الباحث القرآني

* [فَصْلٌ: في سَرِيَّةُ عُيَيْنَةَ بْنِ حِصْنٍ الفَزارِيِّ إلى بَنِي تَمِيمٍ] ذِكْرُ سَرِيَّةِ عيينة بن حصن الفزاري إلى بَنِي تَمِيمٍ، وذَلِكَ في المُحَرَّمِ مِن هَذِهِ السَّنَةِ، بَعَثَهُ إلَيْهِمْ في سَرِيَّةٍ لِيَغْزُوَهم في خَمْسِينَ فارِسًا لَيْسَ فِيهِمْ مُهاجِرِيٌّ ولا أنْصارِيٌّ، فَكانَ يَسِيرُ اللَّيْلَ ويَكْمُنُ النَّهارَ، فَهَجَمَ عَلَيْهِمْ في صَحْراءَ، وقَدْ سَرَّحُوا مَواشِيَهُمْ، فَلَمّا رَأوُا الجَمْعَ ولَّوْا، فَأخَذَ مِنهم أحَدَ عَشَرَ رَجُلًا وإحْدى وعِشْرِينَ امْرَأةً وثَلاثِينَ صَبِيًّا فَساقَهم إلى المَدِينَةِ فَأُنْزِلُوا في دارِ رملة بنت الحارث فَقَدِمَ فِيهِمْ عِدَّةٌ مِن رُؤَسائِهِمْ؛ عطارد بن حاجب، والزبرقان بن بدر، وقيس بن عاصم، والأقرع بن حابس، وقيس بن الحارث، ونعيم بن سعد، وعمرو بن الأهتم، ورباح بن الحارث، فَلَمّا رَأوْا نِساءَهم وذَرارِيَّهم بَكَوْا إلَيْهِمْ فَعَجَّلُوا، فَجاءُوا إلى بابِ النَّبِيِّ ﷺ فَنادَوْا: يا مُحَمَّدُ اخْرُجْ إلَيْنا، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وأقامَ بلال الصَّلاةَ وتَعَلَّقُوا بِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ يُكَلِّمُونَهُ، فَوَقَفَ مَعَهم ثُمَّ مَضى فَصَلّى الظُّهْرَ، ثُمَّ جَلَسَ في صَحْنِ المَسْجِدِ فَقَدَّمُوا عطارد بن حاجب فَتَكَلَّمَ وخَطَبَ، فَأمَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثابِتَ بْنَ قَيْسِ بْنِ شَمّاسٍ فَأجابَهم وأنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمْ ﴿إنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِن وراءِ الحُجُراتِ أكْثَرُهم لا يَعْقِلُونَ - ولَوْ أنَّهم صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إلَيْهِمْ لَكانَ خَيْرًا لَهم واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: ٤٥] فَرَدَّ عَلَيْهِمْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الأسْرى والسَّبْيَ فَقامَ الزبرقان شاعِرُ بَنِي تَمِيمٍ فَأنْشَدَ مُفاخِرًا: ؎نَحْنُ الكِرامُ فَلا حَيٌّ يُعادِلُنا ∗∗∗ مِنّا المُلُوكُ وفِينا تُنْصَبُ البِيَعُ ؎وَكَمْ قَسَرْنا مِنَ الأحْياءِ كُلِّهِمُ ∗∗∗ عِنْدَ النِّهابِ وفَضْلُ العِزِّ يُتَّبَعُ ؎وَنَحْنُ يُطْعِمُ عِنْدَ القَحْطِ مُطْعِمُنا ∗∗∗ مِنَ الشِّواءِ إذا لَمْ يُؤْنَسِ القَزَعُ ؎بِما تَرى النّاسَ تَأْتِينا سُراتُهُمُ ∗∗∗ مِن كُلِّ أرْضٍ هُوَيّا ثُمَّ نَصْطَنِعُ ؎فَنَنْحَرُ الكَوْمَ عُبْطًا في أرُومَتِنا ∗∗∗ لِلنّازِلِينَ إذا ما أُنْزِلُوا شَبِعُوا ؎فَلا تَرانا إلى حَيٍّ نُفاخِرُهم ∗∗∗ إلّا اسْتَفادُوا فَكانُوا الرَّأْسَ يُقْتَطَعُ ؎فَمَن يُفاخِرُنا في ذاكَ نَعْرِفُهُ ∗∗∗ فَيَرْجِعُ القَوْمُ والأخْبارُ تُسْتَمَعُ ... ؎إنّا أبَيْنا ولا يَأْبى لَنا أحَدٌ ∗∗∗ إنّا كَذَلِكَ عِنْدَ الفَخْرِ نَرْتَفِعُ فَقامَ شاعِرُ الإسْلامِ حَسّانُ بْنُ ثابِتٍ فَأجابَهُ عَلى البَدِيهَةِ ؎إنَّ الذَّوائِبَ مَن فِهْرٍ وإخْوَتِهِمْ ∗∗∗ قَدْ بَيَّنُوا سُنَّةً لِلنّاسِ تُتَّبَعُ ؎يَرْضى بِها كُلُّ مَن كانَتْ سَرِيرَتُهُ ∗∗∗ تَقْوى الإلَهَ وكُلُّ الخَيْرِ مُصْطَنَعُ ؎قَوْمٌ إذا حارَبُوا ضَرُّوا عَدُوَّهُمُ ∗∗∗ أوْ حاوَلُوا النَّفْعَ في أشْياعِهِمْ نَفَعُوا ؎سَجِيَّةٌ تِلْكَ فِيهِمْ غَيْرُ مُحْدَثَةٍ ∗∗∗ إنَّ الخَلائِقَ فاعْلَمْ شَرُّها البِدَعُ ؎إنْ كانَ في النّاسِ سَبّاقُونَ بَعْدَهُمُ ∗∗∗ فَكُلُّ سَبْقٍ لِأدْنى سَبْقِهِمْ تَبَعُ ؎لا يَرْقَعُ النّاسُ ما أوْهَتْ أكُفُّهُمُ ∗∗∗ عِنْدَ الدِّفاعِ ولا يُوهُونَ ما رَقَعُوا ؎إنْ سابَقُوا النّاسَ يَوْمًا فازَ سَبْقُهُمُ ∗∗∗ أوْ وازَنُوا أهْلَ مَجْدٍ بِالنَّدى مَتَعُوا ؎أعِفَّةٌ ذُكِرَتْ في الوَحْيِ عِفَّتُهم ∗∗∗ لا يَطْبَعُونَ ولا يُرْدِيهِمُ الطَّمَعُ ؎لا يَبْخَلُونَ عَلى جارٍ بِفَضْلِهِمُ ∗∗∗ ولا يَمَسُّهُمُ مِن مَطْمَعٍ طَبَعُ ؎إذا نَصَبْنا لِحَيٍّ لَمْ نَدِبَّ لَهم ∗∗∗ كَما يَدِبُّ إلى الوَحْشِيَّةِ الذُّرُعُ ؎نَسْمُوا إذا الحَرْبُ نالَتْنا مَخالِبُها ∗∗∗ إذا الزَّعانِفُ مِن أظْفارِها خَشَعُوا ؎لا يَفْخَرُونَ إذا نالُوا عَدُوَّهُمُ ∗∗∗ وإنْ أُصِيبُوا فَلا جَوْرٌ ولا هَلَعُ ؎كَأنَّهم في الوَغى والمَوْتُ مُكْتَنِعٌ ∗∗∗ أُسْدٌ بِحِلْيَةَ في أرْساغِها فَدَعُ ؎خُذْ مِنهُمُ ما أتَوْا عَفْوًا إذا غَضِبُوا ∗∗∗ ولا يَكُنْ هَمُّكَ الأمْرَ الَّذِي مَنَعُوا ؎فَإنَّ في حَرْبِهِمْ فاتْرُكْ عَداوَتَهم ∗∗∗ شَرًّا يُخاضُ عَلَيْهِ السُّمُّ والسَّلَعُ ؎أكْرِمْ بِقَوْمٍ رَسُولُ اللَّهِ شِيعَتُهم ∗∗∗ إذا تَفاوَتَتِ الأهْواءُ والشِّيَعُ ؎أهْدى لَهم مِدْحَتِي قَلْبٌ يُوازِرُهُ ∗∗∗ فِيما أحَبَّ لِسانٌ حائِكٌ صَنَعُ ؎فَإنَّهم أفْضَلُ الأحْياءِ كُلِّهِمُ ∗∗∗ إنْ جَدَّ بِالنّاسِ جِدُّ القَوْلِ أوْ شَمَعُوا فِلْمًا فَرَغَ حسان قالَ الأقرع بن حابس: إنَّ هَذا الرَّجُلَ لَمُؤَتّى لَهُ، لَخَطِيبُهُ أخْطَبُ مِن خَطِيبِنا، ولَشاعِرُهُ أشْعَرُ مِن شاعِرِنا، ولَأصْواتُهم أعْلى مِن أصْواتِنا، ثُمَّ أسْلَمُوا فَأجازَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأحْسَنَ جَوائِزَهم.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب