الباحث القرآني

قال الفراء: حبسناهم عن الإنفاق في سبيل الله. وقال أبو عبيدة: منعناهم عن الإيمان بموانع. ولما كان الغل مانعا للمغلول من التصرف والتقلب كان الغل الذي على القلب مانعا من الإيمان. فإن قيل: فالغل المانع من الإيمان هو الذي في القلب، فكيف ذكر الغل الذي في العنق. قيل: لما كان عادة الغل أن يوضع في العنق ناسب ذكر محله والمراد به القلب. كقوله تعالى: ﴿وَكُلَّ إنسانٍ ألْزَمْناهُ طائِرَهُ في عُنُقِهِ﴾ ومن هذا قولهم: اثمي في عنقك. وهذا في عنقك. ومن هذا قوله: ﴿وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلى عُنُقِكَ﴾ شبه الإمساك عن الإنفاق باليد إذا غلت إلى العنق. ومن هذا قال الفراء: إنا جعلنا في أعناقهم أغلالا: حبسناهم عن الإنفاق. قال أبو إسحاق: إنما يقال للشيء اللازم: هذا في عنق فلان، أي لزومه كلزوم القلادة من بين ما يلبس في العنق. فقال أبو علي: هذا مثل قولهم: طوقتك كذا وقلدتك. ومنه: قلده السلطان كذا، أي صارت الولاية في لزومها له في موضع القلادة، ومكان الطوق. قلت: ومن هذا قولهم: قلدت فلانا حكم كذا وكذا. كأنك جعلته طوقا في عنقه. وقد سمى الله التكاليف الشاقة أغلالا في قوله: ﴿وَيَضَعُ عَنْهم إصْرَهم والأغْلالَ الَّتِي كانَتْ عَلَيْهِمْ﴾ فشبهها بالأغلال لشدتها وصعوبتها. قال الحسن: هي الشدائد التي كانت في العبادة. كقطع أثر البول والنجاسة، وقتل النفس في التوبة. وقطع الأعضاء الخاطئة. وتتبع العروق من اللحم. وقال ابن قتيبة: هي تحريم الله سبحانه عليهم كثيرا مما أطلقه لأمة محمد ﷺ وجعلها أغلالا لأن التحريم يمنع، كما يفيض الغل اليد. وقوله: ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ قالت طائفة: الضمير يعود إلى الأيدي، وإن لم تذكر لدلالة السياق عليها. قالوا: لأن الغل يكون في العنق فتجمع إليه اليد. ولذلك سمي جامعة. وعلى هذا فالمعنى: فأيديهم، أو فأيمانهم مضمومة إلى أذقانهم. وهذا قول الفراء والزجاج. وقالت طائفة: الضمير يرجع إلى الأغلال. وهذا هو الظاهر. وقوله: ﴿فَهِيَ إلى الأذْقانِ﴾ أي واصلة وملزوزة إليها، فهو غل عريض قد أحاط بالعنق حتى وصل إلى الذقن. وقوله: ﴿فَهم مُقْمَحُونَ﴾ قال الفراء والزجاج: المقمح: هو الغاض بصره بعد رفع رأسه. ومعنى الإقماح في اللغة رفع الرأس وغض البصر. يقال: أقمح البعير رأسه، وقمح. وقال الأصمعي: بعير قامح إذا رفع رأسه عن الحوض ولم يشرب. قال الأزهري: لما غلت أيديهم إلى أعناقهم رفعت الأغلال أذقانهم ورؤوسهم صعدا كالإبل الرافعة رؤوسها. انتهى. فإن قيل: فما وجه التشبيه بين هذا وبين حبس القلب عن الهدى والإيمان؟ قيل: أحسن وجه وأبينه. فإن الغل إذا كان في العنق واليد. مجموعة إليها منع اليد عن التصرف والبطش. فإذا كان عريضا قد ملأ العنق ووصل إلى الذقن منع الرأس من تصويبه. وجعل صاحبه شاخص الرأس منتصبه، لا تستطيع له حركة، ثم أكد هذا المعنى والحبس قوله: ﴿وَجَعَلْنا مِن بَيْنِ أيْدِيهِمْ سَدًّا ومِن خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأغْشَيْناهم فَهم لا يُبْصِرُونَ﴾.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب