الباحث القرآني
* [فَصْلٌ مَنزِلَةُ التَّفْوِيضِ]
وَمِن مَنازِلِ: ﴿إيّاكَ نَعْبُدُ وإيّاكَ نَسْتَعِينُ﴾ مَنزِلَةُ التَّفْوِيضِ.
قالَ صاحِبُ " المَنازِلِ ":
وَهُوَ ألْطَفُ إشارَةً، وأوْسَعُ مَعْنًى مِنَ التَّوَكُّلِ، فَإنَّ التَّوَكُّلَ بَعْدَ وُقُوعِ السَّبَبِ، والتَّفْوِيضُ قَبْلَ وُقُوعِهِ وبَعْدَهُ. وهو عَيْنُ الِاسْتِسْلامِ. والتَّوَكُّلُ شُعْبَةٌ مِنهُ.
يَعْنِي أنَّ المُفَوِّضَ يَتَبَرَّأُ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ، ويُفَوِّضُ الأمْرَ إلى صاحِبِهِ، مِن غَيْرِ أنْ يُقِيمَهُ مَقامَ نَفْسِهِ في مَصالِحِهِ. بِخِلافَ التَّوَكُّلِ. فَإنَّ الوِكالَةَ تَقْتَضِي أنْ يَقُومَ الوَكِيلُ مَقامَ المُوَكِّلِ.
فالتَّفْوِيضُ: بَراءَةٌ وخُرُوجٌ مِنَ الحَوْلِ والقُوَّةِ، وتَسْلِيمُ الأمْرِ كُلِّهِ إلى مالِكِهِ.
فَيُقالُ: وكَذَلِكَ التَّوَكُّلُ أيْضًا. وما قَدَحْتُمْ بِهِ في التَّوَكُّلِ يَرِدُ عَلَيْكم نَظِيرُهُ في التَّفْوِيضِ سَواءٌ.
فَإنَّكَ كَيْفَ تُفَوِّضُ شَيْئًا لا تَمْلِكُهُ ألْبَتَّةَ إلى مالِكِهِ؟ وهَلْ يَصِحُّ أنْ يُفَوِّضَ واحِدٌ مِن آحادِ الرَّعِيَّةِ المُلْكَ إلى مَلِكِ زَمانِهِ؟
فالعِلَّةُ إذَنْ في التَّفْوِيضِ أعْظَمُ مِنها في التَّوَكُّلِ. بَلْ لَوْ قالَ القائِلُ: التَّوَكُّلُ فَوْقَ التَّفْوِيضِ وأجَلُّ مِنهُ وأرْفَعُ، لَكانَ مُصِيبًا. ولِهَذا كانَ القُرْآنُ مَمْلُوءًا بِهِ أمْرًا، وإخْبارًا عَنْ خاصَّةِ اللَّهِ وأوْلِيائِهِ، وصَفْوَةِ المُؤْمِنِينَ، بِأنَّ حالَهُمُ التَّوَكُّلُ. وأمَرَ اللَّهُ بِهِ رَسُولَهُ في أرْبَعَةِ مَواضِعَ مِن كِتابِهِ، وسَمّاهُ المُتَوَكِّلَ كَما في صَحِيحِ البُخارِيِّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُما قالَ: قَرَأْتُ في التَّوْراةِ صِفَةَ النَّبِيِّ ﷺ: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ، سَمَّيْتُهُ المُتَوَكِّلَ، لَيْسَ بِفَظٍّ، ولا غَلِيظٍ، ولا سَخّابٍ بِالأسْواقِ.
وَأخْبَرَ عَنْ رُسُلِهِ بِأنَّ حالَهم كانَ التَّوَكُّلَ. وبِهِ انْتَصَرُوا عَلى قَوْمِهِمْ. وأخْبَرَ النَّبِيُّ ﷺ عَنِ السَّبْعِينَ ألْفًا الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسابٍ أنَّهم أهْلُ مَقامِ التَّوَكُّلِ.
وَلَمْ يَجِئِ التَّفْوِيضُ في القُرْآنِ إلّا فِيما حَكاهُ عَنْ مُؤْمِنِ آلِ فِرْعَوْنَ مِن قَوْلِهِ: ﴿وَأُفَوِّضُ أمْرِي إلى اللَّهِ﴾ [غافر: ٤٤].
وَقَدْ أمَرَ اللَّهُ رَسُولَهُ ﷺ بِأنْ يَتَّخِذَهُ وكِيلًا. فَقالَ: ﴿رَبُّ المَشْرِقِ والمَغْرِبِ لا إلَهَ إلّا هو فاتَّخِذْهُ وكِيلًا﴾ [المزمل: ٩].
وَهَذا يُبْطِلُ قَوْلَ مَن قالَ مِن جَهَلَةِ القَوْمِ: إنَّ تَوْكِيلَ الرَّبِّ فِيهِ جَسارَةٌ عَلى البارِّي؛ لِأنَّ التَّوَكُّلَ يَقْتَضِي إقامَةَ الوَكِيلِ مَقامَ المُوَكِّلِ. وذَلِكَ عَيْنُ الجَسارَةِ.
قالَ: ولَوْلا أنَّ اللَّهَ أباحَ ذَلِكَ ونَدَبَ إلَيْهِ: لَما جازَ لِلْعَبْدِ تَعاطِيهِ.
وَهَذا مِن أعْظَمِ الجَهْلِ. فَإنَّ اتِّخاذَهُ وكِيلًا هو مَحْضُ العُبُودِيَّةِ، وخالِصُ التَّوْحِيدِ،
إذا قامَ بِهِ صاحِبُهُ حَقِيقَةً.
وَلِلَّهِ دَرُّ سَيِّدِ القَوْمِ، وشَيْخِ الطّائِفَةِ سَهْلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ التُّسْتَرِيِّ؛ إذْ يَقُولُ: العِلْمُ كُلُّهُ بابٌ مِنَ التَّعَبُّدِ. والتَّعَبُّدُ كُلُّهُ بابٌ مِنَ الوَرَعِ. والوَرَعُ كُلُّهُ بابٌ مِنَ الزُّهْدِ، والزُّهْدُ كُلُّهُ بابٌ مِنَ التَّوَكُّلِ.
فالَّذِي نَذْهَبُ إلَيْهِ: أنَّ التَّوَكُّلَ أوْسَعُ مِنَ التَّفْوِيضِ، وأعْلى وأرْفَعُ.
[التَّفْوِيضُ أعَمُّ مِنَ التَّوَكُّلِ]
قَوْلُهُ: فَإنَّ التَّوَكُّلَ بَعْدَ وُقُوعِ السَّبَبِ، والتَّفْوِيضِ قَبْلَ وُقُوعِهِ وبَعْدَهُ.
يَعْنِي بِالسَّبَبِ: الِاكْتِسابَ. فالمُفَوَّضُ قَدْ فَوَّضَ أمْرَهُ إلى اللَّهِ قَبْلَ اكْتِسابِهِ وبَعْدَهُ. والمُتَوَكِّلُ قَدْ قامَ بِالسَّبَبِ. وتَوَكَّلَ فِيهِ عَلى اللَّهِ. فَصارَ التَّفْوِيضُ أوْسَعُ.
فَيُقالُ: والتَّوَكُّلُ قَدْ يَكُونُ قَبْلَ السَّبَبِ ومَعَهُ وبَعْدَهُ. فَيَتَوَكَّلُ عَلى اللَّهِ أنْ يُقِيمَهُ في سَبَبٍ يُوَصِّلُهُ إلى مَطْلُوبِهِ. فَإذا قامَ بِهِ تَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ حالَ مُباشَرَتِهِ. فَإذا أتَمَّهُ تَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ في حُصُولِ ثَمَراتِهِ. فَيَتَوَكَّلُ عَلى اللَّهِ قَبْلَهُ، ومَعَهُ، وبَعْدَهُ.
فَعَلى هَذا: هو أوْسَعُ مِنَ التَّفْوِيضِ عَلى ما ذَكَرَ.
قَوْلُهُ: وهو عَيْنُ الِاسْتِسْلامِ؛ أيِ التَّفْوِيضُ عَيْنُ الِانْقِيادِ بِالكُلِّيَّةِ إلى الحَقِّ سُبْحانَهُ. ولا يُبالِي أكانَ ما يَقْضِي لَهُ الخَيْرَ. أمْ خِلافَهُ؟ والمُتَوَكِّلُ يَتَوَكَّلُ عَلى اللَّهِ في مَصالِحِهِ.
وَهَذا القَدْرُ هو الَّذِي لَحَظَهُ القَوْمُ في هَضْمِ مَقامِ التَّوَكُّلِ، ورَفَعِ مَقامِ التَّفْوِيضِ عَلَيْهِ.
وَجَوابُهُ مِن وجْهَيْنِ.
أحَدُهُما: أنَّ المُفَوِّضَ لا يُفَوِّضُ أمْرَهُ إلى اللَّهِ إلّا لِإرادَتِهِ أنْ يَقْضِيَ لَهُ ما هو خَيْرٌ لَهُ في مَعاشِهِ ومَعادِهِ. وإنْ كانَ المَقْضِيُّ لَهُ خِلافَ ما يَظُنُّهُ خَيْرًا. فَهو راضٍ بِهِ؛ لِأنَّهُ يَعْلَمُ أنَّهُ خَيْرٌ لَهُ. وإنْ خَفِيَتْ عَلَيْهِ جِهَةُ المَصْلَحَةِ فِيهِ. وهَكَذا حالُ المُتَوَكِّلِ سَواءٌ، بَلْ هو أرْفَعُ مِنَ المُفَوِّضِ؛ لِأنَّ مَعَهُ مِن عَمَلِ القَلْبِ ما لَيْسَ مَعَ المُفَوِّضِ. فَإنَّ المُتَوَكِّلَ مُفَوِّضٌ وزِيادَةٌ. فَلا يَسْتَقِيمُ مَقامَ التَّوَكُّلِ إلّا بِالتَّفْوِيضِ. فَإنَّهُ إذا فَوَّضَ أمْرَهُ إلَيْهِ اعْتَمَدَ بِقَلْبِهِ كُلِّهِ عَلَيْهِ بَعْدَ تَفْوِيضِهِ.
وَنَظِيرُ هَذا: أنَّ مَن فَوَّضَ أمَرَهُ إلى رَجُلٍ، وجَعَلَهُ إلَيْهِ. فَإنَّهُ يَجِدُ مِن نَفْسِهِ - بَعْدَ تَفْوِيضِهِ - اعْتِمادًا خاصًّا، وسُكُونًا وطُمَأْنِينَةً إلى المُفَوَّضِ إلَيْهِ أكْثَرَ مِمّا كانَ قَبْلَ التَّفْوِيضِ. وهَذا هو حَقِيقَةُ التَّوَكُّلِ.
الوَجْهُ الثّانِي: أنَّ أهَمَّ مَصالِحِ المُتَوَكِّلِ: حُصُولُ مَراضِي مَحْبُوبِهِ ومَحابِّهِ. فَهو يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ في تَحْصِيلِها لَهُ. فَأيُّ مَصْلَحَةٍ أعْظَمُ مِن هَذِهِ؟
وَأمّا التَّفْوِيضُ: فَهو تَفْوِيضُ حاجاتِ العَبْدِ المَعِيشِيَّةِ وأسْبابِها إلى اللَّهِ. فَإنَّهُ لا يُفَوِّضُ إلَيْهِ مَحابَّهُ. والمُتَوَكِّلُ يَتَوَكَّلُ عَلَيْهِ في مَحابِّهِ.
والوَهْمُ إنَّما دَخَلَ مِن حَيْثُ يَظُنُّ الظّانُّ: أنَّ التَّوَكُّلَ مَقْصُورٌ عَلى مَعْلُومِ الرِّزْقِ، وقُوَّةِ البَدَنِ، وصِحَّةِ الجِسْمِ. ولا رَيْبَ أنَّ هَذا التَّوَكُّلَ ناقِصٌ بِالنِّسْبَةِ إلى التَّوَكُّلِ في إقامَةِ الدِّينِ والدَّعْوَةِ إلى اللَّهِ.
[دَرَجاتُ التَّفْوِيضِ]
[الدَّرَجَةُ الأُولى أنْ يَعْلَمَ أنَّ العَبْدَ لا يَمْلِكُ قَبْلَ عَمَلِهِ اسْتِطاعَةً]
قالَ: وهو عَلى ثَلاثِ دَرَجاتٍ: الأُولى: أنْ يَعْلَمَ أنَّ العَبْدَ لا يَمْلِكُ قَبْلَ عَمَلِهِ اسْتِطاعَةً. فَلا يَأْمَنُ مِن مَكْرٍ، ولا يَيْأسُ مِن مَعُونَةٍ، ولا يُعَوِّلُ عَلى نِيَّةٍ.
أيْ يَتَحَقَّقُ أنَّ اسْتِطاعَتَهُ بِيَدِ اللَّهِ، لا بِيَدِهِ، فَهو مالِكُها دُونَهُ. فَإنَّهُ إنْ لَمْ يُعْطِهِ الِاسْتِطاعَةَ فَهو عاجِزٌ. فَهو لا يَتَحَرَّكُ إلّا بِاللَّهِ، لا بِنَفْسِهِ.
فَكَيْفَ يَأْمَنُ المَكْرَ، وهو مُحَرَّكٌ لا مُحَرِّكٌ؟ يُحَرِّكُهُ مَن حَرَكَتُهُ بِيَدِهِ، فَإنْ شاءَ ثَبَّطَهُ وأقْعَدَهُ مَعَ القاعِدِينَ.
كَما قالَ فِيمَن مَنَعَهُ هَذا التَّوْفِيقَ: ﴿وَلَكِنْ كَرِهَ اللَّهُ انْبِعاثَهم فَثَبَّطَهم وقِيلَ اقْعُدُوا مَعَ القاعِدِينَ﴾ [التوبة: ٤٦].
فَهَذا مَكْرُ اللَّهِ بِالعَبْدِ: أنْ يَقْطَعَ عَنْهُ مَوادَّ تَوْفِيقِهِ. ويُخَلِّي بَيْنَهُ وبَيْنَ نَفْسِهِ، ولا يَبْعَثَ دَواعِيهِ، ولا يُحَرِّكَهُ إلى مِراضَيْهِ ومَحابِّهِ. ولَيْسَ هَذا حَقًّا عَلى اللَّهِ. فَيَكُونُ ظالِمًا بِمَنعِهِ، تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا. بَلْ هو مُجَرَّدُ فَضْلِهِ الَّذِي يُحْمَدُ عَلى بَذْلِهِ لِمَن بَذَلَهُ، وعَلى مَنعِهِ لِمَن مَنعَهُ إيّاهُ. فَلَهُ الحَمْدُ عَلى هَذا وهَذا.
وَمَن فَهِمَ هَذا فَهِمَ بابًا عَظِيمًا مِن سِرِّ القَدَرِ، وانْجَلَتْ لَهُ إشْكالاتٌ كَثِيرَةٌ. فَهو سُبْحانَهُ لا يُرِيدُ مِن نَفْسِهِ فِعْلًا يَفْعَلُهُ بِعَبْدِهِ يَقَعُ مِنهُ ما يُحِبُّهُ ويَرْضاهُ. فَيَمْنَعُهُ فِعْلَ نَفْسِهِ بِهِ، وهو تَوْفِيقُهُ؛ لِأنَّهُ يَكْرَهُهُ، ويَقْهَرُهُ عَلى فِعْلِ مَساخِطِهِ، بَلْ يَكِلُهُ إلى نَفْسِهِ وحَوْلِهِ وقُوَّتِهِ، ويَتَخَلّى عَنْهُ. فَهَذا هو المَكْرُ.
قَوْلُهُ: ولا يَيْأسُ مِن مَعُونَةٍ، يَعْنِي إذا كانَ المُحَرِّكُ لَهُ هو الرَّبُّ جَلَّ جَلالُهُ. وهو أقْدَرُ القادِرِينَ. وهو الَّذِي تَفَرَّدَ بِخَلْقِهِ ورِزْقِهِ. وهو أرْحَمُ الرّاحِمِينَ. فَكَيْفَ يَيْأسُ مِن مَعُونَتِهِ لَهُ؟
قَوْلُهُ: ولا يُعَوِّلُ عَلى نِيَّةٍ، أيْ لا يَعْتَمِدُ عَلى نِيَّتِهِ وعَزْمِهِ، ويَثِقُ بِها. فَإنَّ نِيَّتَهُ وعَزْمَهُ بِيَدِ اللَّهِ تَعالى لا بِيَدِهِ. وهي إلى اللَّهِ لا إلَيْهِ. فَلْتَكُنْ ثِقَتُهُ بِمَن هي في يَدِهِ حَقًّا، لا بِمَن هي جارِيَةٌ عَلَيْهِ حُكْمًا.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ مُعايَنَةُ الِاضْطِرارِ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّانِيَةُ: مُعايَنَةُ الِاضْطِرارِ. فَلا يَرى عَمَلًا مُنْجِيًا، ولا ذَنْبًا مُهْلِكًا، ولا سَبَبًا حامِلًا.
أيْ يُعايِنُ فَقْرَهُ وفاقَتَهُ وضَرُورَتَهُ التّامَّةَ إلى اللَّهِ، بِحَيْثُ إنَّهُ يَرى في كُلِّ ذَرَّةٍ مِن ذَرّاتِهِ الباطِنَةِ والظّاهِرَةِ ضَرُورَةً، وفاقَةً تامَّةً إلى اللَّهِ. فَنَجاتُهُ إنَّما هي بِاللَّهِ لا بِعَمَلِهِ. وأمّا قَوْلُهُ: ولا ذَنْبًا مُهْلِكًا، فَإنْ أرادَ بِهِ: أنَّ هَلاكَهُ بِاللَّهِ لا بِسَبَبِ ذُنُوبِهِ: فَباطِلٌ، مَعاذَ اللَّهِ مِن ذَلِكَ. وإنْ أرادَ بِهِ: أنَّ فَضْلَ اللَّهِ وسَعَتَهُ ومَغْفِرَتَهُ ورَحْمَتَهُ، ومُشاهَدَةَ شِدَّةِ ضَرُورَتِهِ وفاقَتِهِ إلَيْهِ يُوجِبُ لَهُ أنْ لا يَرى ذَنْبًا مُهْلِكًا، فَإنَّ افْتِقارَهُ وفاقَتَهُ وضَرُورَتَهُ تَمْنَعُهُ مِنَ الهَلاكِ بِذُنُوبِهِ، بَلْ تَمْنَعُهُ مِنَ اقْتِحامِ الذُّنُوبِ المُهْلِكَةِ؛ إذْ صاحِبُ هَذا المَقامِ لا يُصِرُّ عَلى ذُنُوبٍ تُهْلِكُهُ. وهَذا حالُهُ - فَهَذا حَقٌّ. وهو مِن مَشاهِدِ أهْلِ المَعْرِفَةِ.
وَقَوْلُهُ: ولا سَبَبًا حامِلًا. أيْ: يَشْهَدُ أنَّ الحامِلَ لَهُ هو الحَقُّ تَعالى، لا الأسْبابُ الَّتِي يَقُومُ بِها. فَإنَّهُ وإيّاها مَحْمُولانِ بِاللَّهِ وحْدَهُ.
* [فَصْلٌ الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ شُهُودُ انْفِرادِ الحَقِّ بِمِلْكِ الحَرَكَةِ والسُّكُونِ]
قالَ: الدَّرَجَةُ الثّالِثَةُ: شُهُودُ انْفِرادِ الحَقِّ بِمِلْكِ الحَرَكَةِ والسُّكُونِ، والقَبْضِ والبَسْطِ، ومَعْرِفَتِهِ بِتَصْرِيفِ التَّفْرِقَةِ والجَمْعِ.
هَذِهِ الدَّرَجَةُ تَتَعَلَّقُ بِشُهُودِ وصْفِ اللَّهِ تَبارَكَ وتَعالى وشَأْنِهِ. والَّتِي قَبْلَها تَتَعَلَّقُ بِشُهُودِ حالِ العَبْدِ ووَصْفِهِ. أيْ يَشْهَدُ حَرَكاتِ العالَمِ وسُكُونَهُ صادِرَةً عَنِ الحَقِّ تَعالى في كُلِّ مُتَحَرِّكٍ وساكِنٍ، فَيَشْهَدُ تَعَلُّقَ الحَرَكَةِ بِاسْمِهِ الباسِطِ وتَعَلُّقَ السُّكُونِ بِاسْمِهِ القابِضِ فَيَشْهَدُ تَفَرُّدَهُ سُبْحانَهُ بِالبَسْطِ والقَبْضِ.
وَأمّا مَعْرِفَتُهُ بِتَصْرِيفِ التَّفْرِقَةِ والجَمْعِ فَأنْ يَكُونَ المُشاهِدُ عارِفًا بِمَواضِعِ التَّفْرِقَةِ والجَمْعِ.
والمُرادُ بِالتَّفْرِقَةِ: نَظَرُ الِاعْتِبارِ، ونِسْبَةُ الأفْعالِ إلى الخَلْقِ.
والمُرادُ بِالجَمْعِ: شُهُودُ الأفْعالِ مَنسُوبَةً إلى مُوجِدِها الحَقِّ تَعالى.
وَقَدْ يُرِيدُونَ بِالتَّفْرِقَةِ والجَمْعِ مَعْنًى وراءَ هَذا الشُّهُودِ. وهو حالُ التَّفْرِقَةِ والجَمْعِ.
فَحالُ التَّفْرِقَةِ: تَفَرُّقُ القَلْبِ في أوْدِيَةِ الإراداتِ وشِعابِها. وحالُ الجَمْعِ: جَمْعِيَّتُهُ عَلى مُرادِ الحَقِّ وحْدَهُ. فالأوَّلُ: عِلْمُ التَّفْرِقَةِ والجَمْعِ. والثّانِي: حالُهُما. واللَّهُ أعْلَمُ.
{"ayah":"فَسَتَذۡكُرُونَ مَاۤ أَقُولُ لَكُمۡۚ وَأُفَوِّضُ أَمۡرِیۤ إِلَى ٱللَّهِۚ إِنَّ ٱللَّهَ بَصِیرُۢ بِٱلۡعِبَادِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق