الباحث القرآني
فمدحهم بقوتهم على الانتصار لنفوسهم وتقاضيهم منها ذلك حتى إذا قدروا على من بغي عليهم، وتمكنوا من استيفاء ما لهم عليه ندبهم إلى الخلق الشريف من العفو والصفح فقال ﴿وجَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَن عَفا وأصْلَحَ فَأجْرُهُ عَلى اللَّهِ إنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ﴾.
فذكر المقامات الثلاثة العدل وأباحه والفضل وندب إليه، والظلم وحرمه.
فإن قيل، فكيف مدحهم على الانتصار والعفو وهما متنافيان.
قيل: لم يمدحهم على الاستيفاء والانتقام، وإنما مدحهم على الانتصار وهو القدرة والقوة على استيفاء حقهم، فلما قدروا ندبهم إلى العفو.
قال بعض السلف في هذه الآية كانوا يكرهون أن يستذلوا فإذا قدروا عفوا، فمدحهم على عفو بعد قدرة لا على عفو ذل وعجز ومهانة، وهذا هو الكمال الذي مدح سبحانه به نفسه في قوله: وكانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا، واللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
وفي أثر معروف: حملة العرش أربعة اثنان يقولان: سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على حلمك بعد علمك، واثنان يقولان سبحانك اللهم ربنا وبحمدك لك الحمد على عفوك بعد قدرتك.
ولهذا قال المسيح صلوات اللّه وسلامه عليه: ﴿إنْ تُعَذِّبْهم فَإنَّهم عِبادُكَ وإنْ تَغْفِرْ لَهم فَإنَّكَ أنْتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ﴾
أي إن غفرت لهم غفرت عن عزة وهي كمال القدرة وحكمة وهي كمال العلم فغفرت بعد أن علمت ما عملوا وأحاطت بهم قدرتك إذ المخلوق قد يغفر بعجزه عن الانتقام وجهله بحقيقة ما صدر من المسي ء والعفو عن المخلوق ظاهره ضيم وذل وباطنه عز ومهانة.
وانتقام ظاهره عز، وباطنه ذل، فما زاد اللّه بعفو الأعز ولا انتقم أحد لنفسه إلا ذلك ولو لم يكن إلا بفوات عز العفو.
ولهذا ما انتقم رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم لنفسه قط.
وتأمل قوله سبحانه: ﴿هم يَنْتَصِرُونَ﴾ كيف يفهم منه أن فيهم من القوة ما يكونون هم بها المنتصرين لأنفسهم، لا أن غيرهم هو الذي ينصرهم.
ولما كان الانتصار لا تقف النفوس فيه على حد العدل غالبا بل لا بدّ من المجاوزة شرع فيه سبحانه المماثلة والمساواة وحرم الزيادة وندب إلى العفو.
والمقصود أن العفو من أخلاق النفس المطمئنة والذل من أخلاق الأمارة ونكتة المسألة أن الانتقام شيء، والانتصار شيء، فالانتصار أن ينتصر لحق اللّه ومن أجله.
ولا يقوى على ذلك إلا من تخلص من ذل حظه ورق هواها، فإنه حينئذ ينال خطأ من العز الذي قسم اللّه المؤمنين فإذا بغى عليه انتصر من الباغي من أجل عز اللّه الذي أعزه به غيره على ذلك العز أن يستضام ويقهر، وحمية للعبد المنسوب إلى العزيز الحميد أن يستذل، فهو يقول للباغي عليه أنا مملوك من لا يذل مملوكه، ولا يجب أن يذله أحد.
وإذا كانت نفسه الأمّارة قائمة على أصولها لم تحب بعد طلبه إلا الانتقام والانتصار لحظها وظفرها بالباغي تشفيا فيه وإذلالا له.
وأما النفس التي خرجت من ذل حظها ورق هواها إلى عز توحيدها وإنابتها إلى ربها فإذا نالها البغي قامت بالانتصار حمية ونصرة للعز الذي أعزها اللّه به ونالته منه وهو في الحقيقة حمية لربها ومولاها. وقد ضرب لذلك مثلا بعبدين من عبيد الغلة حراثين ضرب.
أحدهما: صاحبه فعفا المضروب عن الضارب نصحا منه لسيده وشفقة على الضارب أن يعاقبه السيد فلم يجشم سيده خلعه عقوبته وإفساده بالضرب، فشكر العافي على عفوه ووقع منه بموقع.
وعبد آخر قد أقامه بين يديه وجمله وألبسه ثيابا يقف بها بين يديه فعمد بعض سواس الدواب وأضرابهم ولطخ تلك الثياب بالعذرة أو مزقها فلو عفا عمن فعل به ذلك لم يوافق عفوه رأي سيد ولا محبته، وكان الانتصار أحب إليه وأوفق كأنه يقول: إنما فعل هذا بك جرأة علي واستخفافا بسلطاني، فإذا مكنه من عقوبته فأذله وقهره ولم يبق إلى أن يبطش به فذل وانكسر قلبه فإن سيده يحب منه أن لا يعاقبه لحظة، وأن يأخذ منه حق السيد، فيكون انتصاره حينئذ لمحض حق سيده لا لنفسه.
كما روي عن علي رضي اللّه عنه أنه مر برجل فاستغاث به وقال: هذا منعني حقي ولم يعطني إياه، فقال: أعطه حقه، فلما جاوزهما لج الظالم ولطم صاحب الحق، فاستغاث بعلي فرجع وقال: أتلك الغوث، فقال له استقد منه فقال: قد عفوت يا أمير المؤمنين فضربه على تسع درر وقال قد عفا عنك من لطمته.
وهذا حق السلطان فعاقبة علي لما اجترأ على سلطان اللّه، ولم يدعه.
ويشبه هذا قصة الرجل الذي جاء إلى أبي بكر رضي اللّه عنه فقال احملني فواللّه لأنا افرس منك ومن ابنك المغيرة بن شعبة فحسر عن ذراعه وصك بها أنف الرجل فسال الدم، فجاء قومه إلى أبي بكر رضي اللّه عنه فقالوا: أقدنا من المغيرة، فقال: أنا أقيدكم من وزعة اللّه؟ لا أقيدكم منه.
فرأى أبو بكر أن ذلك انتصارا من المغيرة وحمية للّه، وللعز الذي أعز به خليفة رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم ليتمكن بذلك العز من حسن خلافته وإقامة دينه، فترك قوده لاجترائه على عز اللّه وسلطانه الذي أعز به رسوله ودينه وخليفته، فهذا لون والضرب حمية للنفس الأمّارة لون.
{"ayah":"وَٱلَّذِینَ إِذَاۤ أَصَابَهُمُ ٱلۡبَغۡیُ هُمۡ یَنتَصِرُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق