الباحث القرآني
فإن قيل: فكيف وقعت (ما) على مَن يعقل كقوله: ﴿لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾، ﴿والسَّماءِ وما بَناها﴾، ﴿وَلا أنْتُمْ عابِدُونَ ما أعْبُدُ﴾
وأمثال ذلك؟
قيل: هي في هذا كله على أصلها من الإبهام والوقوع على الجنس العام لما يراد بـ (ما) ما يراد بـ (مَن) من التعيين لما يعقل والاختصاص دون الشيوع، ومن فهم حقيقة الكلام وكان له ذوق عرف هذا واستبان له.
وأما قوله تعالى: ﴿ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي﴾ فهذا كلام ورد في معرض التوبيخ والتبكيت للعين على امتناعه من السجود، ولم يستحق هذا التبكيت والتوبيخ حيث كان السجود لمن يعقل، ولكن للمعصية والتكبر على ما لم يخلقه إذ لا ينبغي التكبر لمخلوق على مثله، إنما التكبر للخالق وحده، فكأنه يقول سبحانه: لم عصيتني وتكبرت على ما لم تخلقه وخلقتُه أنا وشرفته، وأمرتك بالسجود له؟!
فهذا موضع (ما) لأن معناها أبلغ ولفظها أعم، وهو في الحجة أوقع وللعذر والشبهة أقطع.
فلو قال: ما منعك أن تسجد لمن خلقت، لكان استفهاما مجردا من توبيخ وتبكيت، ولتوهم أنه وجب السجود له من حيث كان يعقل، ولعله موجود في ذاته وعينه، وليس المراد كذلك، وإنما المراد توبيخه وتبكيته على ترك سجوده لما خلق الله وأمره بالسجود له، ولهذا عدل عن اسم آدم العَلَم مع كونه أخص، وأتى بالاسم الموصول الدال على جهة التشريف المقتضية لسجوده له كونه خلقه بيديه.
وأنت لو وضعت مكان (ما) لفظة (مَن) لما رأيت هذا المعنى المذكور في الصلة، وأن ما جيء بها وصلة إلى ذكر الصلة.
فتأمل ذلك فلا معنى إذا للتعيين بالذكر إذ لو أريد التعيين لكان بالاسم العلم أولى وأحرى.
وكذلك قوله: ﴿والسماء وما بناها﴾ لأن القسم تعظيم للمقسم به واستحقاقه للتعظيم من حيث (ما)، وأظهر هذا الخلق العظيم الذي هو السماء، ومن حيث سواها وزينها بحكمته فاستحق التعظيم وثبتت قدرته فلو قال: ومن بناها لم يكن في اللفظ دليل على استحقاقه للقسم من حيث اقتدر على بنائها ولكان المعنى مقصورا على ذاته ونفسه دون الإيماء إلى أفعاله الدالة على عظمته المنبئة عن حكمته المفصحة باستحقاقه للتعظيم من خليقته.
وكذلك قولهم: سبحان ما يسبح الرعد بحمده"
لأن الرعد صوت عظيم من جرم عظيم والمسبح به لا محالة أعظم فاستحقاقه للتسبيح من حيث يستحقه العظيمات من خلقه، لا من حيث كان يعلم، ولا تقل يعقل في هذا الموضع.
فإذا تأملت ما ذكرناه استبان لك قصور من قال إن (ما) مع الفعل في هذا كله سوى الأول في تأويل المصدر، وأنه لم يقدر المعنى حق قدره، فلا لصناعة النحو وفق، ولا لفهم التفسير رزق، وأنه تابع الحز وأخطأ المفصل، وحام ولكن ما ورد المنهل.
* وقال في (الصواعق المرسلة)
إن لفظ اليد جاء في القرآن على ثلاثة أنواع. مفردا، ومثنى، ومجموعا.
فالمفرد: كقوله: ﴿بِيَدِهِ المُلْكُ﴾ والمثنى كقوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ والمجموع كقوله: ﴿عَمِلَتْ أيْدِينا﴾.
فحيث ذكر اليد مثناة. أضاف الفعل إلى نفسه بضمير الإفراد، وعدى الفعلى بالباء إليهما، وقال: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾.
وحيث ذكرها مجموعة أضاف الفعل إليها، ولم يعدّ الفعل بالباء.
فهذه ثلاثة فروق: فلا يحتمل «خلقت بيدي» من المجاز ما يحتمله ﴿عَمِلَتْ أيْدِينا﴾ فإن كل أحد يفهم من قوله: ﴿عَمِلَتْ أيْدِينا﴾ ما يفهمه من قوله: عملنا وخلقنا، كما يفهم ذلك من قوله: ﴿فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾
وأما قوله: ﴿خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ فلو كان المراد منه مجرد الفعل لم يكن لذكر اليد بعد نسبة الفعل إلى الفاعل معنى فكيف وقد دخلت عليها الباء؟ فكيف إذا ثنيت؟
وسرّ الفرق أن الفعل قد يضاف إلى يد ذي اليد، والمراد الإضافة إليه. كقوله: ﴿بِما قَدَّمَتْ يَداكَ﴾ ﴿فَبِما كَسَبَتْ أيْدِيكُمْ﴾
وأما إذا أضيف إليه الفعل، ثم عدي بالباء إلى اليد مفردة أو مثناة، فهو مما باشرته يده.
ولهذا قال عبد الله بن عمر «إن الله لم يخلق بيده إلا ثلاثا خلق آدم بيده، وغرس جنة الفردوس بيده، وكتب التوراة بيده» فلو كانت اليد هي القدرة لم يكن لها اختصاص بذلك، ولا كانت لآدم فضيلة بذلك على كل شيء مما خلق بالقدرة.
وقد أخبر النبي ﷺ أن «أهل الموقف يأتونه يوم القيامة، فيقولون:
يا آدم، أنت أبو البشر، خلقك الله بيده»
وكذلك قال آدم لموسى في محاجته له
«اصطفاك الله بكلامه، وخطّ لك الألواح بيده»
وفي لفظ آخر «كتب لك التوراة بيده»
وهو من أصح الأحاديث. وكذلك
الحديث المشهور «أن الملائكة قالوا: يا رب خلقت بني آدم يأكلون ويشربون، وينكحون، ويركبون، فأجعل لهم الدنيا ولنا الأخرى، فقال الله تعالى: لا أجعل صالح ذرية من خلقت بيدي ونفخت فيه من روحي، كمن قلت له: كن فكان».
وهذا التخصيص إنما فهم من قوله «خلقت بيديّ» فلو كان مثل قوله:
مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا لكان هو والأنعام في ذلك سواء. فلما فهم المسلمون أن قوله: ﴿ما مَنَعَكَ أنْ تَسْجُدَ لِما خَلَقْتُ بِيَدَيَّ﴾ يوجب له تخصيصا وتفضيلا بكونه مخلوقا باليدين على من أمر أن يسجد له، وفهم ذلك أهل الموقف حين جعلوه من خصائصه: كانت التسوية بينه وبين قوله: ﴿أوَلَمْ يَرَوْا أنّا خَلَقْنا لَهم مِمّا عَمِلَتْ أيْدِينا أنْعامًا﴾ خطأ محضا.
{"ayahs_start":75,"ayahs":["قَالَ یَـٰۤإِبۡلِیسُ مَا مَنَعَكَ أَن تَسۡجُدَ لِمَا خَلَقۡتُ بِیَدَیَّۖ أَسۡتَكۡبَرۡتَ أَمۡ كُنتَ مِنَ ٱلۡعَالِینَ","قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ"],"ayah":"قَالَ أَنَا۠ خَیۡرࣱ مِّنۡهُ خَلَقۡتَنِی مِن نَّارࣲ وَخَلَقۡتَهُۥ مِن طِینࣲ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











