الباحث القرآني

[حَقِيقَةُ المَعْرِفَةِ] قالَ صاحِبُ المَنازِلِ: (بابُ المَعْرِفَةِ) قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿وَإذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إلى الرَّسُولِ تَرى أعْيُنَهم تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣] المَعْرِفَةُ: إحاطَةٌ بِعَيْنِ الشَّيْءِ كَما هو. قُلْتُ: وقَعَ في القُرْآنِ لَفْظُ المَعْرِفَةِ ولَفْظُ العِلْمِ، فَلَفْظُ المَعْرِفَةِ كَقَوْلِهِ: ﴿مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣]، وقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦]. وَأمّا لَفْظُ العِلْمِ فَهو أوْسَعُ إطْلاقًا، كَقَوْلِهِ: ﴿فاعْلَمْ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ﴾ [محمد: ١٩]، وقَوْلِهِ: ﴿شَهِدَ اللَّهُ أنَّهُ لا إلَهَ إلّا هُوَ﴾ [آل عمران: ١٨] الآيَةَ، وقَوْلِهِ: ﴿والَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْلَمُونَ أنَّهُ مُنَزَّلٌ مِن رَبِّكَ بِالحَقِّ﴾ [الأنعام: ١١٤]، وقَوْلِهِ: ﴿وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا﴾ [طه: ١١٤]، وقَوْلِهِ: ﴿أفَمَن يَعْلَمُ أنَّما أُنْزِلَ إلَيْكَ مِن رَبِّكَ الحَقُّ كَمَن هو أعْمى﴾ [الرعد: ١٩]، وقَوْلِهِ: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٩]، وقَوْلِهِ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والإيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إلى يَوْمِ البَعْثِ﴾ [الروم: ٥٦]، وقَوْلِهِ: ﴿وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ ويْلَكم ثَوابُ اللَّهِ خَيْرٌ لِمَن آمَنَ وعَمِلَ صالِحًا﴾ [القصص: ٨٠]، وقَوْلِهِ: ﴿وَتِلْكَ الأمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ وما يَعْقِلُها إلّا العالِمُونَ﴾ [العنكبوت: ٤٣]، وقَوْلِهِ: ﴿قالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الكِتابِ﴾ [النمل: ٤٠]، وقَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يُحْيِي الأرْضَ بَعْدَ مَوْتِها﴾ [الحديد: ١٧]، وقَوْلِهِ: ﴿اعْلَمُوا أنَّما الحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ ولَهْوٌ﴾ [الحديد: ٢٠]، وقَوْلِهِ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ واعْلَمُوا أنَّكم مُلاقُوهُ﴾ [البقرة: ٢٢٣]، وقَوْلِهِ: ﴿فاعْلَمُوا أنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللَّهِ﴾ [هود: ١٤] وهَذا كَثِيرٌ. واخْتارَ سُبْحانَهُ لِنَفْسِهِ اسْمَ العِلْمِ وما تَصَرَّفَ مِنهُ، فَوَصَفَ نَفْسَهُ بِأنَّهُ عالِمٌ، وعَلِيمٌ، وعَلّامٌ، وعَلِمَ، ويَعْلَمُ، وأخْبَرَ أنَّ لَهُ عِلْمًا دُونَ لَفْظِ المَعْرِفَةِ في القُرْآنِ، ومَعْلُومٌ أنَّ الِاسْمَ الَّذِي اخْتارَهُ اللَّهُ لِنَفْسِهِ أكْمَلُ نَوْعِهِ المُشارِكُ لَهُ في مَعْناهُ. وَإنَّما جاءَ لَفْظُ المَعْرِفَةِ في القُرْآنِ في مُؤْمِنِي أهْلِ الكِتابِ خاصَّةً، كَقَوْلِهِ: ﴿ذَلِكَ بِأنَّ مِنهم قِسِّيسِينَ ورُهْبانًا وأنَّهم لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ [المائدة: ٨٢] إلى قَوْلِهِ ﴿مِمّا عَرَفُوا مِنَ الحَقِّ﴾ [المائدة: ٨٣]، وقَوْلِهِ: ﴿الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أبْناءَهُمْ﴾ [البقرة: ١٤٦]. وَهَذِهِ الطّائِفَةُ تُرَجِّحُ المَعْرِفَةَ عَلى العِلْمِ جِدًّا، وكَثِيرٌ مِنهم لا يَرْفَعُ بِالعِلْمِ رَأْسًا، ويُعِدُّهُ قاطِعًا وحِجابًا دُونَ المَعْرِفَةِ، وأهْلُ الِاسْتِقامَةِ مِنهُمْ: أشَدُّ النّاسِ وصِيَّةً لِلْمُرِيدِينَ بِالعِلْمِ، وعِنْدَهم أنَّهُ لا يَكُونُ ولِيٌّ لِلَّهِ كامِلُ الوِلايَةِ مِن غَيْرِ أُولِي العِلْمِ أبَدًا، فَما اتَّخَذَ اللَّهُ ولا يَتَّخِذُ ولِيًّا جاهِلًا، والجَهْلُ رَأْسُ كُلِّ بِدْعَةٍ وضَلالَةٍ ونَقْصٍ، والعِلْمُ أصْلُ كُلِّ خَيْرٍ وهُدًى وكَمالٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب