الباحث القرآني

اعلم أن الله سُبْحانَهُ جعل الجنَّة دار جَزاء وثواب، وقسم منازلها بَين أهلها على قدر أعمالهم، وعَلى هَذا خلقها سُبْحانَهُ لما لَهُ في ذَلِك من الحِكْمَة الَّتِي اقتضتها اسماؤه وصِفاته فإن الجنَّة دَرَجات بَعْضها فَوق بعض وبَين الدرجتين كَما بَين السَّماء والأرض كَما في الصَّحِيح عَن النَّبِي أنه قالَ أن الجنَّة مائَة دَرَجَة بَين كل دَرَجَتَيْنِ كَما بَين السَّماء والأرض وحِكْمَة الرب سُبْحانَهُ مقتضية لعمارة هَذِه الدَّرَجات كلها وإنَّما تعمر ويَقَع التَّفاوُت فِيها بِحَسب الأعمال كَما قالَ غير واحِد من السّلف ينجون من النّار بِعَفْو الله ومغفرته ويدخلون الجنَّة بفضله ونعمته ومغفرته ويتقاسمون المنازل بأعمالهم وعَلى هَذا حمل غير واحِد ما جاءَ من إثْبات دُخُول الجنَّة بالأعمال كَقوله تَعالى: ﴿وَتلك الجنَّة الَّتِي أورثتموها بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ وَقوله تَعالى: ﴿ادخُلُوا الجنَّة بِما كُنْتُم تَعْمَلُونَ﴾ قالُوا وأما نفي دخولها بالأعمال كَما في قَوْله "لن يدْخل الجنَّة أحد بِعَمَلِهِ قالُوا ولا أنت يا رَسُول الله قالَ ولا أنا" فالمُراد بِهِ نفي أصل الدُّخُول وأحسن من هَذا أن يُقال الباء المُقْتَضِيَة للدخول غير الباء الَّتِي نفى مَعها الدُّخُول فالمقتضية هي باء السَّبَبِيَّة الدّالَّة على أن الأعمال سَبَب للدخول مقتضية لَهُ كاقتضاء سائِر الأسباب لمسبباتها والباء الَّتِي نفى بها الدُّخُول هي باء المُعاوضَة والمقابلة الَّتِي في نَحْو قَوْلهم اشْتريت هَذا بِهَذا فَأخْبر النَّبِي أن دُخُول الجنَّة لَيْسَ في مُقابلَة عمل أحد وأنه لَوْلا تغمد الله سُبْحانَهُ لعَبْدِهِ برحمته لما أدخلهُ الجنَّة فَلَيْسَ عمل العَبْد وإن تناهى مُوجبا بِمُجَرَّدِهِ لدُخُول الجنَّة ولا عوضا لَها، فَإن أعماله وإن وقعت مِنهُ على الوَجْه الَّذِي يُحِبهُ الله ويرضاه فَهي لا تقاوم نعْمَة الله الَّتِي أنْعم بها عَلَيْهِ في دار الدُّنْيا ولا تعادلها، بل لَو حاسبه لوقعت أعماله كلها في مُقابلَة اليَسِير من نعمه، وتبقى بَقِيَّة النعم مقتضية لشكرها، فَلَو عذبه في هَذِه الحالة لعذبه وهو غير ظالِم لَهُ، ولَو رَحمَه لكانَتْ رَحمته خيرا لَهُ من عمله. كَما في السّنَن من حَدِيث زيد بن ثابت وحُذَيْفَة وغَيرهما مَرْفُوعا إلى النَّبِي أنه قالَ: "إن الله لَو عذب أهل سماواته وأهل أرضه لعذبهم وهو غير ظالِم لَهُم، ولَو رَحِمهم لكانَتْ رَحمته خيرا لَهُم من أعمالهم" والمَقْصُود أن حكمته سُبْحانَهُ اقْتَضَت خلق الجنَّة دَرَجات بَعْضها فَوق بعض، وعمارتها بِآدَم وذريته وإنْزالهمْ فِيها بِحَسب أعمالهم، ولازم هَذا إنزالهم إلى دار العَمَل والمجاهدة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب