الباحث القرآني
فإن قيل فأي لذة وأي خير ينشأ من العذاب الشديد الدائم الذي لا ينقطع ولا يفتر عن أهله بل أهله فيه أبد الآباد كلما نضجت جلودهم بدلوا جلودا غيرها لا يقضي عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم طرفة عين؟
قيل: لَعمْرُ الله هذا سؤال يقلقل الجبال فضلا عن قلوب الرجال، وعن هذا السؤال أنكر من أنكر حكمة العزيز الحكيم، ورد الأمر إلى مشيئة محضة لا سبب لها ولا غاية وجوز على الله أن يعذب أهل طاعته وأولياءه وينزلهم إلى أسفل الجحيم وينعم أعداءه المشركين به ويرفعهم إلى أعلى جنات النعيم أبد الآباد وأن يدخل النار من شاء بغير سبب ولا عمل أصلا وأن يفاوت بين أهلها مع مساويهم في الأعمال ويسوي بينهم في العذاب مع تفاوتهم في الأعمال وأن يعذب الرجل بذنب غيره وأن يبطل حسناته كلها فلا يثيبه بها أو يثيب بها غيره وكل ذلك جائز عليه لا يعلم أنه لا يفعله إلا بخبر صادق إذ نسبه ذلك وضده إليه على حد سواء وقالوا ولا مخلص عن هذا السؤال إلا بهذا الأصل وربما تمسكوا بظاهر من القول لم يضعوه على مواضعه ولم يجمعوا بينه وبين أدلة العدل والحكمة وتعليق الأمور بأسبابها وترتيبها عليها وآثار الموازنة والمقابلة وأخطأوا في فهم القرآن كما أخطأوا في وصف الرب بما لا يليق به وفي التجويز عليه ما لا يجوز عليه، وقابلهم مثبتو الأسباب والحكم من القدرية وزعموا أنهم يتخلصون من قبيح القول بما أثبتوه من الحكمة والتعليل ولكن وقعوا في نظيره أو ما هو شر منه حيث أوجبوا على الله سبحانه تخليد من أفنى عمره في طاعته ثم ارتكب كبيرة واحدة ومات مصرا عليها في النار مع أعدائه الكفار أبد الآباد ولم يرقبوا له طاعة ولم يرعوا له إسلاما وهم في هذا المذهب شر قولا من إخوانهم الجبرية فإن أولئك لم يوجبوا على الله ذلك الحكم وإنما جوزوه عليه وجوزوا أن لا يفعله وهؤلاء أوجبوا عليه تخليد أهل الكبائر مع الكفار ولم يجوزوا عليه إخراجهم منها وأصابهم في غلطهم على القرآن والسنة وما يجوز على الرب وما لا يجوز عليه ما أصاب إخوانهم من الجبرية، ولما ظن غيرهم من أهل النظر والبحث أن هذا هو الفساد الذي أخبرت به الرسل وعلموا أن هذا مناف للحكمة والرحمة والعدل والمصلحة قالوا إن ذلك تخويف وتخييل لا حقيقة له يزع النفوس السبعية والبهيمية عن عدوانها وشهواتها فتقوم بذلك مصلحة الوجود وكان من أكبر أسباب إلحاد هؤلاء وكفرهم بالله واليوم الآخر نسبة أولئك مذاهبهم الباطلة وأقوالهم الفاسدة إلى الرسل وإخبارهم أنهم دعوا إلى الإيمان بها كما أصابهم تعميم في باب مسألة حدوث العالم حيث أخبروهم أن الرسل أخبرت عن الله أنه لم يزل معطلا عن الفعل والفعل غير ممكن منه ثم انقلب من الإحالة الذاتية إلى الإمكان الذاتي عند ابتدائه بلا تجدد سبب ولا أمر قام بالفاعل وقالوا من لم يعتقد هذا فليس بمؤمن ولا مصدق للرسل فهذا في المبدأ وذاك في المعاد ثم جاءت طائفة أخرى فطووا بساط الخلق والأمر جملة وقالوا كل هذا محال وتلبيس وما ثم وجودان بل الوجود كله واحد ليس هناك خالق ومخلوق ورب ومربوب وطاعة ومعصية وما الأمر إلا نسق واحد والتفريق من أحكام الوهم والخيال فالسماوات والأرض والدنيا والآخرة والأزل والأبد والحسن والقبيح كله شيء واحد وهو من عين واحدة ثم استدركوا فقالوا لا بل هو العين ونشأ الناس إلا من شاء الله بين هؤلاء الطوائف الأربع لا يعرفون سوى أقوالهم ومذاهبهم فعظمت البلية واشتدت المصيبة وصار أذكياء الناس زنادقة العالم وأدناهم إلى الخلاص أهل البلادة والبله والعقل والسمع عن هذه الفرق بمعزل ومنازلهم منهما أبعد منزل فنقول وبالله التوفيق والله المستعان وعليه التكلان.
* (فصل)
دل القرآن والسنة والفطرة وأدلة العقول أنه سبحانه خلق السماوات والأرض وما بينهما بالحق ولم يخلق شيئا عبثا ولا سدى ولا باطلا وإنما أوجد العالم العلوي والسفلي ومن فيهما بالحق الذي هو وصفه واسمه وقوله وفعله وهو سبحانه الحق المبين فلا يصدر عنه إلا حق لا يقول إلا حقا ولا يفعل إلا حقا ولا يأمر إلا بالحق ولا يجازي إلا بحق فالباطل لا يضاف إليه بل الباطل ما لم يضف إليه كالحكم الباطل والدين الباطل الذي لم يأذن فيه ولم يشرعه على ألسنة رسله والمعبود الباطل الذي لا يستحق العبادة وليس أهلا لها فعبادته باطلة ودعوته باطلة والقول الباطل هو الكذب والزور والمحال من القول الذي لا يتعلق بحق موجود بل متعلقه باطل لا حقيقة له وهو سبحانه إنما خلق الخلق لعبادته ومعرفته وأصل عبادته محبته على آلائه ونعمه وعلى كماله وجلاله وذلك أمر فطري ابتدأ الله عليه خلقه وهي فطرته التي فطر الناس عليها كما فطرهم على الإقرار به كما قالت الرسل لأممهم: ﴿أفِي اللَّهِ شَكٌّ فاطِرِ السَّماواتِ والأرْضِ﴾ فالخلق مفطورون على معرفته وتوحيده فلو خلوا وهذه الفطرة لنشأوا على معرفته وعبادته وحده وهذه الفطرة أمر خلقي خلقوا عليه ولا تبديل لخلقه فمضى الناس على هذه الفطرة قرونا عديدة ثم عرض لها موجب فسادها وخروجها عن الصحة والاستقامة بمنزلة ما يعرض للبدن الصحيح والطبيعة الصحيحة مما يوجب خروجهما عن الصحة إلى الانحراف فأرسل رسله ترد الناس إلى فطرتهم الأولى التي فطروا عليها فانقسم الناس معهم ثلاثة أقسام.
منهم من استجاب لهم كل الاستجابة وانقاد إليهم كل الانقياد فرجعت فطرته إلى ما كانت عليه مع ما حصل لها من الكمال والتمام في قوتي العلم النافع والعمل الصالح فازدادت فطرتهم كمالا إلى كمالها فهؤلاء لا يحتاجون في المعاد إلى تهذيب وتأديب ونار تذيب فضلاتهم الخبيثة وتطهرهم من الأردن والأوساخ فإن انقيادهم للرسل أزال عنهم ذلك كله.
وقسم استجابوا لهم من وجه دون وجه فبقيت عليهم بقية من الأدران والأوساخ التي تنافي الحق الذي خلقوا له فهيأ لهم العليم الحكيم من الأدوية الابتلاء والامتحان بحسب تلك الأدواء التي قامت بهم فإن وفت بالخلاص منها في هذه الدار وإلا ففي البرزخ فإن وفي بالخلاص وإلا ففي موقف القيامة وأهوالها ما يخلصهم من تلك البقية فإن وفي بها وإلا فلا بد من المداواة بالدواء الأعظم وآخر الطب الكي فيدخلون كير التمحيص والتخليص حتى إذا هذبوا ولم يبق للدواء فائدة أخرجوا من مارستان المرضى إلى دار أهل العافية كما دل على ذلك السنة المتواترة عن النبي ﷺ وصرح به في قوله: "حتى إذا هذبوا ونقوا أذن لهم في دخول الجنة"
وكذلك قوله تعالى: ﴿طِبْتُمْ فادْخُلُوها خالِدِينَ﴾ فلم يأذن لهم في دخولها إلا بعد طيبهم فإنها دار الطيبين فليس فيها شيء من الخبث أصلا ولهذا يلبث هؤلاء في النار على قدر حاجتهم إلى التطهر وزوال الخبث.
القسم الثالث قوم لم يستجيبوا للرسل ولا انقادوا لهم بل استمروا على الخروج عن الفطرة ولم يرجعوا إليها واستحكم فسادها فيهم أتم استحكام لا يرجى لهم صلاح فهؤلاء لا يفي مجيء الدنيا ومصائب الموت وما بعده وأهوال القيامة بزوال أوساخهم وأدرانهم ولا يليق بحكمة العليم الحكيم أن يجاور بهم الطيبين في دارهم ولم يخلقوا للفناء فهؤلاء أهل دار الابتلاء والامتحان باقون فيها ببقاء ما معهم من درن الكفر والشرك والنار إنما أوقدت عليهم بأعمالهم الخبيثة فعذابهم بنفس أعمالهم السيئة لهم منها صور من العذاب يناسبها ويشاكلها فالعذاب باق عليهم ما بقيت حقائق تلك الأعمال وما تولد منها فما دامت موجبات العذاب باقية فالعذاب باق.
يبقى أن يقال فهل ذهب أثر الفطرة الأولى بالكلية بحيث صارت كأن لم تكن وبطلت بالكلية وانتقل الأمر إلى العارض المفسد لها وعلى هذا فلا سبيل إلى خلاصهم من العذاب إذ هو أثر ذلك الفساد الذي أزال الفطرة أو يقال الفطرة لم تذهب بالكلية وإنما استحكم مرضها وفسادها وأصلها باق كما يستحكم مرض البدن وفساده والحياة قائمة به لكنها حياة لا تنفع فإذا قدر دواء كريه صعب التناول لا سبيل إلى الصحة إلا بتكرير تناوله مرارا كثيرة العدد جدا يزيل ذلك المرض العارض فيظهر أثر الفطرة الأولى فلا يحتاج بعده إلى الدواء هذا سر المسألة ومن يذهب إلى هذا التقدير الثاني فإنه يقول العقل لا يدل على امتناع ذلك إذ ليس فيه ما يحيله ونقول بل قد دل العقل والنقل والفطرة على أن الرب تعالى حكيم رحيم والحكمة والرحمة تأبى بقاء هذه النفوس في العذاب سرمدا أبد الآباد بحيث يدوم عذابها بدوام الله فهذا ليس من الحكمة والرحمة قالوا وقد دلت الدلائل الكثيرة من النصوص والاعتبار على أن ما شرعه الله في هذه الدار وقدره من العذاب والعقوبات فإنما هو لتهذيب النفوس وتصفيتها من الشر الذي فيها ولحصول مصلحة الزجر والاتعاظ وفطما للنفوس عن المعاودة وغير ذلك من الحكم التي إذا حصلت خلا التعذيب عن الحكمة والمصلحة فيبطل فإنه تعذيب عليم حكيم رحيم لا يعذب سدى ولا لنفع يعود إليه بالتعذيب بل كلا الأمرين محال وإذًا لا يقع التعذيب إلا لمصلحة المعذب أو مصلحة غيره ومعلوم أنه لا مصلحة له ولا لغيره في بقائه في العذاب سرمدا أبد الآباد قالوا فمما دل عليه القرآن والسنة أن جنس الآلام لمصلحة بني آدم قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأنَّهم لا يُصِيبُهم ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ في سَبِيلِ اللَّهِ ولا يَطَأُونَ مَوْطِئًا يُغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوٍّ نَيْلًا إلّا كُتِبَ لَهم بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أجْرَ المُحْسِنِينَ﴾ وقوله: ﴿وَلِيُمَحِّصَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا ويَمْحَقَ الكافِرِينَ﴾
فأخبر أن ألم القتل والجراح في سبيله تمحيص أي تطهير وتصفية للمؤمنين وبشر الصابرين على ألم الجوع والخوف والفقر وفقد الأحباب وغيرهم بصلاته عليهم ورحمته وهدايته وقال تعالى: ﴿مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ﴾
قال أبو بكر الصديق: "يا رسول الله جاءت قاصمة الظهر وإننا لم نعمل سوءا فقال: يا أبا بكر ألست تنصب ألست تحزن أليس يصبك الأذى قال: بلى قال: فذلك مما تجزون به"
وقال تعالى: ﴿وَما أصابَكم مِن مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾ وفي هذا تبشير وتحذير إذ أعلمنا أن مصائب الدنيا عقوبات لذنوبنا وهو أرحم أن يثني العقوبة على عبده بذنب قد عاقبه به في الدنيا كما قال ﷺ: "من بلي بشيء من هذه القاذورات فستره الله فأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له ومن عوقب به في الدنيا فالله أكرم من أن يثني العقوبة على عبده"
وفي الحديث: "الحدود كفارات لأهلها" وفي الصحيحين من حديث عبادة: "ومن أصاب من ذلك شيئا فعوقب به في الدنيا فهو كفارة له" وفي الصحيح عنه ﷺ: "ما يصيب المؤمن من وصب ولا نصب ولا هم ولا حزن ولا أذى حتى الشوكة يشاكها إلا كفر الله بها من خطاياه" وقال: "لا يزال البلاء بالمؤمن في أهله وماله وولده حتى يلقى الله وما عليه من خطيئة"
وفي حديث آخر: "إن المؤمن إذا مرض خرج مثل البردة في صفائها ولونها"
وفي الحديث الآخر: "إن الحمى تنفي الذنوب كما ينفي الكير الخبيث الحديد"
وفي حديث آخر: "لا تسبي الحمى فإنها تذهب خطايا بني آدم"
ومن أسماء الحمى مكفرة الذنوب
وفي الحديث الصحيح: "يقول الله عز وجل يوم القيامة عبدي مرضت فلم تعدني قال كيف أعودك وأنت رب العالمين قال مرض عبدي فلان فلم تعده أما لو عدته لوجدتني عنده"
وهذا أبلغ من قوله في الإطعام والإسقاء لوجدت ذلك عندي فهو سبحانه عند المبتلى بالمرض رحمة منه له وخيرا وقربا منه لكسر قلبه بالمرض فإنه عند المنكسرة قلوبهم وهذا أكبر من أن يذكر ورب الدنيا والآخرة واحد وحكمته ورحمته موجودة في الدنيا والآخرة بل ظهور رحمته في الآخرة أعظم فعذاب المؤمنين بالنار في الآخرة هو من هذا الباب كعذابهم في الدنيا بالمصائب والحدود وكذلك حبسهم بين الجنة والنار حتى يهذبوا وينقوا وقد علم بالنصوص الصحيحة الصريحة أن عذابهم في النار متفاوت قدرا ووقتا بحسب ذنوبهم وأنهم لا يخرجون منها جملة واحدة بل شيئا بعد شيء حتى يبقى رجل هو آخرهم خروجا وكذلك عذاب الكفار فيها متفاوت تفاوتا عظيما فالمنافقون في دركها الأسفل وأبو طالب أخف أهلها عذابا في ضحضاح من بئر يغلي منه دماغه وآل فرعون في أشد العذاب قالوا فإذا كان العذاب في الدار التي فيها رحمة واحدة من مائة رحمة هو رحمة بأهله ومصلحة لهم ولطف بهم فكيف في الدار التي يظهر فيها مائة رحمة كل رحمة منها طباق ما بين السماء والأرض وقد قال تعالى: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهم مِنَ العَذابِ الأدْنى دُونَ العَذابِ الأكْبَرِ لَعَلَّهم يَرْجِعُونَ﴾
فأخبر أنه يعذبهم رحمة بهم ليردهم العذاب إليه كما يعذب الأب الشفيق ولده إذا فر منه إلى عدوه ليرجع إلى بره وكرامته وقال الله تعالى: ﴿ما يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذابِكم إنْ شَكَرْتُمْ وآمَنتُمْ وكانَ اللَّهُ شاكِرًا عَلِيمًا﴾
وأنت تجد تحت هذه الكلمات أن تعذيبه لكم لا يزيد في ملكه ولا ينتفع به ولا هو سدى خال من حكمة ومصلحة وأنكم إذا بدلتم الشكر والإيمان بالكفر كان عذابكم منكم وكان كفركم هو الذي عذبتم به وإلا فأي شيء يلحقه من عذابكم وأي نفع يصل إليه منه قالوا وحينئذ فالحكمة تقتضي أن النفوس الشريرة لا بد لها من عذاب يهذبها بحسب وقوعها كما دل على ذلك السمع والعقل وذلك يوجب الانتهاء لا الدوام.
قالوا والله تعالى لم يخلق الإنسان عبثا وإنما خلقه ليرحمه لا ليعذبه وإنما اكتسب موجب العذاب بعد خلقه له فرحمته له سبقت غضبه وموجب الرحمة فيما سابق على موجب الغضب وغالب له وتعذيبه ليس هو الغاية لخلقه وإنما تعذيبه لحكمة ورحمة والحكمة والرحمة تأبى أن يتصل عذابه سرمدا إلى غير نهاية.
أما الرحمة فظاهر، وأما الحكمة فلأنه إنما عذب على أمر طرأ على الفطرة وغيرها ولم يخلق عليه من أصل الخلقة ولا خلق له فهو لم يخلق للإشراك ولا للعذاب وإنما خلق للعبادة والرحمة ولكن طرأ عليه موجب العذاب فاستحق عليه العذاب وذلك الموجب لا دوام له فإنه باطل بخلاف الحق الذي هو موجب الرحمة فإنه دائم بدوام الحق سبحانه وهو الغاية وليس موجب العذاب غاية كما أن العذاب ليس بغاية بخلاف الرحمة فإنها غاية وموجبها غاية فتأمله حق التأمل فإنه سر المسألة.
قالوا والرب تعالى تسمى بالغفور الرحيم ولم يتسمى بالمعذب ولا بالمعاقب بل جعل العذاب والعقاب في أفعاله كما قال تعالى: ﴿نَبِّئْ عِبادِي أنِّي أنا الغَفُورُ الرَّحِيمُ وأنَّ عَذابِي هو العَذابُ الألِيمُ﴾ وقال تعالى: ﴿إنّ رَبَّكَ سَرِيعُ العِقابِ وإنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ﴾
وقال: ﴿إنَّ بَطْشَ رَبِّكَ لَشَدِيدٌ إنَّهُ هو يُبْدِئُ ويُعِيدُ وهو الغَفُورُ الوَدُودُ﴾ وقال: ﴿حم تَنْزِيلُ الكِتابِ مِنَ اللَّهِ العَزِيزِ العَلِيمِ غافِرِ الذَّنْبِ وقابِلِ التَّوْبِ شَدِيدِ العِقابِ﴾
وهذا كثير في القرآن فإنه سبحانه يتمدح بالعفو والمغفرة والرحمة والكرم والحلم ويتسمى ولم يتمدح بأنه المعاقب ولا الغضبان ولا المعذب ولا المسقم إلا في الحديث الذي فيه تعديد الأسماء الحسنى ولم يثبت.
وقد كتب على نفسه كتابا أن رحمته سبقت غضبه، وكذلك هو في أهل النار فإن رحمته فيهم سبقت غضبه فإنه رحمهم أنواعا من الرحمة قبل أن أغضبوه بشركهم ورحمهم في حال شركهم ورحمهم بإقامة الحجة عليهم ورحمهم بدعوتهم إليه بعد أن أغضبوه وآذوا رسله وكذبوهم وأمهلهم ولم يعاجلهم بل وسعتهم رحمته فرحمته غلبت غضبه ولولا ذلك لخرب العالم وسقطت السماوات على الأرض وخرت الجبال وإذا كانت الرحمة غالبة للغضب سابقة عليه امتنع أن يكون موجب الغضب دائما بدوامه غالبا لرحمته قالوا والتعذيب إما أن يكون عبثا أو لمصلحة وحكمة وكونه عبثا مما ينزه أحكم الحاكمين عنه ونسبته إليه نسبة لما هو من أعظم النقائص إليه وإن كان لمصلحة فالمصلحة هي المنفعة ولوازمها وملزوماتها وهي إما أن تعود على الرب تعالى وهو يتعالى عن ذلك ويتقدس عنه وإما أن تعود إلى المخلوق إما نفس المعذب وإما غيره أوهما والأول ممتنع ولا مصلحة له في دوام العقوبة بلا نهاية وأما مصلحة غيره فإن كانت هي الاتعاظ والانزجار فقد حصلت وإن كانت تكميل لذته وبهجته وسروره بأن يرى عدوه في تلك الحال وهو في غاية النعيم فهذا لو كان أقسى الخلق لرق لعدوه من طول عذابه ودوام ما يقاسيه فلم يبق إلا كسر تلك النفوس الجبارة العتيدة ومداواتها كيما تصل إلى مادة أدوائها وأمراضها فتحسمها وتلك المادة شر طارئ على خير خلقت عليه في ابتداء فطرتها قالوا والأقسام الممكنة في الخلق خمسة لا مزيد عليها خير محض ومقابله وخير راجح ومقابله وخير وشر متساويان والحكمة تقتضي إيجاد قسمين منها وهما الخير الخالص والراجح وأما الشر الخالص أو الراجح فإن الحكمة لا تقتضي وجوده بل تأبى ذلك فإن كل ما خلقه الله سبحانه فإنما خلقه لحكمة وجودها أولى من عدمها وخلق الدواب الشريرة والأفعال التي هي شر لما يترتب على خلقها من الخير المحبوب فلم يخلق لمجرد الشر الذي لا يستلزم خيرا بوجه ما هذا غاية المحال فالخير هو المقصود بالذات بالقصد الأول والشر إنما قصد قصد الوسائل والمبادئ لا قصد الغايات والنهايات وحينئذ فإذا حصلت الغاية المقصودة بخلقه بطل وزال كما تبطل الوسائل عند الانتهاء إلى غاياتها كما هو معلوم بالحس والعقل وعلى هذا فالعذاب شر وله غاية تطلب به وهو وسيلة إليها فإذا حصلت غايته كان بمنزلة الطريق الموصلة إلى القصد فإذا وصل بها السائر إلى مقصده لم يبق لسلوكها فائدة.
وسر المسألة أن الرحمة غاية الخلق والأمر لا العذاب فالعذاب من مخلوقاته وذلك مقتضى أنه خلقه لغاية محمودة ولا بد من ظهور أسمائه وأثر صفاته عموما وإطلاقا فإن هذا هو الكمال والرب جل جلاله موصوف بالكمال منزه عن النقص قالوا وقد قال تعالى: ﴿فَأمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفي النّارِ لَهم فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ﴾ وقال: ﴿النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ﴾
قال أبو سعيد الخدري: "هذه تقضي على كل آية في القرآن"
ذكره البيهقي وحرب وغيرهما وقال عبد الله بن مسعود: "ليأتين على جهنم زمان ليس فيها أحد وذلك بعد ما يلبثون فيها أحقابا"
وعن عمر بن الخطاب وأبي هريرة مثله ذكره جماعة من المصنفين في السنة وهذا يقتضي أن الدار التي لا يبقى فيها أحد هي التي يلبث فيها أهلها أحقابا.
وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم: "أخبرنا الله بالذي يشاء لأهل الجنة فقال تعالى: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾
ولم يخبرنا بالذي يشاء لأهل النار"
قالوا ويكفينا ما في سورة الأنعام من قوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا يا مَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ وقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾
إلى قوله: ﴿يامَعْشَرَ الجِنِّ والإنْسِ ألَمْ يَأْتِكم رُسُلٌ مِنكم يَقُصُّونَ عَلَيْكم آياتِي ويُنْذِرُونَكم لِقاءَ يَوْمِكم هَذا قالُوا شَهِدْنا عَلى أنْفُسِنا وغَرَّتْهُمُ الحَياةُ الدُّنْيا وشَهِدُوا عَلى أنْفُسِهِمْ أنَّهم كانُوا كافِرِينَ﴾
وهذا خطاب للكفار من الجن والإنس من وجوه.
أحدها استكبارهم منهم أي من إغوائهم وإضلالهم وإنما استكبروا من الكفار.
الثاني قوله: ﴿وَقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ﴾ وأولياؤهم هم الكفار كما قال تعالى: ﴿إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون﴾ فحزب الشيطان هم أولياؤه والثالث قوله: ﴿إنّا جَعَلْنا الشَّياطِينَ أوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ﴾ ومع هذا فقال: ﴿النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ﴾ ثم ختم الآية بقوله: ﴿إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ فتعذيبهم متعلق بعلمه وحكمته وكذلك الاستثناء صادر عن علم وحكمة فهو عليم بما يفعل بهم حكيم في ذلك.
قالوا وقد ورد في القرآن أنه سبحانه إذا ذكر جزاء أهل رحمته وأهل غضبه معا أبّد جزاء أهل الرحمة وأطلق جزاء أهل الغضب كقوله: ﴿فَأمّا الَّذِينَ شَقُوا فَفي النّارِ لَهم فِيها زَفِيرٌ وشَهِيقٌ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ إنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ َأمّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفي الجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ والأرْضُ إلّا ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾
وقوله: ﴿إنّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن أهْلِ الكِتابِ والمُشْرِكِينَ في نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولَئِكَ هم شَرُّ البَرِيَّةِ إنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولَئِكَ هم خَيْرُ البَرِيَّةِ جَزاؤُهم عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِها الأنْهارُ خالِدِينَ فِيها أبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهم ورَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَن خَشِيَ رَبَّهُ﴾ وقوله: ﴿يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأمّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهم أكَفَرْتُمْ بَعْدَ إيمانِكم فَذُوقُوا العَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ وأمّا الَّذِينَ ابْيَضَّتْ وُجُوهُهم فَفي رَحْمَةِ اللَّهِ هم فِيها خالِدُونَ﴾ وقد يقرن بينهما في الذكر ويقضي لهم بالخلود كقوله: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ فَإنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أبَدًا﴾ وقوله: ﴿وَمَن يَعْصِ اللَّهَ ورَسُولَهُ ويَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نارًا خالِدًا فِيها ولَهُ عَذابٌ مُهِينٌ﴾ ولكن مجرد ذكر الخلود والتأبيد لا يقتضي عدم النهاية بل الخلود هو المكث الطويل كقولهم قيد مخلد وتأبيد كل شيء بحسبه فقد يكون التأبيد لمدة الحياة وقد يكون لمدة الدنيا قال تعالى عن اليهود: {وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ
أبَدًا بِما قَدَّمَتْ أيْدِيهِمْ واللَّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ} ومعلوم أنهم يتمنونه في النار حيث يقولون ﴿يا مالك ليقض علينا ربك﴾ وإنما استفيد عدم انتهاء نعيم الجنة بقوله: ﴿إنَّ هَذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِن نَفادٍ﴾ وقوله: ﴿عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ وقوله: ﴿لَهم أجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ﴾ أي مقطوع ومن قال لا يمن به عليهم فقد أخطأ أقبح الخطأ ولم يجئ مثل ذلك في عذاب أهل النار وقوله عز وجل: ﴿وَما هم بِخارِجِينَ مِنَ النّار﴾ ﴿وَما هم مِنها بِمُخْرَجِينَ﴾ وقوله: ﴿لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا ولا يُخَفَّفُ عَنْهم مِن عَذابِها﴾
وقوله تعالى: ﴿كُلَّما أرادُوا أنْ يَخْرُجُوا مِنها أُعِيدُوا فِيها﴾ في موضعين من القرآن وقوله: ﴿لَّما نَضِجَتْ جُلُودُهم بَدَّلْناهم جُلُودًا غَيْرَها﴾ غير مصروف عن ظاهره وحقيقته على الصحيح وقد زعمت طائفة أن إطلاق هذه الآيات مقيد بآيات التقييد بالاستثناء بالمشيئة فيكون من باب تخصيص العموم وهذا كأنه قول من قال من السلف في آية الاستثناء أنها تقضي على كل وعيد في القرآن والصحيح أن هذه الآيات على عمومها وإطلاقها ولكن ليس فيها ما يدل على أن نفس النار دائمة بدوام الله لا انتهاء لها هذا ليس في القرآن ولا في السنة ما يدل عليه بوجه ما وفرق بين أن يكون عذاب أهلها دائما بدوامها وبين أن يكون هي أبدية لا انقطاع لها فلا تستحيل ولا تضمحل فهذا شيء وهذا شيء لا يقال فلا فرق على هذا بين عذاب الدنيا وعذاب الآخرة إذ كان كل منهما يضمحل وينقطع؟
قيل ما أظهر الفروق بينهما والأمر أبين من أن يحتاج إلى فرق.
وأيضا فعذاب الدنيا ينقطع بموت المعذب وإقلاع العذاب عنه
وأما عذاب الآخرة فلا يموت من استحق الخلود فيه ولا يقلع العذاب عنه ولا يدفعه عنه أحد كما قال تعالى: ﴿إنَّ عَذابَ رَبِّكَ لَواقِعٌ ما لَهُ مِن دافِعٍ﴾ وهو لازم لا يفارق قال تعالى: ﴿إنَّ عَذابَها كانَ غَرامًا﴾ أي لازما ومنه سمى الغريم غريما لملازمة غريمه.
{"ayah":"إِنَّ ٱلَّذِینَ كَفَرُوا۟ بِـَٔایَـٰتِنَا سَوۡفَ نُصۡلِیهِمۡ نَارࣰا كُلَّمَا نَضِجَتۡ جُلُودُهُم بَدَّلۡنَـٰهُمۡ جُلُودًا غَیۡرَهَا لِیَذُوقُوا۟ ٱلۡعَذَابَۗ إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ عَزِیزًا حَكِیمࣰا"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق