الباحث القرآني

* (فصل) قوله تعالى حكاية عن خليله إبراهيم أنه قال: ﴿رَبِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلاةِ ومِن ذُرِّيَّتِي﴾ وقوله: ﴿فاجْعَلْ أفْئِدَةً مِنَ النّاسِ تَهْوِي إلَيْهِمْ﴾ وقوله تعالى: ﴿وَجَعَلْنا في قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً ورَحْمَةً ورَهْبانِيَّةً﴾ وقوله حكاية عن زكريا أنه قال عن ولده: ﴿واجْعَلْهُ رَبِّ رَضِيًّا﴾ وقال في الطرف الآخر: ﴿فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهم لَعَنّاهم وجَعَلْنا قُلُوبَهم قاسِيَةً﴾ وقال: ﴿وَجَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أكِنَّةً أنْ يَفْقَهُوهُ وفي آذانِهِمْ وقْرًا﴾ وهذه الأكنة والوقر هي شدة البغض والنفرة والإعراض التي لا يستطيعون معها سمعا ولا عقلا والتحقيق أن هذا ناشئ عن الأكنة والوقر فهو موجب ذلك ومقتضاه. فمن فسر الأكنة والوقر به فقد فسرهما بموجبهما ومقتضاهما وبكل حال فتلك النفرة والإعراض والبغض من أفعالهم وهي مجعولة لله سبحانه كما أن الرأفة والرحمة وميل الأفئدة إلى بيته هو من أفعالهم والله جاعله فهو الجاعل للذوات وصفاتها وأفعالها وإراداتها واعتقاداتها فذلك كله مجعول مخلوق له وإن كان العبد فاعلا له باختياره وإرادته. فإن قيل هذا كله معارض بقوله تعالى: ﴿ما جَعَلَ اللَّهُ مِن بَحِيرَةٍ ولا سائِبَةٍ ولا وصِيلَةٍ ولا حامٍ﴾ والبحيرة والسائبة إنما صارت كذلك بجعل العباد لها فأخبر سبحانه أن ذلك لم يكن بجعله؟ قيل لا تعارض بحمد الله بين نصوص الكتاب بوجه ما والجعل هاهنا جعل شرعي أمري لا كوني قدري فإن الجعل في كتاب الله ينقسم إلى هذه النوعين كما ينقسم إليهما الأمر والإذن والقضاء والكتابة والتحريم كما سيأتي بيانه إن شاء الله فنفى سبحانه عن البحيرة والسائبة جعله الديني الشرعي أي لم يشرع ذلك ولا أمر به ولكن الذين كفروا افتروا عليه الكذب وجعلوا ذلك دينا له بلا علم. ومن ذلك قوله تعالى: ﴿لِيَجْعَلَ ما يُلْقِي الشَّيْطانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ والقاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ فأخبر سبحانه أن هذه الفتنة الحاصلة بما ألقى الشيطان هي بجعله سبحانه وهذا جعل كوني قدري ومن هذا قوله صلى الله تعالى عليه وسلم في الحديث الذي رواه الإمام أحمد وابن حبان في صحيحه: "اللهم اجعلني لك شكارا لك ذكارا لك رهابا لك مطواعا لك مخبتا لك أواها منيبا" فسأل ربه أن يجعله كذلك وهذه كلها أفعال اختيارية واقعة بإرادة العبد واختياره وفي هذا الحديث وسدد لساني وتسديد اللسان جعله ناطقا بالسداد من القول ومثله قوله في الحديث الآخر: "اللهم اجعلني لك مخلصا" ومثله قوله "اللهم اجعلني أعظم شكرك وأكثر ذكرك وأتبع نصيحتك وأحفظ وصيتك" ومثله قول المؤمنين: ﴿رَبَّنا أفْرِغْ عَلَيْنا صَبْرًا وثَبِّتْ أقْدامَنا﴾ فالصبر وثبات الأقدام فعلان اختياريان ولكن التصبير والتثبيت فعل الرب تعالى وهو المسؤول والصبر والثبات فعلهم القائم بهم حقيقة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب