الباحث القرآني
ثُمَّ ذَكَرَ - سُبْحانَهُ - رَسُولَهُ وحِزْبَهُ الَّذِينَ اخْتارَهم لَهُ، ومَدَحَهم بِأحْسَنِ المَدْحِ، وذَكَرَ صِفاتِهِمْ في التَّوْراةِ والإنْجِيلِ، فَكانَ في هَذا أعْظَمُ البَراهِينِ عَلى صِدْقِ مَن جاءَ بِالتَّوْراةِ والإنْجِيلِ والقُرْآنِ، وأنَّ هَؤُلاءِ هُمُ المَذْكُورُونَ في الكُتُبِ المُتَقَدِّمَةِ بِهَذِهِ الصِّفاتِ المَشْهُورَةِ فِيهِمْ، لا كَما يَقُولُ الكُفّارُ عَنْهُمْ: إنَّهم مُتَغَلِّبُونَ طالِبُو مُلْكٍ ودُنْيا، ولِهَذا لَمّا رَآهم نَصارى الشّامِ وشاهَدُوا هَدْيَهم وسِيرَتَهم وعَدْلَهم وعِلْمَهم ورَحْمَتَهم وزُهْدَهم في الدُّنْيا ورَغْبَتَهم في الآخِرَةِ، قالُوا: ما الَّذِينَ صَحِبُوا المَسِيحَ بِأفْضَلَ مِن هَؤُلاءِ. وكانَ هَؤُلاءِ النَّصارى أعْرَفَ بِالصَّحابَةِ وفَضْلِهِمْ مِنَ الرّافِضَةِ أعْدائِهِمْ، والرّافِضَةُ تَصِفُهم بِضِدِّ ما وصَفَهُمُ اللَّهُ بِهِ في هَذِهِ الآيَةِ وغَيْرِها، و: ﴿مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهو المُهْتَدِي ومَن يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ ولِيًّا مُرْشِدًا﴾ [الكهف: ١٧].
* (لطيفة)
تَأمَّلْ كَيْفَ اشْتُقَّ لِلنَّبِيِّ ﷺ مِن وصْفِهِ اسْمانِ مُطابِقانِ لِمَعْناهُ، وهُما أحْمَدُ ومُحَمَّدٌ، فَهو لِكَثْرَةِ ما فِيهِ مِنَ الصِّفاتِ المَحْمُودَةِ مُحَمَّدٌ، ولِشَرَفِها وفَضْلِها عَلى صِفاتِ غَيْرِهِ أحْمَدُ، فارْتَبَطَ الِاسْمُ بِالمُسَمّى ارْتِباطَ الرُّوحِ بِالجَسَدِ.
* (فائدة)
قوله تعالى: ﴿وَمَثَلُهم في الإنْجِيلِ كَزَرْعٍ أخْرَجَ شَطْأهُ فَآزَرَهُ فاسْتَغْلَظَ فاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفّارَ﴾
فَمُغايَظَةُ الكُفّارِ غايَةٌ مَحْبُوبَةٌ لِلرَّبِّ مَطْلُوبَةٌ لَهُ، فَمُوافَقَتُهُ فِيها مِن كَمالِ العُبُودِيَّةِ.
* (فصل: في معنى اسْم النَّبِي [محمد] ﷺ واشتقاقه)
هَذا الاسم هو أشهر أسْمائِهِ ﷺ وهو اسْم مَنقُول من الحَمد، وهو في الأصْل اسْم مفعول من الحَمد وهو يتَضَمَّن الثَّناء على المَحْمُود ومحبته وإجلاله وتعظيمه هَذا هو حَقِيقَة الحَمد وبني على زنة مفعل مثل مُعظم ومحبب ومسود ومبجل ونظائرها لِأن هَذا البناء مَوْضُوع للتكثير فَإن اشتق مِنهُ اسْم فاعل فَمَعْناه من كثر صُدُور الفِعْل مِنهُ مرّة بعد مرّة كمعلم ومفهم ومبين ومخلص ومفرج ونَحْوها وإن اشتق مِنهُ اسْم مفعول فَمَعْناه من كثر تكَرر وُقُوع الفِعْل عَلَيْهِ مرّة بعد أُخْرى إمّا استحقاقًا أو وقوعًا فمحمد هو كثر حمد الحامدين لَهُ مرّة بعد أُخْرى أو الَّذِي يسْتَحق أن يحمد مرّة بعد أُخْرى
وَيُقال حمد فَهو مُحَمَّد كَما يُقال علم فَهو معلم وهَذا علم وصفَة اجْتمع فِيهِ الأمْرانِ في حَقه ﷺ وإن كانَ علما مَحْضا في حق كثير مِمَّن تسمى بِهِ غَيره
وَهَذا شَأْن أسماء الرب تَعالى وأسْماء كِتابه وأسْماء نبيه هي أعْلام دالَّة على معان هي بها أوْصاف فَلا تضاد فِيها العلمية الوَصْف بِخِلاف غَيرها من أسماء المخلوقين فَهو الله الخالِق البارئ المصور القهار فَهَذِهِ أسماء دالَّة على معان هي صِفاته وكَذَلِكَ القُرْآن والفرْقان والكتاب المُبين وغير ذَلِك من أسْمائِهِ
وَكَذَلِكَ أسماء النَّبِي ﷺ مُحَمَّد وأحمد والماحي وفي حَدِيث جُبَير بن مطعم عَن النَّبِي ﷺ أنه قالَ إن لي أسماء أنا مُحَمَّد وأنا أحْمد وأنا الماحي الَّذِي يمحو الله بِي الكفْر.
فَذكر رَسُول الله ﷺ هَذِه الأسْماء مُبينًا ما خصّه الله بِهِ من الفضل وأشارَ إلى مَعانِيها وإلّا فَلَو كانَت أعلامًا مَحْضَة لا معنى لَها لم تدل على مدح ولِهَذا قالَ حسان رَضِي الله عَنهُ
؎(وشق لَهُ من اسْمه ليجله ∗∗∗ فذو العَرْش مَحْمُود وهَذا مُحَمَّد)
وَكَذَلِكَ أسماء الرب تَعالى كلها أسماء مدح ولَو كانَت ألفاظًا مُجَرّدَة لا مَعاني لَها لم تدل على المَدْح وقد وصفها الله سُبْحانَهُ بِأنَّها حسنى كلها فَقالَ ﴿وَلِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها وذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ في أسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يعْملُونَ﴾ [الأعراف: ١٨]
فَهِيَ لم تكن حسنى لمُجَرّد اللَّفْظ بل لدلالتها على أوْصاف الكَمال ولِهَذا لما سمع بعض العَرَب قارِئًا يقْرَأ ﴿والسّارِقُ والسّارِقَةُ فاقْطَعُوا أيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالًا مِنَ الله﴾ والله غَفُور رَحِيم.
قالَ لَيْسَ هَذا كَلام الله تَعالى فَقالَ القارئ أتكذب بِكَلام الله تَعالى فَقالَ لا ولَكِن لَيْسَ هَذا بِكَلام الله فَعاد إلى حفظه وقَرَأ ﴿والله عَزِيز حَكِيم﴾
فَقالَ الأعرابِي صدقت عز فَحكم فَقطع ولَو غفر ورحم لما قطع
وَلِهَذا إذا ختمت آيَة الرَّحْمَة باسم عَذاب أو بِالعَكْسِ ظهر تنافر الكَلام وعدم انتظامه وفي السّنَن من حَدِيث أبي بن كَعْب قِراءَة القُرْآن على سَبْعَة أحرف ثمَّ قالَ لَيْسَ مِنهُنَّ إلّا شاف كاف إن قلت سميعًا عليمًا عَزِيزًا حكيمًا ما لم تختم آيَة عَذاب برحمة أو آيَة رَحْمَة بِعَذاب [[إسْناده صَحِيح]]
وَلَو كانَت هَذِه الأسْماء أعلامًا مَحْضَة لا معنى لَها لم يكن فرق بَين ختم الآيَة بِهَذا أو بِهَذا
وَأيْضًا فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يُعلل أحْكامه وأفعاله بأسمائه ولَو لم يكن لَها معنى لما كانَ التَّعْلِيل صَحِيحا كَقَوْلِه تَعالى ﴿اسْتَغْفِرُوا رَبَّكم إنَّهُ كانَ غَفّارًا﴾ [نوح: ١٠]
وَقَوله تَعالى ﴿لِلَّذِينَ يُؤْلُونَ مِن نِسائِهِمْ تَرَبُّصُ أرْبَعَةِ أشهر فَإن فاؤوا فَإنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ وإنْ عَزَمُوا الطَّلاق فَإن الله سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة: ٢٢٦-٢٢٧]
فختم حكم الفَيْء الَّذِي هو الرُّجُوع والعود إلى رضى الزَّوْجَة والإحْسان إلَيْها بِأنَّهُ غَفُور رَحِيم يعود على عَبده بمغفرته ورَحمته إذا رَجَعَ إلَيْهِ والجَزاء من جنس العَمَل فَكَما رَجَعَ إلى الَّتِي هي أحسن رَجَعَ الله إلَيْهِ بالمغفرة والرَّحْمَة ﴿وَإن عزموا الطَّلاق فَإن الله سميع عليم﴾
فَإن الطَّلاق لما كانَ لفظا يسمع ومعنى يقْصد عقبه باسم السَّمِيع للنطق بِهِ العَلِيم بمضمونه
وَكَقَوْلِه تَعالى ﴿وَلا جُناحَ عَلَيْكم فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِن خِطْبَةِ النِّساءِ أوْ أكْنَنْتُمْ في أنْفُسِكم عَلِمَ اللَّهُ أنَّكم سَتَذْكُرُونَهُنَّ ولَكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا إلّا أنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا ولا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكِتابُ أجَلَهُ واعْلَمُوا أن الله يعلم ما في أنْفُسِكم فاحْذَرُوهُ واعْلَمُوا أن الله غَفُور حَلِيمٌ﴾ فَلَمّا ذكر سُبْحانَهُ وتَعالى التَّعْرِيض بِخطْبَة المَرْأة الدّال على أن المعرض في قلبه رَغْبَة فِيها ومحبة لَها وأن ذَلِك يحملهُ على الكَلام الَّذِي يتَوَصَّل بِهِ إلى نِكاحها ورفع الجناح عَن التَّعْرِيض وانطواء القلب على ما فِيهِ من الميل والمحبة ونفي مواعدتهن سرا فَقيل هو النِّكاح والمعْنى لا تصرحوا لَهُنَّ بِالتَّزْوِيجِ إلّا أن تعرضوا تعريضًا وهو القَوْل المَعْرُوف وقيل هو أن يَتَزَوَّجها في عدتها سرا فَإذا انْقَضتْ العدة أظهر العقد ويدل على هَذا قَوْله ﴿وَلا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكاحِ حَتّى يَبْلُغَ الكتاب أجله﴾ وهو انْقِضاء العدة ومن رجح القَوْل الأول قالَ دلّت الآيَة على إباحَة التَّعْرِيض بِنَفْي الجناح وتَحْرِيم التَّصْرِيح بِنَفْي المواعدة سرا وتَحْرِيم عقد النِّكاح قبل انْقِضاء العدة فَلَو كانَ معنى مواعدة السِّرّ هو إسرار العقد كانَ تَكْرارا ثمَّ عقب ذَلِك بقوله ﴿واعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في أنْفُسِكم فاحْذَرُوهُ﴾ أن تتعدوا ما حد لكم فَإنَّهُ مطلع على ما تسرون وما تعلنون ثمَّ قالَ ﴿واعْلَمُوا أن الله غَفُور حَلِيم﴾ لَوْلا مغفرته وحلمه لعنتم غايَة العَنَت فَإنَّهُ سُبْحانَهُ مطلع عَلَيْكُم يعلم ما في قُلُوبكم ويعلم ما تَعْمَلُونَ فَإن وقَعْتُمْ في شَيْء مِمّا نهاكم عَنهُ فبادروا إلَيْهِ بِالتَّوْبَةِ والِاسْتِغْفار فَإنَّهُ الغفور الحَلِيم
وَهَذِه طَريقَة القُرْآن يقرن بَين أسماء الرَّجاء وأسْماء المخافة كَقَوْلِه تَعالى ﴿اعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ شَدِيدُ العِقابِ وأنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾ وقالَ أهل الجنَّة ﴿الحَمد لله الَّذِي أذْهَبَ عَنّا الحَزَنَ إن رَبنا لغَفُور شكور﴾ [سبأ: ٣٤]
لما صارُوا إلى كرامته بمغفرته ذنوبهم وشكره إحسانهم قالُوا ﴿إن رَبنا لغَفُور شكور﴾
وَفِي هَذا معنى التَّعْلِيل أي بمغفرته وشكره وصلنا إلى دار كرامته فَإنَّهُ غفر لنا السَّيِّئات وشكر لنا الحَسَنات وقالَ تَعالى ﴿ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكم إنْ شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ وكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَلِيمًا﴾ [النساء: ١٤٧]
فَهَذا جَزاء لشكرهم أي إن شكرتم ربكُم شكركم وهو عليم بشكركم لا يخفى عَلَيْهِ من شكره مِمَّن كفره
والقُرْآن مَمْلُوء من هَذا والمَقْصُود التَّنْبِيه عَلَيْهِ وأيْضًا فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يسْتَدلّ بأسمائه على توحيده ونفي الشّرك عَنهُ ولَو كانَت أسماء لا معنى لَها لم تدل على ذَلِك كَقَوْل هارُون لعبدة العجل ﴿يا قَوْمِ إنَّما فُتِنْتُمْ بِهِ وإنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ﴾ [طه: ٩٠]
وَقَوله سُبْحانَهُ في القِصَّة ﴿إنَّما إلَهُكُمُ اللَّهُ الَّذِي لا إلَه إلّا هو وسِعَ كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾ [طه: ٩٨]
وَقَوله تَعالى ﴿وَإلَهُكم إلَهٌ واحِدٌ لا إلَهَ إلّا هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ﴾ [البقرة: ١٦٣]
وَقَوله سُبْحانَهُ في آخر سُورَة الحَشْر ﴿هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إلَه إلّا هو عالم الغَيْب والشَّهادَة هو الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ هو اللَّهُ الَّذِي لا إلَه إلّا هو المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللَّهِ عَمّا يُشْرِكُونَ﴾ [الحشر: ٢٢-٢٣]
فسبح نزه نَفسه عَن شرك المُشْركين بِهِ عقب تمدحه بأسمائه الحسنى المُقْتَضِيَة لتوحيده واستحالة إثْبات شريك لَهُ ومن تدبر هَذا المَعْنى في القُرْآن هَبَط بِهِ على رياض من العلم حماها الله عَن كل أفاك معرض عَن كتاب الله واقتباس الهدى مِنهُ ولَو لم يكن في كتابنا هَذا إلّا هَذا الفَصْل وحده لكفى من لَهُ ذوق ومَعْرِفَة والله المُوفق للصَّواب
وَأيْضًا فَإن الله تَعالى يعلق بأسمائه المعمولات من الظروف والجار والمَجْرُور وغَيرهما ولَو كانَت أعلامًا مَحْضَة لم يَصح فِيها ذَلِك كَقَوْلِه ﴿واللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ ﴿واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ﴾ ﴿فَإنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِالمُفْسِدِينَ﴾ و ﴿وَكانَ بِالمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا﴾ ﴿إنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَحِيم﴾ ﴿واللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾ ﴿واللَّهُ مُحِيطٌ بِالكافِرِينَ﴾ ﴿وَكانَ اللَّهُ بِهِمْ عليما﴾ ﴿وَكانَ اللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا﴾ [الكَهْف ٤٥ (إنَّهُ بِما يَعْمَلُونَ خَبِير) ﴿واللَّهُ بَصِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ﴾ ﴿إنَّهُ بِعِبادِهِ خَبِيرٌ بَصِير﴾
ونظائره كَثِيرَة.
وَأيْضًا فَإنَّهُ سُبْحانَهُ يَجْعَل أسماءه دَلِيلا على ما يُنكره الجاحدون من صِفات كَماله كَقَوْلِه تَعالى ﴿ألا يَعْلَمُ مَن خَلَقَ وهو اللَّطِيفُ الخَبِيرُ﴾ [الملك: ١٤]
وَقد اخْتلف النظار في هَذِه الأسْماء هَل هي متباينة نظرا إلى تباين مَعانِيها وأن كل اسْم يدل على غير ما يدل عَلَيْهِ الآخر أم هي مترادفة لِأنَّها تدل على ذات واحِدَة فمدلولها لا تعدد فِيهِ وهَذا شَأْن المترادفات والنزاع لَفْظِي في ذَلِك.
والتَّحْقِيق أن يُقال هي مترادفة بِالنّظرِ إلى الذّات متباينة بِالنّظرِ إلى الصِّفات وكل اسْم مِنها يدل على الذّات الموصوفة بِتِلْكَ الصّفة بالمطابقة وعَلى أحدهما وحده بالتضمن وعَلى الصّفة الأُخْرى بالالتزام.
* (فصل)
إذا ثَبت هَذا فتسميته ﷺ بِهَذا الِاسْم لما اشْتَمَل عَلَيْهِ من مُسَمّاهُ وهو الحَمد فَإنَّهُ ﷺ مَحْمُود عند الله ومحمود عند مَلائكَته ومحمود عند إخوانه من المُرْسلين ومحمود عند أهل الأرْض كلهم وإن كفر بِهِ بَعضهم فَإن ما فِيهِ من صِفات الكَمال محمودة عند كل عاقل وإن كابر عقله جحُودًا أو عنادًا أو جهلا باتصافه بها ولَو علم اتصافه بها لحمده فَإنَّهُ يحمد من اتّصف بِصِفات الكَمال ويجهل وجودها فِيهِ فَهو في الحَقِيقَة حامِد لَهُ وهو ﷺ اخْتصَّ من مُسَمّى الحَمد بِما لم يجْتَمع لغيره فَإن اسْمه (مُحَمَّد) و(أحمد) وأمته الحَمّادُونَ يحْمَدُونَ الله على السَّرّاء والضَّرّاء، وصَلاة أمته مفتتحة بِالحَمْد وخطبته مفتتحة بِالحَمْد وكتابه مفتتح بِالحَمْد هَكَذا عند الله في اللَّوْح المَحْفُوظ أن خلفاءه وأصْحابه يَكْتُبُونَ المُصحف مفتتحًا بِالحَمْد وبِيَدِهِ ﷺ لِواء الحَمد يَوْم القِيامَة ولما يسْجد بَين يَدي ربه عز وجل للشفاعة ويُؤذن لَهُ فِيها يحمد ربه بِمَحامِد يفتحها عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وهو صاحب المقام المَحْمُود الَّذِي يغبطه بِهِ الأولونَ والآخرُونَ
قالَ تَعالى ﴿وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نافِلَةً لَكَ عَسى أنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقامًا مَحْمُودًا﴾ [الإسراء: ٧٩] على معنى المقام المَحْمُود فليقف على ما ذكره سلف الأمة من الصَّحابَة والتّابِعِينَ فِيهِ في تَفْسِير هَذِه السُّورَة كتفسير ابْن أبي حاتِم وابْن جرير وعبد بن حميد وغَيرها من تفاسير السّلف.
وَإذا قامَ في المقام حَمده حِينَئِذٍ أهل الموقف كلهم مسلمهم وكافرهم أوَّلهمْ وآخرهمْ، وهو مَحْمُود ﷺ بِما مَلأ الأرْض من الهدى والإيمان والعلم النافع والعَمَل الصّالح وفتح بِهِ القُلُوب وكشف بِهِ الظلمَة عَن أهل الأرْض واستنقذهم من أسر الشَّيْطان ومن الشّرك بِالله والكفْر بِهِ والجهل بِهِ حَتّى نالَ بِهِ أتْباعه شرف الدُّنْيا والآخِرَة فَإن رسالَته وافت أهل الأرْض أحْوج ما كانُوا إلَيْها فَإنَّهُم كانُوا بَين عباد أوثان وعباد صلبان وعباد نيران وعباد الكَواكِب ومغضوب عَلَيْهِم قد باؤوا بغضب من الله وحيران لا يعرف رَبًّا يعبده ولا بِماذا يعبده والنّاس يَأْكُل بَعضهم بَعْضًا من اسْتحْسنَ شَيْئا دَعا إلَيْهِ وقاتل من خالفه ولَيْسَ في الأرْض مَوضِع قدم مشرق بِنور الرسالَة وقد نظر الله سُبْحانَهُ حِينَئِذٍ إلى أهل الأرْض فمقتهم عربهم وعجمهم إلّا بقايا على آثار من دين صَحِيح فأغاث الله بِهِ البِلاد والعباد وكشف بِهِ تِلْكَ الظُّلم وأحْيا بِهِ الخليقة بعد المَوْت فهدى بِهِ من الضَّلالَة وعلم بِهِ من الجَهالَة وكثر بعد القلَّة وأعز بِهِ بعد الذلة وأغنى بِهِ بعد العيلَة وفتح بِهِ أعينًا عميا وآذانًا صمًّا وقُلُوبًا غلفًا فَعرف النّاس رَبهم ومعبودهم غايَة ما يُمكن أن تناله قواهم من المعرفَة وأبدًا وأعاد واخْتصرَ وأطْنَبَ في ذكر أسْمائِهِ وصِفاته وأفعاله حَتّى تجلت مَعْرفَته سُبْحانَهُ في قُلُوب عباده المُؤمنِينَ وانجابت سحائب الشَّك والريب عَنْها كَما ينجاب السَّحاب عَن القَمَر لَيْلَة إبداره ولم يدع لأمته حاجَة في هَذا التَّعْرِيف لا إلى من قبله ولا إلى من بعده بل كفاهم وشفاهم وأغناهم عَن كل من تكلم في هَذا الباب ﴿أولم يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾ [العنكبوت: ٥١]
روى أبُو داوُد في مراسيله عَن النَّبِي ﷺ أنه رأى بيد بعض أصْحابه قِطْعَة من التَّوْراة فَقالَ كفى بِقوم ضَلالَة أن يتبعوا كتابا غير كِتابهمْ الَّذِي أنزل على نَبِيّهم فَأنْزل الله عز وجل تَصْدِيق ذَلِك ﴿أولم يَكْفِهِمْ أنّا أنْزَلْنا عَلَيْكَ الكِتابَ يُتْلى عَلَيْهِمْ إنَّ في ذَلِكَ لَرَحْمَةً وذِكْرى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ﴾
فَهَذا حال من أخذ دينه عَن كتاب منزل على غير النَّبِي ﷺ فَكيف بِمن أخذه عَن عقل فلان وفُلان وقدمه على كَلام الله ورَسُوله.
وعرفهم الطَّرِيق الموصل لَهُم إلى رَبهم ورضوانه ودار كرامته ولم يدع حسنا إلّا أمرهم بِهِ ولا قبيحًا إلّا نهى عَنهُ كَما قالَ ﷺ ما تركت من شَيْء يقربكم إلى الجنَّة إلّا وقد أمرتكُم بِهِ ولا من شَيْء يقربكم من النّار إلّا وقد نَهَيْتُكم عَنهُ
قالَ أبُو ذَر رَضِي الله عَنهُ لقد توفّي رَسُول الله ﷺ وما طائِر يقلب جناحيه في السَّماء إلّا ذكرنا مِنهُ علما
وعرفهم حالهم بعد القدوم على رَبهم أتم تَعْرِيف فكشف الأمر وأوضحه ولم يدع بابا من العلم النافع للعباد المقرب لَهُم إلى رَبهم إلّا فَتحه ولا مُشكلا إلّا بَينه وشَرحه حَتّى هدى الله بِهِ القُلُوب من ضلالها وشفاها بِهِ من أسقامها وأغاثها بِهِ من جهلها فَأي بشر أحَق بِأن يحمد مِنهُ ﷺ وجزاه عَن أمته أفضل الجَزاء
وَأصَح القَوْلَيْنِ في قَوْله تَعالى ﴿وَما أرْسَلْناكَ إلا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ﴾ [الأنبياء: ١٠٧]
أنه على عُمُومه وفِيه على هَذا التَّقْدِير وجْهان
أحدهما أن عُمُوم العالمين حصل لَهُم النَّفْع برسالته أما أتْباعه فنالوا بِهِ كَرامَة الدُّنْيا والآخِرَة وأما أعداؤه فالمحاربون لَهُ عجل قَتلهمْ وموتهم خير لَهُم من حياتهم لِأن حياتهم زِيادَة لَهُم في تَغْلِيظ العَذاب عَلَيْهِم في الدّار الآخِرَة وهم قد كتب عَلَيْهِم الشَّقاء فتعجيل مَوْتهمْ خير لَهُم من طول أعمارهم في الكفْر وأما المعاهدون لَهُ فعاشوا في الدُّنْيا تَحت ظله وعَهده وذمته وهم أقل شرا بذلك العَهْد من المُحاربين لَهُ
وَأما المُنافِقُونَ فَحصل لَهُم بِإظْهار الإيمان بِهِ حقن دِمائِهِمْ وأمْوالهمْ وأهلهم واحترامها وجريان أحْكام المُسلمين عَلَيْهِم في التَّوارُث وغَيره وأما الأُمَم النائية عَنهُ فَإن الله سُبْحانَهُ رفع برسالته العَذاب العام عَن أهل الأرْض فَأصاب كل العالمين النَّفْع برسالته
الوَجْه الثّانِي أنه رَحْمَة لكل أحد لَكِن المُؤْمِنُونَ قبلوا هَذِه الرَّحْمَة فانتفعوا بها دنيا وأُخْرى والكفّار ردوها فَلم يخرج بذلك عَن أن يكون رَحْمَة لَهُم لَكِن لم يقبلوها كَما يُقال هَذا دَواء لهَذا المَرَض فَإذا لم يَسْتَعْمِلهُ المَرِيض لم يخرج عَن أن يكون دَواء لذَلِك المَرَض
وَمِمّا يحمد عَلَيْهِ ﷺ ما جبله الله عَلَيْهِ من مَكارِم الأخْلاق [أول سورة القلم] وكرائم الشيم فَإن من نظر في أخلاقه وشيمه ﷺ علم أنَّها خير أخْلاق الخلق وأكْرم شمائل الخلق فَإنَّهُ ﷺ كانَ أعلم الخلق وأعظمهم أمانَة وأصدقهم حَدِيثا وأحلمهم وأجودهم وأسخاهم وأشدهم احْتِمالا وأعظمهم عفوا ومغفرة وكانَ لا يزِيدهُ شدَّة الجَهْل عَلَيْهِ إلّا حلمًا
كَما روى البُخارِيّ في صَحِيحه عَن عبد الله بن عَمْرو رَضِي الله عَنْهُما أنه قالَ في صفة رَسُول الله ﷺ في التَّوْراة مُحَمَّد عَبدِي ورسولي سميته المتَوَكل لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غليظ ولا صخاب بالأسواق ولا يَجْزِي بِالسَّيِّئَةِ السَّيئَة ولَكِن يعْفُو ويصفح ولنْ أقبضهُ حَتّى أقيم بِهِ الملَّة العوجاء بِأن يَقُولُوا لا إلَه إلّا الله وأفتح بِهِ أعينًا عميا وآذانًا صمًّا وقُلُوبًا غلفًا
وأرحم الخلق وأرأفهم بهم وأعظم الخلق نفعا لَهُم في دينهم ودنياهم وأفصح خلق الله وأحْسَنهمْ تعبيرًا عَن المعانِي الكَثِيرَة بالألفاظ الوجيزة الدّالَّة على المُراد وأصبرهم في مَواطِن الصَّبْر وأصدقهم في مَواطِن اللِّقاء وأوفاهم بالعهد والذمة وأعظمهم مُكافَأة على الجَمِيل بأضعافه وأشدهم تواضعًا وأعظمهم إيثارًا على نَفسه وأشد الخلق ذبًا عَن أصْحابه وحماية لَهُم ودفاعًا عَنْهُم وأقوم الخلق بِما يَأْمر بِهِ وأتركهم لما يُنْهِي عَنهُ وأوصل الخلق لرحمه فَهو أحَق بقول القائِل
؎(برد على الأدْنى ومرحمة ∗∗∗ وعَلى الأعادي مارن جلد)
قالَ عَليّ رَضِي الله عَنهُ كانَ رَسُول الله ﷺ أجود النّاس صَدرا وأصدقهم لهجة وألينهم عَرِيكَة وأكْرمهمْ عشرَة من رَآهُ بديهة هابه ومن خالطه معرفَة أحبه يَقُول ناعته لم أر قبله ولا بعده مثله ﷺ
فَقَوله كانَ أجود النّاس صَدرا أرادَ بِهِ بر الصَّدْر وكَثْرَة خَيره وأن الخَيْر يتفجر مِنهُ تفجيرًا وأنه منطو على كل خلق جميل وكل خير كَما قالَ بعض أهل العلم لَيْسَ في الدُّنْيا كلها مَحل كانَ أكثر خيرا من صدر رَسُول الله ﷺ قد جمع الخَيْر بحذافيره وأودع في صَدره ﷺ
وَقَوله أصدق النّاس لهجة هَذا مِمّا أقرّ لَهُ بِهِ أعداؤه المحاربون لَهُ ولم يجرب عَلَيْهِ أحد من أعدائه كذبة واحِدَة قطّ دع شَهادَة أوليائه كلهم لَهُ بِهِ فقد حاربه أهل الأرْض بأنواع المحاربات مشركوهم وأهل الكتاب مِنهُم ولَيْسَ أحد مِنهُم يَوْمًا من الدَّهْر طعن فِيهِ بكذبة واحِدَة صَغِيرَة ولا كَبِيرَة
قالَ المسور بن مخرمَة قلت لأبي جهل وكانَ خالِي يا خال هَل كُنْتُم تتهمون مُحَمَّدًا بِالكَذِبِ قبل أن يَقُول مقالَته فَقالَ والله يا ابْن أُخْتِي لقد كانَ مُحَمَّد وهو شاب يدعى فِينا الأمين فَلَمّا وخطه الشيب لم يكن ليكذب قلت يا خال فَلم لا تتبعونه فَقالَ يا ابْن أُخْتِي تنازعنا نَحن وبَنُو هاشم الشّرف فأطعموا وأطعمنا وسقوا وسقينا وأجاروا وأجرنا فَلَمّا تجاثينا على الركب وكُنّا كفرسي رهان قالُوا منا نَبِي فَمَتى نأتيهم بِهَذِهِ أو كَما قالَ
وَقالَ تَعالى يسليه ويهون عَلَيْهِ قَول أعدائه ﴿قَدْ نَعْلَمُ إنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإنَّهم لا يُكَذِّبُونَكَ ولَكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ ولَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِن قَبْلِكَ فَصَبَرُوا عَلى ما كُذِّبُوا وأُوذُوا حَتّى أتاهم نَصْرُنا ولا مُبَدِّلَ لِكَلِماتِ اللَّهِ ولَقَدْ جاءَكَ مِن نَبَأِ المُرْسَلِينَ﴾ [الأنعام: ٣٣-٣٤]
وَقَوله ألينهم عَرِيكَة يَعْنِي سهل لين قريب من النّاس مُجيب لدَعْوَة من دَعاهُ قاض لحاجَة من استقضاه جابر لقلب من قَصده لا يحرمه ولا يردهُ خائبًا إذا أرادَ أصْحابه مِنهُ أمرا وافقهم عَلَيْهِ وتابعهم فِيهِ وإن عزم على أمر لم يستبد دونهم بل يشاورهم ويؤامرهم وكانَ يقبل من محسنهم ويَعْفُو عَن مسيئهم
وَقَوله أكْرمهم عشرَة يَعْنِي أنه لم يكن يعاشر جَلِيسا لَهُ إلّا أتم عشرَة وأحسنها وأكْرمها فَكانَ لا يعبس في وجهه ولا يغلظ لَهُ في مقاله ولا يطوي عَنهُ بشره ولا يمسك عَلَيْهِ فلتات لِسانه ولا يؤاخذه بِما يصدر مِنهُ من جفوة ونَحْوها بل يحسن إلى عشيره غايَة الإحْسان ويحْتَمل غايَة الِاحْتِمال فَكانَت عشرته لَهُم احْتِمال أذاهم وجفوتهم جملَة لا يُعاقب أحدا مِنهُم ولا يلومه ولا يباديه بِما يكره من خالطه يَقُول أنا أحب النّاس إلَيْهِ لما يرى من لطفه بِهِ وقربه مِنهُ وإقباله عَلَيْهِ واهتمامه بأمْره وتضحيته لَهُ وبذل إحسانه إلَيْهِ واحْتِمال جفوته فَأي عشرَة كانَت أو تكون أكْرم من هَذِه العشْرَة
قالَ الحُسَيْن رَضِي الله عَنهُ سَألت أبي عَن سيرة النَّبِي ﷺ في جُلَسائِهِ فَقالَ كانَ النَّبِي ﷺ دائِم البشر سهل الخلق لين الجانِب لَيْسَ بِفَظٍّ ولا غليظ ولا صخاب ولا فحاش ولا عياب ولا مداح يتغافل عَمّا لا يَشْتَهِي ولا يؤيس مِنهُ راجيه ولا يخيب فِيهِ قد ترك نَفسه من ثَلاث المراء والإكثار وترك ما لا يعنيه كانَ لا يذم أحدا ولا يعِيبهُ ولا يطْلب عَوْرَته ولا يتَكَلَّم إلّا فِيما رجا ثَوابه وإذا تكلم أطرق جُلَساؤُهُ كَأنَّما على رؤوسهم الطير فَإذا سكت تكلمُوا لا يتنازعون عِنْده الحَدِيث ومن تكلم عِنْده أنْصتُوا لَهُ حَتّى يفرغ حَدِيثهمْ عند حَدِيث أوَّلهمْ يضْحك مِمّا يَضْحَكُونَ مِنهُ ويتعجب مِمّا يتعجبون مِنهُ ويصبر للغريب على الجفوة في مَنطِقه ومسألته حَتّى إن كانَ أصْحابه ليستجلبونهم ويَقُول إذا رَأيْتُمْ طالب حاجَة يطْلبها فأرفدوه ولا يقبل الثَّناء إلّا من مكافئ ولا يقطع على أحد حَدِيثه حَتّى يجوز فيقطعه بنهي أو قيام.
وَقَوله من رَآهُ بديهة هابه ومن خالطه معرفَة أحبه وصفه بصفتين خص الله بهما أهل الصدْق والإخْلاص وهما الإجلال والمحبة وكانَ قد ألْقى عَلَيْهِ هَيْبَة مِنهُ ومحبة فَكانَ كل من يراهُ يهابه ويجله ويملأ قلبه تَعْظِيمًا وإجلالًا وإن كانَ عدوا لَهُ فَإذا خالطه وعاشره كانَ أحب إلَيْهِ من كل مَخْلُوق فَهو المجل المُعظم المحبوب المكرم وهَذا كَمال المحبَّة أن تقرن بالتعظيم والهيبة فالمحبة بِلا هَيْبَة ولا تَعْظِيم ناقِصَة والهيبة والتعظيم من غير محبَّة كَما تكون للغادر الظّالِم نقص أيْضا والكمال أن تَجْتَمِع المحبَّة والود والتعظيم والإجلال وهَذا لا يُوجد إلّا إذا كانَ في المحبوب صِفات الكَمال الَّتِي يسْتَحق أن يعظم لأجلها ويُحب لأجلها
وَلما كانَ الله سُبْحانَهُ وتَعالى أحَق بِهَذا من كل أحد كانَ المُسْتَحق لِأن يعظم ويكبر ويهاب ويُحب ويَوَد بِكُل جُزْء من أجزاء القلب ولا يَجْعَل لَهُ شريك في ذَلِك وهَذا هو الشّرك الَّذِي لا يغفره الله سُبْحانَهُ أن يُسَوِّي بَينه وبَين غَيره في هَذا الحبّ قالَ تَعالى ﴿وَمن النّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللَّهِ أنْدادًا يُحِبُّونَهم كَحُبِّ اللَّهِ والَّذِينَ آمَنُوا أشد حبا لله﴾ [البقرة: ١٦٥]
فَأخْبر أن من أحب شَيْئا غير الله مثل حبه لله كانَ قد اتَّخذهُ ندا وقالَ أهل النّار في النّار لمعبودهم ﴿تاللَّهِ إنْ كُنّا لَفي ضَلالٍ مُبِينٍ إذْ نُسَوِّيكم بِرَبِّ العالَمِينَ﴾ [الشعراء: ٩٧-٩٨]
وَلم تكن تسويتهم بِالله في كَونهم خلقُوا السَّماوات والأرْض أو خلقوهم أو خلقُوا آباءَهُم وإنَّما سووهم بِرَبّ العالمين في الحبّ لَهُم كَما يحب الله فَإن حَقِيقَة العِبادَة هي الحبّ والذل وهَذا هو الإجلال والإكْرام الَّذِي وصف بِهِ نَفسه في قَوْله سُبْحانَهُ وتَعالى ﴿تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الجلال والإكْرام﴾ [الرحمن: ٧٨]
وَأصَح القَوْلَيْنِ في ذَلِك أن الجلال هو التَّعْظِيم والإكْرام هو الحبّ وهو سر قَول العَبْد لا إلَه إلّا الله والله أكبر ولِهَذا جاءَ في مُسْند الإمام أحْمد من حَدِيث أنس رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي ﷺ أنه قالَ ألظُّوا بيا ذا الجلال والإكْرام [[حَدِيث صَحِيح]]
أي الزموها والهجوا بها.
وَفِي مُسْند أبي يعلى الموصِلِي عَن بعض الصَّحابَة أنه طلب أن يعرف اسْم الله الأعْظَم فَرَأى في مَنامه مَكْتُوبًا في السَّماء بالنجوم يا بديع السَّماوات والأرْض يا ذا الجلال والإكْرام وكل محبَّة وتعظيم للبشر فَإنَّما تجوز تبعا لمحبة الله وتعظيمه كمحبة رَسُوله وتعظيمه فَإنَّها من تَمام محبَّة مرسله وتعظيمه فَإن أمته يحبونه لحب الله لَهُ ويعظمونه ويجلونه لإجلال الله لَهُ فَهي محبَّة لله من مُوجبات محبَّة الله وكَذَلِكَ محبَّة أهل العلم والإيمان ومحبة الصَّحابَة رَضِي الله عَنْهُم وإجلالهم تابع لمحبة الله ورَسُوله لَهُم
والمَقْصُود أن النَّبِي ﷺ ألْقى الله سُبْحانَهُ وتَعالى عَلَيْهِ مِنهُ المهابة والمحبة ولكُل مُؤمن مخلص حَظّ من ذَلِك
قالَ الحسن البَصْرِيّ رَحمَه الله إن المُؤمن رزق حلاوة ومهابة يَعْنِي يحب ويهاب ويجل بِما ألبسهُ الله سُبْحانَهُ من ثوب الإيمان المُقْتَضِي لذَلِك ولِهَذا لم يكن بشر أحب إلى بشر ولا أهيب وأجل في صَدره من رَسُول الله ﷺ في صدر الصَّحابَة رَضِي الله عَنْهُم
قالَ عَمْرو بن العاصِ قبل إسْلامه أنه لم يكن شخص أبْغض إلَيّ مِنهُ فَلَمّا أسلم لم يكن شخص أحب إلَيْهِ مِنهُ ولا أجل في عينه مِنهُ قالَ ولَو سُئِلت أن أصفه لكم لما أطقت لِأنِّي لم أكن أملأ عَيْني مِنهُ إجلالًا لَهُ
وَقالَ عُرْوَة بن مَسْعُود لقريش يا قوم والله لقد وفدت على كسْرى وقَيْصَر والملوك فَما رَأيْت ملكا يعظمه أصْحابه ما يعظم أصْحاب مُحَمَّد مُحَمَّدًا ﷺ والله ما يحدون النّظر إلَيْهِ تَعْظِيمًا لَهُ وما تنخم نخامة إلّا وقعت في كف رجل مِنهُم فيدلك بها وجهه وصدره وإذا تَوَضَّأ كادُوا يقتتلون على وضوئِهِ
فَلَمّا كانَ رَسُول الله ﷺ مُشْتَمِلًا على ما يَقْتَضِي أن يحمد عَلَيْهِ مرّة بعد مرّة سمي مُحَمَّدًا وهو اسْم مُوافق لمسماه ولَفظ مُطابق لمعناه
والفرق بَين لفظ أحْمد ومُحَمّد من وجْهَيْن:
أحدهما أن مُحَمَّدًا هو المَحْمُود حمدًا بعد حمد فَهو دال على كَثْرَة حمد الحامدين لَهُ وذَلِكَ يسْتَلْزم كَثْرَة مُوجبات الحَمد فِيهِ وأحمد أفعل تَفْضِيل من الحَمد يدل على أن الحَمد الَّذِي يسْتَحقّهُ أفضل مِمّا يسْتَحقّهُ غَيره فمحمد زِيادَة حمد في الكمية وأحمد زِيادَة في الكَيْفِيَّة فيحمد أكثر حمد وأفضل حمد حَمده البشر
والوَجْه الثّانِي أن مُحَمَّدًا هو المَحْمُود حمدًا متكررًا كَما تقدم وأحمد هو الَّذِي حَمده لرَبه أفضل من حمد الحامدين غَيره فَدلَّ أحد الاسمين وهو مُحَمَّد على كَونه مَحْمُودًا ودلّ الِاسْم الثّانِي وهو (أحْمد) على كَونه أحْمد الحامدين لرَبه وهَذا هو القياس فَإن أفعل التَّفْضِيل والتعجب عند جماعَة البَصرِيين لا يبنيان إلّا من فعل الفاعِل لا يبنيان من فعل المَفْعُول بِناء مِنهُم على أن أفعل التَّعَجُّب والتفضيل إنَّما يصاغان من الفِعْل اللّازِم لا من المُتَعَدِّي ولِهَذا يقدرُونَ نَقله من فعل وفعل إلى بِناء فعل بِضَم العين قالُوا والدَّلِيل على هَذا أنه يعدى بِالهَمْزَةِ إلى المَفْعُول فالهمزة الَّتِي فِيهِ للتعدية نَحْو ما أظرف زيدا وأكْرم عمرا وأصلهما ظرف وكرم
قالُوا لِأن المتعجب مِنهُ فاعل في الأصْل فَوَجَبَ أن يكون فعله غير مُتَعَدٍّ
قالُوا وأما قَوْلهم ما أضْرب زيدا لعَمْرو وفعله مُتَعَدٍّ في الأصْل
قالُوا فَهو مَنقُول من ضرب إلى وزن فعل اللّازِم ثمَّ عدي من فعل بِهَمْزَة التَّعْدِيَة
قالُوا والدَّلِيل على ذَلِك مجيئهم بِاللّامِ فَيَقُولُونَ ما أضْرب زيدا لعَمْرو ولَو كانَ باقِيا على تعديه لقيل ما أضْرب زيدا عمرا لِأنَّهُ مُتَعَدٍّ إلى واحِد بِنَفسِهِ وإلى الآخر بِهَمْزَة التَّعْدِيَة فَلَمّا عدي إلى المَفْعُول بِهَمْزَة التَّعْدِيَة عدي إلى الآخر بِاللّامِ فَعلم أنه لازم فَهَذا هو الَّذِي أوجب لَهُم أن قالُوا لا يصاغ ذَلِك إلّا من فعل الفاعِل لا من الفِعْل الواقِع على المَفْعُول
ونازعهم في ذَلِك آخَرُونَ وقالُوا يجوز بِناء فعل التَّعَجُّب والتفضيل من فعل الفاعِل ومن الواقِع على المَفْعُول تَقول العَرَب:
ما أشغله بالشَّيْء وهَذا من شغل بِهِ على وزن سُئِلَ فالتعجب من المشغول بالشَّيْء لا من الشاغل وكَذا قَوْلهم ما أولعه بِكَذا من أولع بِهِ مَبْنِيّ للْمَفْعُول لِأن العَرَب التزمت بِناء هَذا الفِعْل للْمَفْعُول ولم تبنه للْفاعِل وكَذَلِكَ قَوْلهم ما أعجبه بِكَذا هو من أعجب بالشَّيْء وكَذا قَوْلهم ما أحبه إلَيّ هو تعجب من فعل المَفْعُول وكَذا قَوْلهم ما أبغضه إلَيّ وأمقته إلَيّ
وَهنا مَسْألَة مَشْهُورَة ذكرها سِيبَوَيْهٍ وهِي أنَّك تَقول ما أبغضني لَهُ وما أحبَّنِي لَهُ وما أمقتني لَهُ إذا كنت أنْت المُبْغض الكاره والمحب الماقت فَيكون تَعَجبا من فعل الفاعِل وتقول ما أبغضني إلَيْهِ وما أمقتني إلَيْهِ وما أحبَّنِي إلَيْهِ إذا كنت أنْت المُبْغض الممقوت أو المحبوب فَيكون تَعَجبا من الفِعْل الواقِع على المَفْعُول فَما كانَ بِاللّامِ فَهو للْفاعِل وما كانَ بإلى فَهو للْمَفْعُول وكَذَلِكَ تَقول ما أحبه إلَيّ إذا كانَ هو المحبوب وما أبغضه إلَيّ إذا كانَ هو المُبْغض وأكْثر النُّحاة لا يعللون هَذا
والَّذِي يُقال في علته والله أعلم أن اللّام تكون للْفاعِل في المَعْنى نَحْو قَوْلك لمن هَذا الفِعْل فَتَقول لزيد فتأتي بِاللّامِ وأما إلى فَتكون للْمَفْعُول في المَعْنى لِأنَّهُ يَقُول إلى من يصل هَذا الفِعْل فَتَقول إلى زيد
وسر ذَلِك أن اللّام في الأصْل للْملك أو الِاخْتِصاص والاستحقاق والملك والاستحقاق إنَّما يسْتَحقّهُ الفاعِل الَّذِي يملك ويسْتَحق وإلى لانْتِهاء الغايَة والغاية مُنْتَهى ما يَقْتَضِيهِ الفِعْل فَهي بالمفعول أليق لِأنَّهُ تَمام مُقْتَضى الفِعْل ومن التَّعَجُّب من فعل المَفْعُول قَول كَعْب بن زُهَيْر في النَّبِي ﷺ
؎(فَلَهو أخوف عِنْدِي إذْ ُأكَلِّمهُ ∗∗∗ وقيل إنَّك مَحْبُوس ومقتول)
؎(من ضيغم من ضراء الأسد مخدره ∗∗∗ بِبَطن عثر غيل دونه غيل)
فأخوف هُنا من خيف لا من خافَ وهو نَظِير أحْمد من مُحَمَّد كسئل لا من حمد كعلم وتقول ما أجنه من جن فَهو مَجْنُون
قالَ البصريون هَذا كُله شاذ لا يعول عَلَيْهِ
قالَ الآخرُونَ هَذا قد كثر في كَلامهم جدا وحمله على الشذوذ غير جائِز لِأن الشاذ ما خالف استعمالهم ومطرد كَلامهم وهَذا غير مُخالف لذَلِك
قالُوا وأما تقديركم لُزُوم الفِعْل ونَقله إلى بِناء فعل المضموم فمما لا يساعد عَلَيْهِ دَلِيل
وَأما ما تمسكتم بِهِ من التَّعْدِيَة بِالهَمْزَةِ فَلَيْسَ كَما ذكرْتُمْ والهمزة هُنا لَيست للتعدية وإنَّما هي للدلالة على معنى التَّعَجُّب والتفضيل كألف فاعل ومِيم مفعول وتاء الافتعال والمطاوعة ونَحْوها من الحُرُوف الَّتِي تلْحق الفِعْل الثلاثي لبَيان ما لحقه من الزِّيادَة على مُجَرّد مَدْلُوله فَهَذا هو السَّبَب الجالب لهَذِهِ الألف لا مُجَرّد تَعديَة الفِعْل
قالُوا والَّذِي يدل على هَذا أن الفِعْل الَّذِي يعدى بِالهَمْزَةِ يجوز أن يعدى بِحرف الجَرّ وبالتضعيف تَقول أجلست زيدا وجلسته وجَلَست بِهِ وأقمته وقومته وقمت بِهِ وأنمته ونومته ونمت بِهِ ونظائر ذَلِك وهنا لا يقوم مقام الهمزَة غَيرها فَبَطل أن تكون للتعدية
الثّانِي أنَّها تجامع باء التَّعْدِيَة فَتَقول أكْرم بِهِ وأحسن بِهِ والمعْنى ما أكْرمه وما أحْسنه والفِعْل لا تجمع عَلَيْهِ بَين معديين مَعًا
الثّالِث أنهم يَقُولُونَ ما أعْطى زيدا للدراهم وما أكساه للثياب وهَذا من أعْطى وكسا المُتَعَدِّي ولا يَصح تَقْدِير نَقله إلى عطو إذا تناول ثمَّ أدخلت عَلَيْهِ همزَة التَّعْدِيَة كَما تَأوَّلَه بَعضهم لفساد المَعْنى فَإن التَّعَجُّب إنَّما وقع من إعْطائِهِ لا من عطوه وهو تناوله والهمزة فِيهِ همزَة التَّعَجُّب والتفضيل وحذفت همزته الَّتِي في فعله فَلا يَصح أن يُقال هي للتعدية
قالُوا وأما قَوْلكُم إنَّه عدي بِاللّامِ في قَوْلهم ما أضربه لزيد ولَوْلا أنه لازم لما عدي بِاللّامِ فَهَذا لَيْسَ كَما ذكرْتُمْ من لُزُوم الفِعْل وإنَّما هو تَقْوِيَة لَهُ لما ضعف بِمَنعه من الصّرْف وألزم طَريقَة واحِدَة خرج عَن سنَن الأفْعال وضعف عَن مُقْتَضاهُ فقوي بِاللّامِ وهَذا كَما يقوى بِاللّامِ إذا تقدم معموله عَلَيْهِ وحصل لَهُ بتأخره نوع وهن جبروه بِاللّامِ كَما قالَ تَعالى ﴿إنْ كُنْتُمْ لِلرُّؤْيا تعبرون﴾ [يوسف: ٤٣]
وكما يقوى بِاللّامِ إذا كانَ اسْم فاعل كَما تَقول أنا محب لَك ومكرم لزيد ونَحْوه فَلَمّا ضعف هَذا الفِعْل بِمَنعه من الصّرْف قوي بِاللّامِ هَذا المَذْهَب هو الرّاجِح كَما تراهُ. والله أعلم.
فلنرجع إلى المَقْصُود وهو أنه ﷺ سمي (مُحَمَّدًا) و(أحمد) لِأنَّهُ يحمد أكثر مِمّا يحمد غَيره وأفضل مِمّا يحمد غَيره فالاسمان واقعان على المَفْعُول وهَذا هو المُخْتار وذَلِكَ أبلغ في مدحه وأتم معنى ولَو أُرِيد بِهِ معنى الفاعِل لسمي الحماد وهو كثير الحَمد كَما سمي مُحَمَّدًا وهو المَحْمُود كثيرا فَإنَّهُ ﷺ كانَ أكثر الخلق حمدًا لرَبه فَلَو كانَ اسْمه بِاعْتِبار الفاعِل لَكانَ الأولى أن يُسمى حمادًا كَما أن اسْم أمته الحَمّادُونَ
وَأيْضًا فَإن الاسمين إنَّما اشتقا من أخلاقه وخصائله المحمودة الَّتِي لأجلها اسْتحق أن يُسمى مُحَمَّدًا وأحمد فَهو الَّذِي يحمده أهل الدُّنْيا وأهل الآخِرَة ويَحْمَدهُ أهل السَّماء والأرْض فلكثرة خصائله المحمودة الَّتِي تفوت عد العادين سمي باسمين من أسماء الحَمد يقتضيان التَّفْضِيل والزِّيادَة في القدر والصّفة. والله أعلم.
{"ayah":"مُّحَمَّدࣱ رَّسُولُ ٱللَّهِۚ وَٱلَّذِینَ مَعَهُۥۤ أَشِدَّاۤءُ عَلَى ٱلۡكُفَّارِ رُحَمَاۤءُ بَیۡنَهُمۡۖ تَرَىٰهُمۡ رُكَّعࣰا سُجَّدࣰا یَبۡتَغُونَ فَضۡلࣰا مِّنَ ٱللَّهِ وَرِضۡوَ ٰنࣰاۖ سِیمَاهُمۡ فِی وُجُوهِهِم مِّنۡ أَثَرِ ٱلسُّجُودِۚ ذَ ٰلِكَ مَثَلُهُمۡ فِی ٱلتَّوۡرَىٰةِۚ وَمَثَلُهُمۡ فِی ٱلۡإِنجِیلِ كَزَرۡعٍ أَخۡرَجَ شَطۡـَٔهُۥ فَـَٔازَرَهُۥ فَٱسۡتَغۡلَظَ فَٱسۡتَوَىٰ عَلَىٰ سُوقِهِۦ یُعۡجِبُ ٱلزُّرَّاعَ لِیَغِیظَ بِهِمُ ٱلۡكُفَّارَۗ وَعَدَ ٱللَّهُ ٱلَّذِینَ ءَامَنُوا۟ وَعَمِلُوا۟ ٱلصَّـٰلِحَـٰتِ مِنۡهُم مَّغۡفِرَةࣰ وَأَجۡرًا عَظِیمَۢا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق