الباحث القرآني

إذا ثبت لله ورسوله في كل مسألة من المسائل حكم طلبي أو خبري، فإنه ليس لأحد أن يتخير لنفسه غير ذلك الحكم فيذهب إليه، وأن ذلك ليس لمؤمن ولا مؤمنة أصلًا، فدل على أن ذلك مناف للإيمان. * (فصل) والمَقْصُودُ أنَّ بِحَسَبِ مُتابَعَةِ الرَّسُولِ تَكُونُ العِزَّةُ والكِفايَةُ والنُّصْرَةُ، كَما أنَّ بِحَسَبِ مُتابَعَتِهِ تَكُونُ الهِدايَةُ والفَلاحُ والنَّجاةُ، فاللَّهُ سُبْحانَهُ عَلَّقَ سَعادَةَ الدّارَيْنِ بِمُتابَعَتِهِ، وجَعَلَ شَقاوَةَ الدّارَيْنِ في مُخالَفَتِهِ، فَلِأتْباعِهِ الهُدى والأمْنُ والفَلاحُ والعِزَّةُ والكِفايَةُ والنُّصْرَةُ والوِلايَةُ والتَّأْيِيدُ وطِيبُ العَيْشِ في الدُّنْيا والآخِرَةِ، ولِمُخالِفِيهِ الذِّلَّةُ والصَّغارُ والخَوْفُ والضَّلالُ والخِذْلانُ والشَّقاءُ في الدُّنْيا والآخِرَةِ. وَقَدْ أقْسَمَ ﷺ بِأنْ «لا يُؤْمِنُ أحَدُكم حَتّى يَكُونَ هو أحَبَّ إلَيْهِ مِن ولَدِهِ ووالِدِهِ والنّاسِ أجْمَعِينَ» وأقْسَمَ اللَّهُ سُبْحانَهُ بِأنْ لا يُؤْمِنَ مَن لا يُحَكِّمَهُ في كُلِّ ما تَنازَعَ فِيهِ هو وغَيْرُهُ، ثُمَّ يَرْضى بِحُكْمِهِ، ولا يَجِدَ في نَفْسِهِ حَرَجًا مِمّا حَكَمَ بِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ لَهُ تَسْلِيمًا ويَنْقادَ لَهُ انْقِيادًا. وقالَ تَعالى: ﴿وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذا قَضى اللَّهُ ورَسُولُهُ أمْرًا أنْ يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِن أمْرِهِمْ﴾ [الأحزاب: ٣٦] فَقَطَعَ سُبْحانَهُ وتَعالى التَّخْيِيرَ بَعْدَ أمْرِهِ وأمْرِ رَسُولِهِ، فَلَيْسَ لِمُؤْمِنٍ أنْ يَخْتارَ شَيْئًا بَعْدَ أمْرِهِ ﷺ، بَلْ إذا أمَرَ فَأمْرُهُ حَتْمٌ، وإنَّما الخِيَرَةُ في قَوْلِ غَيْرِهِ إذا خَفِيَ أمْرُهُ وكانَ ذَلِكَ الغَيْرُ مِن أهْلِ العِلْمِ بِهِ وبِسُنَّتِهِ، فَبِهَذِهِ الشُّرُوطِ يَكُونُ قَوْلُ غَيْرِهِ سائِغَ الِاتِّباعِ، لا واجِبَ الِاتِّباعِ، فَلا يَجِبُ عَلى أحَدٍ اتِّباعُ قَوْلِ أحَدٍ سِواهُ، بَلْ غايَتُهُ أنَّهُ يَسُوغُ لَهُ اتِّباعُهُ، ولَوْ تَرَكَ الأخْذَ بِقَوْلِ غَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ عاصِيًا لِلَّهِ ورَسُولِهِ. فَأيْنَ هَذا مِمَّنْ يَجِبُ عَلى جَمِيعِ المُكَلَّفِينَ اتِّباعُهُ، ويَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مُخالَفَتُهُ، ويَجِبُ عَلَيْهِمْ تَرْكُ كُلِّ قَوْلٍ لِقَوْلِهِ؟ فَلا حُكْمَ لِأحَدٍ مَعَهُ، ولا قَوْلَ لِأحَدٍ مَعَهُ، كَما لا تَشْرِيعَ لِأحَدٍ مَعَهُ، وكُلُّ مَن سِواهُ، فَإنَّما يَجِبُ اتِّباعُهُ عَلى قَوْلِهِ إذا أمَرَ بِما أمَرَ بِهِ، ونَهى عَمّا نَهى عَنْهُ، فَكانَ مُبَلِّغًا مَحْضًا ومُخْبِرًا لا مُنْشِئًا ومُؤَسِّسًا، فَمَن أنْشَأ أقْوالًا وأسَّسَ قَواعِدَ بِحَسَبِ فَهْمِهِ وتَأْوِيلِهِ لَمْ يَجِبْ عَلى الأُمَّةِ اتِّباعُها، ولا التَّحاكُمُ إلَيْها حَتّى تُعْرَضَ عَلى ما جاءَ بِهِ الرَّسُولُ، فَإنْ طابَقَتْهُ ووافَقَتْهُ وشُهِدَ لَها بِالصِّحَّةِ قُبِلَتْ حِينَئِذٍ، وإنْ خالَفَتْهُ وجَبَ رَدُّها واطِّراحُها، فَإنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ فِيها أحَدُ الأمْرَيْنِ جُعِلَتْ مَوْقُوفَةً، وكانَ أحْسَنُ أحْوالِها أنْ يَجُوزَ الحُكْمُ والإفْتاءُ بِها وتَرْكُهُ، وأمّا أنَّهُ يَجِبُ ويَتَعَيَّنُ فَكَلّا ولَمّا.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب