الباحث القرآني

(فائِدَة عَظِيمَة) أفضل ما اكتسبته النُّفُوس وحصلته القُلُوب العَبْد ونال بِهِ العَبْد الرّفْعَة في الدُّنْيا والآخِرَة هو العلم والإيمان ولِهَذا قرن بَينهما سُبْحانَهُ في قَوْله ﴿وَقالَ الَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ والأِيمانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ في كِتابِ اللَّهِ إلى يَوْم البَعْث﴾ وَقَوله ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكم والَّذِينَ أُوتُوا العِلْمَ دَرَجات﴾ وهؤلاهم خُلاصَة الوُجُود ولبه والمؤهلون للمراتب العالِيَة، ولَكِن أكثر النّاس غالطون في حَقِيقَة مُسَمّى العلم والإيمان اللَّذين بهما السَّعادَة والرفقة، وفي حقيقتهما حَتّى أن كل طائِفَة تظن أن ما مَعها من العلم والإيمان هو هَذا الَّذِي بِهِ تنال السَّعادَة، ولَيْسَ كَذَلِك بل أكْثَرهم لَيْسَ مَعَهم إيمان يُنجي ولا علم يرفع بل قد سدوا على نُفُوسهم طرق العلم والإيمان اللَّذين جاءَ بهما الرَّسُول ودعا إلَيْهِما الأمة، وكانَ عَلَيْهِما هو وأصْحابه من بعده وتابعوهم على منهاجهم وآثارهم فَكل طائِفَة اعتقدت أن العلم ما مَعها وفرحت و ﴿تقطعوا أمْرَهم بَيْنَهم زُبُرًا كُلُّ حِزْبٍ بِما لديهم فَرِحُونَ﴾ وَأكْثر ما عِنْدهم كَلام وآراء وخرص والعلم وراء الكَلام، كَما قالَ حمّاد بن زيد: قلت لأيوب: العلم اليَوْم أكثر أو فِيما تقدّم؟ فَقالَ الكَلام اليَوْم أكثر والعلم فِيما تقدم أكثر. فَفرق هَذا الراسخ بَين العلم والكَلام، فالكتب كَثِيرَة جدا، والكَلام والجدال والمقدرات الذهنية كَثِيرَة، والعلم بمعزل عَن أكْثَرها وهو ما جاءَ بِهِ الرَّسُول عَن الله قالَ تَعالى ﴿فَمَن حاجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ ما جاءَكَ من العلم﴾ وَقالَ ﴿وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أهْواءَهم بَعْدَ الَّذِي جاءَك من العلم﴾ وقالَ في القُرْآن ﴿أنزلهُ بِعِلْمِهِ﴾ أي وفِيه علمه وَلما بعد العَهْد بِهَذا العلم آل الأمر بِكَثِير من النّاس إلى أن اتَّخذُوا هواجس الأفكار وسوانح الخواطر والآراء علما، ووَضَعُوا فِيها الكتب، وأنفقوا فِيها الأنفاس فضيعوا فِيها الزَّمان وملأوا بها الصُّحُف مدادا، والقلوب سوادا حَتّى صرح كثير مِنهُم أنه لَيْسَ في القُرْآن والسّنة علم، وأن أدلتها لفظية لا تفِيد يَقِينا ولا علما، وصرخ الشَّيْطان بِهَذِهِ الكَلِمَة فيهم، وأذَّن بها بَين أظهرهم حَتّى أسمعها دانيهم لقاصيهم، فانسلخت بها القُلُوب من العلم والإيمان كانسلاخ الحَيَّة من قشرها، والثَّوْب عَن لابسه.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب