الباحث القرآني

قال الله تعالى في حق المحبين: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهم خَوْفًا وطَعَمًا﴾ فلما تجافت جنوبهم عن المضاجع جافت الجنوب عنها واستخدمتها وأمرتها فأطاعتها. وقال القائل: ؎نهاري نهار الناس حتى إذا ∗∗∗ بدا لي الليل هزتني إليك المضاجع ويحكى أن بعض الصالحين اجتاز بمسجد، فرأى الشيطان واقفًا ببابه لا يستطيع دخوله فنظر فإذا فيه رجل نائم وآخر قائم يصلي. فقال له: أيمنعك هذا المصلي من دخوله؟ فقال: كلا، إنما يمنعني ذلك الأسد الرابض، ولولا مكانه لدخلت. وبالجملة فقلب المحب دائمًا في سفر لا ينقضي نحو محبوبه، كلما قطع مرحلة له ومنزلة تبدّت له أُخرى كما قيل: "إذا قطعت علمًا بدا علم" فهو مسافر بين أهله، وظاعن وهو في داره، وغريب وهو بين إخوانه وعشيرته، ويرى كل أحد عنده ولا يرى نفسه عند أحد. فقوة تعلق المحب بمحبوبه توجب له أن لا يستقر قلبه دون الوصول إليه، وكلما هدأت حركاته وقلت شواغله اجتمعت عليه شئون قلبه، بل قوي سيره إلى محبوبه. * (موعظة) إنَّما يقطع السّفر ويصل المُسافِر بِلُزُوم الجادّة وسير اللَّيْل، فَإذا حاد المُسافِر عَن الطَّرِيق ونام اللَّيْل كُله فَمَتى يصل إلى مقْصده. * (فصل: في أن الجنة فوق ما يخطر بالبال أو يدور في الخيال) وأن موضع سوط منها خير من الدنيا وما فيها قال تعالى: ﴿تَتَجافى جُنُوبُهم عَنِ المَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهم خَوْفًا وطَمَعًا ومِمّا رَزَقْناهم يُنْفِقُون فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وتأمل كيف قابل ما أخفوه من قيام الليل بالجزاء الذي أخفاه لهم مما لا تعلمه نفس؟ وكيف قابل قلقهم وخوفهم واضطرابهم على مضاجعهم حين يقوموا إلى صلاة الليل بقرة الأعين في الجنة. وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ قال الله عز وجل "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر" مصداق ذلك في كتاب الله: ﴿فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهم مِن قُرَّةِ أعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ﴾ وفي لفظ آخر فيهما يقول الله عز وجل "أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ذخرا بله ما أطلعتكم عليه ثم قرأ ﴿فلا تعلم نفس﴾ " وفي صحيح مسلم من حديث سعد بن سهل الساعدي قال: "شهدت مع النبي ﷺ مجلسا وصف فيه الجنة حتى انتهى. ثم قال آخر حديثه فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر ثم قرأ هذه الآية تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ومما رزقناهم ينفقون فلا تعلم نفس ما اخفي لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعملون وفي الصحيحين من حديث أبي هريرة قال قال رسول الله ﷺ "لقاب قوس أحدكم في الجنة خير مما طلعت عليه الشمس أو تغرب". وقد تقدم حديث أبي أمامة عن النبي ﷺ إلا مشمر في للجنة فإن الجنة لا خطر لها هي ورب الكعبة نور يتلألأ وريحانة تهتز وقصر مشيد ونهر مطرد وثمرة نضيجة وزوجة حسناء جميلة وحلل كثيرة ومقام في ابد في دار سليمة وفاكهة وخضرة وحبرة ونعمة ومحلة عالية بهية ولو لم يكن من خطر الجنة وشرفها إلا أنه لا يسأل بوجه الله غيره شرفا وفضلا وكما في سنن أبي داود من محمد بن سليمان بن معاذ بن المنذر عن جابر رضي الله عنه قال قال رسول الله ﷺ: "لا يسأل بوجه الله إلا الجنة" وفي معجم الطبراني من حديث بقية عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس رضي الله عنهما قال قال رسول الله: "لما خلق الله جنة عدن خلق فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ثم قال لها تكلمي فقالت: قد أفلح المؤمنون" وفي صحيح البخاري من حديث سهل ابن سعد قال سمعت رسول الله يقول موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها وقال الإمام احمد حدثنا عبد الرزاق حدثنا معمر حدثنا همام عن أبي هريرة رضي الله قال قال رسول الله ﷺ "لقيد سوط أحدكم من الجنة خير مما بين السماء والأرض" وهذا الإسناد على شرط الصحيحين وقال الترمذي حدثنا سويد بن نصر حدثنا ابن المبارك أنبأنا ابن لهيعة عن يزيد ابن أبي حبيب عن داود بن عامر بن سعد بن أبي وقاص عن أبيه عن جده عن النبي ﷺ قال "لو أن أقل ظفر مما في الجنة بدا لتزخرفت له ما بين خوافق السماوات والأرض. ولو أن رجلا من أهل الجنة اطلع فبدا أساوره لطمس ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء الكواكب" قال الترمذي هذا حديث حسن غريب لا نعرفه بهذا الإسناد إلا من حديث ابن لهيعة. وقد روى يحيى بن أيوب هذا الحديث عن يزيد بن أبي حبيب. وقال عن عمر بن سعد ابن أبي وقاص عن النبي ﷺ قلت وقد رواه ابن وهب أنبأنا عمرو يعني ابن الحارث أن سليمان بن حميد حدثه أن عامر بن سعد بن أبي وقاص قال سليمان: لا أعلم إلا أنه حدثني عن أبيه عن رسول الله عن رسول الله أنه قال "لو أن ظفر من الجنة برز للدنيا لتزخرفت له ما بين السماء والأرض" وفي الباب عن أنس بن مالك وأبي سعيد الخدري وعبد الله ابن عمرو بن العاص وكيف يقدر قدر دار غرسها الله بيده وجعلها مقرا لأحبابه وملأها من رحمته وكراماته ورضوانه، ووصف نعيمها بالفوز العظيم وملكها بالملك الكبير، وأودعها جميع الخير بحذافيره وطهرها من كل عيب وآفة ونقص. فإن سألت عن أرضها وتربتها فهي المسك والزعفران، وإن سألت عن سقفها فهو عرش الرحمن، وإن سألت عن بلاطها فهو المسك الأذفر، وإن سألت عن حصبائها فهو اللؤلؤ والجوهر، وإن سألت عن بنائها فلبنة من فضة ولبنة من ذهب، وإن سألت عن أشجارها فما فيها شجرة إلا وساقها من ذهب وفضة لا من الحطب والخشب، وإن سألت عن ثمرها فأمثال القلال ألين من الزبد وأحلى من العسل، وإن سألت عن ورقها فأحسن ما يكون من رقائق الحلل، وإن سألت عن أنهارها فأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى، وإن سألت عن طعامهم ففاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون، وإن سألت عن شرابهم فالتسنيم والزنجبيل والكافور، وإن سألت عن آنيتهم فانية الذهب والفضة في صفاء القوارير، وإن سألت عن سعة أبوابها فبين المصراعين مسيرة أربعين من الأعوام وليأتين عليه يوم وهو كظيظ من الزحام، وإن سألت عن تصفيق الرياح لأشجارها فإنها تستفز بالطرب لمن يسمعها، وإن سألت عن ظلها ففيها شجرة واحدة يسير الراكب المجد السريع في ظلها مائة عام لا يقطعها، وإن سألت عن سعتها فأدنى أهلها يسير في ملكه وسرره وقصوره وبساتينه مسيرة الفي عام، وإن سألت عن خيامها وقبابها، فالخيمة الواحدة من درة مجوفة طولها ستون ميلا من تلك الخيام، وإن سألت عن علاليها وجواسقها فهي غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار، وإن سألت عن ارتفاعها فانظر إلى الكوكب الطالع أو الغارب في الأفق الذي لا تكاد تناله الأبصار، وإن سألت عن لباس أهلها فهو الحرير والذهب، وإن سألت عن فرشها فبطائنها من استبرق مفروشة في أعلى الرتب، وإن سألت عن أرائكها فهي الأسرة عليها البشخانات وهي الحجال مزررة بأزرار الذهب فما لها من فروج ولا خلال، وإن سألت عن وجوه أهلها وحسنهم فعلى صورة القمر، وإن سألت عن أسنانهم فأبناء ثلاث وثلاثين على صورة آدم عليه السلام أبي البشر وسألت عن سماعهم فغناء أزواجهم من الحور العين وأعلى منه سماع أصوات الملائكة والنبيين وأعلى منهما خطاب رب العالمين، وإن سألت عن مطاياهم التي يتزاورون عليها فنجائب إن شاء الله مما شاء يسير بهم حيث شاؤوا من الجنان، وإن سألت عن حليهم وشارتهم فأساور الذهب واللؤلؤ على الرؤوس ملابس التيجان، وإن سألت عن غلمانهم فولدان مخلدون كأنهم لؤلؤ مكنون، وإن سألت عن عرائسهم وأزواجهم فهن الكواعب الأتراب اللاتي جرى في أعضائهن ماء الشباب فللورد والتفاح ما لبسته الخدود وللرمان ما تضمنته النهود واللؤلؤ المنظوم ما حوته الثغور وللرقة واللطافة ما دارت عليه الخصور تجري الشمس من محاسن وجهها إذا برزت ويضيء البرق من بين ثناياها إذا ابتسمت إذا قابلت حبها فقل ما تشاء في تقابل النيرين وإذا حادثته فما ظنك بمحادثة الحبين، وإن ضمها إليه فما ظنك بتعانق الغصنين يرى وجهه في صحن خدها كما يرى في المرآة التي جلاها صيقلها ويرى مخ ساقها من وراء اللحم ولا يستره جلدها ولا عظمها ولا حللها لو اطلعت على الدنيا لملأت ما بين الأرض والسماء ريحا ولاستنطقت أفواه الخلائق تهليلا وتكبيرا وتسبيحا ولتزخرف لها ما بين الخافقين ولا غمضت عن غيرها كل عين ولطمست ضوء الشمس كما تطمس الشمس ضوء النجوم ولامن من على ظهرها بالله الحي القيوم ونصيفها على رأسها خير من الدينا وما فيها ووصالها أشهى إليه من جميع أمانيها لا تزداد على طول الأحقاب إلا حسنا وجمالا ولا يزداد لها طول المدى إلا محبة ووصالا، مبرأة من الحبل والولادة والحيض والنفاس مطهرة من المخاط والبصاق والبول والغائط وسائر الأدناس لا يفنى شبابها ولا تبلى ثيابها ولا يخلق ثوب جمالها ولا يمل طيب وصالها قد قصرت طرفها على زوجها فلا تطمح لأحد سواه وقصر طرفه عليها فهي غاية أمنيته وهواه إن نظر إليها سرته وإن أمرها بطاعته أطاعته وإن غاب عنها حفظته فهو معها في غاية الأماني والأمان هذا ولم يطمثها قبله أنس ولا جان كلما نظر إليها ملأت قلبه سرورا وكلما حدثته ملأت أذنه لؤلؤا منظورما ومنثورا، وإذا برزت ملأت القصر والغرفة نورا، وإن سألت عن السن فأتراب في اعدل سن الشباب، وإن سألت عن الحسن فهل رأيت الشمس والقمر، وإن سألت عن الحدق فأحسن سواد في أصفى بياض في أحسن حور، وإن سألت عن القدود فهل رأيت أحسن الأغصان، وإن سألت عن النهود فهن الكواعب نهودهن كالطف الرمان، وإن سألت عن اللون فكأنه الياقوت والمرجان، وإن سألت عن حسن الخلق فهن الخيرات الحسان اللاتي جمع لهن بين الحسن والإحسان فأعطين جمال الباطن والظاهر فهن أفراح النفوس قرة النواظر وإن سألت عن حسن العشرة ولذة ما هنالك فهن العرب المتحببات إلى الأزواج بلطافة التبعل التي تمتزج بالروح أي امتزاج فما ظنك بامرأة إذا ضحكت في وجه زوجها أضاءت الجنة من ضحكها وإذا انتقلت من قصر إلى قصر قلت هذه الشمس متنقلة في بروج فلكها وإذا حاضرت زوجها فيا حسن تلك المحاضرة وإن خاصرته فيا لذة تلك المعانقة والمخاصرة: ؎وحديثها السحر الحلال لو أنه ∗∗∗ لم يجن قتل المسلم المتحرز ؎إن طال لم يملل وإن هي حدثت ∗∗∗ ود المحدث أنها لم توجز وإن غنت فيا لذة الأبصار والأسماع وإن أنست وأمتعت فيا حبذا تلك المؤانسة والإمتاع وإن قبلت فلا شيء أشهى إليه من ذلك التقبيل وإن نولت فلا ألذ ولا أطيب من ذلك التنويل هذا، وإن سألت عن يوم المزيد وزيادة العزيز الحميد ورؤية وجهه المنزه عن التمثيل والتشبيه كما ترى الشمس في الظهيرة والقمر ليلة البدر كما تواتر عن الصادق المصدوق النقل فيه وذلك موجود في الصحاح والسنن والمسانيد من رواية جرير وصهيب وانس وأبي هريرة وأبي موسى وأبي سعيد فاستمع يوم ينادي المنادي يا أهل الجنة أن ربكم تبارك وتعالى يستزيركم فحي على زيارته فيقولون سمعا وطاعة وينهضون إلى الزيارة مبادرين فإذا بالنجائب قد أعدت لهم فيستوون على ظهورها مسرعين حتى إذا انتهوا إلى الوادي الأفيح الذي جعل لهم موعدا وجمعوا هناك فلم يغادر الداعي منهم أحدا أمر الرب تبارك وتعالى بكرسيه فنصب هناك ثم نصبت لهم منابر من نور ومنابر من لؤلؤ ومنابر من زبرجد ومنابر من ذهب ومنابر من فضة وجلس أدناهم وحاشاهم إن يكون فيهم دنيء على كثبان المسك وما يرون أن أصحاب الكراسي فوقهم في العطايا حتى إذا استقرت بهم مجالسهم واطمأنت بهم أماكنهم نادى المنادي يا أهل الجنة إن لكم عند الله موعدا يريد أن ينجزكموه فيقولون ما هو ألم يبيض وجوهنا ويثقل موازيننا ويدخلنا الجنة ويزحزحنا عن النار فبينما هم كذلك إذ سطع لهم نور أشرقت له الجنة فرفعوا رؤوسهم فإذا الجبار جل جلاله وتقدست أسماؤه قد أشرف عليهم من فوقهم وقال يا أهل الجنة سلام عليكم فلا ترد هذه التحية بأحسن من قولهم اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام فيتجلى لهم الرب تبارك وتعالى يضحك إليهم ويقول: يا أهل الجنة فيكون أول ما يسمعونه منه تعالى أين عبادي الذين أطاعوني بالغيب ولم يروني فهذا يوم المزيد فيجتمعون على كلمة واحدة أن قد رضينا فأرض عنا فيقول يا أهل الجنة إني لو لم أرض عنكم لم أسكنكم جنتي هذا يوم المزيد فاسألوني فيجتمعون على كلمة واحدة أرنا وجهك ننظر إليه فيكشف لهم الرب جل جلاله الحجب ويتجلى لهم فيغشاهم من نوره ما لولا أن الله تعالى قضى أن لا يحترقوا لاحترقوا ولا يبقى في ذلك المجلس أحد إلا حاضره ربه تعالى محاضرة حتى أنه ليقول يا فلان أتذكر يوم فعلت كذا وكذا يذكره ببعض غدراته في الدنيا فيقول يا رب ألم تغفر لي فيقول بلى بمغفرتي بلغت منزلتك هذه فيا لذة الأسماع بتلك المحاضرة ويا قرة عيون الأبرار بالنظر إلى وجه الكريم في الدار الآخرة ويا ذلة الراجعين بالصفقة الخاسرة ﴿وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ إلى رَبِّها ناظِرَةٌ ووُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ باسِرَةٌ تَظُنُّ أنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ﴾ ؎فحي على جنات عدن فإنها ∗∗∗ منازلك الأولى وفيها المخيم ؎ولكننا سبي العدو فهل ترى ∗∗∗ نعود إلى أوطاننا ونسلم * (فصل) ولما علم الموفقون ما خلقوا له، وما أريد بإيجادهم رفعوا رؤوسهم، فإذا علم الجنة قد رفع لهم فشمروا إليه وإذا صراطها المستقيم قد وضح لهم فاستقاموا عليه ورأوا من أعظم الغبن بيع ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر في أبد لا يزول ولا ينفذ بصبابة عيش إنما هو كأضغاث أحلام أو كطيف زار في المنام مشوب بالنغص ممزوج بالغصص إن أضحك قليلا أبكى كثيرا وإن سر يوما أحزن شهورا آلامه تزيد على لذّاته، وأحزانه أضعاف مسراته وله مخاوف وآخره متآلف فيا عجبا من سفيه في صورة حليم ومعتوه في مسلاخ عاقل آثر الحظ الفاني الخسيس على الحظ الباقي النفيس وباع جنة عرضها السماوات والأرض بسجن ضيق بين أرباب العاهات والبليات ومساكن طيبة في جنات عدن تجري من تحتها الأنهار بأعطان ضيقة آخرها الخراب والبوار وأبكارا عرابا أترابا كأنهن الياقوت والمرجان بقذرات دنسات سيئات الأخلاق مسافحات أو متخذات أخدان وحورا مقصورات في الخيام بخبيثات مسيبات بين الأنام وأنهارا من خمر لذة للشاربين بشراب نجس مذهب للعقل مفسد للدنيا والدين ولذة النظر إلى وجه العزيز الرحيم بالتمتع برؤية الوجه القبيح الذميم وسماع الخطاب من الرحمن بسماع المعازف والغناء والألحان والجلوس على منابر اللؤلؤ والياقوت والزبرجد يوم المزيد بالجلوس في مجالس الفسوق مع كل شيطان مريد ونداء المنادي يا أهل الجنة إن لكم أن تنعموا فلا تيأسوا وتحيوا فلا تموتوا وتقيموا فلا تظعنوا وتشبوا فلا تهرموا بغناء المغنين: ؎وقف الهوى بي حيث أنت فليس لي ∗∗∗ متأخر عنه ولا متقدم ؎أجد الملامة في هواك لذيذة ∗∗∗ حبا لذكرك فليلمني اللوم وإنما يظهر الغبن الفاحش في هذا البيع يوم القيامة وإنما يتبين سفه بائعه يوم الحسر والندامة إذا حشر المتقون إلى الرحمن وفدا وسيق المجرمون إلى جهنم وردا ونادى المنادي على رؤوس الأشهاد ليعلمن أهل الموقف من أولى بالكرم من بين العباد فلو توهم المتخلف عن هذه الرفقة ما أعد الله لهم من الإكرام وادخر لهم من الفضل والإنعام وما أخفى لهم من قرة أعين لم يقع على مثلها بصر ولا سمعته أذن ولا خطر على قلب بشر لعلم أي بضاعة أضاع وأنه لا خير له في حياته وهو معدود من سقط المتاع وعلم أن القوم قد توسطوا ملكا كبيرا لا تعترية الآفات ولا يلحقه الزوال وفازوا بالنعيم المقيم في جوار الكبير المتعال. فهم في روضات الجنة يتقلبون وعلى أسرتها تحت الحجال يجلسون وعلى الفرش التي بطائنها من إستبرق يتكئون وبالحور العين يتنعمون وبأنواع الثمار يتفكهون يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعلمون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون تالله لقد نودي عليها في سوق الكساد فما قلب ولا استام! إلا أفراد من العباد فواعجبا لها كيف نام طالبها وكيف لم يسمح بمهرها خاطبها وكيف طاب العيش في هذه الدار بعد سماع أخبارها وكيف قر للمشتاق القرار دون معانقة أبكارها وكيف قرت دونها أعين المشتاقين وكيف صبرت عنها أنفس الموقنين وكيف صدفت عنها قلوب أكثر العالمين وبأي شيء تعوضت عنها نفوس المعرضين. شعر في وصف الجنة: ؎وما ذاك إلا غيرة أن ينالها ∗∗∗ سوى كفئها والرب بالخلق أعلم ؎وإن حجبت عنا بكل كريهة ∗∗∗ وحفت بما يؤذي النفوس ويؤلم ؎فلله ما في حشوها من مسرة ∗∗∗ وأصناف لذات بها يتنعم ؎ولله برد العيش بين خيامها ∗∗∗ وروضاتها والثغر في الروض يبسم ؎ولله واديها الذي هو موعد المز ∗∗∗ يد لوفد الحب لو كنت منهم ؎بذيالك الوادي يهيم صبابة ∗∗∗ محب يري أن الصبابة مغنم ؎ولله أفراح المحبين عندما ∗∗∗ يخاطبهم من فوقهم ويسلم ؎ولله أبصار ترى الله جهرة ∗∗∗ فلا الضيم يغشاها ولا هي تسأم ؎فيا نظرة أهدت إلى الوجه نضرة ∗∗∗ أمن بعدها يسلو المحب المتيم ؎ولله كم من خيرة إن تبسمت ∗∗∗ أضاء لها نور من الفجر أعظم ؎فيا لذة الأبصار إن هي أقبلت ∗∗∗ ويا لذة الأسماع حين تكلم ؎ويا خجلة الغصن الرطيب إذا انثنت ∗∗∗ ويا خجلة الفجرين حين تبسم ؎فإن كنت ذا قلب عليل بحبها ∗∗∗ فلم يبق إلا وصلها لك مرهم ؎ولا سيّما في لثمها عند ضمها ∗∗∗ وقد صار منها تحت جيدك معصم ؎تراه إذا أبدت له حسن وجهها ∗∗∗ يلذ به قبل الوصال وينعم ؎تفكه منها العين عند إجتلائها ∗∗∗ فواكه شتى طلعها ليس يعدم ؎عناقيد من كرم وتفاح جنة ∗∗∗ ورمان أغصان به القلب مغرم ؎وللورد ما قد ألبسته خدودها ∗∗∗ وللخمر ما قد ضمه الريق والفم ؎تقسم منها الحسن في جمع واحد ∗∗∗ فيا عجبا من واحد يتقسم ؎لها فرق شتى من الحسن أجمعت ∗∗∗ بجملتها إن السلو محرم ؎تذكر بالرحمن بمن هو ناظر ∗∗∗ فينطق بالتسبيح لا يتلعثم ؎إذا قابلت جيش الهموم بوجهها ∗∗∗ تولي على أعقابه الجيش يهزم ؎فيا خاطب الحسناء إن كنت راغبا ∗∗∗ فهذا زمان المهر فهو المقدم ؎ولما جرى ماء الشاب بغصنها ∗∗∗ تيقن حقا انه ليس يهرم ؎وكن مبغضا للخائنات لحبها ∗∗∗ فتحظى بها من دونهن وتنعم ؎وكن أيما ممن سواها فإنها ∗∗∗ لمثلك في جنات عدن تأيم ؎وصم يومك الأدنى لعلك في غد ∗∗∗ تفوز بعيد الفطر والناس صوم ؎وأقدم ولا تقنع بعيش منغص ∗∗∗ فما فاز باللذات من ليس يقدم ؎وأن ضاقت الدنيا عليك بأسرها ∗∗∗ ولم يك فيها منزل لك يعلم ؎فحي على جنات عدن فأنها ∗∗∗ منازلها الأولى وفيها المخيم ؎ولكننا سبي العدو فهل ترى ∗∗∗ نعود إلى أوطاننا ونسلم ؎وقد زعموا أن الغريب إذا نأى ∗∗∗ وشطت به أوطانه فهو مغرم ؎وأي اغتراب فوق غربتنا التي ∗∗∗ لها أضحت الأعداء فينا تحكم ؎وحي على السوق الذي فيه يلتقي ∗∗∗ المحبون ذاك السوق للقوم تعلم ؎فما شئت خذ منه بلا ثمن له ∗∗∗ فقد أسلف التجار فيه واسلموا ؎وحي على يوم المزيد الذي به ∗∗∗ زيارة رب العرش فاليوم موسم ؎وحي على واد هنالك أفيح ∗∗∗ وتربته من إذفر المسك أعظم ؎منابر من نور هناك وفضة ∗∗∗ ومن خالص العقيان لا تتقصم ؎وكثبان مسك قد جعلن مقاعدا ∗∗∗ لمن دون أصحاب المنابر يعلم ؎فبينا هموا في عيشهم وسرورهم ∗∗∗ وأرزاقهم تجري عليهم ونقسم ؎ذاهم بنور ساطع أشرقت له ∗∗∗ بأقطارها الجنات لا يتوهم ؎تجلى لهم رب السماوات جهرة ∗∗∗ فيضحك فوق العرش ثم يكلم ؎سلام عليكم يسمعون جميعهم ∗∗∗ بآذانهم تسليمه إذ يسلم ؎يقول سلوني ما أشتهيتم فكل ما ∗∗∗ تريدون عندي أنني أنا أرحم ؎فقالوا جميعا نحن نسألك الرضا ∗∗∗ فأنت الذي تولى الجميل وترحم ؎فيعطيهم هذا ويشهد جميعهم ∗∗∗ عليه تعالى الله فالله أكرم ؎فيا بائعا هذا ببخس معجل ∗∗∗ كأنك لا تدري بلى سوف تعلم ؎فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة ∗∗∗ وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم (فائِدَة) الشهقة الَّتِي تعرض عند سَماع القُرْآن أو غَيره لَها أسباب: أحدها يلوح لَهُ عند سَماع دَرَجَة لَيست لَهُ فيرتاح إلَيْها فَتحدث لَهُ الشهقة فَهَذِهِ شهقة شوق. وَثانِيها أن يلوح لَهُ ذَنْب ارْتَكَبهُ فيشهق خوفًا وحزنا على نَفسه وهَذِه شهقة خشيَة. وَثالِثها أن يلوح لَهُ نقص فِيهِ لا يقدر على دَفعه فَيحدث لَهُ ذَلِك حزنا فيشهق شهقة حزن. وَرابِعها أن يلوح لَهُ كَمال محبوبه ويرى الطَّرِيق إلَيْهِ مسدودة عَنهُ فَيحدث ذَلِك شهقة أسف وحزن. وخامسها أن يكون قد توارى عَنهُ محبوبه واشتغل بِغَيْرِهِ فَذكره السماع محبوبه فلاح لَهُ جماله ورَأى الباب مَفْتُوحًا والطَّرِيق ظاهِرَة فشهق فَرحا وسرورا بِما لاحَ وبِكُل حال فسبب الشهقة قُوَّة الوارِد وضعف المحل عَن الِاحْتِمال، والقُوَّة أن يعْمل ذَلِك الوارِد عمله داخِلا ولا يظْهر عَلَيْهِ وذَلِكَ أقوى لَهُ وأدوم فَإنَّهُ إذا أظهره ضعف أثَره وأوشك انْقِطاعه هَذا حكم الشهقة من الصّادِق فَإن الشاهق إمّا صادِق وإمّا سارِق وإمّا مُنافِق.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب