الباحث القرآني

وقوله في هذه السورة: ﴿سَنَفْرُغُ لَكُمُ أيُّهَ الثَّقَلان﴾ وعيد للصنفين المكلفين بالشرائع. قال قتادة: معناه فراغ الدنيا وانقضاؤها ومجيء الآخرة والجزاءُ فيها، والله سبحانه لا يشغله شيء عن شيء. والفراغ في اللغة على وجهين: فراغ من الشغل، وفراغ بمعنى القصد. وهو في هذا الموضع بالمعنى الثاني، وهو قصد لمجازاتهم بأعمالهم يوم الجزاءِ. وقوله: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ إنِ اسْتَطَعْتُمْ أن تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السَّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا﴾ [الرحمن: ٣٣] فيها قولان: أحدهما إن استطعتم أن تنفذوا ما في السماوات والأرض علمًا - أي أن تعلموا ما فيها - فاعلموه، ولن تعلموه إلا بسلطان أي إلا ببينة من الله، وعلى هذا فالنفوذ هاهنا نفوذ علم الثقلين في السماوات والأرض. والثاني: إن استطعتم أن تخرجوا عن قهر الله ومحل سلطانه ومملكته بنفوذكم من أقطار السماوات والأرض وخروجكم عن محل حكم الله وسلطانه فافعلوا، ومعلوم أن هذا من الممتنع عليكم، فإنكم تحت سلطانى وفي محل ملكى وقدرتى أين كنتم. وقال الضحاك: معنى الآية إن استطعتم أن تهربوا عند الموت فاهربوا فإنه مدرككم. هذه الأقوال على أن يكون الخطاب لهم بهذا القول في الدنيا. وفى الآية تقرير آخر، وهو أن يكون هذا الخطاب في الآخرة إذا أحاطت الملائكة بأقطار الأرض وأحاط سرادق النار بالآفاق، فهرب الخلائق، فلا يجدون مهربًا ولا منفذًا، كما قال تعالى: ﴿وَيا قَوْمِ إنِّى أخافُ عَلَيْكم يَوْمَ التَّناد يَوْمَ تُوَلُّونَ مُدْبِرِينَ﴾ [غافر: ٣٢-٣٣]، قال مجاهد: فارّين غير معجزين، وقال الضحاك: إذا سمعوا زفير النار ندّوا هربًا، فلا يأْتون قطرًا من الأقطار إلا وجدوا الملائكة صفوفًا، فيرجعون إلى المكان الذي كانوا فيه، فذلك قوله تعالى: ﴿والمَلَكُ عَلى أرْجائِها﴾ [الحاقة: ١٧]، وقوله تعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنسِ إن اسْتَطَعْتُمْ أن تَنفُذُوا مِن أقْطارِ السَّمَواتِ والأرْضِ فانفذُوا﴾ وهذا القول أظهر، والله أعلم. فإذا بده الخلائق ولوا مدبرين يقال لهم: ﴿إنِ اسْتَطَعْتُمْ أنْ تَنْفُذُوا مِن أقْطارِ السَّمَواتِ والأرْضِ فانْفُذُوا﴾ أي إن قدرتم أن تتجاوزوا أقطار السماوات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر على عذابكم فافعلوا، وكأن ما قبل هذه الآية وما بعدها يدل على هذا القول، فإن قبلها: ﴿سَنَفْرُغُ﴾ [الرحمن: ٣١] الآية وهذا في الآخرة، وبعدها: ﴿فَإذا انشَقَّتِ السّماءُ فَكانَتْ ورْدَةً كالدِّهانِ﴾ [الرحمن: ٣٧]، وهذا في الآخرة. وأيضًا فإن هذا خطاب لجميع الإنس والجن، فإنه أتى فيه بصيغة العموم وهي قوله تعالى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنسِ﴾ فلا بد أن يشترك الكل في سماع هذا الخطاب ومضمونه. وهذا إنما يكون إذا جمعهم الله في صعيد واحد يسمعهم الداعي وينفذهم البصر. وقال تعالى: ﴿إنِ اسْتَطَعْتُمْ﴾ ولم يقل إن استطعتما، لإرادة الجماعة كما في آية أُخرى: ﴿يا مَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكُمْ﴾ [الأنعام: ١٣٠]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب