الباحث القرآني

* (فَصْلٌ في معنى الآل واشتقاقه وأحْكامه) وَفِيه قَولانِ أحدهما أن أصله أهل ثمَّ قلبت الهاء همزَة فَقيل أأل ثمَّ سهلت على قِياس أمْثالها فَقيل آل قالُوا ولِهَذا إذا صغر رَجَعَ إلى أصله فَقيل أهيل قالُوا ولما كانَ فرعا عَن فرع خصوه بِبَعْض الأسْماء المُضاف إلَيْها فَلم يضيفوه إلى أسماء الزَّمان ولا المَكان ولا غير الأعْلام فَلا يَقُولُونَ آل رجل وآل امْرَأة ولا يضيفونه إلى مُضْمر فَلا يُقال آله وآلي بل لا يُضاف إلّا إلى مُعظم كَما أن التّاء لما كانَت في القسم بَدَلا عَن الواو وفرعًا عَلَيْها والواو فرعا عَن فعل القسم خصوا التّاء بأشرف الأسْماء وأعْظَمها وهو اسْم الله تَعالى وَهَذا القَوْل ضَعِيف من وُجُوه: أحدها أنه لا دَلِيل عَلَيْهِ الثّانِي أنه يلْزم مِنهُ القلب الشاذ من غير مُوجب مَعَ مُخالفَة الأصْل الثّالِث أن الأهْل تُضاف إلى العاقِل وغَيره والآل لا تُضاف إلّا إلى عاقل الرّابِع أن الأهْل تُضاف إلى العلم والنكرة والآل لا يُضاف إلّا إلى مُعظم من شَأْنه أن غَيره يؤول إلَيْهِ. الخامِس أن الأهْل تُضاف إلى الظّاهِر والمضمر والآل من النُّحاة من منع إضافَته إلى المُضمر ومن جوزها فَهي شاذَّة قَليلَة السّادِس أن الرجل حَيْثُ أضيف إلى آله دخل فِيهِ هو كَقَوْلِه تَعالى ﴿أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذاب﴾ [غافِر ٤٦ وَقَوله تَعالى ﴿إنَّ اللَّهَ اصْطَفى آدَمَ ونُوحًا وآلَ إبْراهِيمَ وآلَ عِمْرانَ عَلى العالَمِينَ﴾ [آل عمران ٣٣ وَقَوله تَعالى ﴿إلا آلَ لوط نجيناهم بِسحر﴾ [القَمَر ٣٤ وَقَول النَّبِي ﷺ اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى) وَهَذا إذا لم يذكر مَعَه من أضيف إلَيْهِ الآل وأما إذا ذكر مَعَه فقد يُقال ذكر مُفردا وداخلًا في الآل وقد يُقال ذكره مُفردا أغْنى عَن ذكره مُضافا والأهل بِخِلاف ذَلِك فَإذا قلت جاءَ أهل زيد لم يدْخل فيهم وقيل بل أصله أول وذكره صاحب الصِّحاح في باب الهمزَة والواو واللّام قالَ وآل الرجل أهله وعِياله وآله أيْضا أتْباعه وهو عند هَؤُلاءِ مُشْتَقّ من آل يؤول إذا رَجَعَ فآل الرجل هم الَّذين يرجعُونَ إلَيْهِ ويضافون إلَيْهِ ويؤولهم أي يسوسهم فَيكون مآلهم إلَيْهِ ومِنه الإيالة وهِي السياسة فآل الرجل هم الَّذين يسوسهم ويؤولهم ونَفسه أحَق بذلك من غَيره فَهو أحَق بِالدُّخُولِ في آله ولَكِن لا يُقال إنَّه مُخْتَصّ بآله بل هو داخل فيهم وهَذِه المادَّة مَوْضُوعَة لأصل الشَّيْء وحَقِيقَته ولِهَذا سمي حَقِيقَة الشَّيْء تَأْوِيله لِأنَّها حَقِيقَته الَّتِي يرجع إلَيْها وَمِنه قَوْله تَعالى ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إلّا تَأْوِيلَهُ يَوْمَ يَأْتِي تَأْوِيلُهُ يَقُولُ الَّذِينَ نَسُوهُ مِن قَبْلُ قَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبنا بِالحَقِّ﴾ [الأعْراف ٥٣ فَتَأْوِيل ما أخْبرت بِهِ الرُّسُل هو مَجِيء حَقِيقَته ورؤيتها عيانًا ومِنه تَأْوِيل الرُّؤْيا وهو حَقِيقَتها عيانًا ومِنه تَأْوِيل الرُّؤْيا الخارجية الَّتِي ضربت للرائي في عالم المِثال ومِنه التَّأْوِيل بِمَعْنى العاقِبَة كَما قيل في قَوْله تَعالى ﴿فَإنْ تَنازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إلى اللَّهِ والرَّسُولِ إنْ كُنْتُمْ تؤمنون بِالله واليَوْم الآخر ذَلِك خير وأحسن تَأْوِيلا﴾ [النِّساء ٥٩ قيل أحسن عاقِبَة فَإن عواقب الأُمُور هي حقائقها الَّتِي تؤول إلَيْها ومِنه التَّأْوِيل بِمَعْنى التَّفْسِير لِأن تَفْسِير الكَلام هو بَيان مَعْناهُ وحَقِيقَته الَّتِي يُراد مِنهُ قالُوا ومِنه الأول لِأنَّهُ أصل العدَد ومبناه الَّذِي يتَفَرَّع مِنهُ ومِنه الآل بِمَعْنى الشَّخْص نَفسه قالَ أصْحاب هَذا القَوْل والتزمت العَرَب إضافَته فَلا يسْتَعْمل مُفردا إلّا في نادِر الكَلام كَقَوْل الشّاعِر ؎(نَحن آل الله في بَلْدَتنا ∗∗∗ لم نزل آلًا على عهد إرم) والتزموا أيْضا إضافَته إلى الظّاهِر فَلا يُضاف إلى مُضْمر إلّا قَلِيلا وعد بعض النُّحاة إضافَته إلى المُضمر لحنًا كَما قالَ أبُو عبد الله بن مالك والصَّحِيح أنه لَيْسَ بلحن بل هو من كَلام العَرَب لكنه قَلِيل ومِنه قَول الشّاعِر ؎(أنا الفارِس الحامي والِدي ∗∗∗ وآلي فَما يحمي حَقِيقَة آلكا) وَقالَ عبد المطلب في الفِيل وأصْحابه ؎(وانصر على آل الصلي ∗∗∗ ب وعابديه اليَوْم آلك) فأضافه إلى الياء والكاف وزعم بعض النُّحاة أنه لا يُضاف إلّا إلى علم من يعقل وهَذا الَّذِي قالَه هو الأكْثَر وقد جاءَت إضافَته إلى غير من يعقل قالَ الشّاعِر ؎(نجوت ولم يمنن عَليّ طَلاقه ∗∗∗ سوى ربد التَّقْرِيب من آل أعوجا) وأعوج علم فرس قالُوا ومن أحْكامه أيْضا أنه لا يُضاف إلّا إلى متبوع مُعظم فَلا يُقال آل الحائك ولا آل الحجام ولا آل رجل وَأما مَعْناهُ فَقالَت طائِفَة يُقال آل الرجل لَهُ نَفسه وآل الرجل لمن يتبعهُ وآله لأهله وأقاربه فَمن الأول قَول النَّبِي ﷺ لما جاءَهُ أبُو أوفى بِصَدَقَتِهِ اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى وَقَوله تَعالى ﴿سَلام على إل ياسين﴾ [الصافات ١٣٠ وَقَوله ﷺ اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم فآل إبْراهِيم هو إبْراهِيم لِأن الصَّلاة المَطْلُوبَة للنَّبِي ﷺ هي الصَّلاة على إبْراهِيم نَفسه وآله تبع لَهُ فِيها ونازعهم في ذَلِك آخَرُونَ وقالُوا لا يكون الآل إلّا الأتباع والأقارب وما ذكرتموه من الأدِلَّة فالمُراد بها الأقارِب وقَوله كَما صليت على آل إبْراهِيم آل إبْراهِيم هُنا هم الأنْبِياء والمَطْلُوب من الله سُبْحانَهُ أن يُصَلِّي على رَسُوله ﷺ كَما صلى على جَمِيع الأنْبِياء من ذُرِّيَّة إبْراهِيم لا إبْراهِيم وحده كَما هو مُصَرح بِهِ في بعض الألْفاظ من قَوْله على إبْراهِيم وعَلى آل إبْراهِيم وَأما قَوْله تَعالى ﴿سَلامٌ على إل ياسين﴾ [الصافات ١٣٠ فَهَذِهِ فِيها قراءتان إحْداهما إلياسين بِوَزْن إسْماعِيل وفِيه وجْهان أحدهما أنه اسْم ثان للنَّبِي إلْياس وإلياسين كميكال ومِيكائِيل والوَجْه الثّانِي أنه جمع وفِيه وجْهان أحدهما أنه جمع إلْياس وأصله إلياسيين بيائين كعبرانيين ثمَّ خففت إحْدى اليائين فَقيل إلياسين والمراد أتْباعه كَما حكى سِيبَوَيْهٍ الأشعرون ومثله الأعجمون والثّانِي أنه جمع إلْياس مَحْذُوف الياء والقِراءَة الثّانِيَة ﴿سَلام على إل ياسين﴾ [وَفِيه أوجه أحدها أن ياسين أسم لِأبِيهِ فأضيف إلَيْهِ الآل كَما يُقال آل إبْراهِيم والثّانِي أن آل ياسين هو إلْياس نَفسه فَيكون آل مُضافَة إلى يس والمراد بالآل يس نَفسه كَما ذكر الأولونَ والثّالِث أنه على حذف ياء النّسَب فَيُقال يس وأصله ياسيين كَما تقدم وآلهم أتباعهم على دينهم والرّابِع أن يس هو القُرْآن وآله هم أهل القُرْآن والخامِس أنه النَّبِي ﷺ وآله أقاربه وأتْباعه كَما سَيَأْتِي وَهَذِه الأقْوال كلها ضَعِيفَة والَّذِي حمل قائِلها عَلَيْها استشكالهم إضافَة آل إلى يس واسْمه إلْياس وإلياسين ورأوها في المُصحف مفصولة وقد قَرَأها بعض القُرّاء آل ياسين فَقالَ طائِفَة مِنهُم لَهُ أسماء يس وإلياسين وإلياس وقالَت طائِفَة يس اسْم لغيره ثمَّ اخْتلفُوا فَقالَ الكَلْبِيّ يس مُحَمَّد ﷺ سلم الله على آله وقالَت طائِفَة هو القُرْآن وهَذا كُله تعسف ظاهر لا حاجَة إلَيْهِ والصَّواب والله أعلم في ذَلِك أن أصل الكَلِمَة آل ياسين كآل إبْراهِيم فحذفت الألف واللّام من أوله لِاجْتِماع الأمْثال ودلالَة الِاسْم على مَوضِع المَحْذُوف وهَذا كثير في كَلامهم إذا اجْتمعت الأمْثال كَرهُوا النُّطْق بها كلها فحذفوا مِنها ما لا إلباس في حذفه وإن كانُوا لا يحذفونه في مَوضِع لا تَجْتَمِع فِيهِ الأمْثال ولِهَذا لا يحذفون النُّون من إنِّي وأنِّي وكَأنِّي ولَكِنِّي ولا يحذفونها من لَيْتَني ولما كانَت اللّام في لَعَلَّ شَبيهَة بالنُّون حذفوا النُّون مَعها ولا سِيما عادَة العَرَب في اسْتِعْمالها للاسم الأعجمي وتغييرها لَهُ فَيَقُولُونَ مرّة إلياسين ومرَّة إلْياس ومرَّة ياسين ورُبما قالُوا ياس ويكون على إحْدى القِراءَتَيْن قد وقع على المُسلم عَلَيْهِ وعَلى القِراءَة الأُخْرى على آله وعَلى هَذا ففصل النزاع بَين أصْحاب القَوْلَيْنِ في الآل أن الآل إن أفرد دخل فِيهِ المُضاف إلَيْهِ كَقَوْلِه تَعالى ﴿أدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أشَدَّ العَذابِ﴾ [غافِر ٤٦ ولا ريب في دُخُوله في آله هُنا وَقَوله تَعالى ﴿وَلَقَدْ أخَذْنا آلَ فِرْعَوْن بِالسِّنِينَ﴾ [الأعْراف ١٣٠ ونظائره وَقَول النَّبِي ﷺ اللَّهُمَّ صل على آل أبي أوفى ولا ريب في دُخُول أبي أوفى نَفسه في ذَلِك وقَوله اللَّهُمَّ صل على مُحَمَّد وعَلى آل مُحَمَّد كَما صليت على آل إبْراهِيم هَذِه أكثر رِوايات البُخارِيّ وإبْراهِيم هُنا داخل في آله ولَعَلَّ هَذا مُراد من قالَ آل الرجل نَفسه وَأما إن ذكر الرجل ثمَّ ذكر آله لم يدْخل فيهم فَفرق بَين المُجَرّد والمقرون فَإذا قلت أعْط لزيد وآل زيد لم يكن زيد هُنا داخِلا في آله وإذا قلت أعْطه لآل زيد تناول زيدا وآله وهَذا لَهُ نَظائِر كَثِيرَة قد ذَكرناها في غير هَذا الموضع وهِي أن اللَّفْظ تخْتَلف دلالَته بالتجريد والاقتران كالفقير والمسكين هما صنفان إذا قرن بَينهما وصنف واحِد إذا أفرد كل مِنهُما ولِهَذا كانا في الزَّكاة صنفين وفي الكَفّارات صنف واحِد وكالإيمان والإسْلام والبر والتَّقوى والفحشاء والمُنكر والفسوق والعصيان ونظائر ذَلِك كَثِيرَة ولا سِيما في القُرْآن.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب