الباحث القرآني

يَعْنِي إذا كانَ المَمْلُوك فِيكُم لَهُ ملاك مشتركون فِيهِ وهم متنازعون ومملوك آخر لَهُ مالك واحِد فَهَل يكون هَذا وهَذا سَواء فَإذا كانَ هَذا لَيْسَ عنْدكم كمن لَهُ رب واحِد ومالك واحِد فَكيف ترْضونَ أن تجْعَلُوا لأنفسكم آلِهَة مُتعَدِّدَة تجعلونها شُرَكاء لله تحبونها كَما يحبونه وتخافونها كَما يخافونه وترجونها كَما يرجونه. * (فصل) احْتَجَّ سُبْحانَهُ عَلى قُبْحِ الشِّرْكِ بِما تَعْرِفُهُ العُقُولُ مِنَ الفَرْقِ بَيْنَ حالِ مَمْلُوكٍ يَمْلِكُهُ أرْبابٌ مُتَعاسِرُونَ سَيِّئُوا المِلْكَةِ، وحالِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ سَيِّدٌ واحِدٌ قَدْ سَلِمَ كُلُّهُ لَهُ، فَهَلْ يَصِحُّ في العُقُولِ اسْتِواءُ حالِ العَبْدَيْنِ؟ فَكَذَلِكَ حالُ المُشْرِكِ والمُوَحِّدِ الَّذِي قَدْ سَلِمَتْ عُبُودِيَّتُهُ لِإلَهِهِ الحَقِّ لا يَسْتَوِيانِ. * (فصل) قَوْلُهُ تَعالى ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكاءُ مُتَشاكِسُونَ ورَجُلًا سَلَمًا لِرَجُلٍ هَلْ يَسْتَوِيانِ مَثَلًا الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾ [الزمر: ٢٩] هَذا مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللَّهُ سُبْحانَهُ لِلْمُشْرِكِ والمُوَحِّدِ؛ فالمُشْرِكُ بِمَنزِلَةِ عَبْدٍ يَمْلِكُهُ جَماعَةٌ مُتَنازِعُونَ مُخْتَلِفُونَ مُتَشاحُّونَ، والرَّجُلُ المُتَشاكِسُ: الضَّيِّقُ الخُلُقِ، فالمُشْرِكُ، لَمّا كانَ يَعْبُدُ آلِهَةً شَتّى شُبِّهَ بِعَبْدٍ يَمْلِكُهُ جَماعَةٌ مُتَنافِسُونَ في خِدْمَتِهِ، لا يُمْكِنُهُ أنْ يَبْلُغَ رِضاهم أجْمَعِينَ، والمُوَحِّدُ لَمّا كانَ يَعْبُدُ اللَّهَ وحْدَهُ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ عَبْدٍ لِرَجُلٍ واحِدٍ، قَدْ سَلَمَ لَهُ، وعَلِمَ مَقاصِدَهُ، وعَرَفَ الطَّرِيقَ إلى رِضاهُ، فَهو في راحَةٍ مِن تَشاحُنِ الخُلَطاءِ فِيهِ، بَلْ هو سالِمٌ لِمالِكِهِ مِن غَيْرِ تَنازُعٍ فِيهِ، مَعَ رَأْفَةِ مالِكِهِ بِهِ، ورَحْمَتِهِ لَهُ، وشَفَقَتِهِ عَلَيْهِ، وإحْسانِهِ إلَيْهِ، وتَوَلِّيهِ لِمَصالِحِهِ، فَهَلْ يَسْتَوِي هَذانِ العَبْدانِ؟ وَهَذا مِن أبْلَغِ الأمْثالِ؛ فَإنَّ الخالِصَ لِمالِكٍ واحِدٍ يَسْتَحِقُّ مِن مَعُونَتِهِ وإحْسانِهِ والتِفاتِهِ إلَيْهِ وقِيامِهِ بِمَصالِحِهِ ما لا يَسْتَحِقُّ صاحِبُ الشُّرَكاءِ المُتَشاكِسِينَ ﴿الحَمْدُ لِلَّهِ بَلْ أكْثَرُهم لا يَعْلَمُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب