الباحث القرآني

* (فصل) تَأمل العبْرَة في السّمك وكَيْفِيَّة خلقته وأنه خلق غير ذِي قَوائِم، لأنه لا يحْتاج إلى المَشْي إذْ كانَ مَسْكَنه الماء ولم يخلق لَهُ رئة لأن مَنفَعَة الرئة التنفس والسمك لم يحْتَج إليه لأنه ينغمس في الماء وخلقت لَهُ عوض القوائم اجنحة شدادي يقذف بها من جانبيه كَما يقذف صاحب المركب بالمقاذيف من جانِبي السَّفِينَة وكسى لجده قسورا متداخلة كتداخل الجوشن ليقيه من الآفات وأعين بِقُوَّة الشم لأن بَصَره ضَعِيف والماء يَحْجُبهُ فَصارَ يشم الطَّعام من بعد فيقصده وقد ذكر في بعض كتب الحَيَوان أن من فِيهِ إلى صماخه منافذ فَهو يصب الماء فِيها بِفِيهِ ويرسله من صماخيه فيتروح بذلك كَما يَأْخُذ الحَيَوان النسيم البارِد بِأنْفِهِ ثمَّ يُرْسِلهُ ليتروح بِهِ فَإن الماء للحيوان البحري كالهواء للحيوان البري فهما بحران أحدهما الطف من الآخر بَحر هَواء يسبح فِيهِ حَيَوان البر وبحر ماء يسبح فِيهِ حَيَوان البَحْر فَلَو فارق كل من الصِّنْفَيْنِ بحره إلى البَحْر الآخر ماتَ فَكَما يختنق الحَيَوان البري في الماء يختق الحَيَوان البحري في الهَواء فسبحان من لايحصى العادون آياته ولا يحيطون بتفصيل آيَة مِنها على الِانْفِراد بل أن علمُوا فِيها وجها جهلوا مِنها اوجها فَتَأمل الحِكْمَة البالِغَة في كَون السّمك أكثر الحَيَوان نَسْلًا ولِهَذا ترى في وف السَّمَكَة الواحِد من البيض ما لا يُحْصى كَثْرَة وحِكْمَة ذَلِك أن يَتَّسِع لما يغتذى بِهِ من أصناف الحَيَوان فَإن أكثرها يَأْكُل السّمك حَتّى السباع لأنها في حافات الآجام جاثمة تعكف على الماء الصافي فَإذا تعذر عَلَيْها صيد البر رصدت السّمك فاختطفته، فَلَمّا كانَت السباع تَأْكُل السّمك، والطير تَأْكُله، والنّاس تَأْكُله، والسماك الكِبار تَأْكُله، ودواب البر تَأْكُله، وقد جعله الله سُبْحانَهُ غذاء لهَذِهِ الأصناف اقْتَضَت حكمته أن يكون بِهَذِهِ الكَثْرَة ولَو رأى العَبْد ما في البَحْر من ضروب الحَيَوانات والجواهر والأصناف الَّتِي لا يحصيها إلا الله، ولا يعرف النّاس مِنها إلّا الشَّيْء القَلِيل الَّذِي لا نسبة لَهُ أصلا إلى ما غابَ عَنْهُم لرأى العجب، ولعلم سَعَة ملك الله وكَثْرَة جُنُوده الَّتِي لا يعلمها إلّا هو.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب