الباحث القرآني
ثم ذكر ليلهم وأنهم قليل هجوعهم منه.
وقد قيل إن (ما) نافية والمعنى ما يهجعون قليلًا من الليل فكيف بالكثير؟
وهذا ضعيف لوجوه:
أحدها أن هذا ليس بلازم لوصف المتقين الذين يستحقون هذا الجزاء
الثاني أن قيام من نام من الليل نصفه أحب إلى الله من قيام من قامه كله
الثالث أنه لو كان المراد بذلك إحياء الليل جميعه لكان أولى الناس بهذا رسول الله ﷺ وما قام ليلة حتى الصباح
الرابع أن الله سبحانه إنما أمر رسوله أن يتهجد بالقرآن من الليل لا في الليل كله فقال ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ﴾
الخامس أنه سبحانه لما أمره بقيام الليل في سورة المزمل إنما أمره بقيام النصف أو النقصان منه أو الزيادة عليه فذكر له هذه المراتب الثلاثة ولم يذكر قيامه كله.
السادس أنه ﷺ لما بلغه عن عثمان بن مظعون أنه لا ينام من الليل بعث إليه فجاء فقال
"يا عثمان أرغبت عن سنتي؟ "
قال لا والله يا رسول ولكن سنتك أطلب
قال "فإني أنام وأصلي وأصوم وأفطر وأنكح النساء فاتق الله يا عثمان، فإن لأهلك عليك حقًا، وإن لضيفك عليك حقا، وإن لنفسك عليك حقا، فصم وأفطر، وصل ونم"
ولما بلغه عن زينب بنت جحش أنها تصلي الليل كله حتى جعلت حبلًا بين ساريتين إذا فترت تعلقت به أنكر ذلك وأمر بحله.
السابع أن الله أثنى عليهم بأنهم كانت ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ﴾ وتقلق عنها حتى يقوموا إلى الصلاة، ولهذا جازاهم عن هذا التجافي الذي سببه قلق القلب واضطرابه حتى يقوم إلى الصلاة بقرة الأعين.
الثامن أن الصحابة الذين هم أول وأولى من دخل في هذه الآية لم يفهموا منها عدم نومهم بالليل أصلًا
فروى بجير بن سعد عن سعيد عن قتادة عن أنس في قوله ﴿كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾
قال كانوا يصلون ما بين المغرب والعشاء.
التاسع أن في هذا التقرير تفكيكا للكلام وتقديمًا لمعمول العامل المنفى عليه لأنك تجعل (قليلا) مفعول (يهجعون) وهو منفي
والبصريون لا يجيزون ذلك، وإن أجازه الكوفيون.
وفصل بعضهم فأجازه في الظرف، ولم يجزه في غيره.
* (فصل)
وقيل (ما) زائدة وخبر كان ﴿يهجعون﴾ و (قليلا) منصوب إما على المصدرية أي هجوعًا قليلًا
وإما على الظرف أي زمنًا قليلا.
واستشكل هذا بأن نوم نصف الليل وقيام ثلثه ثم نوم سدسه أحب القيام إلى الله، فيكون وقت الهجوع أكثر من وقت القيام فكيف يثني عليهم بما الأفضل خلافه؟
وأجيب عن ذلك بأن من قام هذا القيام فزمن هجوعه أقل من زمن يقظته قطعًا، فإنه مستيقظ من المغرب إلى العشاء، ومن الفجر إلى طلوع الشمس فيبقى ما بين العشاء إلى طلوع الفجر فيقومون نصف ذلك الوقت فيكون زمن الهجوع أقل من زمن الاستيقاظ.
وقيل (ما) مصدرية وهي في موضع رفع بقليل. أي كانوا قليلًا هجوعهم
وهو قول الحسن.
وقيل إنها موصولة بمعنى (الذي) والعائد محذوف أي قليلًا من الليل الوقت الذي يهجعون.
وفيه تكلف.
وقيل ﴿ما يهجعون﴾ بدل اشتمال من اسم كان، والتقدير كان هجوعهم من الليل قليلا.
ويرد عليه أن (من الليل) متعلق بـ (يهجعون) ومعمول المصدر لا يتقدم عليه.
وأجيب عنه أنه منصوب على التفسير، ومعناه أن يقدر له فعل محذوف ينصبه مفسره هذا المذكور و (قليلًا) خبر (كان) وتم الكلام بذلك.
والمعنى كانوا صنفا أو جنسا قليلا ثم قال ﴿كانُوا قَلِيلًا مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ﴾
وأصحاب هذا القول يجعلون (ما) نافية فيعود الكلام إلى نفي هجوعهم شيئًا من الليل وقد تقدم ما فيه.
ثم أخبر عنهم بأنهم مع صلاتهم بالليل كانوا يستغفرون الله عند السحر فختموا صلاتهم بالاستغفار والتوبة فباتوا لربهم سجدًا وقيامًا ثم تابوا إليه واستغفروه عقيب ذلك.
وكان النبي إذا سلم من صلاته استغفر ثلاثًا.
وأمره الله سبحانه أن يختم عمره بالاستغفار، وأمر عباده أن يختموا إفاضتهم من عرفات بالاستغفار.
وشرع للمتوضئ أن يختم وضوءه بالتوبة، فأحسن ما ختمت به الأعمال التوبة والاستغفار.
* (فائدة)
قالَ الحَسَنُ: مَدُّوا الصَّلاةَ إلى السَّحَرِ، ثُمَّ جَلَسُوا يَسْتَغْفِرُونَ.
* (موعظة)
إذا جن الليل وقع الحرب بين النوم والسهر، فكان الشوق والخوف في مقدمة عسكر اليقظة.
وصار الكسل والتواني في كتيبة الغفلة، فإذا حمل الغريم حملة صادقة هزم جنود الفتور والنوم.
فحصل الظفر والغنيمة، فما يطلع الفجر إلا وقد قسمت السهمان، وما عند النائمين خبر.
قام المتهجدون على أقدام الجد تحت ستر الدجى يبكون على زمن ضاع في غير الوصال.
ما زالت مطايا السهر تذرع بيداء الدجى، وعيون آمالها لا ترى إلا المنزل، وحادى العزم يقول:
؎يا رفقة الليل طاب السير فاغتنموا ∗∗∗ المسرى فمن نام طول الليل لم يصل
إلى أن هب نسيم السحر فقام الصادح يبغي ظلام الليل، فلما هم بالرحيل تشبث القوم بأذياله يبكون على فراق المحبوب، فلما طلع الفجر حدا حاديهم. عند الصباح يحمد القوم السرى.
يا من يستعظم أحوال القوم تنقل في المراقي تصل.
* [فَصْلٌ المُفْسِدُ الخامِسُ مِن مُفْسِداتِ القَلْبِ: كَثْرَةُ النَّوْمِ]
المُفْسِدُ الخامِسُ: كَثْرَةُ النَّوْمِ. فَإنَّهُ يُمِيتُ القَلْبَ، ويُثَقِّلُ البَدَنَ، ويُضِيعُ الوَقْتَ، ويُورِثُ كَثْرَةَ الغَفْلَةِ والكَسَلِ، ومِنهُ المَكْرُوهُ جِدًّا، ومِنهُ الضّارُّ غَيْرُ النّافِعِ لِلْبَدَنِ.
وَأنْفَعُ النَّوْمِ ما كانَ عِنْدَ شِدَّةِ الحاجَّةِ إلَيْهِ، ونَوْمُ أوَّلِ اللَّيْلِ أحْمَدُ وأنْفَعُ مِن آخِرِهِ، ونَوْمُ وسَطِ النَّهارِ أنْفَعُ مِن طَرَفَيْهِ، وكُلَّما قَرُبَ النَّوَمُ مِنَ الطَّرَفَيْنِ قَلَّ نَفْعُهُ، وكَثُرَ ضَرَرُهُ، ولاسِيَّما نَوْمُ العَصْرِ، والنَّوْمُ أوَّلَ النَّهارِ إلّا لِسَهْرانَ.
وَمِنَ المَكْرُوهِ عِنْدَهُمُ النَّوْمُ بَيْنَ صَلاةِ الصُّبْحِ وطُلُوعِ الشَّمْسِ، فَإنَّهُ وقْتُ غَنِيمَةٍ، ولِلسَّيْرِ ذَلِكَ الوَقْتَ عِنْدَ السّالِكِينَ مَزِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، حَتّى لَوْ سارُوا طُولَ لَيْلِهِمْ لَمْ يَسْمَحُوا بِالقُعُودِ عَنِ السَّيْرِ ذَلِكَ الوَقْتَ حَتّى تَطْلُعَ الشَّمْسُ، فَإنَّهُ أوَّلُ النَّهارِ ومِفْتاحُهُ، ووَقْتُ نُزُولِ الأرْزاقِ، وحُصُولِ القَسْمِ، وحُلُولِ البَرَكَةِ، ومِنهُ يَنْشَأُ النَّهارُ، ويَنْسَحِبُ حُكْمُ جَمِيعِهِ عَلى حُكْمِ تِلْكَ الحِصَّةِ، فَيَنْبَغِي أنْ يَكُونَ نَوْمُها كَنَوْمِ المُضْطَرِّ.
وَبِالجُمْلَةِ فَأعْدَلُ النَّوْمِ وأنْفَعُهُ نَوْمُ نِصْفِ اللَّيْلِ الأوَّلِ، وسُدُسِهِ الأخِيرِ، وهو مِقْدارُ ثَمانِ ساعاتٍ، وهَذا أعْدَلُ النَّوْمِ عِنْدَ الأطِبّاءِ، وما زادَ عَلَيْهِ أوْ نَقَصَ مِنهُ أثَّرَ عِنْدَهم في الطَّبِيعَةِ انْحِرافًا بِحَسَبِهِ.
وَمِنَ النَّوْمِ الَّذِي لا يَنْفَعُ أيْضًا النَّوْمُ أوَّلَ اللَّيْلِ، عَقِيبَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، حَتّى تَذْهَبَ فَحْمَةُ العِشاءِ، وكانَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ يَكْرَهَهُ. فَهو مَكْرُوهٌ شَرْعًا وطَبْعًا.
وَكَما أنَّ كَثْرَةَ النَّوْمِ مُورِثَةٌ لِهَذِهِ الآفاتِ، فَمُدافَعَتُهُ وهَجْرُهُ مُورِثٌ لِآفاتٍ أُخْرى عِظامٍ: مِن سُوءِ المِزاجِ ويُبْسِهِ، وانْحِرافِ النَّفْسِ، وجَفافِ الرَّطُوباتِ المُعِينَةِ عَلى الفَهْمِ والعَمَلِ، ويُورِثُ أمْراضًا مُتْلِفَةً لا يَنْتَفِعُ صاحِبُها بِقَلْبِهِ ولا بَدَنِهِ مَعَها، وما قامَ الوُجُودُ إلّا بِالعَدْلِ، فَمَنِ اعْتَصَمَ بِهِ فَقَدْ أخَذَ بِحَظِّهِ مِن مَجامِعِ الخَيْرِ، وبِاللَّهِ المُسْتَعانُ.
{"ayahs_start":17,"ayahs":["كَانُوا۟ قَلِیلࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ مَا یَهۡجَعُونَ","وَبِٱلۡأَسۡحَارِ هُمۡ یَسۡتَغۡفِرُونَ"],"ayah":"كَانُوا۟ قَلِیلࣰا مِّنَ ٱلَّیۡلِ مَا یَهۡجَعُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











