الباحث القرآني
أي أن القُرْآن حق، فَأخْبر أنّه لا بُد من أن يُرِيهم من آياته المشهودة ما يبيّن لَهُم أن آياته المتلوّة حق.
ثمَّ أخبر بكفاية شَهادَته على صِحَة خَبره بِما أقامَ من الدَّلائِل والبراهين على صدق رَسُوله فآياته شاهدة بصدقه وهو شاهد بِصدق رَسُوله بآياته وهو الشّاهِد والمشهود لَهُ، وهو الدَّلِيل والمدلول عَلَيْهِ.
فَهُوَ الدَّلِيل بِنَفسِهِ على نَفسه، كَما قالَ بعض العارفين:
كَيفَ أطلب الدَلِيل على من هو دَلِيل على كل شَيْء، فَأي دَلِيل طلبته عَلَيْهِ فَوُجُودُهُ أظهر مِنهُ.
وَلِهَذا قالَ الرُّسُل لقومهم ﴿أفِي اللَّهِ شَكّ﴾ فَهو أعرف من كل مَعْرُوف، وأبين من كل دَلِيل، فالأشياء عُرفت بِهِ في الحَقِيقَة، وإن كانَ عُرف بها في النّظر والِاسْتِدْلال بأفعاله وأحْكامه عَلَيْهِ.
* (فصل)
أخْبَرَ سُبْحانَهُ - وخَبَرُهُ الصِّدْقُ، وقَوْلُهُ الحَقُّ - أنَّهُ لابُدَّ أنْ يَرى العِبادُ مِنَ الآياتِ الأُفُقِيَّةِ والنَّفْسِيَّةِ ما يُبَيِّنُ لَهم أنَّ الوَحْيَ الَّذِي بَلَّغَتْهُ رُسُلُهُ حَقٌّ، فَقالَ تَعالى ﴿سَنُرِيهِمْ آياتِنا في الآفاقِ وفي أنْفُسِهِمْ حَتّى يَتَبَيَّنَ لَهم أنَّهُ الحَقُّ﴾ [فصلت: ٥٣] أيِ القُرْآنُ، فَإنَّهُ هو المُتَقَدِّمُ في قَوْلِهِ: ﴿قُلْ أرَأيْتُمْ إنْ كانَ مِن عِنْدِ اللَّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ﴾ [فصلت: ٥٢]
ثُمَّ قالَ: ﴿أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ﴾ [فصلت: ٥٣] فَشَهِدَ سُبْحانَهُ لِرَسُولِهِ بِقَوْلِهِ: أنَّ ما جاءَ بِهِ حَقٌّ، ووَعَدَهُ أنْ يُرِيَ العِبادَ مِن آياتِهِ الفِعْلِيَّةِ الخَلْقَيَّةِ ما يَشْهَدُ بِذَلِكَ أيْضًا، ثُمَّ ذَكَرَ ما هو أعْظَمُ مِن ذَلِكَ وأجَلُّ، وهو شَهادَتُهُ سُبْحانَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ.
فَإنَّ مِن أسْمائِهِ الشَّهِيدَ الَّذِي لا يَغِيبُ عَنْهُ شَيْءٌ، ولا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقالُ ذَرَّةٍ في الأرْضِ ولا في السَّماءِ، بَلْ هو مُطَّلِعٌ عَلى كُلِّ شَيْءٍ مُشاهِدٌ لَهُ، عَلِيمٌ بِتَفاصِيلِهِ، وهَذا اسْتِدْلالٌ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ، والأوَّلُ اسْتِدْلالٌ بِقَوْلِهِ وكَلِماتِهِ، والِاسْتِدْلالُ بِالآياتِ الأُفُقِيَّةِ والنَّفْسِيَّةِ اسْتِدْلالٌ بِأفْعالِهِ ومَخْلُوقاتِهِ.
فَإنْ قُلْتَ: قَدْ فَهِمْتُ الِاسْتِدْلالَ بِكَلِماتِهِ والِاسْتِدْلالَ بِمَخْلُوقاتِهِ، فَبَيِّنْ لِي كَيْفِيَّةَ الِاسْتِدْلالِ بِأسْمائِهِ وصِفاتِهِ، فَإنَّ ذَلِكَ أمْرٌ لا عَهْدَ لَنا بِهِ في تَخاطُبِنا وكُتُبِنا.
قُلْتُ: أجَلْ! هو لَعَمْرُ اللَّهِ كَما ذَكَرْتَ، وشَأْنُهُ أجَلُّ وأعْلى، فَإنَّ الرَّبَّ تَعالى هو المَدْلُولُ عَلَيْهِ، وآياتُهُ هي الدَّلِيلُ والبُرْهانُ.
فاعْلَمْ أنَّ اللَّهَ سُبْحانَهُ في الحَقِيقَةِ هو الدّالُّ عَلى نَفْسِهِ بِآياتِهِ، فَهو الدَّلِيلُ لِعِبادِهِ في الحَقِيقَةِ بِما نَصَبَهُ لَهم مِنَ الدَّلالاتِ والآياتِ، وقَدْ أوْدَعَ في الفِطَرِ الَّتِي لَمْ تَتَنَجَّسْ بِالتَّعْطِيلِ والجُحُودِ: أنَّهُ سُبْحانَهُ الكامِلُ في أسْمائِهِ وصِفاتِهِ، وأنَّهُ المَوْصُوفُ بِكُلِّ كَمالٍ، المُنَزَّهُ عَنْ كُلِّ عَيْبٍ ونَقْصٍ، فالكَمالُ كُلُّهُ، والجَمالُ والجَلالُ والبَهاءُ، والعِزَّةُ والعَظَمَةُ والكِبْرِياءُ: كُلُّهُ مِن لَوازِمِ ذاتِهِ، يَسْتَحِيلُ أنْ يَكُونَ عَلى غَيْرِ ذَلِكَ، فالحَياةُ كُلُّها لَهُ، والعِلْمُ كُلُّهُ لَهُ، والقُدْرَةُ كُلُّها لَهُ، والسَّمْعُ والبَصَرُ والإرادَةُ، والمَشِيئَةُ والرَّحْمَةُ والغِنى، والجُودُ والإحْسانُ والبِرُّ، كُلُّهُ خاصُّ لَهُ قائِمٌ بِهِ، وما خَفِيَ عَلى الخَلْقِ مِن كَمالِهِ أعْظَمُ وأعْظَمُ مِمّا عَرَفُوهُ مِنهُ، بَلْ لا نِسْبَةَ لِما عَرَفُوهُ مِن ذَلِكَ إلى ما لَمْ يَعْرِفُوهُ.
وَمِن كَمالِهِ المُقَدَّسِ: اطِّلاعُهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وشَهادَتُهُ عَلَيْهِ، بِحَيْثُ لا يَغِيبُ عَنْهُ وجْهٌ مِن وُجُوهِ تَفاصِيلِهِ، ولا ذَرَّةٌ مِن ذَرّاتِهِ، باطِنًا وظاهِرًا، ومَن هَذا شَأْنُهُ: كَيْفَ يَلِيقُ بِالعِبادِ أنْ يُشْرِكُوا بِهِ، وأنْ يَعْبُدُوا مَعَهُ غَيْرَهُ؟ وأنْ يَجْعَلُوا مَعَهُ إلَهًا آخَرَ؟ وكَيْفَ يَلِيقُ بِكَمالِهِ أنْ يُقِرَّ مَن يَكْذِبُ عَلَيْهِ أعْظَمَ الكَذِبِ، ويُخْبِرُ عَنْهُ بِخِلافِ ما الأمْرُ عَلَيْهِ، ثُمَّ يَنْصُرُهُ عَلى ذَلِكَ ويُؤَيِّدُهُ، ويُعْلِي كَلِمَتَهُ، ويَرْفَعُ شَأْنَهُ، ويُجِيبُ دَعْوَتَهُ، ويُهْلِكُ عَدُوَّهُ، ويُظْهِرُ عَلى يَدَيْهِ مِنَ الآياتِ والبَراهِينِ والأدِلَّةِ ما تَعْجِزُ عَنْ مِثْلِهِ قُوى البَشَرِ، وهو - مَعَ ذَلِكَ - كاذِبٌ عَلَيْهِ مُفْتَرٍ، ساعٍ في الأرْضِ بِالفَسادِ؟ ومَعْلُومٌ أنَّ شَهادَتَهُ سُبْحانَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وقُدْرَتَهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ، وحِكْمَتُهُ وعِزَّتُهُ وكَمالُهُ المُقَدَّسُ يَأْبى ذَلِكَ كُلَّ الإباءِ، ومَن ظَنَّ ذَلِكَ بِهِ، وجَوَّزَهُ عَلَيْهِ؛ فَهو مِن أبْعَدِ الخَلْقِ مِن مَعْرِفَتِهِ، وإنْ عُرِفَ مِنهُ بَعْضُ صِفاتِهِ، كَصِفَةِ القُدْرَةِ وصِفَةِ المَشِيئَةِ.
والقُرْآنُ مَمْلُوءٌ مِن هَذِهِ الطَّرِيقِ، وهي طَرِيقُ الخاصَّةِ، بَلْ خاصَّةُ الخاصَّةِ هم الَّذِينَ يَسْتَدِلُّونَ بِاللَّهِ عَلى أفْعالِهِ، وما يَلِيقُ بِهِ أنْ يَفْعَلَهُ وما لا يَفْعَلُهُ.
{"ayah":"سَنُرِیهِمۡ ءَایَـٰتِنَا فِی ٱلۡـَٔافَاقِ وَفِیۤ أَنفُسِهِمۡ حَتَّىٰ یَتَبَیَّنَ لَهُمۡ أَنَّهُ ٱلۡحَقُّۗ أَوَلَمۡ یَكۡفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُۥ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ شَهِیدٌ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق