الباحث القرآني

* (فصل) ثم أخبر تعالى عن وصف من علمه الوحي والقرآن مما يعلم أنه مضاد لأوصاف الشيطان معلم الضلال والغواية فقال ﴿عَلَّمَهُ شَدِيدُ القُوى﴾ وهذا نظير قوله ﴿ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي العَرْشِ مَكِينٍ﴾ وذكرنا هناك السر في وصفه بالقوة وقوله ﴿ذو مرة﴾ أي جميل المنظر حسن الصورة ذو جلالة ليس شيطانًا أقبح خلق الله وأشوههم صورة بل هو من أجمل الخلق وأقواهم وأعظمهم أمانة ومكانة عند الله وهذا تعديل لسند الوحي والنبوة وتزكية له كما تقدم نظيره في سورة التكوير فوصفه بالعلم والقوة وجمال المنظر وجلالته وهذه كانت أوصاف الرسول البشري والملكي فكان رسول الله أشجع الناس وأعلمهم وأجملهم وأجلهم، والشياطين وتلامذتهم بضد من ذلك فهم أقبح الخلق صورة ومعنى، وأجهل الخلق وأضعفهم هممًا ونفوسًا. * (فائدة) * قال في (الصواعق المرسلة) والمرة: المنظر البهي الجميل فأعطاه كمال القوة في باطنه وجمال المنظر في ظاهره وهذان الكمالان هما اللذان أرتهما امرأة العزيز النسوة اللاتي لمنها في محبة يوسف فإنها أجلستهن في البيت ﴿وَقالَتِ اخْرُجْ عَلَيْهِنَّ فَلَمّا رَأيْنَهُ أكْبَرْنَهُ وقَطَّعْنَ أيْدِيَهُنَّ وقُلْنَ حاشَ لِلَّهِ ما هَذا بَشَرًا إنْ هَذا إلاَّ مَلَكٌ كَرِيمٌ﴾ [يوسف: ٣١] فأخبرتهن أن باطنه أحسن وأجمل. ﴿قالَتْ فَذَلِكُنَّ الَّذِي لُمْتُنَّنِي فِيهِ ولَقَدْ راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ فاسْتَعْصَمَ﴾ [يوسف: ٣٢] فأرتهن جماله الظاهر وأخبرتهن بجماله الباطن. * (فصل) قوله تعالى: ﴿ذُو مِرَّةٍ فاسْتَوى﴾ قال ابن عباس رضي الله عنهما "ذو منظر حسن" وقال قتادة "ذو خلق حسن" وقال ابن جرير: "عنى بالمرة صحة الجسم وسلامته من الآفات والعاهات، والجسم إذا كان كذلك من الإنسان كان قويا". والمرة واحدة المرر، وإنما أريد به ذو مرة سوية، ومنه قول النبي صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "لا تحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِي، ولا لِذِي مِرَّةٍ سَوِي". قلت: هذا حجة من قال: المرة القوة في الآية، وهو قول مجاهد وابن زيد. وهو قول ضعيف. لأنه قد وصفه قبل ذلك بأنه: ﴿شَدِيدُ القُوى﴾ [النجم: ٥]. ولا ريب أن المرة في الحديث هي القوة، لا المنظر الحسن. فإما أن يقال: المرة تقال على هذا وعلى هذا. وإما أن يقال - وهو الأظهر -: إن المرة هي الصحة والسلامة من الآفات والعاهات الظاهرة والباطنة، وذلك يستلزم كمال الخلقة وحسنها وجمالها. فإن العاهة والآفة إنما تكون من ضعف الخلقة والتركيب، فهي قوة وصحة تتضمن جمالا وحسنا، والله أعلم. ثم ذكر استواء هذا المعلم بالأفق الأعلى ودنوه وتدليه وقربه من رسول الله وإيحاء الله ما أوحى فصور سبحانه لأهل الإيمان صورة الحال من نزول جبريل من عنده إلى أن استوى بالأفق ثم دنى وتدلى وقرب من رسوله فأوحى إليه ما أمره الله بإيحائه حتى كأنهم يشاهدون صورة الحال ويعاينونها هابطًا من السماء إلى أن صار بالأفق الأعلى مستويًا عليه ثم نزل وقرب من محمد وخاطبه بما أمره الله به قائلًا ربك يقول لك كذا وكذا وأخبر سبحانه عن مسافة هذا القرب بأنه قدر قوسين أو أدنى من ذلك وليس هذا على وجه الشك بل تحقيق لقدر المسافة وأنها لا تزيد عن قوسين ألبتة كما قال تعالى ﴿وَأرْسَلْناهُ إلى مِائَةِ ألْفٍ أوْ يَزِيدُونَ﴾ تحقيق لهذا العدد وأنهم لا ينقصون عن مائة ألف رجل واحدًا ونظيره قوله ﴿ثم قست قلوبكم من بعد ذلك فهي كالحجارة أو أشد قسوة﴾ أي لا تنقص قسوتها عن قسوة الحجارة بل إن لم تزد على قسوة الحجارة لم تكن دونها وهذا المعنى أحسن وألطف وأدق من قول من جعل أو في هذه المواضع بمعنى بل ومن قول من جعلها للشك بالنسبة إلى الرأي وقول من جعلها بمعنى الواو فتأمله انتهى.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب