الباحث القرآني

* [فَصْلٌ الغَيْرَةُ سُقُوطُ الِاحْتِمالِ ضَنًّا والضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفاسَةً] قالَ صاحِبُ المَنازِلِ: بابُ الغَيْرَةِ قالَ اللَّهُ تَعالى - حاكِيًا عَنْ نَبِيِّهِ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ - ﴿رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحًا بِالسُّوقِ والأعْناقِ﴾ [ص: ٣٣]. وَوَجْهُ اسْتِشْهادِهِ بِالآيَةِ: أنَّ سُلَيْمانَ عَلَيْهِ السَّلامُ كانَ يُحِبُّ الخَيْلَ. فَشَغَلَهُ اسْتِحْسانُها، والنَّظَرُ إلَيْها - لَمّا عُرِضَتْ عَلَيْهِ - عَنْ صَلاةِ النَّهارِ، حَتّى تَوارَتِ الشَّمْسُ بِالحِجابِ. فَلَحِقَتْهُ الغَيْرَةُ لِلَّهِ مِنَ الخَيْلِ، إذِ اسْتَغْرَقَهُ اسْتِحْسانُها، والنَّظَرُ إلَيْها عَنْ خِدْمَةِ مَوْلاهُ وحَقِّهِ. فَقالَ: رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ يَضْرِبُ أعْناقَها وعَراقِيبَها بِالسَّيْفِ غَيْرَةً لِلَّهِ. قالَ: الغَيْرَةُ: سُقُوطُ الِاحْتِمالِ ضَنًّا، والضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفاسَةً. أيْ عَجْزُ الغَيُورِ عَنِ احْتِمالِ ما يَشْغَلُهُ عَنْ مَحْبُوبِهِ، ويَحْجُبُهُ عَنْهُ ضَنًّا بِهِ - أيْ بُخْلًا بِهِ - أنْ يَعْتاضَ عَنْهُ بِغَيْرِهِ. وهَذا البُخْلُ: هو مَحْضُ الكَرَمِ عِنْدَ المُحِبِّينَ الصّادِقِينَ. وَأمّا الضِّيقُ عَنِ الصَّبْرِ نَفاسَةً فَهو أنْ يَضِيقَ ذَرْعُهُ بِالصَّبْرِ عَنْ مَحْبُوبِهِ. وهَذا هو الصَّبْرُ الَّذِي لا يُذَمُّ مِن أنْواعِ الصَّبْرِ سِواهُ، أوْ ما كانَ مِن وسِيلَتِهِ. والحامِلُ لَهُ عَلى هَذا الضِّيقِ: مُغالاتُهُ بِمَحْبُوبِهِ. وهي النَّفاسَةُ. فَإنَّهُ - لِمُنافَسَتِهِ ورَغْبَتِهِ - لا يُسامِحُ نَفْسَهُ بِالصَّبْرِ عَنْهُ. والمُنافَسَةُ هي كَمالُ الرَّغْبَةِ في الشَّيْءِ، ومَنعُ الغَيْرِ مِنهُ: إنْ لَمْ يُمْدَحْ فِيهِ المُشارَكَةُ، والمُسابَقَةُ إلَيْهِ إنْ مُدِحَتْ فِيهِ المُشارَكَةُ. قالَ تَعالى ﴿وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنافَسِ المُتَنافِسُونَ﴾ [المطففين: ٢٦] وَبَيْنَ المُنافَسَةِ والغِبْطَةِ جَمْعٌ وفَرْقٌ، وبَيْنَهُما وبَيْنَ الحَسَدِ أيْضًا جَمْعٌ وفَرْقٌ. فالمُنافَسَةُ تَتَضَمَّنُ مُسابَقَةً واجْتِهادًا وحِرْصًا. والحَسَدُ: يَدُلُّ عَلى مَهانَةِ الحاسِدِ وعَجْزِهِ، وإلّا فَنافِسْ مَن حَسَدْتَهُ. فَذَلِكَ أنْفَعُ لَكَ مِن حَسَدِهِ، كَما قِيلَ: ؎إذا أعْجَبَتْكَ خِلالُ امْرِئٍ ∗∗∗ فَكُنْهُ يَكُنْ مِنكَ ما يُعْجِبُكْ ؎فَلَيْسَ عَلى الجُودِ والمَكْرُما ∗∗∗ تِ إذا جِئْتَها حاجِبٌ يَحْجُبُكْ والغِبْطَةُ تَتَضَمَّنُ نَوْعَ تَعَجُّبٍ وفَرَحٍ لِلْمَغْبُوطِ واسْتِحْسانٍ لِحالِهِ.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب