الباحث القرآني

أمرهن أن لا يَلنَّ في كلامهن، كما تلين المرأة المعطية الليان في منطقها، فيطمع الذي في قلبه مرض الشهوة، ومع ذلك فلا يخشنّ في القول بحيث يلتحق بالفحش، بل يقلن قولا معروفا. * (فائدة) قوله تعالى ﴿يا نِساءَ النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأحَدٍ مِنَ النِّساءِ إنِ اتَّقَيْتُنَّ فَلا تَخْضَعْنَ بِالقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي في قَلْبِهِ مَرَضٌ وقُلْنَ قَوْلًا مَعْرُوفًا﴾ فلما أمرهن بالتقوى التي من شأنها التواضع ولين الكلام نهاهن عن الخضوع بالقول، لئلا يطمع فيهن ذو المرض، ثم أمرهن بعد ذلك بالقول المعروف رفعا لتوهم الإذن في الكلام المنكر لما نهين عن الخضوع بالقول. * (فَصْلٌ) خَلَقَ اللَّهُ - سُبْحانَهُ - ابْنَ آدَمَ وأعْضاءَهُ، وجَعَلَ لِكُلِّ عُضْوٍ مِنها كَمالًا، إذا فَقَدَهُ أحَسَّ بِالألَمِ، وجَعَلَ لِمَلِكِها وهو القَلْبُ كَمالًا، إذا فَقَدَهُ حَضَرَتْهُ أسْقامُهُ وآلامُهُ مِنَ الهُمُومِ والغُمُومِ والأحْزانِ. فَإذا فَقَدَتِ العَيْنُ ما خُلِقَتْ لَهُ مِن قُوَّةِ الإبْصارِ، وفَقَدَتِ الأُذُنُ ما خُلِقَتْ لَهُ مِن قُوَّةِ السَّمْعِ، واللَّسانُ ما خُلِقَ لَهُ مِن قُوَّةِ الكَلامِ، فَقَدَتْ كَمالَها. والقَلْبُ: خُلِقَ لِمَعْرِفَةِ فاطِرِهِ ومَحَبَّتِهِ وتَوْحِيدِهِ والسُّرُورِ بِهِ، والِابْتِهاجِ بِحُبِّهِ، والرِّضى عَنْهُ، والتَّوَكُّلِ عَلَيْهِ، والحُبِّ فِيهِ، والبُغْضِ فِيهِ، والمُوالاةِ فِيهِ، والمُعاداةِ فِيهِ، ودَوامِ ذِكْرِهِ، وأنْ يَكُونَ أحَبَّ إلَيْهِ مِن كُلِّ ما سِواهُ، وأرْجى عِنْدَهُ مِن كُلِّ ما سِواهُ، وأجَلَّ في قَلْبِهِ مِن كُلِّ ما سِواهُ، ولا نَعِيمَ لَهُ ولا سُرُورَ ولا لَذَّةَ بَلْ ولا حَياةَ إلّا بِذَلِكَ، وهَذا لَهُ بِمَنزِلَةِ الغِذاءِ، والصِّحَّةِ، والحَياةِ، فَإذا فَقَدَ غِذاءَهُ، وصِحَّتَهُ، وحَياتَهُ؛ فالهُمُومُ والغُمُومُ والأحْزانُ مُسارِعَةٌ مِن كُلِّ صَوْبٍ إلَيْهِ، ورَهْنٌ مُقِيمٌ عَلَيْهِ. وَمِن أعْظَمِ أدْوائِهِ: الشِّرْكُ والذُّنُوبُ والغَفْلَةُ والِاسْتِهانَةُ بِمَحابِّهِ ومَراضِيهِ، وتَرْكُ التَّفْوِيضِ إلَيْهِ، وقِلَّةُ الِاعْتِمادِ عَلَيْهِ، والرَّكُونُ إلى ما سِواهُ، والسُّخْطُ بِمَقْدُورِهِ، والشَّكُّ في وعْدِهِ ووَعِيدِهِ. وَإذا تَأمَّلْتَ أمْراضَ القَلْبِ وجَدْتَ هَذِهِ الأُمُورَ وأمْثالَها هي أسْبابُها لا سَبَبَ لَها سِواها، فَدَواؤُهُ الَّذِي لا دَواءَ لَهُ سِواهُ ما تَضَمَّنَتْهُ هَذِهِ العِلاجاتُ النَّبَوِيَّةُ مِنَ الأُمُورِ المُضادَّةِ لِهَذِهِ الأدْواءِ، فَإنَّ المَرَضَ يُزالُ بِالضِّدِّ، والصِّحَّةُ تُحْفَظُ بِالمِثْلِ، فَصِحَّتُهُ تُحْفَظُ بِهَذِهِ الأُمُورِ النَّبَوِيَّةِ، وأمْراضُهُ بِأضْدادِها. فالتَّوْحِيدُ: يَفْتَحُ لِلْعَبْدِ بابَ الخَيْرِ والسُّرُورِ واللَّذَّةِ والفَرَحِ والِابْتِهاجِ، والتَّوْبَةُ اسْتِفْراغٌ لِلْأخْلاطِ والمَوادِّ الفاسِدَةِ الَّتِي هي سَبَبُ أسْقامِهِ، وحِمْيَةٌ لَهُ مِنَ التَّخْلِيطِ، فَهي تُغْلِقُ عَنْهُ بابَ الشُّرُورِ، فَيُفْتَحُ لَهُ بابُ السَّعادَةِ والخَيْرِ بِالتَّوْحِيدِ، ويُغْلَقُ بابُ الشُّرُورِ بِالتَّوْبَةِ والِاسْتِغْفارِ. قالَ بَعْضُ المُتَقَدِّمِينَ مِن أئِمَّةِ الطِّبِّ: مَن أرادَ عافِيَةَ الجِسْمِ فَلْيُقَلِّلْ مِنَ الطَّعامِ والشَّرابِ ومَن أرادَ عافِيَةَ القَلْبِ فَلْيَتْرُكِ الآثامَ. وَقالَ ثابِتُ بْنُ قُرَّةَ: راحَةُ الجِسْمِ في قِلَّةِ الطَّعامِ وراحَةُ الرُّوحِ في قِلَّةِ الآثامِ، وراحَةُ اللِّسانِ في قِلَّةِ الكَلامِ. والذُّنُوبُ لِلْقَلْبِ بِمَنزِلَةِ السُّمُومِ، إنْ لَمْ تُهْلِكْهُ أضْعَفَتْهُ، ولا بُدَّ وإذا ضَعُفَتْ قُوَّتُهُ، لَمْ يَقْدِرْ عَلى مُقاوَمَةِ الأمْراضِ. قالَ طَبِيبُ القُلُوبِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ المُبارَكِ: ؎رَأيْتُ الذُّنُوبَ تُمِيتُ القُلُوبَ ∗∗∗ وقَدْ يُورِثُ الذُّلَّ إدْمانُها ؎وَتَرْكُ الذُّنُوبِ حَياةُ القُلُوبِ ∗∗∗ وخَيْرٌ لِنَفْسِكَ عِصْيانُها * (فائدة) الخلاف في كون عائشة أفضل من فاطمة، أو فاطمة أفضل. إذا حرر محل التفضيل صار وفاقا فالتفضيل بدون التفصيل لا يستقيم، فإن أريد بالفضل كثرة الثواب عند الله عز وجل فذلك أمر لا يطلع عليه إلا بالنص، لأنه بحسب تفاضل أعمال القلوب لا بمجرد أعمال الجوارح، وكم من عاملَين أحدهما أكثر عملا بجوارحه، والآخر أرفع درجة منه في الجنة. وإن أريد بالتفضيل التفضل بالعلم فلا ريب أن عائشة أعلم وأنفع للأمة، وأدت إلى الأمة من العلم ما لم يؤد غيرها، واحتاج إليها خاص الأمة وعامتها. وإن أريد بالتفضيل شرف الأصل وجلالة النسب فلا ريب أن فاطمة أفضل فإنها بضعة من النبي ﷺ. وذلك اختصاص لم يشركها فيه غير إخواتها، وإن أريد السيادة ففاطمة سيدة نساء الأمة. وإذا ثبتت وجوه التفضيل وموارد الفضل وأسبابه صار الكلام بعلم وعدل. وأكثر الناس إذا تكلم في التفضيل لم يفصل جهات الفضل، ولم يوازن بينهما فيبخس الحق، وإن انضاف إلى ذلك نوع تعصيب وهوي لمن يفضله تكلم بالجهل والظلم. * (لطيفة) سئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن خديجة وعائشة أمي المؤمنين - رضي الله عنهما - أيهما أفضل؟ فأجاب بأن سبق خديجة وتأثيرها في أول الإسلام ونصرها وقيامها في الدين لم تشركها فيه عائشة ولا غيرها من أمهات المؤمنين. وتأثير عائشة في آخر الإسلام وحمل الدين وتبليغه إلى الأمة وإدراكها من العلم ما لم تشركها فيه خديجة ولا غيرها مما تميزت به غيرها. فتأمل هذا الجواب الذي لو جئت بغيره من التفضيل مطلقا لم تخلص من المعارضة.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب