الباحث القرآني
* (فائدة)
وَأمّا كَلامُهم في مَسْألَةِ الفَقِيرِ الصّابِرِ، والغَنِيِّ الشّاكِرِ وتَرْجِيحِ أحَدِهِما عَلى صاحِبِهِ.
فَعِنْدَ أهْلِ التَّحْقِيقِ والمَعْرِفَةِ: أنَّ التَّفْضِيلَ لا يَرْجِعُ إلى ذاتِ الفَقْرِ والغِنى. وإنَّما يَرْجِعُ إلى الأعْمالِ والأحْوالِ والحَقائِقِ. فالمَسْألَةُ أيْضًا فاسِدَةٌ في نَفْسِها. فَإنَّ التَّفْضِيلَ عِنْدَ اللَّهِ تَعالى بِالتَّقْوى، وحَقائِقِ الإيمانِ. لا بِفَقْرٍ ولا غِنًى، كَما قالَ تَعالى ﴿إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾
وَلَمْ يَقُلْ أفْقَرُكم ولا أغْناكم.
قالَ شَيْخُ الإسْلامِ ابْنُ تَيْمِيَّةَ - قَدَّسَ اللَّهُ رُوحَهُ - والفَقْرُ والغِنى ابْتِلاءٌ مِنَ اللَّهِ لِعَبْدِهِ. كَما قالَ تَعالى ﴿فَأمّا الإنْسانُ إذا ما ابْتَلاهُ رَبُّهُ فَأكْرَمَهُ ونَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أكْرَمَنِ (١٥) وأمّا إذا ما ابْتَلاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أهانَنِ (١٦) كَلّا﴾
أيْ لَيْسَ كُلُّ مَن وسَّعْتُ عَلَيْهِ وأعْطَيْتُهُ: أكُونُ قَدْ أكْرَمْتُهُ، ولا كُلُّ مَن ضَيَّقْتُ عَلَيْهِ وقَتَّرْتُ: أكُونُ قَدْ أهَنْتُهُ، فالإكْرامُ: أنْ يُكْرِمَ اللَّهُ العَبْدَ بِطاعَتِهِ، والإيمانِ بِهِ، ومَحَبَّتِهِ ومَعْرِفَتِهِ. والإهانَةُ: أنْ يَسْلُبَهُ ذَلِكَ.
قالَ - يَعْنِي ابْنَ تَيْمِيَّةَ - ولا يَقَعُ التَّفاضُلُ بِالغِنى والفَقْرِ.
بَلْ بِالتَّقْوى، فَإنِ اسْتَوَيا في التَّقْوى اسْتَوَيا في الدَّرَجَةِ. سَمِعْتُهُ يَقُولُ ذَلِكَ.
وَتَذاكَرُوا هَذِهِ المَسْألَةِ عِنْدَ يَحْيى بْنِ مُعاذٍ. فَقالَ: لا يُوزَنُ غَدًا الفَقْرُ ولا الغِنى، وإنَّما يُوزَنُ الصَّبْرُ والشُّكْرُ.
* (فصل)
قِيلَ: لا رَيْبَ أنَّ الوَلَدَ مُنْعَقِدٌ مِن ماءِ الأبِ كَما هو مُنْعَقِدٌ مِن ماءِ الأُمِّ، ولَكِنْ إنّما تَكَوَّنَ وصارَ مالًا مُتَقَوِّمًا في بَطْنِ الأُمِّ؛ فالأجْزاءُ الَّتِي صارَ بِها كَذَلِكَ مِن الأُمِّ أضْعافُ أضْعافُ الجُزْءِ الَّذِي مِن الأبِ، مَعَ مُساواتِها لَهُ في ذَلِكَ الجُزْءِ؛ فَهو إنّما تَكَوَّنَ في أحْشائِها مِن لَحْمِها ودَمِها، ولَمّا وضَعَهُ الأبُ لَمْ يَكُنْ لَهُ قِيمَةٌ أصْلًا، بَلْ كانَ كَما سَمّاهُ اللَّهُ ماءً مَهِينًا لا قِيمَةَ لَهُ، ولِهَذا لَوْ نَزا فَحْلُ رَجُلٍ عَلى رَمَكَةِ آخَرَ كانَ الوَلَدُ لِمالِكِ الأُمِّ بِاتِّفاقِ المُسْلِمِينَ، وهَذا بِخِلافِ البَذْرِ فَإنَّهُ مالٌ مُتَقَوِّمٌ لَهُ قِيمَةٌ قَبْلَ وضْعِهِ في الأرْضِ يُعاوَضُ عَلَيْهِ بِالأثْمانِ، وعَسْبُ الفَحْلِ لا يُعاوَضُ عَلَيْهِ، فَقِياسُ أحَدِهِما عَلى الآخَرِ مِن أبْطَلْ القِياسِ.
فَإنْ قِيلَ: فَهَلّا طَرَدْتُمْ ذَلِكَ في النَّسَبِ، وجَعَلْتُمُوهُ لِلْأُمِّ كَما جَعَلْتُمُوهُ لِلْأبِ.
قِيلَ: قَدْ اتَّفَقَ المُسْلِمُونَ عَلى أنَّ النَّسَبَ لِلْأبِ، كَما اتَّفَقُوا عَلى أنَّهُ يَتْبَعُ الأُمَّ في الحُرِّيَّةِ والرِّقِّ، وهَذا هو الَّذِي تَقْتَضِيهِ حِكْمَةُ اللَّهِ شَرْعًا وقَدَرًا؛ فَإنَّ الأبَ هو المَوْلُودُ لَهُ، والأُمُّ وِعاءٌ وإنْ تَكَوَّنَ فِيها، واللَّهُ سُبْحانَهُ جَعَلَ الوَلَدَ خَلِيفَةَ أبِيهِ وشَجْنَتِهِ والقائِمَ مَقامَهُ، ووَضَعَ الأنْسابَ بَيْنَ عِبادِهِ؛ فَيُقالُ: فُلانٌ بْنُ فُلانٍ، ولا تَتِمُّ مَصالِحُهم وتَعارُفُهم ومُعامَلاتُهم إلّا بِذَلِكَ، كَما قالَ تَعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا﴾ [الحجرات: ١٣]
فَلَوْلا ثُبُوتُ الأنْسابِ مِن قِبَلِ الآباءِ لَما حَصَلَ التَّعارُفُ، ولَفَسَدَ نِظامُ العِبادِ؛ فَإنَّ النِّساءَ مُحْتَجِباتٍ مَسْتُوراتٍ عَنْ العُيُونِ؛ فَلا يُمْكِنُ في الغالِبِ أنْ تُعْرَفَ عَيْنُ الأُمِّ فَيَشْهَدُ عَلى نَسَبِ الوَلَدِ مِنها، فَلَوْ جُعِلَتْ الأنْسابُ لِلْأُمَّهاتِ لَضاعَتْ وفَسَدَتْ، وكانَ ذَلِكَ مُناقِضًا لِلْحِكْمَةِ والرَّحْمَةِ والمَصْلَحَةِ، ولِهَذا إنّما يُدْعى النّاسُ يَوْمَ القِيامَةِ بِآبائِهِمْ لا بِأُمَّهاتِهِمْ.
قالَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ: بابُ يُدْعى النّاسُ بِآبائِهِمْ يَوْمَ القِيامَةِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ: «لِكُلِّ غادِرٍ لِواءٌ يَوْمَ القِيامَةِ عِنْدَ اسْتِهِ بِقَدْرِ غَدْرَتِهِ، يُقالُ: هَذِهِ غَدْرَةُ فُلانٍ بْنِ فُلانٍ».
فَكانَ مِن تَمامِ الحِكْمَةِ أنْ جَعَلَ الحُرِّيَّةَ والرِّقَّ تَبَعًا لِلْأُمِّ، والنَّسَبَ تَبَعًا لِلْأبِ، والقِياسُ الفاسِدُ إنّما يَجْمَعُ بَيْنَ ما فَرَّقَ اللَّهُ بَيْنَهُ أوْ يُفَرِّقَ بَيْنَ ما جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُ.
فَإنْ قِيلَ: فَهَلّا طَرَدْتُمْ ذَلِكَ في الوَلاءِ، بَلْ جَعَلْتُمُوهُ لِمَوالِي الأُمِّ، والوَلاءُ لَحْمَةٌ كَلَحْمَةِ النَّسَبِ.
قِيلَ: لَمّا كانَ الوَلاءُ مِن آثارِ الرِّقِّ ومُوجَباتُهُ كانَ تابِعًا لَهُ في حُكْمِهِ، فَكانَ لِمَوالِي الأُمِّ، ولَمّا كانَ فِيهِ شائِبَةُ النَّسَبِ وهو لَحْمَةٌ كَلَحْمَتِهِ رَجَعَ إلى مَوالِي الأبِ عِنْدَ انْقِطاعِهِ عَنْ مَوالِي الأُمِّ، فَرُوعِيَ فِيهِ الأمْرانِ، ورَتَّبَ عَلَيْهِ الأثَرانِ.
فَإنْ قِيلَ: فَهَلّا جَعَلْتُمْ الوَلَدَ في الدِّيْنِ تابِعًا لِمَن لَهُ النَّسَبُ، بَلْ ألْحَقْتُمُوهُ بِأبِيهِ تارَةً وبِأُمِّهِ تارَةً.
قِيلَ: الطِّفْلُ لا يَسْتَقِلُّ بِنَفْسِهِ، بَلْ لا يَكُونُ إلّا تابِعًا لِغَيْرِهِ؛ فَجَعَلَهُ الشّارِعُ تابِعًا لِخَيْرِ أبَوَيْهِ في الدِّينِ تَغْلِيبًا لِخَيْرِ الدِّينَيْنِ، فَإنَّهُ إذا لَمْ يَكُنْ لَهُ بُدٌّ مِن التَّبَعِيَّةِ لَمْ يَجُزْ أنْ يَتْبَعَ مَن هو عَلى دِينِ الشَّيْطانِ، وتَنْقَطِعُ تَبَعِيَّتُهُ عَمَّنْ هو عَلى دِينِ الرَّحْمَنِ؛ فَهَذا مُحالٌ في حِكْمَةِ اللَّهِ تَعالى وشَرْعِهِ.
* وقال في (التبيان في أقسام القرآن)
قالوا: الحس شاهد أن الأجزاء التي في المولود من أمه أضعاف أضعاف الأجزاء التي فيه من أبيه.
فثبت أن تكوينه من مني الأم ودم الطمث، ومني الأب عاقد له كالأنفحة.
ونازعهم الجمهور، وقالوا: إنه يتكون من مني الرجل والأنثى، ثم لهم قولان.
أحدهما: أن يكون من مني الذكر أعضاؤه، وأجزاؤه، ومن مني الأنثى صورته.
والثاني: أن الأعضاء والأجزاء والصورة تكونت من مجموع الماءين، وأنهما امتزجا واختلطا وصارا ماء واحدا. وهذا هو الصواب، لأننا نجد الصورة والتشكيل تارة إلى الأب، وتارة إلى الأم. والله أعلم.
وقد دل على هذا قوله تعالى: ﴿يا أيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى﴾
والأصل: هو الذكر. فمنه البذر، ومنه السقي.
والأنثى وعاء ومستودع لولده. تربيه في بطنها، كما تربيه في حجرها.
ولهذا كان الولد للأب حكما ونسبا.
وأما تبعيته للأم في الحرية والرق فلأنه إنما تكوّن وصار ولدا في بطنها، وغذته بلبانها مع الجزء الذي فيه منها.
وكان الأب أحق بنسبه وتعصيبه لأنه أصله ومادته ونسخته.
وكان أشرفهما دينا أولى به، تغليبا لدين الله وشرعه.
* [فَصْلٌ: في حُكْمِهِ ﷺ في الكَفاءَةِ في النِّكاحِ]
قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿ياأيُّها النّاسُ إنّا خَلَقْناكم مِن ذَكَرٍ وأُنْثى وجَعَلْناكم شُعُوبًا وقَبائِلَ لِتَعارَفُوا إنَّ أكْرَمَكم عِنْدَ اللَّهِ أتْقاكُمْ﴾ [الحجرات: ١٣].
وَقالَ تَعالى: ﴿إنَّما المُؤْمِنُونَ إخْوَةٌ﴾ [الحجرات: ١٠].
وَقالَ: ﴿والمُؤْمِنُونَ والمُؤْمِناتُ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ﴾ [التوبة: ٧١]
وَقالَ تَعالى: ﴿فاسْتَجابَ لَهم رَبُّهم أنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنكم مِن ذَكَرٍ أوْ أُنْثى بَعْضُكم مِن بَعْضٍ﴾ [آل عمران: ١٩٥]
وَقالَ ﷺ:
«لا فَضْلَ لِعَرَبِيٍّ عَلى عَجَمِيٍّ، ولا لِعَجَمِيٍّ عَلى عَرَبِيٍّ، ولا لِأبْيَضَ عَلى أسْوَدَ. ولا لِأسْوَدَ عَلى أبْيَضَ إلّا بِالتَّقْوى، النّاسُ مِن آدَمَ، وآدَمُ مِن تُرابٍ».
وَقالَ ﷺ: «إنَّ آلَ بَنِي فُلانٍ لَيْسُوا لِي بِأوْلِياءَ، إنَّ أوْلِيائِيَ المُتَّقُونَ حَيْثُ كانُوا وأيْنَ كانُوا».
وَفِي الترمذي: عَنْهُ ﷺ
«إذا جاءَكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأنْكِحُوهُ، إلّا تَفْعَلُوهُ تَكُنْ فِتْنَةٌ في الأرْضِ وفَسادٌ كَبِيرٌ)،
قالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ وإنْ كانَ فِيهِ؟ فَقالَ إذا جاءَكم مَن تَرْضَوْنَ دِينَهُ وخُلُقَهُ فَأنْكِحُوهُ ثَلاثَ مَرّاتٍ».
«وَقالَ النَّبِيُّ ﷺ لِبَنِي بَياضَةَ (أنْكِحُوا أبا هند وأنْكِحُوا إلَيْهِ» وكانَ حَجّامًا.
«وَزَوَّجَ النَّبِيُّ ﷺ زينب بنت جحش القرشية مِن زَيْدِ بْنِ حارِثَةَ مَوْلاهُ» «وَزَوَّجَ فاطمة بنت قيس الفهرية القرشية مِن أسامة ابْنِهِ»
وَتَزَوَّجَ بِلالُ بْنُ رَباحٍ بِأُخْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، وقَدْ قالَ اللَّهُ تَعالى: ﴿والطَّيِّباتُ لِلطَّيِّبِينَ والطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّباتِ﴾ [النور: ٢٦]
وَقَدْ قالَ تَعالى: ﴿فانْكِحُوا ما طابَ لَكم مِنَ النِّساءِ﴾ [النساء: ٣]
فالَّذِي يَقْتَضِيهِ حُكْمُهُ ﷺ اعْتِبارُ الدِّينِ في الكَفاءَةِ أصْلًا وكَمالًا، فَلا تُزَوَّجُ مُسْلِمَةٌ بِكافِرٍ، ولا عَفِيفَةٌ بِفاجِرٍ، ولَمْ يَعْتَبِرِ القُرْآنُ والسُّنَّةُ في الكَفاءَةِ أمْرًا وراءَ ذَلِكَ، فَإنَّهُ حَرَّمَ عَلى المُسْلِمَةِ نِكاحَ الزّانِي الخَبِيثِ، ولَمْ يَعْتَبِرْ نَسَبًا ولا صِناعَةً ولا غِنًى ولا حُرِّيَّةً، فَجَوَّزَ لِلْعَبْدِ القِنِّ نِكاحَ الحُرَّةِ النَّسِيبَةِ الغَنِيَّةِ، إذا كانَ عَفِيفًا مُسْلِمًا، وجَوَّزَ لِغَيْرِ القُرَشِيِّينَ نِكاحَ القُرَشِيّاتِ، ولِغَيْرِ الهاشِمِيِّينَ نِكاحَ الهاشِمِيّاتِ، ولِلْفُقَراءِ نِكاحَ المُوسِراتِ.
وَقَدْ تَنازَعَ الفُقَهاءُ في أوْصافِ الكَفاءَةِ فَقالَ مالك في ظاهِرِ مَذْهَبِهِ إنِّها
الدِّينُ وفي رِوايَةٍ عَنْهُ إنِّها ثَلاثَةٌ الدِّينُ والحُرِّيَّةُ والسَّلامَةُ مِنَ العُيُوبِ.
وَقالَ أبو حنيفة: هي النَّسَبُ والدِّينُ.
وَقالَ أحمد في رِوايَةٍ عَنْهُ هي الدِّينُ والنَّسَبُ خاصَّةً. وفي رِوايَةٍ أُخْرى: هي خَمْسَةٌ الدِّينُ والنَّسَبُ والحُرِّيَّةُ والصِّناعَةُ والمالُ. وإذا اعْتُبِرَ فِيها النَّسَبُ فَعَنْهُ فِيهِ رِوايَتانِ: إحْداهُما: أنَّ العَرَبَ بَعْضُهم لِبَعْضٍ أكْفاءٌ. الثّانِيَةُ: أنَّ قُرَيْشًا لا يُكافِئُهم إلّا قُرَشِيٌّ، وبَنُو هاشِمٍ لا يُكافِئُهم إلّا هاشِمِيٌّ.
وَقالَ أصْحابُ الشّافِعِيِّ: يُعْتَبَرُ فِيها الدِّينُ والنَّسَبُ والحُرِّيَّةُ والصِّناعَةُ والسَّلامَةُ مِنَ العُيُوبِ المُنَفِّرَةِ.
وَلَهم في اليَسارِ ثَلاثَةُ أوْجُهٍ: اعْتِبارُهُ فِيها، وإلْغاؤُهُ، واعْتِبارُهُ في أهْلِ المُدُنِ دُونَ أهْلِ البَوادِي؛ فالعَجَمِيُّ لَيْسَ عِنْدَهم كُفْئًا لِلْعَرَبِيِّ، ولا غَيْرُ القُرَشِيِّ لِلْقُرَشِيَّةِ، ولا غَيْرُ الهاشِمِيِّ لِلْهاشِمِيَّةِ، ولا غَيْرُ المُنْتَسِبَةِ إلى العُلَماءِ والصُّلَحاءِ المَشْهُورِينَ كُفْئًا لِمَن لَيْسَ مُنْتَسِبًا إلَيْهِما، ولا العَبْدُ كُفْئًا لِلْحُرَّةِ، ولا العَتِيقُ كُفْئًا لِحُرَّةِ الأصْلِ، ولا مَن مَسَّ الرِّقُّ أحَدَ آبائِهِ كُفْئًا لِمَن لَمْ يَمَسَّها رِقٌّ، ولا أحَدًا مِن آبائِها، وفي تَأْثِيرِ رِقِّ الأُمَّهاتِ وجْهانِ، ولا مَن بِهِ عَيْبٌ مُثْبِتٌ لِلْفَسْخِ كُفْئًا لِلسَّلِيمَةِ مِنهُ، فَإنْ لَمْ يَثْبُتِ الفَسْخُ وكانَ مُنَفِّرًا كالعَمى والقَطْعِ، وتَشْوِيهِ الخِلْقَةِ، فَوَجْهانِ: واخْتارَ الرُّويانِيُّ أنَّ صاحِبَهُ لَيْسَ بِكُفْءٍ، ولا الحَجّامُ والحائِكُ والحارِسُ كُفْئًا لِبِنْتِ التّاجِرِ والخَيّاطِ ونَحْوِهِما، ولا المُحْتَرِفُ لِبِنْتِ العالِمِ، ولا الفاسِقُ كُفْئًا لِلْعَفِيفَةِ، ولا المُبْتَدِعُ لِلسُّنِّيَّةِ، ولَكِنِ الكَفاءَةُ عِنْدَ الجُمْهُورِ هي حَقٌّ لِلْمَرْأةِ والأوْلِياءِ.
ثُمَّ اخْتَلَفُوا فَقالَ أصْحابُ الشّافِعِيِّ: هي لِمَن لَهُ وِلايَةٌ في الحالِ.
وَقالَ أحمد في رِوايَةٍ: حَقٌّ لِجَمِيعِ الأوْلِياءِ، قَرِيبُهم وبَعِيدُهُمْ، فَمَن لَمْ يَرْضَ مِنهم فَلَهُ الفَسْخُ. وقالَ أحمد في رِوايَةٍ ثالِثَةٍ: إنِّها حَقُّ اللَّهِ، فَلا يَصِحُّ رِضاهم بِإسْقاطِهِ، ولَكِنْ عَلى هَذِهِ الرِّوايَةِ لا تُعْتَبَرُ الحُرِّيَّةُ ولا اليَسارُ، ولا الصِّناعَةُ ولا النَّسَبُ، إنَّما يُعْتَبَرُ الدِّينُ فَقَطْ فَإنَّهُ لَمْ يَقُلْ أحمد، ولا أحَدٌ مِنَ العُلَماءِ إنَّ نِكاحَ الفَقِيرِ لِلْمُوسِرَةِ باطِلٌ، وإنْ رَضِيَتْ، ولا يَقُولُ هو ولا أحَدٌ: إنَّ نِكاحَ الهاشِمِيَّةِ لِغَيْرِ الهاشِمِيِّ والقُرَشِيَّةِ لِغَيْرِ القُرَشِيِّ باطِلٌ، وإنَّما نَبَّهْنا عَلى هَذا لِأنَّ كَثِيرًا مِن أصْحابِنا يَحْكُونَ الخِلافَ في الكِفاءَةِ، هَلْ هي حَقٌّ لِلَّهِ أوْ لِلْآدَمِيِّ؟ ويُطْلِقُونَ مَعَ قَوْلِهِمْ إنَّ الكَفاءَةَ هي الخِصالُ المَذْكُورَةُ، وفي هَذا مِنَ التَّساهُلِ وعَدَمِ التَّحْقِيقِ ما فِيهِ.
{"ayah":"یَـٰۤأَیُّهَا ٱلنَّاسُ إِنَّا خَلَقۡنَـٰكُم مِّن ذَكَرࣲ وَأُنثَىٰ وَجَعَلۡنَـٰكُمۡ شُعُوبࣰا وَقَبَاۤىِٕلَ لِتَعَارَفُوۤا۟ۚ إِنَّ أَكۡرَمَكُمۡ عِندَ ٱللَّهِ أَتۡقَىٰكُمۡۚ إِنَّ ٱللَّهَ عَلِیمٌ خَبِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق