الباحث القرآني
وَهَلْ قَدَرَهُ حَقَّ قَدْرِهِ مَن شارَكَ بَيْنَهُ وبَيْنَ عَدُوِّهِ في مَحْضِ حَقِّهِ مِنَ الإجْلالِ والتَّعْظِيمِ والطّاعَةِ والذُّلِّ والخُضُوعِ والخَوْفِ والرَّجاءِ؟ فَلَوْ جَعَلَ لَهُ مِن أقْرَبِ الخَلْقِ إلَيْهِ شَرِيكًا في ذَلِكَ لَكانَ ذَلِكَ جَراءَةً وتَوَثُّبًا عَلى مَحْضِ حَقِّهِ واسْتِهانَةً بِهِ وتَشْرِيكًا بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ، ولا يَنْبَغِي ولا يَصْلُحُ إلّا لَهُ سُبْحانَهُ، فَكَيْفَ وإنَّما شَرَكَ بَيْنَهُ وبَيْنَ غَيْرِهِ أبْغَضَ الخَلْقِ إلَيْهِ، وأهْوَنَهم عَلَيْهِ، وأمْقَتَهم عِنْدَهُ، وهو عَدُوُّهُ عَلى الحَقِيقَةِ؟ فَإنَّهُ ما عُبِدَ مِن دُونِ اللَّهِ إلّا الشَّيْطانُ، كَما قالَ تَعالى:
﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يابَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ (٦٠) وأنِ اعْبُدُونِي هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ (٦١)﴾.
وَلَمّا عَبَدَ المُشْرِكُونَ المَلائِكَةَ بِزَعْمِهِمْ وقَعَتْ عِبادَتُهم في نَفْسِ الأمْرِ لِلشَّياطِينِ، وهم يَظُنُّونَ أنَّهم يَعْبُدُونَ المَلائِكَةَ.
كَما قالَ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أهَؤُلاءِ إيّاكم كانُوا يَعْبُدُونَ - قالُوا سُبْحانَكَ أنْتَ ولِيُّنا مِن دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الجِنَّ أكْثَرُهم بِهِمْ مُؤْمِنُونَ﴾ [سبأ: ٤٠-٤١].
فالشَّيْطانُ يَدْعُو المُشْرِكَ إلى عِبادَتِهِ، ويُوهِمُهم أنَّهُ مَلَكٌ، وكَذَلِكَ عُبّادُ الشَّمْسِ والقَمَرِ والكَواكِبِ، وهي الَّتِي تُخاطِبُهُمْ، وتَقْضِي لَهُمُ الحَوائِجَ، ولِهَذا إذا طَلَعَتِ الشَّمْسُ قارَنَها الشَّيْطانُ، فَيَسْجُدُ لَها الكُفّارُ، فَيَقَعُ سُجُودُهم لَهُ، وكَذَلِكَ عِنْدَ غُرُوبِها، وكَذَلِكَ مَن عَبَدَ المَسِيحَ وأُمَّهُ لَمْ يَعْبُدْهُما وإنَّما عَبَدَ الشَّيْطانَ.
فَإنَّهُ يَزْعُمُ أنَّهُ يَعْبُدُ مَن أمَرَهُ بِعِبادَتِهِ وعِبادَةِ أُمِّهِ، ورَضِيَها لَهم وأمَرَهم بِها، وهَذا هو الشَّيْطانُ الرَّجِيمُ، لا عَبْدُ اللَّهِ ورَسُولُهُ، فَنَزَلَ هَذا كُلُّهُ عَلى قَوْلِهِ تَعالى: ﴿ألَمْ أعْهَدْ إلَيْكم يابَنِي آدَمَ أنْ لا تَعْبُدُوا الشَّيْطانَ إنَّهُ لَكم عَدُوٌّ مُبِينٌ - وأنِ اعْبُدُونِي هَذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ﴾.
فَما عَبَدَ أحَدٌ مِن بَنِي آدَمَ غَيْرَ اللَّهِ كائِنًا مَن كانَ إلّا وقَعَتْ عِبادَتُهُ لِلشَّيْطانِ، فَيَسْتَمْتِعُ العابِدُ بِالمَعْبُودِ في حُصُولِ غَرَضِهِ، ويَسْتَمْتِعُ المَعْبُودُ بِالعابِدِ في تَعْظِيمِهِ لَهُ، وإشْراكِهِ مَعَ اللَّهِ الَّذِي هو غايَةُ رِضا الشَّيْطانِ، ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهم جَمِيعًا يامَعْشَرَ الجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الإنْسِ﴾ أيْ: مِن إغْوائِهِمْ وإضْلالِهِمْ ﴿وَقالَ أوْلِياؤُهم مِنَ الإنْسِ رَبَّنا اسْتَمْتَعَ بَعْضُنا بِبَعْضٍ وبَلَغْنا أجَلَنا الَّذِي أجَّلْتَ لَنا قالَ النّارُ مَثْواكم خالِدِينَ فِيها إلّا ما شاءَ اللَّهُ إنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ﴾ [الأنعام: ١٢٨].
فَهَذِهِ إشارَةٌ لَطِيفَةٌ إلى السِّرِّ الَّذِي لِأجْلِهِ كانَ الشِّرْكُ أكْبَرَ الكَبائِرِ عِنْدَ اللَّهِ، وأنَّهُ لا يَغْفِرُهُ بِغَيْرِ التَّوْبَةِ مِنهُ، وأنَّهُ يُوجِبُ الخُلُودَ في العَذابِ، وأنَّهُ لَيْسَ تَحْرِيمُهُ وقُبْحُهُ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ عَنْهُ، بَلْ يَسْتَحِيلُ عَلى اللَّهِ سُبْحانَهُ أنْ يَشْرَعَ لِعِبادِهِ عِبادَةَ إلَهٍ غَيْرِهِ، كَما يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِ ما يُناقِضُ أوْصافَ كَمالِهِ، ونُعُوتَ جَلالِهِ، وكَيْفَ يُظَنُّ بِالمُنْفَرِدِ بِالرُّبُوبِيَّةِ والإلَهِيَّةِ والعَظْمَةِ والإجْلالِ أنْ يَأْذَنَ في مُشارَكَتِهِ في ذَلِكَ، أوْ يَرْضى بِهِ؟ تَعالى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا.
{"ayahs_start":60,"ayahs":["۞ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ","وَأَنِ ٱعۡبُدُونِیۚ هَـٰذَا صِرَ ٰطࣱ مُّسۡتَقِیمࣱ"],"ayah":"۞ أَلَمۡ أَعۡهَدۡ إِلَیۡكُمۡ یَـٰبَنِیۤ ءَادَمَ أَن لَّا تَعۡبُدُوا۟ ٱلشَّیۡطَـٰنَۖ إِنَّهُۥ لَكُمۡ عَدُوࣱّ مُّبِینࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق