الباحث القرآني

* (فصل) ومن تلاعب الشيطان بهذه الأمة الغضبية: أنهم إذا رأوا الأمر أو النهي مما أمروا به أو نهوا عنه شاقا عليهم، طلبوا التخلص منه بوجوه الحيل. فإن أعيتهم الحيل قالوا: هذا كان علينا لما كان لنا الملك والرياسة. فمن ذلك: أنهم إذا أقام أخوان في موضع واحد، ومات أحدهما ولم يعقب ولدا، فلا تخرج امرأة الميت إلى رجل أجنبي، بل ولد حميها ينكحها. وأول ولد ممن ينكحها ينسب إلى أخيه الدارج. فإن أبى أن ينكحها خرجت مشتكية منه إلى مشيخة قومه، تقول: قد أبى ابن حمى أن يستبقى اسما لأخيه في إسرائيل. ولم يرد نكاحى، فيحضره الحاكم هناك، ويكلفه أن يقف ويقول: ما أردت نكاحها. فتتناول المرأة نعله فيخرجه من رجله، وتمسكها بيدها وتبصق في وجهه، وتنادى عليه: كذا فليصنع بالرجل الذي لا يبنى بيت أخيه، ويدعى فيما بعد بالمخلوع النعل وينبز بنوه ببنى مخلوع النعل. هذا كله مفترض عليهم فيما يزعمون في التوراة. وفيه حكمة ملجئة للرجل إلى نكاح زوجة أخيه الدارج. فإنه إذا علم أن ذلك يناله إن لم ينكحها آثر نكاحها عليه. فإن كان مبغضا لها زاهدًا في نكاحها، أو كانت هى زاهدة في نكاحه مبغضه له، استخرج له الفقهاء حيلة يتخلص بها منها وتتخلص منه، فيلزمونها الحضور عند الحاكم بمحضر من مشايخهم، ويلقنونها أن تقول: أبى ابن حمى أن يقيم لأخيه اسما في إسرائيل، لم يرد نكاحى: فيلزمونها بالكذب عليه، لأنه أراد نكاحها وكرهته، وإذا لقنوها هذه الألفاظ قالتها، فيأمرونه بالكذب، وأن يقوم ويقول: ما أردت نكاحها. ولعل ذلك سؤله وأمنيته، فيأمرونه بأن يكذب، ولم يكفهم أن كذبوا عليه، وألزموه أن يكذب، حتى سلطوها على الإخراق به والبصاق في وجهه. ويسمون هذه مسألة "البياما والجالوس". وقد تقدم من التنبيه على حيلهم في استباحتهم محارم الله تعالى بعض ما فيه كفاية. فالقوم بيت الحيل والمكر، والخبث. وقد كانوا يتنوعون في عهد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم بأنواع الحيل والكيد والمكر عليه وعلى أصحابه، ويرد الله سبحانه وتعالى ذلك كله عليهم. فتحيلوا عليه وأرادوا قتله مرارا والله تعالى ينجيه من كيدهم. فتحيلوا عليه وصعدوا فوق سطح وأخذوا رحا أرادوا طرحها عليه، وهو جالس في ظل حائط، فأتاه الوحى، فقام منصرفًا، وأخذ في حربهم وإجلائهم. ومكروا به وظاهروا عليه أعداءه من المشركين، فظفره الله تعالى بهم. ومكروا به وأخذوا في جمع العدو له فظفره الله تعالى برئيسهم، فقتله. ومكروا به وأرادوا قتله بالسم، فأعلمه الله تعالى به، ونجاه منه. ومكروا فسحروه، حتى كان يخيل إليه أنه يفعل الشيء، ولم يفعله. فشفاه الله تعالى وخلصه. ومكروا به في قولهم: ﴿آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلى الَّذِينَ آمَنُوا وجْهَ النَّهارِ واكْفرُوا آخِرَهُ﴾ [آل عمران: ٧٢]. يريدون بذلك تشكيك المسلمين في نبوته، فإنهم إذا أسلموا أول النهار اطمأن المسلمون إليهم، وقالوا: قد اتبعوا الحق، وظهرت لهم أدلته، فيكفرون آخر النهار، ويجحدون نبوته، ويقولون: لم نقصد إلا الحق واتباعه، فلما تبين لنا أنه ليس به رجعنا عن الإيمان به. وهذا من أعظم خبثهم ومكرهم. ولم يزالوا مُوضعِين مجتهدين في المكر والخبث إلى أن أخزاهم الله بيد رسوله وأتباعه - صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ورضى عنهم - أعظم الخزي، ومزقهم كل ممزق وشتت شملهم كل مشتت. وكانوا يعاهدونه عليه الصلاة والسلام، ويصالحونه. فإذا خرج لحرب عدوه نقضوا عهده. ولما سلب الله تعالى هذه الأمة ملكها وعزها، وأذلها، وقطعهم في الأرض، انتقلوا من التدبير بالقدرة والسلطان، إلى التدبير بالمكر والدهاء، والخيانة والخداع. وكذلك كل عاجز جبان سلطانه في مكره وخداعه، وبهته وكذبه، ولذلك كان النساء بيت المكر والخداع والكذب والخيانة، كما قال الله تعالى عن شاهد يوسف عليه السلام أن قال: ﴿إنَّهُ مِن كَيْدِكن إنّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ﴾ [يوسف: ٢٨].
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب