الباحث القرآني

* (فصل: كَلِمَةُ التَّوْحِيدِ) وَهِيَ الكَلِمَةُ الَّتِي قامَتْ بِها الأرْضُ والسَّماواتُ، وفَطَرَ اللَّهُ عَلَيْها جَمِيعَ المَخْلُوقاتِ، وعَلَيْها أُسِّسَتِ المِلَّةُ ونُصِبَتِ القِبْلَةُ، وجُرِّدَتْ سُيُوفُ الجِهادِ، وهي مَحْضُ حَقِّ اللَّهِ عَلى جَمِيعِ العِبادِ، وهي الكَلِمَةُ العاصِمَةُ لِلدَّمِ والمالِ والذُّرِّيَّةِ في هَذِهِ الدّارِ، والمُنْجِيَةُ مِن عَذابِ القَبْرِ وعَذابِ النّارِ، وهي المَنشُورُ الَّذِي لا يُدْخَلُ الجَنَّةُ إلّا بِهِ، والحَبْلُ الَّذِي لا يَصِلُ إلى اللَّهِ مَن لَمْ يَتَعَلَّقْ بِسَبَبِهِ، وهي كَلِمَةُ الإسْلامِ، ومِفْتاحُ دارِ السَّلامِ، وبِها انْقَسَمَ النّاسُ إلى شَقِيٍّ وسَعِيدٍ، ومَقْبُولٍ وطَرِيدٍ، وبِها انْفَصَلَتْ دارُ الكُفْرِ مِن دارِ الإيمانِ، وتَمَيَّزَتْ دارُ النَّعِيمِ مِن دارِ الشَّقاءِ والهَوانِ، وهي العَمُودُ الحامِلُ لِلْفَرْضِ والسُّنَّةِ. و«مَن كانَ آخِرُ كَلامِهِ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ دَخَلَ الجَنَّةَ». وَرُوحُ هَذِهِ الكَلِمَةِ وسِرُّها: إفْرادُ الرَّبِّ - جَلَّ ثَناؤُهُ، وتَقَدَّسَتْ أسْماؤُهُ، وتَبارَكَ اسْمُهُ، وتَعالى جَدُّهُ، ولا إلَهَ غَيْرُهُ - بِالمَحَبَّةِ والإجْلالِ والتَّعْظِيمِ والخَوْفِ والرَّجاءِ وتَوابِعِ ذَلِكَ: مِنَ التَّوَكُّلِ والإنابَةِ والرَّغْبَةِ والرَّهْبَةِ، فَلا يُحَبُّ سِواهُ، وكُلُّ ما كانَ يُحَبُّ غَيْرَهُ فَإنَّما يُحَبُّ تَبَعًا لِمَحَبَّتِهِ، وكَوْنِهِ وسِيلَةً إلى زِيادَةِ مَحَبَّتِهِ، ولا يُخافُ سِواهُ، ولا يُرْجى سِواهُ، ولا يُتَوَكَّلُ إلّا عَلَيْهِ، ولا يُرْغَبُ إلّا إلَيْهِ، ولا يُرْهَبُ إلّا مِنهُ، ولا يُحْلَفُ إلّا بِاسْمِهِ، ولا يُنْظَرُ إلّا لَهُ، ولا يُتابُ إلّا إلَيْهِ، ولا يُطاعُ إلّا أمْرُهُ، ولا يُتَحَسَّبُ إلّا بِهِ، ولا يُسْتَغاثُ في الشَّدائِدِ إلّا بِهِ، ولا يُلْتَجَأُ إلّا إلَيْهِ، ولا يُسْجَدُ إلّا لَهُ، ولا يُذْبَحُ إلّا لَهُ وبِاسْمِهِ، ويَجْتَمِعُ ذَلِكَ في حَرْفٍ واحِدٍ، وهُوَ: أنْ لا يُعْبَدَ إلّا إيّاهُ بِجَمِيعِ أنْواعِ العِبادَةِ، فَهَذا هو تَحْقِيقُ شَهادَةِ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ، ولِهَذا حَرَّمَ اللَّهُ عَلى النّارِ مَن شَهِدَ أنْ لا إلَهَ إلّا اللَّهُ حَقِيقَةَ الشَّهادَةِ، ومُحالٌ أنْ يَدْخُلَ النّارَ مَن تَحَقَّقَ بِحَقِيقَةِ هَذِهِ الشَّهادَةِ وقامَ بِها، كَما قالَ تَعالى: ﴿والَّذِينَ هم بِشَهاداتِهِمْ قائِمُونَ﴾ [المعارج: ٣٣]. فَيَكُونُ قائِمًا بِشَهادَتِهِ في ظاهِرِهِ وباطِنِهِ، في قَلْبِهِ وقالَبِهِ، فَإنَّ مِنَ النّاسِ مَن تَكُونُ شَهادَتُهُ مَيِّتَةً، ومِنهم مَن تَكُونُ نائِمَةً، إذا نُبِّهَتِ انْتَبَهَتْ، ومِنهم مَن تَكُونُ مُضْطَجِعَةً، ومِنهم مَن تَكُونُ إلى القِيامِ أقْرَبَ، وهي في القَلْبِ بِمَنزِلَةِ الرُّوحِ في البَدَنِ، فَرُوحٌ مَيِّتَةٌ، ورُوحٌ مَرِيضَةٌ إلى المَوْتِ أقْرَبُ، ورُوحٌ إلى الحَياةِ أقْرَبُ، ورُوحٌ صَحِيحَةٌ قائِمَةٌ بِمَصالِحِ البَدَنِ. وَفِي الحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْهُ ﷺ: «إنِّي لَأعْلَمُ كَلِمَةً لا يَقُولُها عَبْدٌ عِنْدَ المَوْتِ إلّا وجَدَتْ رُوحُهُ لَها رَوْحًا» فَحَياةُ هَذِهِ الرُّوحِ بِحَياةِ هَذِهِ الكَلِمَةِ فِيها، فَكَما أنَّ حَياةَ البَدَنِ بِوُجُودِ الرُّوحِ فِيهِ، وكَما أنَّ مَن ماتَ عَلى هَذِهِ الكَلِمَةِ فَهو في الجَنَّةِ يَتَقَلَّبُ فِيها، فَمَن عاشَ عَلى تَحْقِيقِها والقِيامِ بِها فَرُوحُهُ تَتَقَلَّبُ في جَنَّةِ المَأْوى وعَيْشُهُ وأطْيَبُ عَيْشٍ قالَ: ﴿وَأمّا مَن خافَ مَقامَ رَبِّهِ ونَهى النَّفْسَ عَنِ الهَوى - فَإنَّ الجَنَّةَ هي المَأْوى﴾ [النازعات: ٤٠-٤١]. فالجَنَّةُ مَأْواهُ يَوْمَ اللِّقاءِ. (فائِدَة) من النّاس من يعرف الله بالجود والإفضال والإحْسان، ومِنهُم من يعرفهُ بِالعَفو والحلم والتجاوز، ومِنهُم من يعرفهُ بالبطش والانتقام، ومِنهُم من يعرفهُ بِالعلمِ والحكمَة ومِنه من يعرفهُ بِالعِزَّةِ والكبرياء، ومِنهُم من يعرفهُ بِالرَّحْمَةِ والبر واللطف، ومِنهُم من يعرفهُ بالقهر والملك، ومِنهُم من يعرفهُ بإجابة دَعوته وإغاثة لهفته وقَضاء حاجته. وأعم هَؤُلاءِ معرفَة من عرفه من كَلامه فَإنَّهُ يعرف رَبًّا قد اجْتمعت لَهُ صِفات الكَمال ونعوت الجلال منزّه عَن المِثال برِيء من النقائص والعيوب، لَهُ كل اسْم حسن، وكل وصف كَمال، فعّال لما يُرِيد، فَوق كل شَيْء، ومَعَ كل شَيْء، وقادر على كل شَيْء ومقيم لكل شَيْء، آمرٌ ناهٍ مُتَكَلم بكلماته الدِّينِيَّة والكونية أكبر من كل شَيْء وأجمل من كل شَيْء أرْحم الرّاحِمِينَ وأقدر القادرين وأحكم الحاكِمين فالقرآن أنزل لتعريف عباده بِهِ وبصراطه الموصل إلَيْهِ وبحال السالكين بعد الوُصُول إلَيْهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب