترب، وهو لدة الإنسان.
قال أبو عبيدة، وأبو إسحاق: أقران، أسنانهن واحدة.
قال ابن عباس. وسائر المفسرين: مستويات على سن واحدة، وميلاد واحد، بنات ثلاث وثلاثين سنة.
وقال مجاهد «أتراب» أمثال.
وقال أبو إسحاق: هن في غاية الشباب والحسن، وسمي ندّ الإنسان وقرنه: تربة. لأنه مسّ تراب الأرض معه في وقت واحد.
والمعنى من الأخبار باستواء أسنانهن: أنهن ليس فيهن عجائز، قد فات حسنهن، ولا ولائد لا يطقن الوطء، بخلاف الذكور، فإن فيهم الولدان، وهم الخدم.
وقد اختلف في مفسر الضمير في قوله: «فيهن».
فقالت طائفة: مفسره الجنتان، وما حوتاه من القصور والغرف والخيام.
وقالت طائفة: مفسره الفرش المذكورة في قوله: مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِن إسْتَبْرَقٍ و «في» هنا بمعنى «على».
وقوله تعالى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾
قال أبو عبيدة:
لم يمسهن، يقال: ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسّه.
وقال يونس: تقول العرب: هذا جمل ما طمثه حبل قط، أي ما مسه.
وقال الفراء: الطمث: الافتضاض، وهو النكاح بالتدمية. والطمث هو الدم.
وفيه لغات. طمث: يطمث، ويطمث.
قال الليث: طمثت الجارية، إذا افترعتها، والطامث في لغتهم هي الحائض.
وقال أبو الهيثم: يقال للمرأة طمثت تطمث، إذا أدميت بالافتضاض. وطمثت عليّ - فعلت - تطمث، إذا حاضت أول ما تحيض، فهي طامث.
وقال في قول الفرزدق:
؎خرجن إليّ لم يطمثن قبلي ∗∗∗ وهن أصح من بيض النعام
أي لم يمسسن.
قال المفسرون: لم يطأهن ولم يغشهن ولم يجامعهن. هذه ألفاظهم. وهم مختلفون في هؤلاء. فبعضهم يقول: هن اللواتي أنشئن في الجنة من حورها. وبعضهم يقول: يعني نساء الدنيا أنشئن خلقا آخر أبكارا. كما وصفن.
قال الشعبي: نساء من نساء الدنيا، لم يمسسن منذ أنشئن خلقا.
وقال مقاتل: لأنهن خلقن في الجنة.
وقال عطاء، عن ابن عباس: هن الآدميات اللاتي متن أبكارا.
وقال الكلبي: لم يجامعهن في هذا الخلق الذي أنشئن فيه إنس ولا جان.
قلت: ظاهر القرآن. أن هؤلاء النسوة لسن من نساء الدنيا وإنما هن من الحور العين.
وأما نساء الدنيا فنساء الإنس قد طمثهن الإنس، ونساء الجن قد طمثهن الجن. والآية تدل على ذلك.
قال أبو إسحاق: وفي هذه الآية دليل على أن الجني يغشى كما أن الإنسي يغشى.
ويدل على أنهن الحور اللاتي خلقن في الجنة: أنه سبحانه جعلهن مما أعده الله في الجنة لأهلها، من الفواكه والثمار والأنهار والملابس وغيرها.
ويدل عليه أيضا الآية التي بعدها، وهي قوله تعالى: ﴿حُورٌ مَقْصُوراتٌ في الخِيامِ ثم قال: {لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾
قال الإمام أحمد: والحور العين لا يمتن عند النفخ في الصور، لأنهن خلقهن للبقاء.
وفي الآية دليل لما ذهب إليه الجمهور: أن مؤمني الجن في الجنة، كما أن كافرهم في النار.
وبوب عليه البخاري في صحيحه فقال «باب ثواب الجن وعقابهم» ونص عليه غير واحد من السلف.
قال ضمرة بن حبيب - وقد سئل: هل للجن ثواب؟ فقال: نعم. وقرأ هذه الآية.
ثم قال: الإنسيات للإنس، والجنيات للجن. وقال مجاهد في هذه الآية: إذا جامع الرجل ولم يسمّ انطوى الجان على إحليله فجامع معه.
والضمير في قوله: «قبلهم» للمعنيين بقوله «متكئين» وهم أزواج هؤلاء النسوة.
(فائدة: في تقديم الإنس على الجن في بعض المواضع)
قال السهيلي:
وأما قوله تعالى: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾
وقوله: ﴿لا يُسْألُ عَنْ ذَنْبِهِ إنْسٌ ولا جانٌّ﴾
وقوله: ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجِنُّ عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾
فإن لفظ الجن هاهنا لا يتناول الملائكة بحال لنزاهتهم عن العيوب، وأنه لا يتوهم عليهم الكذب ولا سائر الذنوب فلما لم يتناولهم عموم لفظ هذه القرينة بدأ بلفظ الإنس لفضلهم وكمالهم.
قال ابن القيم:
وأما تقديم الإنس على الجن في قوله: ﴿لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إنْسٌ قَبْلَهم ولا جانٌّ﴾
فلحكمة أخرى سوى ما ذكره وهو أن النفي تابع لما تعقله القلوب من الإثبات فيرد النفي عليه وعلم النفوس بطمث الإنس ونفرتها ممن طمثها الرجال هو المعروف فجاء النفي على مقتضى ذلك وكان تقديم الإنس في هذا النفي أهم وأما قوله: ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجِنُّ عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ فهذا يعرف سره من السياق فإن هذا حكاية كلام مؤمني الجن حين سماع القرآن كما قال تعالى: ﴿قُلْ أُوحِيَ إلَيَّ أنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الجِنِّ فَقالُوا إنّا سَمِعْنا قُرْآنًا عَجَبًا﴾ الآيات.
وكان القرآن أول ما خوطب به الإنس ونزل على نبيهم وهم أول من بدأ بالتصديق والتكذيب قبل الجن فجاء قول مؤمني الجن: ﴿وَأنّا ظَنَنّا أنْ لَنْ تَقُولَ الإنْسُ والجِنُّ عَلى اللَّهِ كَذِبًا﴾ بتقديم الإنس لتقدمهم في الخطاب بالقرآن وتقديمهم في التصديق والتكذيب.
وفائدة أخرى وهي أن هذا حكاية كلام مؤمني الجن لقومهم بعد أن رجعوا إليهم فأخبروهم بما سمعوا من القرآن وعظمته وهدايته إلى الرشد ثم اعتذروا عما كانوا يعتقدونه أولا بخلاف ما سمعوه من الرشد بأنهم لم يكونوا يظنون أن الإنس والجن يقولون على الله كذبا فذكرهم الإنس هنا في التقديم أحسن في الدعوة وأبلغ في عدم التهمة فإنهم خالفوا ما كانوا يسمعونه من الإنس والجن لما تبين لهم كذبهم فبداءتهم بذكر الإنس أبلغ في نفي الغرض والتهمة وأن لا يظن بهم قومهم أنهم ظاهروا الإنس عليهم فإنهم أول ما أقروا بتقولهم الكذب على الله تعالى وهذا من ألطف المعاني وأدقها ومن تأمل مواقعه في الخطاب عرف صحته.
{"ayah":"فِیهِنَّ قَـٰصِرَ ٰتُ ٱلطَّرۡفِ لَمۡ یَطۡمِثۡهُنَّ إِنسࣱ قَبۡلَهُمۡ وَلَا جَاۤنࣱّ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق