الباحث القرآني

* [فَصْلٌ: في قُدُومِ وفْدِ بَنِي أسَدٍ] وَقَدِمَ عَلَيْهِ ﷺ وفْدُ بَنِي أسَدٍ عَشَرَةُ رَهْطٍ، فِيهِمْ وابصة بن معبد، وطلحة بن خويلد، ورَسُولُ اللَّهِ ﷺ جالِسٌ مَعَ أصْحابِهِ في المَسْجِدِ، فَتَكَلَّمُوا فَقالَ مُتَكَلِّمُهُمْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنّا شَهِدْنا أنَّ اللَّهَ وحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، وأنَّكَ عَبْدُهُ ورَسُولُهُ، وجِئْناكَ يا رَسُولَ اللَّهِ، ولَمْ تَبْعَثْ إلَيْنا بَعْثًا، ونَحْنُ لِمَن وراءَنا. قالَ مُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ القُرَظِيُّ: فَأنْزَلَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكم بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ هَداكم لِلْإيمانِ إنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ﴾ [الحجرات: ١٧] وَكانَ مِمّا سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ: العِيافَةُ والكَهانَةُ وضَرْبُ الحَصى، فَنَهاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ ذَلِكَ كُلِّهِ فَقالُوا: «يا رَسُولَ اللَّهِ إنَّ هَذِهِ أُمُورٌ كُنّا نَفْعَلُها في الجاهِلِيَّةِ أرَأيْتَ خَصْلَةً بَقِيَتْ؟ قالَ: " وما هِيَ؟ " قالُوا: الخَطُّ. قالَ: " عُلِّمَهُ نَبِيٌّ مِنَ الأنْبِياءِ فَمَن صادَفَ مِثْلَ عِلْمِهِ عَلِمَ» ". * (فصل) العَبْدُ بَيْنَ مِنَّةٍ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وحُجَّةٍ مِنهُ عَلَيْهِ، ولا يَنْفَكُّ عَنْهُما، فالحُكْمُ الدِّينِيُّ مُتَضَمِّنٌ لِمِنَّتِهِ وحُجَّتِهِ، قالَ اللَّهُ تَعالى ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلى المُؤْمِنِينَ إذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِن أنْفُسِهِمْ﴾ [آل عمران: ١٦٤] وَقالَ ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكم أنْ هَداكم لِلْإيمانِ﴾ [الحجرات: ١٧] وَقالَ ﴿فَلِلَّهِ الحُجَّةُ البالِغَةُ﴾ [الأنعام: ١٤٩]. والحُكْمُ الكَوْنِيُّ أيْضًا مُتَضَمِّنٌ لِمِنَّتِهِ وحُجَّتِهِ، فَإذا حَكَمَ لَهُ كَوْنًا حُكْمًا مَصْحُوبًا بِاتِّصالِ الحُكْمِ الدِّينِيِّ بِهِ فَهو مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وإنْ لَمْ يَصْحَبْهُ الدِّينِيُّ فَهو حُجَّةٌ مِنهُ عَلَيْهِ. وَكَذَلِكَ حُكْمُهُ الدِّينِيُّ إذا اتَّصَلَ بِهِ حُكْمُهُ الكَوْنِيُّ، فَتَوْفِيقُهُ لِلْقِيامِ بِهِ مِنَّةٌ مِنهُ عَلَيْهِ، وإنْ تَجَرَّدَ عَنْ حُكْمِهِ الكَوْنِيِّ صارَ حُجَّةً مِنهُ عَلَيْهِ، فالمِنَّةُ بِاقْتِرانِ أحَدِ الحُكْمَيْنِ بِصاحِبِهِ، والحُجَّةُ في تَجَرُّدِ أحَدِهِما عَنِ الآخَرِ، فَكُلُّ عِلْمٍ صَحِبَهُ عَمَلٌ يُرْضِي اللَّهَ سُبْحانَهُ فَهو مِنَّةٌ، وإلّا فَهو حُجَّةٌ. وَكُلُّ قُوَّةٍ ظاهِرَةٍ وباطِنَةٍ صَحِبَها تَنْفِيذٌ لِمَرْضاتِهِ وأوامِرِهِ فَهي مِنَّةٌ، وإلّا فَهي حُجَّةٌ. وَكُلُّ حالٍ صَحِبَهُ تَأْثِيرٌ في نُصْرَةِ دِينِهِ، والدَّعْوَةِ إلَيْهِ فَهو مِنَّةٌ مِنهُ، وإلّا فَهو حُجَّةٌ. وَكُلُّ مالٍ اقْتَرَنَ بِهِ إنْفاقٌ في سَبِيلِ اللَّهِ وطاعَتِهِ، لا لِطَلَبِ الجَزاءِ ولا الشَّكُورِ، فَهو مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ، وإلّا فَهو حُجَّةٌ. وَكُلُّ فَراغٍ اقْتَرَنَ بِهِ اشْتِغالٌ بِما يُرِيدُ الرَّبُّ مِن عَبْدِهِ فَهو مِنَّةٌ عَلَيْهِ، وإلّا فَهو حُجَّةٌ. وَكُلُّ قَبُولٍ في النّاسِ، وتَعْظِيمٍ ومَحَبَّةٍ لَهُ، اتَّصَلَ بِهِ خُضُوعٌ لِلرَّبِّ، وذُلٌّ وانْكِسارٌ، ومَعْرِفَةٌ بِعَيْبِ النَّفْسِ والعَمَلِ، وبَذْلِ النَّصِيحَةِ لِلْخَلْقِ فَهو مِنَّةٌ، وإلّا فَهو حُجَّةٌ. وَكُلُّ بَصِيرَةٍ ومَوْعِظَةٍ، وتَذْكِيرٍ وتَعْرِيفٍ مِن تَعْرِيفاتِ الحَقِّ سُبْحانَهُ إلى العَبْدِ، اتَّصَلَ بِهِ عِبْرَةٌ ومَزِيدٌ في العَقْلِ، ومَعْرِفَةٌ في الإيمانِ فَهي مِنَّةٌ، وإلّا فَهي حُجَّةٌ. وَكُلُّ حالٍ مَعَ اللَّهِ تَعالى، أوْ مَقامٍ اتَّصَلَ بِهِ السَّيْرُ إلى اللَّهِ، وإيثارُ مُرادِهِ عَلى مُرادِ العَبْدِ، فَهو مِنَّةٌ مِنَ اللَّهِ، وإنْ صَحِبَهُ الوُقُوفُ عِنْدَهُ والرِّضى بِهِ، وإيثارُ مُقْتَضاهُ، مِن لَذَّةِ النَّفْسِ بِهِ وطُمَأْنِينَتِها إلَيْها، ورُكُونِها إلَيْهِ، فَهو حُجَّةٌ مِنَ اللَّهِ عَلَيْهِ. فَلْيَتَأمَّلِ العَبْدُ هَذا المَوْضِعَ العَظِيمَ الخَطَرِ، ويُمَيِّزْ بَيْنَ مَواقِعِ المِنَنِ والمِحَنِ، والحُجَجِ والنِّعَمِ، فَما أكْثَرَ ما يَلْتَبِسُ ذَلِكَ عَلى خَواصِّ النّاسِ وأرْبابِ السُّلُوكِ، واللَّهُ يَهْدِي مَن يَشاءُ إلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب