الباحث القرآني

وَعَدَهم سُبْحانَهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً يَأْخُذُونَها، وأخْبَرَهم أنّهُ عَجَّلَ لَهم هَذِهِ الغَنِيمَةَ وَفِيها قَوْلانِ: أحَدُهُما: أنَّهُ الصُّلْحُ الَّذِي جَرى بَيْنَهم وبَيْنَ عَدُوِّهِمْ، والثّانِي: أنَّها فَتْحُ خَيْبَرَ وغَنائِمُها. ثُمَّ قالَ ﴿وَكَفَّ أيْدِيَ النّاسِ عَنْكُمْ﴾ فَقِيلَ: أيْدِيَ أهْلِ مَكَّةَ أنْ يُقاتِلُوهم. وَقِيلَ: أيْدِيَ اليَهُودِ حِينَ هَمُّوا بِأنْ يَغْتالُوا مَن بِالمَدِينَةِ بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ بِمَن مَعَهُ مِنَ الصَّحابَةِ مِنها. وقِيلَ: هم أهْلُ خَيْبَرَ وحُلَفاؤُهُمُ الَّذِينَ أرادُوا نَصْرَهم مِن أسَدٍ وغَطَفانَ. والصَّحِيحُ تَناوُلُ الآيَةِ لِلْجَمِيعِ. وَقَوْلُهُ: ﴿وَلِتَكُونَ آيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ﴾ قِيلَ: هَذِهِ الفِعْلَةُ الَّتِي فَعَلَها بِكم وهي كَفُّ أيْدِي أعْدائِكم عَنْكم مَعَ كَثْرَتِهِمْ، فَإنَّهم حِينَئِذٍ كانَ أهْلُ مَكَّةَ ومَن حَوْلَها وأهْلُ خَيْبَرَ ومَن حَوْلَها وأسَدٌ وغَطَفانُ، وجُمْهُورُ قَبائِلِ العَرَبِ أعْداءً لَهُمْ، وهم بَيْنَهم كالشّامَةِ، فَلَمْ يَصِلُوا إلَيْهِمْ بِسُوءٍ، فَمِن آياتِ اللَّهِ سُبْحانَهُ كَفُّ أيْدِي أعْدائِهِمْ عَنْهُمْ، فَلَمْ يَصِلُوا إلَيْهِمْ بِسُوءٍ مَعَ كَثْرَتِهِمْ وشِدَّةِ عَداوَتِهِمْ، وتَوَلِّي حِراسَتِهِمْ وحِفْظِهِمْ في مَشْهَدِهِمْ ومَغِيبِهِمْ، وقِيلَ: هي فَتْحُ خَيْبَرَ، جَعَلَها آيَةً لِعِبادِهِ المُؤْمِنِينَ وعَلامَةً عَلى ما بَعْدَها مِنَ الفُتُوحِ، فَإنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ وعَدَهم مَغانِمَ كَثِيرَةً وفُتُوحًا عَظِيمَةً، فَعَجَّلَ لَهم فَتْحَ خَيْبَرَ وجَعَلَها آيَةً لِما بَعْدَها وجَزاءً لِصَبْرِهِمْ ورِضاهم يَوْمَ الحُدَيْبِيَةِ وشُكْرانًا، ولِهَذا خَصَّ بِها وبِغَنائِمِها مَن شَهِدَ الحُدَيْبِيَةَ. ثُمَّ قالَ: ﴿وَيَهْدِيَكم صِراطًا مُسْتَقِيمًا﴾ فَجَمَعَ لَهم إلى النَّصْرِ والظَّفَرِ والغَنائِمِ الهِدايَةَ، فَجَعَلَهم مَهْدِيِّينَ مَنصُورِينَ غانِمِينَ، ثُمَّ وعَدَهم مَغانِمَ كَثِيرَةً وفُتُوحًا أُخْرى لَمْ يَكُونُوا ذَلِكَ الوَقْتَ قادِرِينَ عَلَيْها، فَقِيلَ: هي مَكَّةُ، وقِيلَ: هي فارِسُ والرُّومُ. وَقِيلَ: الفُتُوحُ الَّتِي بَعْدَ خَيْبَرَ مِن مَشارِقِ الأرْضِ ومَغارِبها. * [فَصْلٌ: في غَزْوَةِ خَيْبَرَ] قالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ: ولَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ مِنَ الحُدَيْبِيَةِ مَكَثَ بِها عِشْرِينَ لَيْلَةً أوْ قَرِيبًا مِنها، ثُمَّ خَرَجَ غازِيًا إلى خَيْبَرَ، وكانَ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ وعَدَهُ إيّاها وهو بِالحُدَيْبِيَةِ. وَقالَ مالك: كانَ فَتْحُ خَيْبَرَ في السَّنَةِ السّادِسَةِ، والجُمْهُورُ عَلى أنَّها في السّابِعَةِ. وَقَطَعَ أبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ بِأنَّها كانَتْ في السّادِسَةِ بِلا شَكٍّ، ولَعَلَّ الخِلافَ مَبْنِيٌّ عَلى أوَّلِ التّارِيخِ، هَلْ هو شَهْرُ رَبِيعٍ الأوَّلِ شَهْرُ مَقْدَمِهِ المَدِينَةَ أوْ مِنَ المُحَرَّمِ في أوَّلِ السَّنَةِ؟ ولِلنّاسِ في هَذا طَرِيقانِ: فالجُمْهُورُ عَلى أنَّ التّارِيخَ وقَعَ مِنَ المُحَرَّمِ، وأبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ يَرى أنَّهُ مِن شَهْرِ رَبِيعٍ الأوَّلِ حِينَ قَدِمَ، (وَكانَ أوَّلُ مَن أرَّخَ بِالهِجْرَةِ يَعْلى بْنُ أُمَيَّةَ بِاليَمَنِ) كَما رَواهُ الإمامُ أحْمَدُ بِإسْنادٍ صَحِيحٍ. وَقِيلَ: عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ سَنَةَ سِتَّ عَشْرَةٍ مِنَ الهِجْرَةِ. وَقالَ ابْنُ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ عروة، عَنْ مَرْوانَ بْنِ الحَكَمِ والمِسْوَرِ بْنِ مَخْرَمَةَ، أنَّهُما حَدَّثاهُ جَمِيعًا، قالا: انْصَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عامَ الحُدَيْبِيَةِ، فَنَزَلَتْ عَلَيْهِ سُورَةُ الفَتْحِ فِيما بَيْنَ مَكَّةَ والمَدِينَةِ، فَأعْطاهُ اللَّهُ عَزَّ وجَلَّ فِيها خَيْبَرَ ﴿وَعَدَكُمُ اللَّهُ مَغانِمَ كَثِيرَةً تَأْخُذُونَها فَعَجَّلَ لَكم هَذِهِ﴾ [الفتح: ٢٠] خَيْبَرَ، فَقَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ المَدِينَةَ في ذِي الحِجَّةِ، فَأقامَ بِها حَتّى سارَ إلى خَيْبَرَ في المُحَرَّمِ، فَنَزَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بِالرَّجِيعِ - وادٍ بَيْنَ خَيْبَرَ وغَطَفانَ - فَتَخَوَّفَ أنْ تَمُدَّهم غَطَفانُ، فَباتَ بِهِ حَتّى أصْبَحَ فَغَدا إلَيْهِمْ. انْتَهى. واسْتَخْلَفَ عَلى المَدِينَةِ سباع بن عرفطة، وقَدِمَ أبُو هُرَيْرَةَ حِينَئِذٍ المَدِينَةَ فَوافى سباع بن عرفطة في صَلاةِ الصُّبْحِ، فَسَمِعَهُ يَقْرَأُ في الرَّكْعَةِ الأُولى: كهيعص، وفي الثّانِيَةِ: ويْلٌ لِلْمُطَفِّفِينَ. فَقالَ في نَفْسِهِ: ويْلٌ لِأبِي فُلانٍ، لَهُ مِكْيالانِ، إذا اكْتالَ اكْتالَ بِالوافِي، وإذا كالَ كالَ بِالنّاقِصِ. فَلَمّا فَرَغَ مِن صَلاتِهِ أتى سِباعًا فَزَوَّدَهُ حَتّى قَدِمَ عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وكَلَّمَ المُسْلِمِينَ، فَأشْرَكُوهُ وأصْحابَهُ في سُهْمانِهِمْ. وَقالَ سَلَمَةُ بْنُ الأكْوَعِ: " خَرَجْنا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى خَيْبَرَ، فَسِرْنا لَيْلًا، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ لعامر بن الأكوع: ألا تُسْمِعُنا مِن هُنَيْهاتِكَ؟ وَكانَ عامر رَجُلًا شاعِرًا، فَنَزَلَ يَحْدُو بِالقَوْمِ يَقُولُ: ؎اللَّهُمَّ لَوْلا أنْتَ ما اهْتَدَيْنا ∗∗∗ ولا تَصَدَّقْنا ولا صَلَّيْنا ؎فاغْفِرْ فِداءً لَكَ ما اقْتَفَيْنا ∗∗∗ وثَبِّتِ الأقْدامَ إنْ لاقَيْنا ؎وَأنْزِلَنْ سَكِينَةً عَلَيْنا ∗∗∗ إنّا إذا صِيحَ بِنا أتَيْنا ؎وبالصِّياحِ عَوَّلُوا عَلَيْنا ∗∗∗ وإنْ أرادُوا فِتْنَةً أبَيْنا فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «مَن هَذا السّائِقُ؟ قالُوا: عامر. فَقالَ: رَحِمَهُ اللَّهُ» فَقالَ رَجُلٌ مِنَ القَوْمِ: وجَبَتْ يا رَسُولَ اللَّهِ، لَوْلا أمْتَعْتَنا بِهِ؟ قالَ: فَأتَيْنا خَيْبَرَ فَحاصَرْناهم حَتّى أصابَتْنا مَخْمَصَةٌ شَدِيدَةٌ، ثُمَّ إنَّ اللَّهَ تَعالى فَتَحَ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا أمْسَوْا أوْقَدُوا نِيرانًا كَثِيرَةً، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: «ما هَذِهِ النِّيرانُ؟ عَلى أيِّ شَيْءٍ تُوقِدُونَ؟ قالُوا: عَلى لَحْمٍ. قالَ: عَلى أيِّ لَحْمٍ؟ قالُوا: عَلى لَحْمِ حُمُرٍ إنْسِيِّةٍ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أهْرِيقُوها واكْسِرُوها. فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أوَنُهْرِيقُها ونَغْسِلُها؟ فَقالَ: أوْ ذاكَ؟» فَلَمّا تَصافَّ القَوْمُ، خَرَجَ مَرْحَبٌ يَخْطُرُ بِسَيْفِهِ وهو يَقُولُ: ؎قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنِّي مَرْحَبُ ∗∗∗ شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرِّبُ إذا الحُرُوبُ أقْبَلَتْ تَلَهَّبُ فَنَزَلَ إلَيْهِ عامر وهو يَقُولُ: ؎قَدْ عَلِمَتْ خَيْبَرُ أنِّي عامِرُ ∗∗∗ شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُغامِرُ فاخْتَلَفا ضَرْبَتَيْنِ، فَوَقَعَ سَيْفُ مَرْحَبٍ في تُرْسِ عامر، فَذَهَبَ عامر يَسْفُلُ لَهُ، وكانَ سَيْفُ عامر فِيهِ قِصَرٌ، فَرَجَعَ عَلَيْهِ ذُبابُ سَيْفِهِ فَأصابَ عَيْنَ رُكْبَتِهِ، فَماتَ مِنهُ، فَقالَ سلمة لِلنَّبِيِّ ﷺ: زَعَمُوا أنَّ عامرا حَبِطَ عَمَلُهُ. فَقالَ: «كَذَبَ مَن قالَهُ، إنَّ لَهُ أجْرَيْنِ - وجَمَعَ بَيْنَ أُصْبُعَيْهِ - إنَّهُ لَجاهِدٌ مُجاهِدٌ، قَلَّ عَرَبِيٌّ مَشى بِها مِثْلَهُ». * [فَصْلٌ: في القُدُومُ إلى خَيْبَرَ] وَلَمّا قَدِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ صَلّى بِها الصُّبْحَ، ورَكِبَ المُسْلِمُونَ، فَخَرَجَ أهْلُ خَيْبَرَ بِمَساحِيهِمْ ومَكاتِلِهِمْ، ولا يَشْعُرُونَ، بَلْ خَرَجُوا لِأرْضِهِمْ، فَلَمّا رَأوُا الجَيْشَ قالُوا: مُحَمَّدٌ واللَّهِ، مُحَمَّدٌ والخَمِيسُ، ثُمَّ رَجَعُوا هارِبِينَ إلى حُصُونِهِمْ، فَقالَ النَّبِيُّ ﷺ: «اللَّهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، اللَّهُ أكْبَرُ خَرِبَتْ خَيْبَرُ، إنّا إذا نَزَلْنا بِساحَةِ قَوْمٍ فَساءَ صَباحُ المُنْذَرِينَ» وَلَمّا دَنا النَّبِيُّ ﷺ وأشْرَفَ عَلَيْها قالَ: " قِفُوا " فَوَقَفَ الجَيْشُ، فَقالَ: «اللَّهُمَّ رَبَّ السَّماواتِ السَّبْعِ وما أظْلَلْنَ، ورَبَّ الأرَضِينَ السَّبْعِ وما أقْلَلْنَ، ورَبَّ الشَّياطِينِ وما أضْلَلْنَ، فَإنّا نَسْألُكَ خَيْرَ هَذِهِ القَرْيَةِ وخَيْرَ أهْلِها، وخَيْرَ ما فِيها، ونَعُوذُ بِكَ مِن شَرِّ هَذِهِ القَرْيَةِ وشَرِّ أهْلِها وشَرِّ ما فِيها، أقْدِمُوا بِسْمِ اللَّهِ» وَلَمّا كانَتْ لَيْلَةُ الدُّخُولِ قالَ: «لَأُعْطِيَنَّ هِذه الرّايَةَ غَدًا رَجُلًا يُحِبُّ اللَّهَ ورَسُولَهُ، ويُحِبُّهُ اللَّهُ ورَسُولُهُ، يَفْتَحُ اللَّهُ عَلى يَدَيْهِ. فَباتَ النّاسُ يَدُوكُونَ أيُّهم يُعْطاها، فَلَمّا أصْبَحَ النّاسُ غَدَوْا عَلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ كُلَّهم يَرْجُو أنْ يُعْطاها، فَقالَ: أيْنَ عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ؟ فَقالُوا: يا رَسُولَ اللَّهِ، هو يَشْتَكِي عَيْنَيْهِ. قالَ: فَأرْسِلُوا إلَيْهِ. فَأُتِيَ بِهِ، فَبَصَقَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في عَيْنَيْهِ، ودَعا لَهُ، فَبَرَأ حَتّى كَأنْ لَمْ يَكُنْ بِهِ وجَعٌ، فَأعْطاهُ الرّايَةَ، فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُقاتِلُهم حَتّى يَكُونُوا مِثْلَنا؟ قالَ: انْفُذْ عَلى رِسْلِكَ حَتّى تَنْزِلَ بِساحَتِهِمْ ثُمَّ ادْعُهم إلى الإسْلامِ، وأخْبِرْهم بِما يَجِبُ عَلَيْهِمْ مِن حَقِّ اللَّهِ فِيهِ، فَواللَّهِ لَأنْ يَهْدِيَ اللَّهُ بِكَ رَجُلًا واحِدًا خَيْرٌ مِن أنْ يَكُونَ لَكَ حُمُرُ النَّعَمِ». فَخَرَجَ مرحب وهو يَقُولُ: ؎أنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي مَرْحَبُ ∗∗∗ شاكِي السِّلاحِ بَطَلٌ مُجَرِّبُ إذا الحُرُوبُ أقْبَلَتْ تَلَهِّبُ فَبَرَزَ إلَيْهِ علي وهو يَقُولُ: ؎أنا الَّذِي سَمَّتْنِي أُمِّي حَيْدَرَهْ ∗∗∗ كَلَيْثِ غاباتٍ كَرِيهِ المَنظَرَهْ أُوفِيهِمُ بِالصّاعِ كَيْلَ السَّنْدَرَهْ فَضَرَبَ مَرْحَبًا فَفَلَقَ هامَتَهُ، وكانَ الفَتْحُ. وَلَمّا دَنا علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ مِن حُصُونِهِمُ اطَّلَعَ يَهُودِيٌّ مِن رَأْسِ الحِصْنِ فَقالَ: مَن أنْتَ؟ فَقالَ أنا عَلِيُّ بْنُ أبِي طالِبٍ. فَقالَ اليَهُودِيُّ: عَلَوْتُمْ وما أُنْزِلَ عَلى مُوسى. هَكَذا في " صَحِيحِ مسلم " أنَّ «عَلِيَّ بْنَ أبِي طالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ هو الَّذِي قَتَلَ مرحبا» وقالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ: عَنِ الزُّهْرِيِّ وأبي الأسود عَنْ عروة. ويُونُسُ بْنُ بُكَيْرٍ عَنِ ابْنِ إسْحاقَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَهْلٍ أحَدِ بَنِي حارِثَة عَنْ جابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، أنَّ محمد بن مسلمة هو الَّذِي قَتَلَهُ، قالَ جابر في حَدِيثِهِ: «خَرَجَ مرحب اليَهُودِيُّ مِن حِصْنِ خَيْبَرَ قَدْ جَمَعَ سِلاحَهُ وهو يَرْتَجِزُ ويَقُولُ: مَن يُبارِزُ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن لِهَذا؟ فَقالَ محمد بن مسلمة: أنا لَهُ يا رَسُولَ اللَّهِ، أنا واللَّهِ المَوْتُورُ الثّائِرُ، قَتَلُوا أخِي بِالأمْسِ. يَعْنِي محمود بن مسلمة، وكانَ قُتِلَ بِخَيْبَرَ، فَقالَ: قُمْ إلَيْهِ، اللَّهُمَّ أعِنْهُ عَلَيْهِ. فَلَمّا دَنا أحَدُهُما مِن صاحِبِهِ دَخَلَتْ بَيْنَهُما شَجَرَةٌ، فَجَعَلَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما يَلُوذُ بِها مِن صاحِبِهِ، كُلَّما لاذَ بِها مِنهُ اقْتَطَعَ صاحِبُهُ بِسَيْفِهِ ما دُونَهُ مِنها، حَتّى بَرَزَ كُلُّ واحِدٍ مِنهُما لِصاحِبِهِ، وصارَتْ بَيْنَهُما كالرَّجُلِ القائِمِ ما فِيها فَنَنٌ، ثُمَّ حَمَلَ عَلى مُحَمَّدٍ فَضَرَبَهُ، فاتَّقاهُ بِالدَّرَقَةِ، فَوَقَعَ سَيْفُهُ فِيها فَعَضَّتْ بِهِ فَأمْسَكَتْهُ، وضَرَبَهُ محمد بن مسلمة فَقَتَلَهُ». وكَذَلِكَ قالَ سَلَمَةُ بْنُ سَلّامَةَ ومجمع بن حارثة: إنَّ محمد بن مسلمة قَتَلَ مرحبا. قالَ الواقِدِيُّ: وقِيلَ: «إنَّ محمد بن مسلمة ضَرَبَ ساقَيْ مرحب فَقَطَعَهُما، فَقالَ مرحب: أجْهِزْ عَلَيَّ يا مُحَمَّدُ. فَقالَ مُحَمَّدٌ: ذُقِ المَوْتَ كَما ذاقَهُ أخِي محمود. وجاوَزَهُ، ومَرَّ بِهِ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَضَرَبَ عُنُقَهُ وأخَذَ سَلَبَهُ، فاخْتَصَما إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ في سَلَبِهِ، فَقالَ محمد بن مسلمة: يا رَسُولَ اللَّهِ، ما قَطَعْتُ رِجْلَيْهِ ثُمَّ تَرَكْتُهُ إلّا لِيَذُوقَ المَوْتَ، وكُنْتُ قادِرًا أنْ أُجْهِزَ عَلَيْهِ. فَقالَ علي رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: صَدَقَ، ضَرَبْتُ عُنُقَهُ بَعْدَ أنْ قَطَعَ رِجْلَيْهِ. فَأعْطى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ محمد بن مسلمة سَيْفَهُ ورُمْحَهُ ومِغْفَرَهُ وبَيْضَتَهُ». وكانَ عِنْدَ آلِ محمد بن مسلمة سَيْفُهُ فِيهِ كِتابٌ لا يُدْرى ما فِيهِ حَتّى قَرَأهُ يَهُودِيٌّ فَإذا فِيهِ: ؎هَذا سَيْفُ مَرْحَبْ ∗∗∗ مَن يَذُقْهُ يَعْطَبْ ثُمَّ خَرَجَ [بَعْدَ مَرْحَبٍ أخُوهُ] ياسر فَبَرَزَ إلَيْهِ الزبير، فَقالَتْ صفية أُمُّهُ: يا رَسُولَ اللَّهِ، يَقْتُلُ ابْنِي؟ قالَ: " بَلِ ابْنُكِ يَقْتُلُهُ إنْ شاءَ اللَّهُ ". فَقَتَلَهُ الزبير. قالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ: ثُمَّ دَخَلَ اليَهُودُ حِصْنًا لَهم مَنِيعًا يُقالُ لَهُ: القَمُوصُ، فَحاصَرَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ قَرِيبًا مِن عِشْرِينَ لَيْلَةً، وكانَتْ أرْضًا وخْمَةً شَدِيدَةَ الحَرِّ، فَجَهِدَ المُسْلِمُونَ جَهْدًا شَدِيدًا، فَذَبَحُوا الحُمُرَ، فَنَهاهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَنْ أكْلِها، وجاءَ عَبْدٌ أسْوَدُ حَبَشِيٌّ مِن أهْلِ خَيْبَرَ كانَ في غَنَمٍ لِسَيِّدِهِ، فَلَمّا رَأى أهْلَ خَيْبَرَ قَدْ أخَذُوا السِّلاحَ سَألَهُمْ: ما تُرِيدُونَ؟ قالُوا: نُقاتِلُ هَذا الَّذِي يَزْعُمُ أنَّهُ نَبِيٌّ، فَوَقَعَ في نَفْسِهِ ذِكْرُ النَّبِيِّ ﷺ «فَأقْبَلَ بِغَنَمِهِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ فَقالَ: ماذا تَقُولُ وما تَدْعُو إلَيْهِ؟ قالَ: أدْعُو إلى الإسْلامِ، وأنْ تَشْهَدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ وأنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وأنْ لا تَعْبُدَ إلّا اللَّهَ. قالَ العَبْدُ: فَما لِي إنْ شَهِدْتُ وآمَنتُ بِاللَّهِ عَزَّ وجَلَّ؟ قالَ: لَكَ الجَنَّةُ إنْ مِتَّ عَلى ذَلِكَ. فَأسْلَمَ، ثُمَّ قالَ: يا نَبِيَّ اللَّهِ، إنَّ هَذِهِ الغَنَمَ عِنْدِي أمانَةٌ. فَقالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: أخْرِجْها مِن عِنْدِكَ وارْمِها بِالحَصْباءِ؛ فَإنَّ اللَّهَ سَيُؤَدِّي عَنْكَ أمانَتَكَ. فَفَعَلَ، فَرَجَعَتِ الغَنَمُ إلى سَيِّدِها، فَعَلِمَ اليَهُودِيُّ أنَّ غُلامَهُ قَدْ أسْلَم، فَقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ في النّاسِ فَوَعَظَهم وحَضَّهم عَلى الجِهادِ، فَلَمّا التَقى المُسْلِمُونَ واليَهُودُ قُتِلَ فِيمَن قُتِلَ العَبْدُ الأسْوَدُ، فاحْتَمَلَهُ المُسْلِمُونَ إلى مُعَسْكَرِهِمْ، فَأُدْخِلَ في الفُسْطاطِ، فَزَعَمُوا أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ اطَّلَعَ في الفُسْطاطِ ثُمَّ أقْبَلَ عَلى أصْحابِهِ وقالَ: لَقَدْ أكْرَمَ اللَّهُ هَذا العَبْدَ وساقَهُ إلى خَيْرٍ، ولَقَدْ رَأيْتُ عِنْدَ رَأْسِهِ اثْنَتَيْنِ مِنَ الحُورِ العِينِ، ولَمْ يُصَلِّ لِلَّهِ سَجْدَةً قَطُّ». قالَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ: عَنْ ثابت، عَنْ أنس: «أتى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ رَجُلٌ فَقالَ: يا رَسُولَ اللَّهِ، إنِّي رَجُلٌ أسْوَدُ اللَّوْنِ، قَبِيحُ الوَجْهِ، مُنْتِنُ الرِّيحِ، لا مالَ لِي، فَإنْ قاتَلْتُ هَؤُلاءِ حَتّى أُقْتَلَ أأدْخُلُ الجَنَّةَ؟ قالَ: نَعَمْ. فَتَقَدَّمَ فَقاتَلَ حَتّى قُتِلَ، فَأتى عَلَيْهِ النَّبِيُّ ﷺ وهو مَقْتُولٌ فَقالَ: لَقَدْ أحْسَنَ اللَّهُ وجْهَكَ، وطَيَّبَ رِيحَكَ، وكَثَّرَ مالَكَ. ثُمَّ قالَ: لَقَدْ رَأيْتُ زَوْجَتَيْهِ مِنَ الحُورِ العِينِ يَنْزِعانِ جُبَّتَهُ عَنْهُ يَدْخُلانِ فِيما بَيْنَ جِلْدِهِ وجُبَّتِهِ». وَقالَ شداد بن الهاد: «جاءَ رَجُلٌ مِنَ الأعْرابِ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَآمَنَ بِهِ واتَّبَعَهُ، فَقالَ: أُهاجِرُ مَعَكَ. فَأوْصى بِهِ بَعْضَ أصْحابِهِ، فَلَمّا كانَتْ غَزْوَةُ خَيْبَرَ غَنِمَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَيْئًا فَقَسَمَهُ، وقَسَمَ لِلْأعْرابِيِّ، فَأعْطى أصْحابَهُ ما قَسَمَهُ لَهُ، وكانَ يَرْعى ظَهْرَهُمْ، فَلَمّا جاءَ دَفَعُوهُ إلَيْهِ فَقالَ: ما هَذا؟ قالُوا: قَسْمٌ قَسَمَهُ لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ. فَأخَذَهُ فَجاءَ بِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ فَقالَ: ما هَذا يا رَسُولَ اللَّهِ؟ قالَ: قَسْمٌ قَسَمْتُهُ لَكَ. قالَ: ما عَلى هَذا اتَّبَعْتُكَ، ولَكِنِ اتَّبَعْتُكَ عَلى أنْ أُرْمى هاهُنا - وأشارَ إلى حَلْقِهِ - بِسَهْمٍ، فَأمُوتَ فَأدْخُلَ الجَنَّةَ. فَقالَ: إنْ تَصْدُقِ اللَّهَ يَصْدُقْكَ. ثُمَّ نَهَضَ إلى قِتالِ العَدُوِّ، فَأُتِيَ بِهِ إلى النَّبِيِّ ﷺ وهو مَقْتُولٌ، فَقالَ: أهْوَ هُوَ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: صَدَقَ اللَّهَ فَصَدَقَهُ. فَكَفَّنَهُ النَّبِيُّ ﷺ في جُبَّتِهِ ثُمَّ قَدَّمَهُ فَصَلّى عَلَيْهِ، وكانَ مِن دُعائِهِ لَهُ: اللَّهُمَّ هَذا عَبْدُكَ خَرَجَ مُهاجِرًا في سَبِيلِكَ قُتِلَ شَهِيدًا وأنا عَلَيْهِ شَهِيدٌ». قالَ الواقِدِيُّ «وَتَحَوَّلَتِ اليَهُودُ إلى قَلْعَةِ الزبير - حِصْنٍ مَنِيعٍ في رَأْسِ قُلَّةٍ - فَأقامَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ثَلاثَةَ أيّامٍ، فَجاءَ رَجُلٌ مِنَ اليَهُودِ يُقالُ لَهُ: عَزالٌ فَقالَ: يا أبا القاسِمِ، إنَّكَ لَوْ أقَمْتَ شَهْرًا ما بالَوْا، إنَّ لَهم شَرابًا وعُيُونًا تَحْتَ الأرْضِ يَخْرُجُونَ بِاللَّيْلِ فَيَشْرَبُونَ مِنها ثُمَّ يَرْجِعُونَ إلى قَلْعَتِهِمْ فَيَمْتَنِعُونَ مِنكَ، فَإنْ قَطَعْتَ مَشْرَبَهم عَلَيْهِمْ أصْحَرُوا لَكَ. فَسارَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى مائِهِمْ فَقَطَعَهُ عَلَيْهِمْ، فَلَمّا قُطِعَ عَلَيْهِمْ خَرَجُوا فَقاتَلُوا أشَدَّ القِتالِ، وقُتِلَ مِنَ المُسْلِمِينَ نَفَرٌ، وأُصِيبَ نَحْوُ العَشَرَةِ مِنَ اليَهُودِ، وافْتَتَحَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، ثُمَّ تَحَوَّلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى أهْلِ الكُتَيْبَةِ والوَطِيحِ والسُّلالِمِ حِصْنِ ابن أبي الحقيق، فَتَحَصَّنَ أهْلُهُ أشَدَّ التَّحَصُّنِ، وجاءَهم كُلُّ فَلٍّ كانَ انْهَزَمَ مِنَ النَّطاةِ والشِّقِّ، فَإنَّ خَيْبَرَ كانَتْ جانِبَيْنِ الأوَّلُ: الشِّقُّ والنَّطاةُ، وهو الَّذِي افْتَتَحَهُ أوَّلًا، والجانِبُ الثّانِي: الكُتَيْبَةُ والوَطِيحُ والسُّلالِمُ، فَجَعَلُوا لا يَخْرُجُونَ مِن حُصُونِهِمْ حَتّى هَمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أنْ يَنْصِبَ عَلَيْهِمُ المَنجَنِيقَ، فَلَمّا أيْقَنُوا بِالهَلَكَةِ وقَدْ حَصَرَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ أرْبَعَةَ عَشَرَ يَوْمًا، سَألُوا رَسُولَ اللَّهِ ﷺ الصُّلْحَ، وأرْسَلَ ابن أبي الحقيق إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ: أنْزِلُ فَأُكَلِّمُكَ؟ فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " نَعَمْ "، فَنَزَلَ ابن أبي الحقيق فَصالَحَ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ عَلى حَقْنِ دِماءِ مَن في حُصُونِهِمْ مِنَ المُقاتِلَةِ وتَرْكِ الذُّرِّيَّةِ لَهُمْ، ويَخْرُجُونَ مِن خَيْبَرَ وأرْضِها بِذَرارِيِّهِمْ، ويُخَلُّونَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ وبَيْنَ ما كانَ لَهم مِن مالٍ وأرْضٍ وعَلى الصَّفْراءِ والبَيْضاءِ والكُراعِ والحَلْقَةِ، إلّا ثَوْبًا عَلى ظَهْرِ إنْسانٍ. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: " وبَرِئَتْ مِنكم ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رسوله إنْ كَتَمْتُمُونِي شَيْئًا ". فَصالَحُوهُ عَلى ذَلِكَ». قالَ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ: أنْبَأنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ عَنْ نافع، عَنِ ابْنِ عُمَرَ «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قاتَلَ أهْلَ خَيْبَرَ حَتّى ألْجَأهم إلى قَصْرِهِمْ، فَغَلَبَ عَلى الزَّرْعِ والنَّخْلِ والأرْضِ، فَصالَحُوهُ عَلى أنْ يُجْلَوْا مِنها ولَهم ما حَمَلَتْ رِكابُهُمْ، ولِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ الصَّفْراءُ والبَيْضاءُ، واشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أنْ لا يَكْتُمُوا ولا يُغَيِّبُوا شَيْئًا، فَإنْ فَعَلُوا فَلا ذِمَّةَ لَهم ولا عَهْدَ، فَغَيَّبُوا مَسْكًا فِيهِ مالٌ وحُلِيٌّ لحيي بن أخطب، كانَ احْتَمَلَهُ مَعَهُ إلى خَيْبَرَ حِينَ أُجْلِيَتِ النَّضِيرُ، فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ لِعَمِّ حيي بن أخطب: ما فَعَلَ مَسْكُ حيي الَّذِي جاءَ بِهِ مِنَ النَّضِيرِ؟ قالَ: أذْهَبَتْهُ النَّفَقاتُ والحُرُوبُ. فَقالَ: العَهْدُ قَرِيبٌ والمالُ أكْثَرُ مِن ذَلِكَ. فَدَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ إلى الزبير فَمَسَّهُ بِعَذابٍ، وقَدْ كانَ قَبْلَ ذَلِكَ دَخَلَ خَرِبَةً فَقالَ: قَدْ رَأيْتُ حُيَيًّا يَطُوفُ في خَرِبَةٍ ها هُنا. فَذَهَبُوا فَطافُوا فَوَجَدُوا المَسْكَ في الخَرِبَةِ، فَقَتَلَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ ابْنَيْ أبِي الحُقَيْقِ، وأحَدُهُما زَوْجُ صفية بنت حيي بن أخطب، وسَبى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ نِساءَهم وذَرارِيَّهم وقَسَمَ أمْوالَهم بِالنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا، وأرادَ أنْ يُجْلِيَهم مِنها فَقالُوا: يا مُحَمَّدُ، دَعْنا نَكُونُ في هَذِهِ الأرْضِ نُصْلِحُها ونَقُومُ عَلَيْها، فَنَحْنُ أعْلَمُ بِها مِنكم. وَلَمْ يَكُنْ لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ ولا لِأصْحابِهِ غِلْمانٌ يَقُومُونَ عَلَيْها، وكانُوا لا يَفْرُغُونَ يَقُومُونَ عَلَيْها، فَأعْطاهم خَيْبَرَ عَلى أنَّ لَهُمُ الشَّطْرَ مِن كُلِّ زَرْعٍ وكُلِّ ثَمَرٍ ما بَدا لِرَسُولِ اللَّهِ ﷺ أنْ يُقِرَّهم. وكانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَواحَةَ يَخْرُصُهُ عَلَيْهِمْ كَما تَقَدَّمَ. ولَمْ يَقْتُلْ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ بَعْدَ الصُّلْحِ إلّا ابْنَيْ أبِي الحُقَيْقِ لِلنَّكْثِ الَّذِي نَكَثُوا؛ فَإنَّهم شَرَطُوا إنْ غَيَّبُوا أوْ كَتَمُوا فَقَدْ بَرِئَتْ مِنهم ذِمَّةُ اللَّهِ وذِمَّةُ رَسُولِهِ، فَغَيَّبُوا، فَقالَ لَهُمْ: أيْنَ المالُ الَّذِي خَرَجْتُمْ بِهِ مِنَ المَدِينَةِ حِينَ أجْلَيْناكُمْ؟ قالُوا: ذَهَبَ. فَحَلَفُوا عَلى ذَلِكَ، فاعْتَرَفَ ابْنُ عَمِّ كِنانَةَ عَلَيْهِما بِالمالِ حِينَ دَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ إلى الزبير يُعَذِّبُهُ. فَدَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ كِنانَةَ إلى محمد بن مسلمة فَقَتَلَهُ»، ويُقالُ: إنَّ كِنانَةَ هو كانَ قَتَلَ أخاهُ محمود بن مسلمة. «وَسَبى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صفية بنت حيي بن أخطب وابْنَةَ عَمَّتِها، وكانَتْ صفية تَحْتَ كنانة بن أبي الحقيق، وكانَتْ عَرُوسًا حَدِيثَةَ عَهْدٍ بِالدُّخُولِ، فَأمَرَ بلالا أنْ يَذْهَبَ بِها إلى رَحْلِهِ، فَمَرَّ بِها بلال وسْطَ القَتْلى، فَكَرِهَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ: أذَهَبَتِ الرَّحْمَةُ مِنكَ يا بلال؟!) وَعَرَضَ عَلَيْها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ الإسْلامَ فَأسْلَمَتْ، فاصْطَفاها لِنَفْسِهِ، وأعْتَقَها وجَعَلَ عِتْقَها صَداقَها، وبَنى بِها في الطَّرِيقِ، وأوْلَمَ عَلَيْها، ورَأى بِوَجْهِها خُضْرَةً فَقالَ: ما هَذا؟ قالَتْ: يا رَسُولَ اللَّهِ، أُرِيتُ قَبْلَ قُدُومِكَ عَلَيْنا كَأنَّ القَمَرَ زالَ مِن مَكانِهِ فَسَقَطَ في حِجْرِي، ولا واللَّهِ ما أذْكُرُ مِن شَأْنِكَ شَيْئًا، فَقَصَصْتُها عَلى زَوْجِي فَلَطَمَ وجْهِي وقالَ: تَمَنِّينَ هَذا المَلِكَ الَّذِي بِالمَدِينَةِ) وشَكَّ الصَّحابَةُ هَلِ اتَّخَذَها سُرِّيَّةً أوْ زَوْجَةً؟ فَقالُوا: انْظُرُوا إنْ حَجَبَها فَهي إحْدى نِسائِهِ، وإلّا فَهي مِمّا مَلَكَتْ يَمِينُهُ، فَلَمّا رَكِبَ (جَعَلَ ثَوْبَهُ الَّذِي ارْتَدى بِهِ عَلى ظَهْرِها ووَجْهِها، ثُمَّ شَدَّ طَرَفَهُ تَحْتَهُ، فَتَأخَّرُوا عَنْهُ في المَسِيرِ، وعَلِمُوا أنَّها إحْدى نِسائِهِ، ولَمّا قَدِمَ لِيَحْمِلَها عَلى الرَّحْلِ أجَلَّتْهُ أنْ تَضَعَ قَدَمَها عَلى فَخِذِهِ فَوَضَعَتْ رُكْبَتَها عَلى فَخِذِهِ ثُمَّ رَكِبَتْ. وَلَمّا بَنى بِها باتَ أبو أيوب لَيْلَتَهُ قائِمًا قَرِيبًا مِن قُبَّتِهِ، آخِذًا بِقائِمِ السَّيْفِ حَتّى أصْبَحَ، فَلَمّا رَأى رَسُولَ اللَّهِ ﷺ كَبَّرَ أبو أيوب حِينَ رَآهُ قَدْ خَرَجَ، فَسَألَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: ما لَكَ يا أبا أيوب؟ فَقالَ لَهُ: أرِقْتُ لَيْلَتِي هَذِهِ يا رَسُولَ اللَّهِ لَمّا دَخَلْتَ بِهَذِهِ المَرْأةِ، ذَكَرْتُ أنَّكَ قَتَلْتَ أباها وأخاها وزَوْجَها وعامَّةَ عَشِيرَتِها، فَخِفْتُ أنْ تَغْتالَكَ. فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ وقالَ لَهُ مَعْرُوفًا». [قِصَّةُ سَمِّ يَهُودِيَّةٍ النَّبِيَّ ﷺ] وَفِي هَذِهِ الغَزاةِ «سُمَّ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، أهْدَتْ لَهُ زينب بنت الحارث اليَهُودِيَّةُ امْرَأةُ سلام بن مشكم شاةً مَشْوِيَّةً قَدْ سَمَّتْها، وسَألَتْ: أيُّ اللَّحْمِ أحَبُّ إلَيْهِ؟ فَقالُوا: الذِّراعُ. فَأكْثَرَتْ مِنَ السُّمِّ في الذِّراعِ، فَلَمّا انْتَهَشَ مِن ذِراعِها أخْبَرَهُ الذِّراعُ بِأنَّهُ مَسْمُومٌ، فَلَفَظَ الأُكْلَةَ ثُمَّ قالَ: " اجْمَعُوا لِي مَن ها هُنا مِنَ اليَهُودِ. فَجُمِعُوا لَهُ، فَقالَ لَهُمْ: إنِّي سائِلُكم عَنْ شَيْءٍ، فَهَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ فِيهِ؟ قالُوا: نَعَمْ يا أبا القاسِمِ. فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن أبُوكُمْ؟ قالُوا: أبُونا فُلانٌ. قالَ: كَذَبْتُمْ، أبُوكم فُلانٌ. قالُوا: صَدَقْتَ وبَرَرْتَ. قالَ: هَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إنْ سَألْتُكم عَنْهُ؟ ". قالُوا: نَعَمْ يا أبا القاسِمِ وإنْ كَذَبْناكَ عَرَفْتَ كَذِبَنا كَما عَرَفْتَهُ في أبِينا. فَقالَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: مَن أهْلُ النّارِ؟ فَقالُوا: نَكُونُ فِيها يَسِيرًا ثُمَّ تَخْلُفُونَنا فِيها. فَقالَ لَهم رَسُولُ اللَّهِ ﷺ: اخْسَئُوا فِيها، فَواللَّهِ لا نَخْلُفُكم فِيها أبَدًا. ثُمَّ قالَ: هَلْ أنْتُمْ صادِقِيَّ عَنْ شَيْءٍ إنْ سَألْتُكم عَنْهُ؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: أجَعَلْتُمْ في هَذِهِ الشّاةِ سُمًّا؟ قالُوا: نَعَمْ. قالَ: فَما حَمَلَكم عَلى ذَلِكَ؟ قالُوا: أرَدْنا إنْ كُنْتَ كاذِبًا نَسْتَرِيحُ مِنكَ، وإنْ كُنْتَ نَبِيًّا لَمْ يَضُرَّكَ». «وَجِيءَ بِالمَرْأةِ إلى رَسُولِ اللَّهِ ﷺ، فَقالَتْ: أرَدْتُ قَتْلَكَ. فَقالَ: ما كانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَيَّ. قالُوا: ألا نَقْتُلُها؟ قالَ: لا. ولَمْ يَتَعَرَّضْ لَها ولَمْ يُعاقِبْها»، واحْتَجَمَ عَلى الكاهِلِ، وأمَرَ مَن أكَلَ مِنها فاحْتَجَمَ، فَماتَ بَعْضُهُمْ، واخْتُلِفَ في قَتْلِ المَرْأةِ، فَقالَ الزُّهْرِيُّ: أسْلَمَتْ فَتَرَكَها، ذَكَرَهُ عبد الرزاق عَنْ معمر عَنْهُ، ثُمَّ قالَ معمر: والنّاسُ تَقُولُ: قَتَلَها النَّبِيُّ ﷺ. قالَ أبو داود: حَدَّثَنا وهْبُ بْنُ بَقِيَّةَ، قالَ: حَدَّثَنا خالد، عَنْ محمد بن عمرو، عَنْ أبي سلمة، «أنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أهْدَتْ لَهُ يَهُودِيَّةٌ بِخَيْبَرَ شاةً مَصْلِيَّةً. وذَكَرَ القِصَّةَ وقالَ: فَماتَ بِشْرُ بْنُ البَراءِ بْنِ مَعْرُورٍ فَأرْسَلَ إلى اليَهُودِيَّةِ: ما حَمَلَكِ عَلى الَّذِي صَنَعْتِ؟ قالَ جابر: فَأمَرَ بِها رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَقُتِلَتْ» قُلْتُ: كِلاهُما مُرْسَلٌ، ورَواهُ حَمّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ محمد بن عمرو عَنْ أبي سلمة عَنْ أبِي هُرَيْرَةَ مُتَّصِلًا، أنَّهُ قَتَلَها لَمّا ماتَ بِشْرُ بْنُ البَراءِ. وَقَدْ وُفِّقَ بَيْنَ الرِّوايَتَيْنِ بِأنَّهُ لَمْ يَقْتُلْها أوَّلًا، فَلَمّا ماتَ بشر قَتَلَها. وَقَدِ اخْتُلِفَ: هَلْ أكَلَ النَّبِيُّ ﷺ مِنها أوْ لَمْ يَأْكُلْ؟ وأكْثَرُ الرِّواياتِ أنَّهُ أكَلَ مِنها وبَقِيَ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلاثَ سِنِينَ حَتّى قالَ في وجَعِهِ الَّذِي ماتَ فِيهِ: «ما زِلْتُ أجِدُ مِنَ الأُكْلَةِ الَّتِي أكَلْتُ مِنَ الشّاةِ يَوْمَ خَيْبَرَ، فَهَذا أوانُ انْقِطاعِ الأبْهَرِ مِنِّي». قالَ الزُّهْرِيُّ: فَتُوُفِّيَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ شَهِيدًا. قالَ مُوسى بْنُ عُقْبَةَ وغَيْرُهُ: وكانَ بَيْنَ قُرَيْشٍ حِينَ سَمِعُوا بِخُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ إلى خَيْبَرَ تَراهُنٌ عَظِيمٌ، وتَبايُعٌ، فَمِنهم مَن يَقُولُ: يَظْهَرُ مُحَمَّدٌ وأصْحابُهُ، ومِنهم يَقُولُ: يَظْهَرُ الحَلِيفانِ ويَهُودُ خَيْبَرَ، وكانَ الحجاج بن علاط السلمي قَدْ أسْلَمَ وشَهِدَ فَتْحَ خَيْبَرَ، وكانَتْ تَحْتَهُ أم شيبة أخت بني عبد الدار بن قصي، وكانَ الحجاج مُكْثِرًا مِنَ المالِ، كانَتْ لَهُ مَعادِنُ بِأرْضِ بَنِي سُلَيْمٍ، فَلَمّا ظَهَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَلى خَيْبَرَ قالَ الحجاج بن علاط: إنَّ لِي ذَهَبًا عِنْدَ امْرَأتِي، وإنْ تَعْلَمْ هي وأهْلُها بِإسْلامِي فَلا مالَ لِي، فَأْذَنْ لِي فَلَأُسْرِعِ السَّيْرَ وأسْبِقِ الخَبَرَ، ولَأُخْبِرَنَّ أخْبارًا إذا قَدِمْتُ أدْرَأُ بِها عَنْ مالِي ونَفْسِي. فَأذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، فَلَمّا قَدِمَ مَكَّةَ قالَ لِامْرَأتِهِ: أخْفِي عَلَيَّ واجْمَعِي ما كانَ لِي عِنْدَكِ مِن مالٍ؛ فَإنِّي أُرِيدُ أنْ أشْتَرِيَ مِن غَنائِمِ مُحَمَّدٍ وأصْحابِهِ؛ فَإنَّهم قَدِ اسْتُبِيحُوا وأُصِيبَتْ أمْوالُهُمْ، وإنَّ مُحَمَّدًا قَدْ أُسِرَ وتَفَرَّقَ عَنْهُ أصْحابُهُ، وإنَّ اليَهُودَ قَدْ أقْسَمُوا لَتَبْعَثَنَّ بِهِ إلى مَكَّةَ ثُمَّ لَتَقْتُلَنَّهُ بِقَتْلاهم بِالمَدِينَةِ، وفَشا ذَلِكَ بِمَكَّةَ، واشْتَدَّ عَلى المُسْلِمِينَ وبَلَغَ مِنهُمْ، وأظْهَرَ المُشْرِكُونَ الفَرَحَ والسُّرُورَ، فَبَلَغَ العباس عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ ﷺ زَجَلَةُ النّاسِ، وجَلَبَتُهُمْ، وإظْهارُهُمُ السُّرُورَ، فَأرادَ أنْ يَقُومَ ويَخْرُجَ فانْخَزَلَ ظَهْرُهُ، فَلَمْ يَقْدِرْ عَلى القِيامِ، فَدَعا ابْنًا لَهُ يُقالُ لَهُ: قُثَمُ، وكانَ يُشْبِهُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ، فَجَعَلَ العباس يَرْتَجِزُ ويَرْفَعُ صَوْتَهُ لِئَلّا يَشْمَتَ بِهِ أعْداءُ اللَّهِ: ؎حِبِّي قُثَمْ حِبِّي قُثَم ∗∗∗ شَبِيهُ ذِي الأنْفِ الأشَمْ ؎نَبِيُّ رَبِّي ذِي النِّعَمْ ∗∗∗ بِرَغْمِ أنْفِ مَن رَغَمْ وَحُشِرَ إلى بابِ دارِهِ رِجالٌ كَثِيرُونَ مِنَ المُسْلِمِينَ والمُشْرِكِينَ، مِنهُمُ المُظْهِرُ لِلْفَرَحِ والسُّرُورِ، ومِنهُمُ الشّامِتُ المُغْرِي، ومِنهم مَن بِهِ مِثْلُ المَوْتِ مِنَ الحُزْنِ والبَلاءِ، فَلَمّا سَمِعَ المُسْلِمُونَ رَجَزَ العباس وتَجَلُّدَهُ، طابَتْ نَفُوسُهُمْ، وظَنَّ المُشْرِكُونَ أنَّهُ قَدْ أتاهُ ما لَمْ يَأْتِهِمْ، ثُمَّ أرْسَلَ العباس غُلامًا لَهُ إلى الحجاج وقالَ لَهُ: اخْلُ بِهِ وقُلْ لَهُ: ويْلَكَ ما جِئْتَ بِهِ وما تَقُولُ؟ فالَّذِي وعَدَ اللَّهُ خَيْرٌ مِمّا جِئْتَ بِهِ. فَلَمّا كَلَّمَهُ الغُلامُ قالَ لَهُ: اقْرَأْ عَلى أبي الفضل السلام، وقُلْ لَهُ: فَلْيَخْلُ بِي في بَعْضِ بُيُوتِهِ حَتّى آتِيَهُ؛ فَإنَّ الخَبَرَ عَلى ما يَسُرُّهُ. فَلَمّا بَلَغَ العَبْدُ بابَ الدّارِ قالَ: أبْشِرْ يا أبا الفضل. فَوَثَبَ العباس فَرَحًا كَأنَّهُ لَمْ يُصِبْهُ بَلاءٌ قَطُّ حَتّى جاءَهُ وقَبَّلَ ما بَيْنَ عَيْنَيْهِ، فَأخْبَرَهُ بِقَوْلِ الحجاج فَأعْتَقَهُ، ثُمَّ قالَ: أخْبِرْنِي. قالَ: يَقُولُ لَكَ الحجاج: اخْلُ بِهِ في بَعْضِ بُيُوتِكَ حَتّى يَأْتِيَكَ ظُهْرًا. فَلَمّا جاءَهُ الحجاج وخَلا بِهِ أخَذَ عَلَيْهِ لَتَكْتُمَنَّ خَبَرِي، فَوافَقَهُ عباس عَلى ذَلِكَ، فَقالَ لَهُ الحجاج: جِئْتُ وقَدِ افْتَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ خَيْبَرَ وغَنِمَ أمْوالَهُمْ، وجَرَتْ فِيها سِهامُ اللَّهِ، وإنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَدِ اصْطَفى صفية بنت حيي لِنَفْسِهِ وأعْرَسَ بِها، ولَكِنْ جِئْتُ لِمالِي أرَدْتُ أنْ أجْمَعَهُ وأذْهَبَ بِهِ، وإنِّي اسْتَأْذَنْتُ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ أنْ أقُولَ، فَأذِنَ لِي أنْ أقُولَ ما شِئْتُ، فَأخْفِ عَلَيَّ ثَلاثًا ثُمَّ اذْكُرْ ما شِئْتَ. قالَ: فَجَمَعَتْ لَهُ امْرَأتُهُ مَتاعَهُ، ثُمَّ انْشَمَرَ راجِعًا، فَلَمّا كانَ بَعْدَ ثَلاثٍ أتى العباس امْرَأةَ الحجاج فَقالَ: ما فَعَلَ زَوْجُكِ؟ قالَتْ: ذَهَبَ، وقالَتْ: لا يَحْزُنْكَ اللَّهُ يا أبا الفَضْلِ، لَقَدْ شَقَّ عَلَيْنا الَّذِي بَلَغَكَ. فَقالَ: أجَلْ، لا يَحْزُنُنِي اللَّهُ، ولَمْ يَكُنْ بِحَمْدِ اللَّهِ إلّا ما أُحِبُّ، فَتَحَ اللَّهُ عَلى رَسُولِهِ خَيْبَرَ وجَرَتْ فِيها سِهامُ اللَّهِ، واصْطَفى رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صفية لِنَفْسِهِ، فَإنْ كانَ لَكِ في زَوْجِكِ حاجَةٌ فالحَقِي بِهِ. قالَتْ: أظُنُّكَ واللَّهِ صادِقًا. قالَ: فَإنِّي واللَّهِ صادِقٌ والأمْرُ عَلى ما أقُولُ لَكِ. قالَتْ: فَمَن أخْبَرَكَ بِهَذا؟ قالَ: الَّذِي أخْبَرَكِ بِما أخْبَرَكِ. ثُمَّ ذَهَبَ حَتى أتى مَجالِسَ قُرَيْشٍ، فَلَمّا رَأوْهُ قالُوا: هَذا واللَّهِ التَّجَلُّدُ يا أبا الفضل، ولا يُصِيبُكَ إلّا خَيْرٌ. قالَ: أجَلْ، لَمْ يُصِبْنِي إلّا خَيْرٌ، والحَمْدُ لِلَّهِ أخْبَرَنِي الحجاج بِكَذا وكَذا، وقَدْ سَألَنِي أنْ أكْتُمَ عَلَيْهِ ثَلاثًا لِحاجَةٍ، فَرَدَّ اللَّهُ ما كانَ لِلْمُسْلِمِينَ مِن كَآبَةٍ وجَزَعٍ عَلى المُشْرِكِينَ، وخَرَجَ المُسْلِمُونَ مِن مَواضِعِهِمْ حَتّى دَخَلُوا عَلى العباس، فَأخْبَرَهُمُ الخَبَرَ، فَأشْرَقَتْ وُجُوهُ المُسْلِمِينَ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب