الباحث القرآني
والأصح أن المثل المخلوق هنا هو السفن وقد أخبر أنها مخلوقة وهي إنما صارت سفنا بأعمال العباد.
وأبعد من قال إن المثل هاهنا هو سفن البر وهي الإبل لوجهين:
أحدهما: أنها لا تسمى مثلا للسفن لا لغة ولا حقيقة فإن المثلين ما سد أحدهما مسد الآخر: وحقيقة المماثلة أن يكون بين فلك وفلك لا بين جمل وفلك.
الثاني أن قوله: ﴿وَإنْ نَشَأْ نُغْرِقْهم فَلا صَرِيخَ لَهُمْ﴾ عقب ذلك دليل على أن المراد الفلك التي إذا ركبوها قدرنا على إغراقهم فذكرهم بنعمه عليهم من وجهين:
أحدهما: ركوبهم إياها.
والثاني: أن يسلمهم عند ركوبها من الغرق.
(مسألة)
وَهل تقال الذُّرِّيَّة على الآباء؟
فِيهِ قَولانِ أحدهما أنهم يسمون ذُرِّيَّة أيْضا احْتَجُّوا على ذَلِك بقوله تَعالى ﴿وَآيَةٌ لَهم أنّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهم في الفُلْكِ المَشْحُونِ﴾
وَأنكر ذَلِك جماعَة من أهل اللُّغَة وقالُوا لا يجوز هَذا في اللُّغَة والذرية كالنسل والعقب لا تكون إلّا للعمود الأسْفَل، ولِهَذا قالَ تَعالى ﴿وَمِن آبائِهِمْ وذُرِّيّاتِهِمْ وإخوانهم﴾ فَذكر جِهات النّسَب الثَّلاث من فَوق ومن أسْفَل ومن الأطْراف.
قالُوا: وأما الآيَة الَّتِي استشهدتم بها فَلا دَلِيل لكم فِيها لِأن الذُّرِّيَّة فِيها لم تضف إلَيْهِم إضافَة نسل وإيلاد وإنَّما أضيفت إلَيْهِم بِوَجْه ما والإضافَة تكون بِأدْنى مُلابسَة واختصاص وإذا كانَ الشّاعِر قد أضاف الكَوْكَب في قَوْله
؎(إذا كَوْكَب الخرقاء لاحَ بسحرة ∗∗∗ سُهَيْل أذاعت غزلها في القرائب)
فأضاف إليها الكَوْكَب لِأنَّها كانَت تغزل إذا لاحَ وظهر والِاسْم قد يُضاف بِوَجْهَيْنِ مُخْتَلفين إلى شَيْئَيْنِ وجهة إضافَته إلى أحدهما غير جِهَة إضافَته إلى الأُخَر قالَ أبُو طالب في النَّبِي ﷺ
؎(لقد علمُوا أن ابننا لا مكذب ∗∗∗ لدينا ولا يعزى لقَوْل الأباطل)
فأضاف نبوته إليه بِجِهَة غير جِهَة إضافَته إلى أبِيه عبد الله وهَكَذا لَفْظَة رَسُول الله فَإن الله سُبْحانَهُ يضيفه إلَيْهِ تارَة كَقَوْلِه ﴿قَدْ جاءَكم رَسُولنا﴾ [المائدة: ١٥]
وَتارَة إلى المُرْسل إلَيْهِم كَقَوْلِه ﴿أمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ﴾ [المؤمنون: ٦٩]
فأضافه سُبْحانَهُ إلَيْهِ إضافَة رَسُول إلى مرسله وأضافه إلَيْهِم إضافَة رَسُول إلى مُرْسل إلَيْهِم.
وَكَذا لفظ كِتابه فَإنَّهُ يُضاف إلَيْهِ تارَة فَيُقال كتاب الله ويضاف إلى العباد تارَة فَيُقال كتابنا القُرْآن وكِتابنا خير الكتب وهَذا كثير فَهَكَذا لفظ الذُّرِّيَّة أضيف إلَيْهِم بِجِهَة غير الجِهَة الَّتِي أضيف بها إلى آبائِهِم
وَقالَت طائِفَة بل المُراد جنس بني آدم ولم يقْصد الإضافَة إلى المَوْجُودين في زمن النَّبِي ﷺ وإنَّما أُرِيد ذُرِّيَّة الجِنْس
وَقالَت طائِفَة بل المُراد بالذرية نَفسها وهَذا أبلغ في قدرته وتعديد نعمه عَلَيْهِم أن حمل ذُرِّيتهمْ في الفلك في أصلاب آبائِهِم والمعْنى أنا حملنا الَّذين هم ذُرِّيَّة هَؤُلاءِ وهم نطف في أصلاب الآباء وقد أشبعنا الكَلام على ذَلِك في = كتاب الرّوح والنَّفس =
إذا ثَبت هَذا فالذرية الأوْلاد وأولادهم.
وَهل يدْخل فِيها أوْلاد البَنات؟
فِيهِ قَولانِ للْعُلَماء هما رِوايَتانِ عَن أحْمد إحْداهما يدْخلُونَ وهو مَذْهَب الشّافِعِي والثّانيِة لا يدْخلُونَ وهو مَذْهَب أبي حنيفَة
واحْتج من قالَ بدخولهم بِأن المُسلمين مجمعون على دُخُول أوْلاد فاطِمَة رَضِي الله عَنْها في ذُرِّيَّة النَّبِي ﷺ المَطْلُوب لَهُم من الله الصَّلاة لِأن أحدا من بَناته لم يعقب غَيرها فَمن انتسب إلَيْهِ ﷺ من أوْلاد ابْنَته فَإنَّما هو من جِهَة فاطِمَة خاصَّة، ولِهَذا قالَ النَّبِي ﷺ في الحسن ابْن ابْنَته إن ابْني هَذا سيد فَسَماهُ ابْنه ولما أنزل الله سُبْحانَهُ آيَة المباهلة ﴿فَمَن حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ العِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أبناءنا وأبناءكم﴾
دَعا النَّبِي ﷺ فاطِمَة وحسنًا وحسَيْنا وخرج للمباهلة قالُوا وأيْضًا فقد قالَ تَعالى في حق إبْراهِيم عَلَيْهِ السَّلام ﴿وَمن ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وسُلَيْمانَ وأيُّوبَ ويُوسُفَ ومُوسى وهارُونَ وكَذَلِكَ نَجْزِي المُحْسِنِينَ وزَكَرِيّا ويَحْيى وعِيسى وإلياس﴾ [الأنعام: ٨٤-٨٥]
وَمَعْلُوم أن عِيسى لم ينْسب إلى إبْراهِيم إلّا من جِهَة أمه مَرْيَم عَلَيْها السَّلام
وَأما من قالَ بِعَدَمِ دُخُولهمْ فحجته أن ولد البَنات إنَّما ينتسبون إلى آبائِهِم حَقِيقَة، ولِهَذا إذا ولد الهُذلِيّ أو التَّيْمِيّ أو العَدوي هاشمية لم يكن ولَدها هاشميًا، فَإن الوَلَد في النّسَب يتبع أباهُ وفي الحُرِّيَّة والرّق أمه وفي الدّين خيرهما دينا ولِهَذا قالَ الشّاعِر
؎(بنونا بَنو أبْنائِنا وبناتنا ∗∗∗ بنوهن أبناء الرِّجال الأباعد)
وَلَو وصّى أو وقف على قَبيلَة لم يدْخل فِيها أوْلاد بناتها من غَيرها
قالُوا وأما دُخُول أوْلاد فاطِمَة رَضِي الله عَنْها في ذُرِّيَّة النَّبِي ﷺ فلشرف هَذا الأصْل العَظِيم والوالِد الكَرِيم الَّذِي لا يدانيه أحد من العالمين سرى ونفذ إلى أوْلاد البَنات لقُوته وجلالته وعظم قدره، ونحن نرى من لا نِسْبَة لَهُ إلى هَذا الجناب العَظِيم من العظماء والملوك وغَيرهم تسري حُرْمَة إيلادهم وأبوتهم إلى أوْلاد بناتهم فتلحظهم العُيُون بلحظ أبنائهم ويكادون يضربون عَن ذكر آبائِهِم صفحًا فَما الظَّن بِهَذا الإيلاد العَظِيم قدره الجَلِيل خطره
قالُوا وأما تمسككم بِدُخُول المَسِيح في ذُرِّيَّة إبْراهِيم فَلا حجَّة لكم فِيهِ فَإن المَسِيح لم يكن لَهُ أب فنسبه من جِهَة الأب مُسْتَحِيل فَقامَتْ أمه مقام أبِيه.
وَلِهَذا ينْسبهُ الله سُبْحانَهُ إلى أمهِ كَما ينْسب غَيره من ذَوي الآباء إلى أبِيه، وهَكَذا كل من انْقَطع نسبه من جِهَة الأب إمّا بِلعان أو غَيره فأمه في النّسَب تقوم مقام أبِيه وأمه، ولِهَذا تكون في هَذِه الحال عصبته في أصح الأقْوال، وهو إحْدى الرِّوايات عَن الإمام أحْمد وهو مُقْتَضى النُّصُوص.
وَقَول ابْن مَسْعُود رَضِي الله عَنهُ وغَيره والقِياس يشْهد لَهُ بِالصِّحَّةِ لِأن النّسَب في الأصْل للْأب فَإذا انْقَطع من جِهَته عاد إلى الأُم فَلَو قدر عوده من جِهَة الأب رَجَعَ من الأُم إلَيْهِ.
وَهَكَذا كَما اتّفق النّاس عَلَيْهِ في الوَلاء أنه لموالِي الأب، فَإذا تعذر رُجُوعه إلَيْهِم صار لموالِي الأُم فَإذا أمكن عوده إلَيْهِم رَجَعَ من موالِي الأُم إلى معدنه وقراره.
وَمَعْلُوم أن الوَلاء فرع على النّسَب يحتذى فِيهِ حذوه، فَإذا كانَ عصبات الأُم من الوَلاء عصبات لهَذا المولى الَّذِي انْقَطع تعصيبه من جِهَة موالِي أبِيه فَلِأن تكون عصبات الأُم من النّسَب عصبات لهَذا الوَلَد الَّذِي انْقَطع تعصيبه من جِهَة أبِيه بطرِيق الأولى، وإلّا فَكيف يثبت هَذا الحكم في الوَلاء، ولا يثبت في النّسَب الَّذِي غايَته أن يكون مشبهًا بِهِ مفرعا عَلَيْهِ.
وَهَذا مِمّا يدل على أن القياس الصَّحِيح لا يُفارق النَّص أصلا، ويدلك على عمق علم الصَّحابَة رَضِي الله عَنْهُم، وبلوغهم في العلم إلى غايَة يقصر عَن نيلها السباق، وذَلِكَ فضل الله يؤتيه من يَشاء والله ذُو الفضل العَظِيم.
{"ayahs_start":41,"ayahs":["وَءَایَةࣱ لَّهُمۡ أَنَّا حَمَلۡنَا ذُرِّیَّتَهُمۡ فِی ٱلۡفُلۡكِ ٱلۡمَشۡحُونِ","وَخَلَقۡنَا لَهُم مِّن مِّثۡلِهِۦ مَا یَرۡكَبُونَ"],"ayah":"وَخَلَقۡنَا لَهُم مِّن مِّثۡلِهِۦ مَا یَرۡكَبُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











