الباحث القرآني
* (فائدة)
قال تعالى: ﴿قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم﴾
ثم ذكر وصف أهل الإيمان فقال: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ ورَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وجاهَدُوا بِأمْوالِهِمْ وأنْفُسِهِمْ في سَبِيلِ اللَّهِ أُولَئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ﴾
فالتصديق والطاعة لا يكون إيمانا حتى يكون مطلقا، فإذا تقيد فأعلى أحواله إن سلم من الشك أن يكون إسلاما، ويكون صاحبه من عوام المسلمين، لا من خواص المؤمنين.
* (لطيفة)
وَكانَ بَعْضُ الصَّحابَةِ يُكْثِرُ التَّلْبِيَةَ في إحْرامِهِ، ثُمَّ يَقُولُ لَبَّيْكَ، لَوْ كانَ رِياءً لاضْمَحَلَّ وقَدْ نَفى اللَّهُ تَعالى الإيمانَ عَمَّنِ ادَّعاهُ. ولَيْسَ لَهُ فِيهِ ذَوْقٌ. فَقالَ تَعالى ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا ولَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾ [الحجرات: ١٤].
فَهَؤُلاءِ مُسْلِمُونَ، ولَيْسُوا بِمُؤْمِنِينَ. لِأنَّهم لَيْسُوا مِمَّنْ باشَرَ الإيمانُ قَلْبَهُ، فَذاقَ حَلاوَتَهُ وطَعْمَهُ. وهَذا حالُ أكْثَرِ المُنْتَسِبِينَ إلى الإسْلامِ. ولَيْسَ هَؤُلاءِ كُفّارًا. فَإنَّهُ سُبْحانَهُ أثْبَتَ لَهُمُ الإسْلامَ بِقَوْلِهِ ﴿وَلَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾
وَلَمْ يُرِدْ: قُولُوا بِألْسِنَتِكُمْ، مِن غَيْرِ مُواطَأةِ القَلْبِ.
فَإنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَ قَوْلِهِمْ آمَنّا وقَوْلِهِمْ أسْلَمْنا، ولَكِنْ لَمّا لَمْ يَذُوقُوا طَعْمَ الإيمانِ، قالَ: لَمْ تُؤْمِنُوا. ووَعَدَهم سُبْحانَهُ وتَعالى - مَعَ ذَلِكَ - عَلى طاعَتِهِمْ أنْ لا يُنْقِصَهم مِن أُجُورِ أعْمالِهِمْ شَيْئًا.
ثُمَّ ذَكَرَ أهْلَ الإيمانِ الَّذِينَ ذاقُوا طَعْمَهُ، وهُمُ الَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وبِرَسُولِهِ. ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا في إيمانِهِمْ. وإنَّما انْتَفى عَنْهُمُ الرَّيْبُ: لِأنَّ الإيمانَ قَدْ باشَرَ قُلُوبَهم. وخالَطَتْها بَشاشَتُهُ. فَلَمْ يَبْقَ لِلرَّيْبِ فِيهِ مَوْضِعٌ.
وَصَدَّقَ ذَلِكَ الذَّوْقَ: بَذْلُهم أحَبَّ شَيْءٍ إلَيْهِمْ في رِضا رَبِّهِمْ تَعالى. وهو أمْوالُهم وأنْفُسُهم.
وَمِنَ المُمْتَنِعِ: حُصُولُ هَذا البَذْلِ مِن غَيْرِ ذَوْقِ طَعْمِ الإيمانِ، ووُجُودِ حَلاوَتِهِ.
فَإنَّ ذَلِكَ إنَّما يَحْصُلُ بِصِدْقِ الذَّوْقِ والوَجْدِ.
كَما قالَ الحَسَنُ لَيْسَ الإيمانُ بِالتَّمَنِّي، ولا بِالتَّحَلِّي، ولَكِنْ ما وقَرَ في القَلْبِ، وصَدَّقَهُ العَمَلُ.
فالذَّوْقُ والوَجْدُ: أمْرٌ باطِنٌ، والعَمَلُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ومُصَدِّقٌ لَهُ.
كَما أنَّ الرَّيْبَ والشَّكَّ والنِّفاقَ: أمْرٌ باطِنٌ. والعَمَلُ دَلِيلٌ عَلَيْهِ ومُصَدِّقٌ لَهُ.
فالأعْمالُ ثَمَراتُ العُلُومِ والعَقائِدِ. فاليَقِينُ: يُثْمِرُ الجِهادَ، ومَقاماتِ الإحْسانِ. فَعَلى حَسَبِ قُوَّتِهِ تَكُونُ ثَمَرَتُهُ ونَتِيجَتُهُ.
والرَّيْبُ والشَّكُّ: يُثْمِرُ الأعْمالَ المُناسِبَةَ لَهُ. وبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ.
* (فصل: قاعدة الإيمان المطلق، ومطلق الإيمان)
فالإيمان المطلق لا يطلق إلا على الكامل الكمال المأمور به ومطلق الإيمان يطلق على الناقص والكامل.
ولهذا نفى النبي ﷺ الإيمان المطلق عن الزاني وشارب الخمر والسارق، ولم ينف عنه مطلق الإيمان لئلا يدخل في قوله: ﴿واللَّهُ ولِيُّ المُؤْمِنِينَ﴾ ولا في قوله: ﴿قَدْ أفْلَحَ المُؤْمِنُونَ﴾
ولا في قوله: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إذا ذُكِرَ اللَّهُ وجِلَتْ قُلُوبُهُمْ﴾ إلى آخر الآيات.
ويدخل في قوله: ﴿فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ﴾ وفي قوله: ﴿وَإنْ طائِفَتانِ مِنَ المُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا﴾
وفي قوله: "لا يقتل مؤمن بكافر "
وأمثال ذلك.
فلهذا كان قوله تعالى: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ نفيا للإيمان المطلق لا لمطلق الإيمان لوجوه:
منها أنه أمرهم أو أذن لهم أن يقولوا أسلمنا والمنافق لا يقال له ذلك.
ومنها أنه قال: ﴿قالَتِ الأعْرابُ﴾ ولم يقل قال المنافقون.
ومنها أن هؤلاء الجفاة الذين نادوا رسول الله ﷺ من وراء الحجرات ورفعوا أصواتهم فوق صوته غلظة منهم وجفاء لا نفاقا وكفرا.
ومنها أنه قال ﴿وَلَمّا يَدْخُلِ الإيمانُ في قُلُوبِكُمْ﴾ ولم ينف دخول الإسلام في قلوبهم ولو كانوا منافقين لنفى عنهم الإسلام كما نفى الإيمان.
ومنها أن الله تعالى قال: ﴿وَإنْ تُطِيعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ لا يَلِتْكم مِن أعْمالِكم شَيْئًا﴾ أي لا ينقصكم والمنافق لا طاعة له.
ومنها أنه قال: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أنْ أسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إسْلامَكُمْ﴾ فأثبت لهم إسلامهم ونهاهم أن يمنوا على رسول الله ﷺ ولو لم يكن إسلاما صحيحا لقال لم تسلموا بل أنتم كاذبون كما كذبهم في قولهم: ﴿نَشْهَدُ إنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ﴾ لما لم تطابق شهادتهم اعتقادهم.
ومنها أنه قال: ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ﴾ ولو كانوا منافقين لما من عليهم.
ومنها أنه قال: ﴿أنْ هَداكم لِلإيمانِ﴾ ولا ينافي هذا قوله: ﴿قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا﴾ فإنه نفى الإيمان المطلق ومن عليهم بهدايتهم إلى الإسلام الذي هو متضمن لمطلق الإيمان.
ومنها أن النبي ﷺ لما قسم القسم قال له سعد: أعطيت فلانا وتركت فلانا وهو مؤمن فقال: "أو مسلم ثلاث مرات" وأثبت له الإسلام دون الإيمان.
وفي الآية أسرار بديعة ليس هذا موضعها والمقصود الفرق بين الإيمان المطلق ومطلق الإيمان؛ فالإيمان المطلق يمنع دخول النار ومطلق الإيمان يمنع الخلود فيها.
العاشر: إنك إذا قلت الأمر المطلق فقد أدخلت اللام على الأمر وهي تفيد العموم والشمول، ثم وصفته بعد ذلك بالإطلاق بمعنى أنه لم يقيد بقيد يوجب تخصيصه من شرط أو صفة وغيرهما، فهو عام في كل فرد من الأفراد التي هذا شأنها.
وأما مطلق الأمر فالإضافة فيه ليست للعموم بل للتمييز، فهو قدر مشترك مطلق لا عام فيصدق بفرد من أفراده.
وعلى هذا فمطلق البيع جائز، والبيع المطلق ينقسم إلى جائز وغيره.
والأمر المطلق للوجوب، ومطلق الأمر ينقسم إلى الواجب والمندوب.
والماء المطلق طهور، ومطلق الماء ينقسم إلى طهور وغيره.
والملك المطلق هو الذي يثبت للحر، ومطلق الملك يثبت للعبد.
فإذا قيل العبد هل يملك أم لا يملك؟
كان الصواب إثبات مطلق الملك له دون الملك المطلق.
وإذا قيل هل الفاسق مؤمن أم غير مؤمن؟
فهو على هذا التفصيل والله تعالى أعلم.
فبهذا التحقيق يزول الإشكال في مسألة المندوب هل هو مأمور به أم لا؟ وفي مسألة الفاسق هل هو مؤمن أم لا؟
(قاعِدَة)
الإيمان لَهُ ظاهر وباطن وظاهره قَول اللِّسان وعمل الجَوارِح، وباطنه تَصْدِيق القلب وانقياده ومحبته.
فَلا ينفع ظاهر لا باطِن لَهُ، وإن حقن بِهِ الدِّماء، وعصم بِهِ المال والذريّة.
وَلا يجزئ باطِن لا ظاهر لَهُ إلّا إذا تعذّر بعجز أو إكْراه وخَوف هَلاك، فَتخلف العَمَل ظاهرا مَعَ عدم المانِع دَلِيل على فَساد الباطِن وخلوّه من الإيمان، ونقصه دَلِيل نَقصه، وقوته دَلِيل قوته.
فالإيمان قلب الإسْلام ولبه، واليَقِين قلب الإيمان ولبه، وكل علم وعمل لا يزِيد الإيمان واليَقِين قُوَّة فمدخول، وكل إيمان لا يبْعَث على العَمَل فمدخول.
* [فَصْلٌ: الأحْكامَ تَجْرِي عَلى الظَّواهِرِ]
فَإنْ قِيلَ: قَدْ أطَلْتُمْ الكَلامَ في مَسْألَةِ القُصُودِ في العُقُودِ، ونَحْنُ نُحاكِمُكم إلى القُرْآنِ والسُّنَّةِ وأقْوالِ الأئِمَّةِ، قالَ اللَّهُ تَعالى حِكايَةً عَنْ نَبِيِّهِ نُوحٍ: ﴿وَلا أقُولُ لِلَّذِينَ تَزْدَرِي أعْيُنُكم لَنْ يُؤْتِيَهُمُ اللَّهُ خَيْرًا اللَّهُ أعْلَمُ بِما في أنْفُسِهِمْ إنِّي إذًا لَمِنَ الظّالِمِينَ﴾ [هود: ٣١]
فَرَتَّبَ الحُكْيمَ عَلى ظاهِرِ إيمانِهِمْ، ورَدَّ عِلْمَ ما في أنْفُسِهِمْ إلى العالِمِ بِالسَّرائِرِ تَعالى المُنْفَرِدِ بِعِلْمِ ذاتِ الصُّدُورِ وعِلْمِ ما في النُّفُوسِ مِن عِلْمِ الغَيْبِ، وقَدْ قالَ تَعالى لِرَسُولِهِ: ﴿وَلا أقُولُ لَكم عِنْدِي خَزائِنُ اللَّهِ ولا أعْلَمُ الغَيْبَ﴾ [هود: ٣١]
وَقَدْ قالَ ﷺ: «إنِّي لَمْ أُومَرْ أنْ أُنَقِّبَ عَنْ قُلُوبِ النّاسِ، ولا أشُقَّ بُطُونَهُمْ» وقَدْ قالَ: «أُمِرْت أنْ أُقاتِلَ النّاسَ حَتّى يَقُولُوا لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، فَإذا قالُوها عَصَمُوا مِنِّي دِماءَهم وأمْوالَهم إلّا بِحَقِّ الإسْلامِ وحِسابُهم عَلى اللَّهِ» فاكْتَفى مِنهم بِالظّاهِرِ، ووَكَلَ سَرائِرَهم إلى اللَّهِ، وكَذَلِكَ فَعَلَ بِاَلَّذِينَ تَخَلَّفُوا عَنْهُ واعْتَذَرُوا إلَيْهِ، قَبِلَ مِنهم عَلانِيَتَهُمْ، ووَكَلَ سَرائِرَهم إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وكَذَلِكَ كانَتْ سِيرَتُهُ في المُنافِقِينَ: قَبُولُ ظاهِرِ إسْلامِهِمْ، ويَكِلُ سَرائِرَهم إلى اللَّهِ عَزَّ وجَلَّ، وقالَ تَعالى: ﴿وَلا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ﴾ [الإسراء: ٣٦]
وَلَمْ يَجْعَلْ لَنا عِلْمًا بِالنِّيّاتِ والمَقاصِدِ تَتَعَلَّقُ الأحْكامُ الدُّنْيَوِيَّةُ بِها، فَقَوْلُنا لا عِلْمَ لَنا بِهِ.
قالَ الشّافِعِيُّ: فَرَضَ اللَّهُ تَعالى عَلى خَلْقِهِ طاعَةَ نَبِيِّهِ، ولَمْ يَجْعَلْ لَهم مِن الأمْرِ شَيْئًا، فَأوْلى ألّا يَتَعاطَوْا حُكْمًا عَلى غَيْبِ أحَدٍ بِدَلالَةٍ ولا ظَنٍّ؛ لِقُصُورِ عِلْمِهِمْ مِن عُلُومِ أنْبِيائِهِ الَّذِينَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ الوُقُوفَ عَمّا ورَدَ عَلَيْهِمْ حَتّى يَأْتِيَهم أمْرُهُ؛ فَإنَّهُ تَعالى ظاهَرَ عَلَيْهِمْ الحُجَجَ، فَما جَعَلَ إلَيْهِمْ الحُكْمَ في الدُّنْيا إلّا بِما ظَهَرَ مِن المَحْكُومِ عَلَيْهِ، فَفَرَضَ عَلى نَبِيِّهِ أنْ يُقاتِلَ أهْلَ الأوْثانِ حَتّى يُسْلِمُوا فَتُحْقَنَ دِماؤُهم إذا أظْهَرُوا الإسْلامَ، وأُعْلِمَ أنَّهُ لا يَعْلَمُ صِدْقَهم بِالإسْلامِ إلّا اللَّهُ؛ ثُمَّ أطْلَعَ اللَّهُ رَسُولَهُ عَلى قَوْمٍ يُظْهِرُونَ الإسْلامَ ويُسِرُّونَ غَيْرَهُ فَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِخِلافِ حُكْمِ الإسْلامِ، ولَمْ يَجْعَلْ لَهُ أنْ يَقْضِيَ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا بِخِلافِ ما أظْهَرُوا؛ فَقالَ لِنَبِيِّهِ: ﴿قالَتِ الأعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا ولَكِنْ قُولُوا أسْلَمْنا﴾ [الحجرات: ١٤]
يَعْنِي أسْلَمْنا بِالقَوْلِ مَخافَةَ القَتْلِ والسَّبْيِ، ثُمَّ أخْبَرَهم أنَّهُ يَجْزِيهِمْ إنْ أطاعُوا اللَّهَ ورَسُولَهُ، يَعْنِي إنْ أحْدَثُوا طاعَةَ اللَّهِ ورَسُولِهِ، وقالَ في المُنافِقِينَ وهم صِنْفٌ ثانٍ: ﴿إذا جاءَكَ المُنافِقُونَ﴾ إلى قَوْلِهِ: ﴿اتَّخَذُوا أيْمانَهم جُنَّةً﴾ [المنافقون: ٢]
يَعْنِي جُنَّةً مِن القَتْلِ، وقالَ: ﴿سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكم إذا انْقَلَبْتُمْ إلَيْهِمْ﴾ [التوبة: ٩٥]
فَأمَرَ بِقَبُولِ ما أظْهَرُوا، ولَمْ يَجْعَلْ لِنَبِيِّهِ أنْ يَحْكُمَ عَلَيْهِمْ بِخِلافِ حُكْمِ الإيمانِ، وقَدْ أعْلَمَ اللَّهُ نَبِيَّهُ أنَّهم في الدَّرْكِ الأسْفَلِ مِن النّارِ؛ فَجَعَلَ حُكْمَهُ تَعالى عَلَيْهِمْ عَلى سَرائِرِهِمْ، وحُكْمَ نَبِيِّهِ عَلَيْهِمْ في الدُّنْيا عَلى عَلانِيَتِهِمْ بِإظْهارِ التَّوْبَةِ وما قامَتْ عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ مِن المُسْلِمِينَ وبِما أقَرُّوا بِقَوْلِهِ وما جَحَدُوا مِن قَوْلِ الكُفْرِ ما لَمْ يُقِرُّوا بِهِ ولَمْ يَقُمْ بِهِ بَيِّنَةٌ عَلَيْهِمْ، وقَدْ كَذَّبَهم في قَوْلِهِمْ في كُلِّ ذَلِكَ، وكَذَلِكَ أخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنْ اللَّهِ، أخْبَرَنا مالِكٌ عَنْ ابْنِ شِهابٍ عَنْ عَطاءِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَدِيِّ بْنِ الخِيارِ: أنَّ
«رَجُلًا سارَّ النَّبِيَّ ﷺ، فَلَمْ يَدْرِ ما سارَّهُ حَتّى جَهَرَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَإذا هو يُشاوِرُهُ في قَتْلِ رَجُلٍ مِن المُنافِقِينَ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: ألَيْسَ يَشْهَدُ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ؟ قالَ: بَلى، ولا شَهادَةَ لَهُ، فَقالَ: ألَيْسَ يُصَلِّي؟ قالَ: بَلى، ولا صَلاةَ لَهُ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: أُولَئِكَ الَّذِينَ نَهانِي اللَّهُ عَنْ قَتْلِهِمْ» ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ:
«أُمِرْت أنْ أُقاتِلَ النّاسَ»
ثُمَّ قالَ: فَحِسابُهم عَلى اللَّهِ بِصِدْقِهِمْ وكَذِبِهِمْ، وسَرائِرُهم إلى اللَّهِ العالِمِ بِسَرائِرِهِمْ المُتَوَلِّي الحُكْمَ عَلَيْهِمْ دُونَ أنْبِيائِهِ وحُكّامِ خَلْقِهِ.
وَبِذَلِكَ مَضَتْ أحْكامُ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فِيما بَيْنَ العِبادِ مِن الحُدُودِ وجَمِيعِ الحُقُوقِ، أعْلَمَهم أنَّ جَمِيعَ أحْكامِهِ عَلى ما يُظْهِرُونَ، واللَّهُ يُدِينُ بِالسَّرائِرِ.
* [فصل: وُضِعَتْ الألْفاظُ لِتَعْرِيفِ ما في النَّفْسِ]
إنّ اللَّهَ تَعالى وضَعَ الألْفاظَ بَيْنَ عِبادِهِ تَعْرِيفًا ودَلالَةً عَلى ما في نُفُوسِهِمْ، فَإذا أرادَ أحَدُهم مِن الآخَرِ شَيْئًا عَرَّفَهُ بِمُرادِهِ وما في نَفْسِهِ بِلَفْظِهِ، ورَتَّبَ عَلى تِلْكَ الإراداتِ والمَقاصِدِ أحْكامَها بِواسِطَةِ الألْفاظِ، ولَمْ يُرَتِّبْ تِلْكَ الأحْكامَ عَلى مُجَرَّدِ ما في النُّفُوسِ مِن غَيْرِ دَلالَةِ فِعْلٍ أوْ قَوْلٍ، ولا عَلى مُجَرَّدِ ألْفاظٍ مَعَ العِلْمِ بِأنَّ المُتَكَلِّمَ بِها لَمْ يُرِدْ مَعانِيَها ولَمْ يُحِطْ بِها عِلْمًا، بَلْ تَجاوَزَ لِلْأُمَّةِ عَمّا حَدَّثَتْ بِهِ أنْفُسَها ما لَمْ تَعْمَلْ بِهِ أوْ تُكَلِّمْ بِهِ، وتَجاوَزَ لَها عَمّا تَكَلَّمَتْ بِهِ مُخْطِئَةً أوْ ناسِيَةً أوْ مُكْرَهَةً أوْ غَيْرَ عالِمَةٍ بِهِ إذا لَمْ تَكُنْ مُرِيدَةً لِمَعْنى ما تَكَلَّمَتْ بِهِ أوْ قاصِدَةً إلَيْهِ، فَإذا اجْتَمَعَ القَصْدُ والدَّلالَةُ القَوْلِيَّةُ أوْ الفِعْلِيَّةُ تَرَتَّبَ الحُكْمُ.
هَذِهِ قاعِدَةُ الشَّرِيعَةِ، وهي مِن مُقْتَضَياتِ عَدْلِ اللَّهِ وحِكْمَتِهِ ورَحْمَتِهِ، فَإنَّ خَواطِرَ القُلُوبِ وإرادَةَ النُّفُوسِ لا تَدْخُلُ تَحْتَ الِاخْتِيارِ، فَلَوْ تَرَتَّبَتْ عَلَيْها الأحْكامُ لَكانَ في ذَلِكَ أعْظَمُ حَرَجٍ ومَشَقَّةٍ عَلى الأُمَّةِ، ورَحْمَةُ اللَّهِ تَعالى وحِكْمَتُهُ تَأْبى ذَلِكَ، والغَلَطُ والنِّسْيانُ والسَّهْوُ وسَبْقُ اللِّسانِ بِما لا يُرِيدُهُ العَبْدُ بَلْ يُرِيدُ خِلافَهُ والتَّكَلُّمُ بِهِ مُكْرَهًا وغَيْرَ عارِفٍ لِمُقْتَضاهُ مِن لَوازِمِ البَشَرِيَّةِ لا يَكادُ يَنْفَكُّ الإنْسانُ مِن شَيْءٍ مِنهُ؛ فَلَوْ رَتَّبَ عَلَيْهِ الحُكْمَ لَحَرَجَتْ الأُمَّةُ وأصابَها غايَةُ التَّعَبِ والمَشَقَّةِ؛ فَرَفَعَ عَنْها المُؤاخَذَةَ بِذَلِكَ كُلِّهِ حَتّى الخَطَأِ في اللَّفْظِ مِن شِدَّةِ الفَرَحِ والغَضَبِ والسُّكْرِ كَما تَقَدَّمَتْ شَواهِدُهُ.
وَكَذَلِكَ الخَطَأُ والنِّسْيانُ والإكْراهُ والجَهْلُ بِالمَعْنى وسَبْقُ اللِّسانِ بِما لَمْ يُرِدْهُ والتَّكَلُّمُ في الإغْلاقِ ولَغْوُ اليَمِينِ؛ فَهَذِهِ عَشْرَةُ أشْياءَ لا يُؤاخِذُ اللَّهُ بِها عَبْدَهُ بِالتَّكَلُّمِ في حالٍ مِنها؛ لِعَدَمِ قَصْدِهِ وعَقْدِ قَلْبِهِ الَّذِي يُؤاخِذُهُ بِهِ.
* (فصل: إلحاق علامة التأنيث للفعل)
قالوا إن الاسم المؤنث لو كان تأنيثه حقيقيا فلا بد من لحوق تاء التأنيث في الفعل، وإن كان مجازيا لكنت بالخيار وزعموا أن التاء في: ﴿قالَتِ الأعْرابُ﴾ ونحوه لتأنيث الجماعة وهو غير حقيقي وقد كان على لحوق التاء في: ﴿وَقالَ نِسْوَةٌ﴾ أولى لأن تأنيثهن حقيقي واتفقوا أن الفعل إذا تأخر عن فاعله المؤنث فلا بد من إثبات التاء وإن لم يكن التأنيث حقيقيا ولم يذكروا فرقا بين تقدم الفعل وتأخره.
ومما يقال لهم إذا لحقت التاء لتأنيث الجماعة فلم لا يجوز في جمع السلامة المذكر كما جازت في جمع التكسير ومما يقال لهم أيضا إذا كان لفظ الجماعة مؤنثا فلفظ الجمع مذكر فلم روعي لفظ التأنيث دون لفظ التذكير.
فإن قلت أنت مخير فإن راعيت لفظ التأنيث أنثت، وإن راعيت لفظ التذكير ذكرت.
قيل لهم هذا باطل فإن أحدا من العرب لم يقل الهندان ذهب ولا الأعراب انطلق.
مراعاة للفظ الجمع، فبطلت العلة فهذه عللهم قد انتقضت كما ترى فاسمع الآن سر المسألة وكشف قناعها.
الأصل في هذا الباب أن الفعل متى اتصل بفاعله ولم يحجز بينهما حاجز لحقت العلامة ولا نبالي أكان التأنيث حقيقيا أم مجازيا فتقول طابت الثمرة، وجاءت هند إلا أن يكون الاسم المؤنث في معنى اسم آخر مذكر كالحوادث والحدثان والأرض،: فلذلك جاء فإن الحوادث أودى بها.
فإن الحوادث في معنى الحدثان وجاء ولا أرض أبقل إبقالها فإنه في معنى ولا مكان أبقل إبقالها وإذا فصلت الفعل عن فاعله فكلما بعد عنه قوي حذف العلامة وكلما قرب قوي إثباتها وإن توسط توسط ف حضر القاضي اليوم امرأة أحسن من حضرت وفي القرآن: ﴿وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ ومن هنا كان إذا تأخر الفعل عن الفاعل وجب ثبوت التاء طال الكلام أم قصر لأن الفعل إذا تأخر كان فاعله مضمرا متصلا به اتصال الجزء بالكل فلم يكن بد من ثبوت التاء لفرط الاتصال وإذا تقدم الفعل متصلا بفاعله الظاهر فليس مؤخر الاتصال كهو مع المضمر لأن الفاعل الظاهر كلمة والفعل كلمة أخرى كان حذف التاء في تأنيث هند وطابت الثمرة أقرب إلى الجواز منه في قولك الثمرة طابت فإن حجز بين الفعل وفاعله حاجز كان حذف التاء حسنا وكلما كثرت الحواجز كان حذفها أحسن فإن كان الفاعل جمعا مكسرا دخلت التاء للتأنيث وحذفت لتذكير اللفظ لأنه بمنزلة الواحد في أن إعرابه كإعرابه، ومجراه في كثير من الكلام مجرى اسم الجنس فإن كان الجمع مسلما فلا بد من التذكير لسلامة لفظ الواحدة فلا تقول قالت الكافرون كما لا تقول قالت الكافر لأن اللفظ بحاله لم يتغير بطرو الجمع عليه.
فإن قيل: فلم لا تقول الأعراب قال: كما تقوله مقدما؟
قيل ثبوت التاء إنما كان مراعاة لمعنى الجماعة فإذا أردت ذلك المعنى أثبت التاء وإن تأخر الفعل لم يجز حذفه لاتصال الضمير وإن لم ترد معنى الجماعة حذفت التاء إذا تقدم الفعل ولم يحتج إليها إذا تأخر لأن ضمير الفاعلين لجماعة في المعنى وليسوا جمعا لأن الجمع مصدر جمعت أجمع فمن قال: إن التذكير في ذهب الرجال وقام الهندات مراعاة لمعنى الجمع فقد أخطأ وأما حذف التاء من وقال نسوة فلأنه اسم جمع كرهط وقوم ولولا أن فيه تاء التأنيث لفتحت التاء في فعله ولكنه قد يجوز أن تقول قالت نسوة كما تقول: سألت قبيلة ونسوة.
فإن قلت: إذا كانت النسوة باللام كان دخول التاء في الفعل أحسن كما كان ذلك في ﴿قالت الأعراب﴾ لأن اللام للعهد وكان الاسم قد تقدم ذكره فأشبهت حال الفعل حاله إذا كان فيه ضمير يعود إلى مذكور من أجل الألف واللام فإنها ترد إلى معهود معنى الصيحة في القرآن الكريم
فإذا قلت: فإذا استوى ذكر التاء وتركها في الفعل المتقدم وفاعله مؤنث غير حقيقي فما الحكمة في اختصاصها في قصة شعيب بالفعل وحذفها في قصة صالح {وأخذ الذين ظلموا الصيحة)؟
قلت الصيحة في قصة صالح في معنى العذاب والخزي إذ كانت منتظمة بقوله سبحانه: ﴿وَمِن خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إنَّ رَبَّكَ هو القَوِيُّ العَزِيزُ﴾ فصارت الصيحة عبارة عن ذلك الخزي وعن العذاب المذكور في الآية فقوي التذكير بخلاف قصة شعيب فإنه لم يذكر فيها ذلك.
هذا جواب السهيلي.
وعندي فيه جواب أحسن من هذا إن شاء الله وهو: أن الصيحة يراد بها المصدر بمعنى الصياح فيحسن فيها التذكير ويراد بها الواحدة من المصدر فيكون التأنيث أحسن وقد أخبر تعالى عن العذاب الذي أصاب به قوم شعيب بثلاثة أمور كلها مؤنثة اللفظ أحدها: الرجفة في قوله في الأعراف: ﴿فَأخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأصْبَحُوا في دارِهِمْ جاثِمِينَ﴾
الثاني: الظلة بقوله: ﴿فَكَذَّبُوهُ فَأخَذَهم عَذابُ يَوْمِ الظُّلَّةِ﴾
الثالث: الصيحة: ﴿وَأخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ﴾ وجمع لهم بين الثلاثة فإن الرجفة بدأت بهم فأصحروا إلى الفضاء خوفا من سقوط الأبنية عليهم فصهرتهم الشمس بحرها ورفعت لهم الظلة فأهرعوا إليها يستظلون بها من الشمس فنزل عليهم منها العذاب وفيه الصيحة فكان ذكر الصيحة مع الرجفة والظلة أحسن من ذكر الصياح وكان ذكر التاء والله أعلم.
{"ayah":"۞ قَالَتِ ٱلۡأَعۡرَابُ ءَامَنَّاۖ قُل لَّمۡ تُؤۡمِنُوا۟ وَلَـٰكِن قُولُوۤا۟ أَسۡلَمۡنَا وَلَمَّا یَدۡخُلِ ٱلۡإِیمَـٰنُ فِی قُلُوبِكُمۡۖ وَإِن تُطِیعُوا۟ ٱللَّهَ وَرَسُولَهُۥ لَا یَلِتۡكُم مِّنۡ أَعۡمَـٰلِكُمۡ شَیۡـًٔاۚ إِنَّ ٱللَّهَ غَفُورࣱ رَّحِیمٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق