الباحث القرآني

فَأخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ مَن عَشِيَ عَنْ ذِكْرِهِ، وهو كِتابُهُ الَّذِي أنْزَلَ عَلى رَسُولِهِ، فَأعْرَضَ عَنْهُ، وعَمِيَ عَنْهُ، وعَشَتْ بَصِيرَتُهُ عَنْ فَهْمِهِ وتَدَبُّرِهِ ومَعْرِفَةِ مُرادِ اللَّهِ مِنهُ - قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ شَيْطانًا عُقُوبَةً لَهُ بِإعْراضِهِ عَنْ كِتابِهِ، فَهو قَرِينُهُ الَّذِي لا يُفارِقُهُ في الإقامَةِ ولا في المَسِيرِ، ومَوْلاهُ وعَشِيرُهُ الَّذِي هو بِئْسَ المَوْلى وبِئْسَ العَشِيرُ. ؎رَضِيعا لِبانِ ثَدْيِ أُمٍّ تَقاسَما ∗∗∗ بِأسْحَمَ داجٍ عَوْضُ لا نَتَفَرَّقُ ثُمَّ أخْبَرَ سُبْحانَهُ أنَّ الشَّيْطانَ يَصُدُّ قَرِينَهُ ووَلِيَّهُ عَنْ سَبِيلِهِ المُوَصِّلِ إلَيْهِ وإلى جَنَّتِهِ، ويَحْسَبُ هَذا الضّالُّ المَصْدُودُ أنَّهُ عَلى طَرِيقِ هُدًى، حَتّى إذا جاءَ القَرِينانِ يَوْمَ القِيامَةِ يَقُولُ أحَدُهُما لِلْآخَرِ: ﴿يالَيْتَ بَيْنِي وبَيْنَكَ بُعْدَ المَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ القَرِينُ﴾ كُنْتَ لِي في الدُّنْيا، أضْلَلْتَنِي. * (فائدة) قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكم في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ فقطع الله سبحانه انتفاعهم بتأسي بعضهم ببعض في العذاب، فإن مصائب الدنيا إذا عمت صارت مسلاة، وتأسى بعض المصابين ببعض كما قالت الخنساء: ؎وَلَوْلا كَثْرَةُ الباكِينَ حَوْلِي ∗∗∗ عَلى إخْوانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي ؎وَما يَبْكُونَ مِثْلَ أخِي ولَكِنْ ∗∗∗ أُعَزِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأسِّي فهذا الروح الحاصل من التأسي معدوم بين المشتركين في العذاب يوم القيامة. (فائِدَة جليلة) إذا أصبح العَبْد وأمسى ولَيْسَ همه إلّا الله وحده تحمل الله سُبْحانَهُ حَوائِجه كلها وحمل عَنهُ كل ما أهمه وفرغ قلبه لمحبته ولسانه لذكره وجوارحه لطاعته وإن أصبح وأمسى والدُّنْيا همه حمله الله همومها وغمومها وأنكادها ووكله إلى نَفسه فشغل قلبه عَن محبته بمحبة الخلق ولسانه عَن ذكره بذكرهم وجوارحه عَن طاعَته بخدمتهم وأشغالهم فَهو يكدح كدح الوَحْش في خدمَة غَيره كالكير ينْفخ بَطْنه ويعصر أضلاعه في نفع غَيره لكل من أعرض عَن عبودية الله وطاعته ومحبته بلي بعبودية لمخلوق ومحبته وخدمته قالَ تَعالى ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا فَهو لَهُ قَرِينٌ﴾ قالَ سُفْيان بن عُيَيْنَة لا تأتون بِمثل مَشْهُور للْعَرَب إلّا جِئتُكم بِهِ من القُرْآن. فَقالَ لَهُ قائِل فَأيْنَ في القُرْآن أعْط أخاك تَمْرَة فَإن لم يقبل فأعطه جَمْرَة فَقالَ في قَوْله ﴿وَمَن يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطانًا﴾ الآيَة. عَنِ الهُدى بَعْدَ إذْ جاءَنِي، وصَدَدْتَنِي عَنِ الحَقِّ وأغْوَيْتَنِي حَتّى هَلَكْتُ، وبِئْسَ القَرِينُ أنْتَ لِي اليَوْمَ. وَلَمّا كانَ المُصابُ إذا شارَكَهُ غَيْرُهُ في مُصِيبَةٍ، حَصَلَ لَهُ بِالتَّأسِّي نَوْعُ تَخْفِيفٍ وتَسْلِيَةٍ، أخْبَرَ اللَّهُ سُبْحانَهُ أنَّ هَذا غَيْرُ مَوْجُودٍ وغَيْرُ حاصِلٍ في حَقِّ المُشْتَرِكِينَ في العَذابِ، وأنَّ القَرِينَ لا يَجِدُ راحَةً ولا أدْنى فَرَحٍ بِعَذابِ قَرِينِهِ مَعَهُ، وإنْ كانَتِ المَصائِبُ في الدُّنْيا إذا عَمَّتْ صارَتْ مَسْلاةً. فَمَنَعَ اللَّهُ سُبْحانَهُ هَذا القَدْرَ مِنَ الرّاحَةِ عَلى أهْلِ النّارِ فَقالَ: ﴿وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ اليَوْمَ إذْ ظَلَمْتُمْ أنَّكم في العَذابِ مُشْتَرِكُونَ﴾ [الزخرف: ٣٩]
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب