الباحث القرآني

فَأنْكَرَ سُبْحانَهُ هَذا الحُسْبانَ إنْكارَ مُنَبِّهٍ لِلْعَقْلِ عَلى قُبْحِهِ، وأنَّهُ حُكْمٌ سَيِّئٌ، والحاكِمُ بِهِ مُسِيءٌ ظالِمٌ، ولَوْ كانَ قُبْحُهُ لِكَوْنِهِ خِلافَ ما أخْبَرَ بِهِ لَمْ يَكُنِ الإنْكارُ لِما اشْتَمَلَ عَلَيْهِ مِنَ القُبْحِ اللّازِمِ مِنَ التَّسْوِيَةِ بَيْنَ المُحْسِنِ والمُسِيءِ، المُسْتَقِرِّ قُبْحُهُ في فِطَرِ العالَمِينَ كُلِّهِمْ، ولا كانَ هُنا حُكْمٌ سَيِّئٌ في نَفْسِهِ يُنْكَرُ عَلى مَن حَكَمَ بِهِ. * (فائدة) وَقَرَأ تَمِيمٌ الدّارِيُّ لَيْلَةً سُورَةَ الجاثِيَةِ، فَلَمّا أتى عَلى هَذِهِ الآيَةِ ﴿أمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أنْ نَجْعَلَهم كالَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ﴾ جَعَلَ يُرَدِّدُها ويَبْكِي حَتّى أصْبَحَ. وَقالَ أبُو عُبَيْدَةَ عامِرُ بْنُ الجَرّاحِ: ودِدْتُ أنِّي كَبْشٌ فَذَبَحَنِي أهْلِي، وأكَلُوا لَحْمِي وحَسُوا مَرَقِي. وهَذا بابٌ يَطُولُ تَتَبُّعُهُ. قالَ البُخارِيُّ في صَحِيحِهِ: بابُ خَوْفِ المُؤْمِنِ أنْ يُحْبَطَ عَمَلُهُ وهو لا يَشْعُرُ. وَقالَ إبْراهِيمُ التَّيْمِيُّ: ما عَرَضْتُ قَوْلِي عَلى عَمَلِي إلّا خَشِيتُ أنْ أكُونَ مُكَذِّبًا. وَقالَ ابْنُ أبِي مُلَيْكَةَ: أدْرَكْتُ ثَلاثِينَ مِن أصْحابِ النَّبِيِّ ﷺ كُلُّهم يَخافُ النِّفاقَ عَلى نَفْسِهِ، ما مِنهم أحَدٌ يَقُولُ: إنَّهُ عَلى إيمانِ جِبْرِيلَ ومِيكائِيلَ. وَيُذْكَرُ عَنِ الحَسَنِ: ما خافَهُ إلّا مُؤْمِنٌ، ولا أمِنَهُ إلّا مُنافِقٌ. وَكانَ عُمَرُ بْنُ الخَطّابِ يَقُولُ لِحُذَيْفَةَ: أنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ سَمّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، يَعْنِي في المُنافِقِينَ، فَيَقُولُ: لا، ولا أُزَكِّي بَعْدَكَ أحَدًا. فَسَمِعْتُ شَيْخَنا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يَقُولُ: لَيْسَ مُرادُهُ لا أُبْرِئُ غَيْرَكَ مِنَ النِّفاقِ، بَلِ المُرادُ لا أفْتَحُ عَلى نَفْسِي هَذا البابَ، فَكُلُّ مَن سَألَنِي هَلْ سَمّانِي لَكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ فَأُزَكِّيهِ. قُلْتُ: وقَرِيبٌ مِن هَذا «قَوْلُ النَّبِيِّ ﷺ لِلَّذِي سَألَهُ أنْ يَدْعُوَ لَهُ أنْ يَكُونَ مِنَ السَّبْعِينَ ألْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ: سَبَقَكَ بِها عُكاشَةُ». وَلَمْ يُرِدْ أنَّ عُكاشَةَ وحْدَهُ أحَقُّ بِذَلِكَ مِمَّنْ عَداهُ مِنَ الصَّحابَةِ، ولَكِنْ لَوْ دَعا لَقامَ آخَرُ وآخَرُ وانْفَتَحَ البابُ، ورُبَّما قامَ مَن لَمْ يَسْتَحِقَّ أنْ يَكُونَ مِنهُمْ، فَكانَ الإمْساكُ أوْلى، واللَّهُ أعْلَمُ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب