الباحث القرآني

فَأخْبَرَهم أنَّ الدُّنْيا يُسْتَمْتَعُ بِها إلى غَيْرِها، وأنَّ الآخِرَةَ هي المُسْتَقَرُّ. وَإذا عَرَفْتَ أنَّ لَذّاتِ الدُّنْيا ونَعِيمَها مَتاعٌ، ووَسِيلَةٌ إلى لَذّاتِ الآخِرَةِ، ولِذَلِكَ خُلِقَتِ الدُّنْيا ولَذّاتُها، فَكُلُّ لَذَّةٍ أعانَتْ عَلى لَذَّةِ الآخِرَةِ وأوْصَلَتْ إلَيْها لَمْ يُذَمَّ تَناوُلُها، بَلْ يُحْمَدُ بِحَسَبِ إيصالِها إلى لَذَّةِ الآخِرَةِ. إذا عُرِفَ هَذا فَأعْظَمُ نَعِيمِ الآخِرَةِ ولَذّاتِها: هو النَّظَرُ إلى وجْهِ الرَّبِّ جَلَّ جَلالُهُ، وسَماعُ كَلامِهِ مِنهُ، والقُرْبُ مِنهُ، كَما ثَبَتَ في الصَّحِيحِ في حَدِيثِ الرُّؤْيَةِ: «فَواللَّهِ ما أعْطاهم شَيْئًا أحَبَّ إلَيْهِمْ مِنَ النَّظَرِ إلَيْهِ»، وفي حَدِيثٍ آخَرَ: «إنَّهُ إذا تَجَلّى لَهم ورَأوْهُ؛ نَسُوا ما هم فِيهِ مِنَ النَّعِيمِ». * (فصل) والله سبحانه وتعالى إنما خلق الخلق لدار القرار وجعل اللذة كلها بأسرها فيها كما قال الله تعالى ﴿وَفِيها ما تَشْتَهِيهِ الأنْفُسُ وتَلَذُّ الأعْيُنُ﴾ وقال تعالى ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ﴾ وقال النبي ﷺ "يَقُولُ اللَّهُ تَعالى: أعْدَدْتُ لِعِبادِي الصّالِحِينَ ما لا عَيْنٌ رَأتْ ولا أُذُنٌ سَمِعَتْ ولا خَطَرَ عَلى قَلْبِ بَشَرٍ ذُخْرًا بَلْهَ ما أُطْلِعْتُمْ عَلَيْهِ". أي غير ما اطلعتم عليه. وهذا هو الذي قصده الناصح لقومه الشفيق عليهم حيث قال ﴿يا قَوْمِ اتَّبِعُونِ أهْدِكم سَبِيلَ الرَّشادِ يا قَوْمِ إنَّما هَذِهِ الحَياةُ الدُّنْيا مَتاعٌ وإنَّ الآخِرَةَ هي دارُ القَرارِ﴾ فأخبرهم أن الدنيا متاع يتمتع بها إلى غيرها والآخرة هي المستقر والغاية * فصل: وإذا عرف أن لذات الدنيا ونعيمها متاع ووسيلة إلى لذات الدار الآخرة ولذلك خلقت كما قال النبي ﷺ "الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة " فكل لذة أعانت على لذات الدار الآخرة فهي محبوبة مرضية للرب تعالى فصاحبها يلتذ بها من وجهين من جهة تنعمه وقرة عينه بها ومن جهة إيصالها له إلى مرضاة ربه وإفضائها إلى لذة أكمل منها فهذه هي اللذة التي ينبغي للعاقل أن يسعى في تحصيلها لا اللذة التي تعقبه غاية الألم وتفوت عليه أعظم اللذات ولهذا يثاب المؤمن على كل ما يلتذ به من المباحات إذا قصد به الإعانة والتوصل إلى لذة الآخرة ونعيمها فلا نسبة بين لذة صاحب الزوجة أو الأمة الجميلة التي يحبها وعينه قد قرت بها فإنه إذا باشرها والتذ قلبه وبدنه ونفسه بوصالها أثيب على تلك اللذة في مقابلة عقوبة صاحب اللذة المحرمة على لذته كما قال النبي ﷺ " وفي بضع أحدكم أجر. قالوا يا رسول الله ﷺ: أيأتي أحدنا شهوته ويكون له فيها أجر؟ قال أرأيتم لو وضعها في الحرام أكان عليه وزر؟ قالوا نعم. قال فكذلك إذا وضعها في الحلال يكون له أجر " واعلم أن هذه اللذة تتضاعف وتتزايد بحسب ما عند العبد من الإقبال على الله وإخلاص العمل له والرغبة في الدار الآخرة فإن الشهوة والإرادة المنقسمة في الصور اجتمعت له في صورة واحدة والخوف والهم والغم الذي في اللذة المحرمة معدوم في لذته فإذا اتفق له مع هذا صورة جميلة ورزق حبها ورزقت حبه وانصرفت دواعي شهوته إليها وقصرت بصره عن النظر إلى سواها ونفسه عن التطلع إلى غيرها فلا مناسبة بين لذته ولذة صاحب الصورة المحرمة وهذا أطيب نعيم ينال من الدنيا وجعله النبي ﷺ ثالث ثلاثة بها ينال خير الدنيا والآخرة وهي قلب شاكر ولسان ذاكر وزوجة حسناء إن نظر إليها سرته وإن غاب عنها حفظته في نفسها وماله فالله المستعان.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب