الباحث القرآني

* (فائدة) وَنَظِيرُ انْقِسامِ العُبُودِيَّةِ إلى خاصَّةٍ وعامَّةٍ انْقِسامُ القُنُوتِ إلى خاصٍّ وعامٍّ، والُسُجُودُ كَذَلِكَ، قالَ تَعالى في القُنُوتِ الخاصِّ ﴿أمَّنْ هو قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِدًا وقائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ ويَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ﴾ [الزمر: ٩] وَقالَ في حَقِّ مَرْيَمَ ﴿وَكانَتْ مِنَ القانِتِينَ﴾ [التحريم: ١٢] وهو كَثِيرٌ في القُرْآنِ. وَقالَ في القُنُوتِ العامِّ ﴿وَلَهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ كُلٌّ لَهُ قانِتُونَ﴾ [الروم: ٢٦] أيْ خاضِعُونَ أذِلّاءُ. وَقالَ في السُّجُودِ الخاصِّ ﴿إنَّ الَّذِينَ عِنْدَ رَبِّكَ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ ويُسَبِّحُونَهُ ولَهُ يَسْجُدُونَ﴾ [الأعراف: ٢٠٦] وَقالَ ﴿إذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمَنِ خَرُّوا سُجَّدًا وبُكِيًّا﴾ [مريم: ٥٨] وَهُوَ كَثِيرٌ في القُرْآنِ. وَقالَ في السُّجُودِ العامِّ ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ طَوْعًا وكَرْهًا وظِلالُهم بِالغُدُوِّ والآصالِ﴾ [الرعد: ١٥]. وَلِهَذا كانَ هَذا السُّجُودُ الكُرْهُ غَيْرَ السُّجُودِ المَذْكُورِ في قَوْلِهِ ﴿ألَمْ تَرَ أنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن في السَّماواتِ ومَن في الأرْضِ والشَّمْسُ والقَمَرُ والنُّجُومُ والجِبالُ والشَّجَرُ والدَّوابُّ وكَثِيرٌ مِنَ النّاسِ﴾ [الحج: ١٨] فَخَصَّ بِالسُّجُودِ هُنا كَثِيرًا مِنَ النّاسِ وعَمَّهم بِالسُّجُودِ في سُورَةِ النَّحْلِ ﴿وَلِلَّهِ يَسْجُدُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ مِن دابَّةٍ والمَلائِكَةُ﴾ [النحل: ٤٩] وَهُوَ سُجُودُ الذُّلِّ والقَهْرِ والخُضُوعِ، فَكُلُّ أحَدٍ خاضِعٌ لِرُبُوبِيَّتِهِ، ذَلِيلٌ لِعِزَّتِهِ، مَقْهُورٌ تَحْتَ سُلْطانِهِ تَعالى. * (فصل) قال تعالى: ﴿قَلْ هَلْ يَسْتَوى الَّذِينَ يَعْلَمُونَ والَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الألْبابِ﴾ بل الواحد من الخلق لا تستوى أعاليه وأسافله، فلا يستوي عقبه وعينه، ولا رأسه ورجلاه، ولا يصلح أحدهما لما يصلح له الآخر فالله عز وجل قد خلق الخبيث والطيب والسهل والحزن والضار والنافع، وهذه أجزاء الأرض: منها ما يصلح جلاءً للعين ومنها ما يصلح للأتون والنار. وبهذا ونحوه يعرف كمال القدرة وكمال الحكمة: فكمال القدرة بخلق الأضداد. وكمال الحكمة تنزيلها منازلها ووضع كل منها في موضعه والعالم من لا يلقى الحرب بين قدرة الله وحكمته - فإن آمن بالقدرة قدح في الحكمة وعطلها وإن آمن بالحكمة قدح في القدرة ونقصها - بل يربط القدرة بالحكمة، ويعلم شمولها لجميع ما خلقه الله ويخلقه، فكما أنه لا يكون إلا بقدرته ومشيئته فكذلك لا يكون إلا بحكمته. وإذا كان لا سبيل للعقول البشرية إلى الإحاطة بهذا تفصيلًا، فيكفيها الإيمان بما تعلم وتشاهد منه، ثم تستدل على الغائب بالشاهد وتعتبر ما علمت بما لم تعلم. * (فصل) اعلم أن الله سُبْحانَهُ نفى التَّسْوِيَة بَين العالم وغَيره، كَما نفى التَّسْوِيَة بَين الخَبيث والطّيب، وبَين الأعمى والبصير، وبَين النُّور والظلمة، وبَين الظل والحرور، وبَين أصحاب الجنَّة وأصحاب النّار، وبَين الأبكم العاجِز الَّذِي لا يقدر على شَيْء، ومن يأمر بِالعَدْلِ وهو على صِراط مُسْتَقِيم، وبَين المُؤمنِينَ والكفّار، وبَين الَّذين آمنُوا وعمِلُوا الصّالِحات والمفسدين في الأرض، وبَين المُتَّقِينَ والفجار. فَهَذِهِ عشرَة مَواضِع في القُرْآن نفى فِيها التَّسْوِيَة بَين هَؤُلاءِ الأصناف، وهَذا يدل على أن منزلَة العالم من الجاهِل كمنزلة النُّور من الظلمَة، والظل من الحرور، والطّيب من الخَبيث. ومنزلة كل واحِد من هَذِه الأصناف مَعَ مُقابلِه. وَهَذا كاف في شرف العلم وأهله، بل إذا تَأمَّلت هَذِه الأصناف كلها وجدت نفي التَّسْوِيَة بَينها راجعا إلى العلم وموجبه فِيهِ وقع التَّفْضِيل وانتفت المُساواة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب