الباحث القرآني

ولما كان للإنسان الذي يطلب معرفة الحق والصواب حالتان: أحدهما: أن يكون ناظرا مع نفسه. والثانية: أن يكون مناظرا لغيره. أمرهم بخصلة واحدة وهي أن يقوموا لله اثنين اثنين فيتناظران ويتساءلان بينهما، وواحدا واحدا يقوم كل واحد مع نفسه فيتفكر في أمر هذا الداعي وما يدعو إليه، ويستدعي أدلة الصدق والكذب، ويعرض ما جاء به عليها ليتبين له حقيقة الحال. فهذا هو الحجاج الجليل، والإنصاف البين، والنصح التام. * (فصل) والناظر له حالتان: أحدهما يحمد فيها، والثانية يذم فيها. والمناظر له حالتان أيضا قال تعالى ﴿قُلْ إنَّما أعِظُكم بِواحِدَةٍ أنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وفُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكم مِن جِنَّةٍ﴾ فأشار بقيامهم إثنين إثنين إلى المناظرة وفرادى إلى النظر والتفكر. وكل منهما ينقسم إلى محمود ومذموم فالنظر المحمود النظر في الطريق الصحيح ليتوصل به إلى معرفة الحق والنظر المذموم نوعان: أحدهما: النظر في الطريق الباطل وإن قصد به التوصل إلى الحق فإن الطريق الباطل لا يفضي إلى الحق. والثاني: النظر والفكر الذي يقصد به رد قول خصمه مطلقا حقا كان أو باطلا فهو ينظر نظرا يرد به قول من يبغضه ويعاديه بأي وجه كان. فأما المناظرة فتقسم إلى محمودة ومذمومة والمحمودة نوعان، والمذمومة نوعان. وبيان ذلك أن المناظر إما أن يكون عالما بالحق وإما أن يكون طالبا له. وإما أن لا يكون عالما به ولا طالبا له. وهذا الثالث هو المذموم. وأما الأولان فمن كان عالما بالحق فمناظرته التي تحمد أن يبين لغيره الحجة التي تهديه إن كان مسترشدا طالبا للحق أو تقطعه أو تكسره إن كان معاندا غير طالب للحق ولا متبع له أو توقفه وتبعثه على النظر في أدلة الحق إن كان يظن أنه على الحق وقصده الحق. قال تعالى ﴿ادْعُ إلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالحِكْمَةِ والمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وجادِلْهم بِالَّتِي هي أحْسَنُ﴾ فذكر سبحانه مراتب الدعوة وجعلها ثلاثة أقسام بحسب حال المدعو. فإنه إما أن يكون طالبا للحق راغبا فيه محبا له مؤثرا له على غيره إذا عرفه، فهذا يدعى بالحكمة ولا يحتاج إلى موعظة ولا جدال. وإما أن يكون معرضا مشتغلا بضد الحق ولكن لو عرفه عرفه وآثره واتبعه، فهذا يحتاج مع الحكمة إلى الموعظة بالترغيب والترهيب. وإما أن يكون معاندا معارضا فهذا يجادل بالتي هي أحسن فإن رجع إلى الحق، وإلا انتقل معه من الجدال إلى الجلاد إن أمكن. فلمناظرة المبطل فائدتان أحدهما: أن يرد عن باطله ويرجع إلى الحق. الثانية: أن ينكف شره وعداوته ويتبين للناس أن الذي معه باطل وهذه الوجوه كلها لا يمكن أن تنال بأحسن من حجج القرآن ومناظرته للطوائف فإنه كفيل بذلك على أتم الوجوه لمن تأمله وتدبره ورزق فهما فيه وحججه مع أنها في أعلى مراتب الحجج وهي طريقة أخرى غير طريقة المتكلمين وأرباب الجدل والمعقولات فهي أقرب شيء تناولا وأوضح دلالة وأقوى برهانا وأبعد من كل شبهة وتشكيك.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب