الباحث القرآني
فصدر الآية سبحانه بتفرده بالملك كله وأنه هو سبحانه هو الذي يؤتيه من يشاء وينزعه ممن يشاء لا غيره، فالأول تفرده بالملك والثاني تفرده بالتصرف فيه وأنه سبحانه هو الذي يعز من يشاء بما يشاء من أنواع العز ويذل من يشاء بسلب ذلك العز عنه وأن الخير كله بيديه ليس لأحد معه منه شيء، ثم ختمها بقوله: ﴿إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾
فتناولت الآية ملكه وحده وتصرفه وعموم قدرته وتضمنت أن هذه التصرفات كلها بيده وأنها كلها خير فسلبه الملك عمن يشاء وإذلاله من يشاء خير وإن كان شرا بالنسبة إلى المسلوب الذليل فإن هذا التصرف دائر بين العدل والفضل والحكمة والمصلحة لا تخرج عن ذلك وهذا كله خير يحمد عليه الرب ويثنى عليه به كما يحمد ويثنى عليه بتنزيهه عن الشر وأنه ليس إليه كما ثبت في صحيح مسلم أن رسول الله ﷺ كان يثني على ربه بذلك في دعاء الاستفتاح في قوله:
"لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك أنا بك وإليك تباركت وتعاليت"
فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه بل كل ما نسب إليه فهو خير والشر إنما صار شرا لانقطاع نسبته وإضافته إليه فلو أضيف إليه لم يكن شرا كما سيأتي بيانه وهو سبحانه خالق الخير والشر فالشر في بعض مخلوقاته لا في خلقه وفعله وخلقه وفعله وقضاؤه وقدره خير كله ولهذا تنزه سبحانه عن الظلم الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه كما تقدم فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها وذلك خير كله والشر وضع الشيء في غير محله فإذا وضع في محله لم يكن شرا فعلم أن الشر ليس إليه وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك فإن منها القدوس السلام العزيز الجبار المتكبر فالقدوس المنزه من كل شر ونقص وعيب كما قال أهل التفسير هو الطاهر من كل عيب المنزه عما لا يليق به وهذا قول أهل اللغة وأصل الكلمة من الطهارة والنزاهة ومنه بيت المقدس لأنه مكان يتطهر فيه من الذنوب ومن أمه لا يريد إلا الصلاة فيه رجع من خطيئته كيوم ولدته أمه ومنه سميت الجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا ومنه سمي جبريل روح القدس لأنه طاهر من كل عيب.
ومنه قول الملائكة ﴿ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك﴾
فقيل المعنى ونقدس أنفسنا لك فعدى باللام وهذا ليس شيء والصواب أن المعنى نقدسك وننزهك عما لا يليق بك هذا قول جمهور أهل التفسير.
وقال ابن جرير: "ونقدس لك ننسبك إلى ما هو من صفاتك من الطهارة من الأدناس ومما أضاف إليك أهل الكفر بك" قال وقال بعضهم: "نعظمك ونمجدك" قاله أبو صالح.
وقال مجاهد: "نعظمك ونكبرك" انتهى.
وقال بعضهم ننزهك عن السوء فلا ننسبه إليك واللام فيه على حدها في قوله: ﴿رَدِفَ لَكُمْ﴾ لأن المعنى تنزيه الله لا تنزيه نفوسهم لأجله.
قلت ولهذا قرن هذا اللفظ بقولهم ﴿نسبح بحمدك﴾ فإن التسبيح تنزيه الله سبحانه عن كل سوء.
قال ميمون بن مهران: "سبحان الله كلمة يعظم بها الرب ويحاشى بها من السوء"
وقال ابن عباس: "هي تنزيه لله من كل سوء" وأصل اللفظة من المباعدة من قولهم سبحت في الأرض إذا تباعدت فيها ومنه كل في فلك يسبحون فمن أثنى على الله ونزهه عن السوء فقد سبحه ويقال سبح الله وسبح له وقدسه وقدس له وكذلك اسمه السلام فإنه الذي سلم من العيوب والنقائص ووصفه بالسلام أبلغ في ذلك من وصفه بالسالم ومن موجبات وصفه بذلك سلامة خلقه من ظلمه لهم فسلم سبحانه من إرادة الظلم والشر ومن التسمية به ومن فعله ومن نسبته إليه فهو السلام من صفات النقص وأفعال النقص وأسماء النقص المسلم لخلقه من الظلم ولهذا وصف سبحانه ليلة القدر بأنها سلام والجنة بأنها دار السلام وتحية أهلها السلام وأثنى على أوليائه بالقول السلام كل ذلك السالم من العيوب وكذلك الكبير من أسمائه والمتكبر.
قال قتادة: "وغيره هو الذي تكبر عن السوء"
وقال أيضا: "الذي تكبر عن السيئات"
وقال مقاتل: "المتعظم عن كل سوء".
وقال أبو إسحاق: "الذي يكبر عن ظلم عباده"
وكذلك اسمه العزيز الذي له العزة التامة ومن تمام عزته براءته عن كل سوء وشر وعيب فإن ذلك ينافي العزة التامة وكذلك اسمه العلي الذي علا عن كل عيب وسوء ونقص ومن كمال علوه أن لا يكون فوقه شيء بل يكون فوق كل شيء وكذلك اسمه الحميد وهو الذي له الحمد كله فكمال حمده يوجب أن لا ينسب إليه شر ولا سوء ولا نقص لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء فهو الخالق للعباد وأفعالهم وحركاتهم وأقوالهم والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه كان قد فعل الشر والسوء والرب سبحانه هو الذي جعله فاعلا لذلك وهذا الجعل منه عدل وحكمة وصواب فجعله فاعلا خير والمفعول شر قبيح فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء موضعه لما له في ذلك من الحكمة البالغة التي يحمد عليها فهو خير وحكمة ومصلحة وإن كان وقوعه من العبد عيبا ونقصا وشرا وهذا أمر معقول في الشاهد فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء والحجر المكسور واللبنة الناقصة فوضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه كان ذلك منه عدلا وصوابا يمدح به وإن كان في المحل عوج ونقص وعيب يذم به المحل ومن وضع الخبائث في موضعها ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلا وصوابا وإنما السفه والظلم أن يضعها في غير موضعها فمن وضع العمامة على الرأس والنعل في الرجل والكحل في العين والزبالة في الكناسة فقد وضع الشيء موضعه ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلهما ومن أسمائه سبحانه العدل والحكيم الذي لا يضع الشيء إلا في موضعه فهو المحسن الجواد الحكيم العدل في كل ما خلقه وفي كل ما وضعه في محله وهيأه له وهو سبحانه له الخلق والأمر فكما أنه في أمره لا يأمر إلا بأرجح الأمرين ويأمر بتحصيل المصالح وتكميلها وتعطيل المفاسد وتقليلها وإذا تعارض أمران رجح أحسنهما وأصلحهما وليس في الشريعة أمر يفعل إلا ووجوده للمأمور خير من عدمه ولا نهي عن فعل إلا وعدمه خير من وجوده فإن قلت فإذا كان وجوده خيرا من عدمه فكيف لا يشاء وجوده فإذا كان عدمه خيرا من وجوده فكيف يشاء وجوده فالمشيئة العامة تنقض عليك هذه القاعدة الكلية قلت لا تنقضها لأن وجوده وإن كان خيرا من عدمه فقد يستلزم وجوده فوات محبوب له هو أحب إليه من وقوع هذا المأمور من هذا المعنى وعدم المنهي وإن كان خيرا من وجوده فقد يكون وجوده وسيلة وسببا إلى ما هو أحب إليه من عدمه وسيأتي تمام تقرير ذلك في باب اجتماع القدر والشرع وافتراقهما إن شاء الله والرب سبحانه إذا أمر بشيء فقد أحبه ورضيه وأراده وبينه وهو لا يحب شيئا إلا ووجوده خير من عدمه وما نهى عنه فقد أبغضه وكرهه وهو لا يبغض شيئا إلا وعدمه خير من وجوده هذا بالنظر إلى ذات هذا وهذا وأما باعتبار إفضائه إلى ما يحب ويكره فله حكم آخر ولهذا أمر سبحانه عباده أن يأخذوا بأحسن ما أنزل إليهم فالأحسن هو المأمور به وهو خير من المنهي عنه وإذا كانت هذه سنته في أمره وشرعه فهكذا سنته في خلقه وقضائه وقدره فما أراد أن يخلقه أو يفعله كان أن يخلقه ويفعله خيرا من أن لا يخلقه ولا يفعله وبالعكس وما كان عدمه خيرا من وجوده فوجوده شر وهو لا يفعله بل هو منزه عنه والشر ليس إليه.
فإن قلت فلم خلقه وهو شر؟
قلت خلقه له وفعله خير لا شر فإن الخلق والفعل قائم به سبحانه والشر يستحيل قيامه به واتصافه به وما كان في المخلوق من شر فلعدم إضافته ونسبته إليه والفعل والخلق يضاف إليه فكان خيرا والذي شاءه كله خير والذي لم يشأ وجوده بقي على العدم الأصلي وهو الشر فإن الشر كله عدم وأن سببه جهل وهو عدم العلم أو ظلم وهو عدم العدل وما يترتب على ذلك من الآلام فهو من عدم استعداد المحل وقبوله لأسباب الخيرات واللذات.
فإن قلت كثير من الناس يطلق القول بأن الخير كله من الوجود ولوازمه والشر كله من العدم ولوازمه والوجود خير والشر المحض لا يكون إلا عدما.
قلت هذا اللفظ فيه إجمال فإن أريد به أن كل ما خلقه الله وأوجده ففيه الخير ووجوده خير من عدمه وما لم يخلقه ولم يشأه فهو المعدوم الباقي على عدمه ولا خير فيه إذ لو كان فيه خير لفعله فإنه بيده الخير فهذا صحيح فالشر العدمي هو عدم الخير وإن أريد أن كل ما يلزم الوجود فهو خير وكل ما يلزم العدم فهو شر فليس بصحيح فإن الوجود قد يلزمه شر مرجوح والعدم قد يلزمه خير راجح مثال الأول النار والمطر والحر والبرد والثلج ووجود الحيوانات فإن هذا موجود ويلزمه شر جزئي مغمور بالنسبة إلى ما في وجود ذلك من الخير وكذلك المأمور به قد يلزمه من الألم والمشقة ما هو شر جزئي مغمور بالنسبة إلى ما فيه من الخير.
* (فصل)
وتحقيق الأمر أن الشر نوعان شر محض حقيقي من كل وجه وشر نسبي إضافي من وجه دون وجه فالأول لا يدخل في الوجود إذ لو دخل في الوجود لم يكن شرا محضا والثاني هو الذي يدخل في الوجود فالأمور التي يقال هي شرور إما أن تكون أمورا عدمية أو أمورا وجودية فإن كانت عدمية فإنها إما أن تكون عدما لأمور ضرورية للشيء في وجوده أو ضرورية له في دوام وجوده وبقائه أو ضرورية له في كماله وإما أن تكون غير ضرورية له في وجوده ولا بقائه ولا كماله وإن كان وجودها خيرا من عدمها فهذه أربعة أقسام:
فالأول كالإحساس والحركة والنفس للحيوان
والثاني كقوة الاغتذاء والنمو للحيوان المغتذي النامي
والثالث كصحته وسمعه وبصره وقوته
،والرابع كالعلم بدقائق المعلومات التي العلم بها خير من الجهل وليست ضرورية له.
وأما الأمور الوجودية فوجود كل ما يضاد الحياة والبقاء والكمال كالأمراض وأسبابها والآلام وأسبابها، والموانع الوجودية التي تمنع حصول الخير ووصوله إلى المحل القابل له المستعد لحصوله، كالمواد الردية المانعة من وصول الغذاء إلى أعضاء البدن وانتفاعها به وكالعقائد الباطلة والإرادات الفاسدة المانعة لحصول أضدادها للقلب.
إذا عرف هذا فالشر بالذات هو عدم ما هو ضروري للشيء في وجوده أو بقائه أو كماله، ولهذا العدم لوازم من شر أيضا فإن عدم العلم والعدل يلزمهما من الجهل والظلم ما هو شرور وجودية.
وعدم الصحة والاعتدال يلزمهما من الألم والضرر ما هو شر وجودي.
وأما عدم الأمور المستغنى عنها كعدم الغنى المفرط والعلوم التي لا يضر الجهل بها فليس بشر في الحقيقة ولا وجودها سببا للشر فإن العلم منه حيث هو علم والغنى منه حيث هو غنى لم يوضع سببا للشر، وإنما يترتب الشر من عدم صفة تقتضي الخير كعدم العفة والصبر والعدل في حق الغنى فيحصل الشر له في غناه بعدم هذه الصفات وكذلك عدم الحكمة ووضع الشيء موضعه وعدم إرادة الحكمة في حق صاحب العلم يوجب ترتب الشر له على ذلك.
فظهر أن الشر لم يترتب إلا على عدم وإلا فالموجود من حيث وجوده لا يكون شرا ولا سببا للشر فالأمور الوجودية ليست شرورا بالذات بل بالعرض من حيث أنها تتضمن عدم أمور ضرورية أو نافعة فإنك لا تجد شيئا من الأفعال التي هي شر إلا وهي كمال بالنسبة إلى أمور وجهة الشر فيه بالنسبة إلى أمور أخر مثال ذلك أن الظلم يصدر عن قوة تطلب الغلبة والقهر وهي القوة الغضبية التي كمالها بالغلبة ولهذا خلقت فليس في ترتب أثرها عليها شر من حيث وجوده بل الشر عدم ترتب أثرها عليها ألبتة فتكون ضعيفة عاجزة مقهورة وإنما الشر الوجودي الحاصل شر إضافي بالنسبة إلى المظلوم بفوات نفسه أو ماله أو تصرفه وبالنسبة إلى الظالم لا من حيث الغلبة والاستيلاء ولكن من حيث وضع الغلبة والقهر والاستيلاء في غير موضعه فعدل به من محله إلى غير محله ولو استعمل قوة الغضب في قهر المؤذي الباغي من الحيوانات الناطقة والبهيمة لكان خيرا ولكن عدل به إلى غير محله فوضع القهر والغلبة موضع العدل والنصفة ووضع الغلظة موضع الرحمة فلم يكن الشر في وجود هذه القوة ولا في ترتب أثرها عليها من حيث هما كذلك بل في إجرائها في غير مجراها ومثال ذلك ماء جار في نهر إلى أرض يسقيها وينفعها فكماله في جريانه حتى يصل إليها فإذا عدل به عن مجراه وطريقه إلى أرض يضرها ويخرب دورها كان الشر في العدول به عما أعدله وعدم وصوله إليه فهكذا الإرادة والغضب أعين بهما العبد ليتوصل بهما إلى حصول ما ينفعه وقهر ما يؤذيه ويهلكه فإذا استعملا في ذلك فهو كمالها وهو خير وإذا صرفا عن ذلك إلى استعمال هذه القوة في غير محلها وهذه في غير محلها صار ذلك شرا إضافيا نسبيا وكذلك النار كمالها في إحراقها فإذا أحرقت ما ينبغي إحراقه فهو خير وإن صادفت ما لا ينبغي إحراقه فأفسدته فهو شر إضافي بالنسبة إلى المحل المعين وكذلك القتل مثلا هو استعمال الآلة القطاعة في تفريق اتصال البدن فقوة الإنسان على استعمال الآلة خير وكون الآلة قابلة للتأثير خير وكون المحل قابلا لذلك خير وإنما الشر نسبي إضافي وهو وضع هذا التأثير في غير موضعه والعدول به عن المحل المؤدي إلى غيره، وهذا بالنسبة إلى الفاعل.
وأما بالنسبة إلى المفعول فهو شر إضافي أيضا وهو ما حصل له من التألم وفاته من الحياة وقد يكون ذلك خيرا له من جهة أخرى وخير لغيرة وكذلك الوطء فإن قوة الفاعل وقبول المحل كمال ولكن الشر في العدول به عن المحل الذي يليق به إلى محل لا يحسن ولا يليق وهكذا حركة اللسان وحركات الجوارح كلها جارية على هذا المجرى فظهر أن دخول الشر في الأمور الوجودية إنما هو بالنسبة والإضافة لا أنها من حيث وجودها وذواتها شر وكذلك السجود ليس هو شرا من حيث ذاته ووجوده فإذا أضيف إلى غير الله كان شرا بهذه النسبة والإضافة وكذلك كل ما وجوده كفر وشرك إنما كان شرا بإضافته إلى ما جعله كذلك كتعظيم الأصنام فالتعظيم من حيث هو تعظيم لا يمدح ولا يذم إلا باعتبار متعلقه فإذا كان تعظيما لله وكتابه ودينه ورسوله كان خيرا محضا وإن كان تعظيما للصنم وللشيطان فإضافته إلى هذا المحل جعلته شرا كما أن إضافة السجود إلى غير الله جعلته كذلك.
* (فصل)
ومما ينبغي أن يعلم أن الأشياء المكونة من موادها شيئا فشيئا كالنبات والحيوان أما إن يعرض لها النقص الذي هو شر في ابتدائها أو بعد تكونها فالأول هو بأن يعرض لمادتها من الأسباب ما يجعلها ردية المزاج ناقصة الاستعداد فيقع الشر فيها والنقص في خلقها بذلك السبب وليس ذلك بأن الفاعل حرمه وأذهب عنه أمرا وجوديا به كماله بل لأن المنفعل لم يقبل الكمال والتمام وعدم قبوله أمر عدمي ليس بالفاعل وأما الذي بالفاعل فهو الخير الوجودي الذي يتقبل به كماله وتمامه ونقصه والشر الذي حصل فيه هو من عدم إمداده بسبب الكمال فبقي على العدم الأصلي وبهذا يفهم سر قوله تعالى: ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾
فإن ما خلقه فهو أمر وجودي به كمال المخلوق وتمامه وأما عيبه ونقصه فمن عدم قبوله وعدم القبول ليس أمرا مخلوقا يتعلق بفعل الفاعل فالخلق الوجودي ليس فيه تفاوت والتفاوت إنما حصل بسبب هذا الخلق فإن الخالق سبحانه لم يخلق له استعدادا فحصل التفاوت فيه من عدم الخلق لا من نفس الخلق فتأمله.
والذي إلى الرب سبحانه هو الخلق.
وأما العدم فليس هو بفاعل له فإذا لم يكمل في مادة الجنين في الرحم ما يقتضي كماله وسلامة أعضائه واعتدالها حصل فيه التفاوت وكذلك النبات.
* (فصل)
وأما الثاني وهو أن الشر الحاصل بعد تكونه وإيجاده فهو نوعان أيضا أحدهما أن يقطع عنه الإمداد الذي به كماله بعد وجوده كما يقطع عن النبات إمداده بالسقي وعن الحيوان إمداده بالغذاء فهو شر مضاف إلى العدم أيضا وهو عدم ما يكمل به الثاني حصول مضاد مناف وهو نوعان أحدهما قيام مانع في المحل يمنع تأثير الأسباب الصالحة فيه كما تقوم بالبدن أخلاط ردية تمنع تأثير الغذاء فيه وانتفاعه به وكما تقوم بالقلب إرادات واعتقادات فاسدة تمنع انتفاعه بالهدى والعلم فهذا الشر وإن كان وجوديا وأسبابه وجودية فهو أيضا من عدم القوة والإرادة التي يدفع بها ذلك المانع فلو وجدت قوة وإرادة تدفعه لم يتأثر المحل به مثاله أن غلبة الأخلاط واستيلائها من عدم القوة المنضجة لها أو القوة الدافعة لما يحتاج إلى خروج وكذلك استيلاء الإرادات الفاسدة لضعف قوة العفة والصبر واستيلاء الاعتقادات الباطلة لعدم العلم المطابق لمعلومه فكل شر ونقص فإنما حصل لعدم سبب ضده وعدم سبب ضده ليس فاعلا له بل يكفي فيه بقاؤه على العدم الأصلي الثاني مانع من خارج كالبرد الشديد والحرق والغرق ونحو ذلك مما يصيب الحيوان والنبات فيحدث فيه الفساد فهذا لا ريب انه شر وجودي مستند إلى سبب وجودي ولكنه شر نسبي إضافي وهو خير من وجه آخر فإن وجود ذلك الحر والبرد والماء يترتب عليه مصالح وخيرات كلية هذا الشر بالنسبة إليها جزئي فتعطيل تلك الأسباب لتفويت هذا الشر الجزئي يتضمن شرا أكثر منه وهو فوات تلك الخيرات الحاصلة بها فإن ما يحصل بالشمس والريح والمطر والثلج والحر والبرد من مصالح الخلق أضعاف أضعاف ما يحصل بذلك من مفاسد جزئية هي في جنب تلك المصالح كقطرة في بحر هذا لو كان شرها حقيقيا فكيف وهي خير من وجه وشر من وجه وإن لم يعلم جهة الخير فيها كثير من الناس فما قدرها الرب سبحانه سدى ولا خلقها باطلا وعند هذا فيقال الوجود إما أن يكون خيرا من كل وجه أو شرا من كل وجه أو خيرا من وجه شرا من وجه وهذا على ثلاثة أقسام قسم خيره راجح على شره وعكسه وقسم مستو خيره وشره وأما أن لا يكون فيه خير ولا شر فهذه ستة أقسام ولا مزيد عليها فبعضها واقع وبعضها غير واقع فأما القسم الأول وهو الخير المحض من كل وجه الذي لا شر فيه بوجه ما فهو أشرف الموجودات على الإطلاق وأكملها وأجلها وكل كمال وخير فيها فهو مستفاد من خيره وكماله في نفسه وهي تستمد منه وهو لا يستمد منها وهي فقيرة إليه وهو غني عنها كل منها يسأله كماله فالملائكة تسأله ما لا حياة لها إلا به وإعانته على ذكره وشكره وحسن عبادته وتنفيذ أوامره والقيام بما جعل إليهم من مصالح العالم العلوي والسفلي وتسأله أن يغفر لبني آدم والرسل تسأله أن يعينهم على أداء رسالاته وتبليغها وأن ينصرهم على أعدائهم وغير ذلك من مصالحهم في معاشهم ومعادهم وبنو آدم كلهم يسألونه مصالحهم على تنوعها واختلافها والحيوان كله يسأله رزقه وغذاءه وقوته وما يقيمه ويسأله الدفع عنه والشجر والنبات يسأله غذاءه وما يكمل به والكون كله يسأله إمداده بقاله وحاله: ﴿يَسْألُهُ مَن في السَّماواتِ والأرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هو في شَأْنٍ﴾ فأكف جميع العالم ممتدة إليه بالطلب والسؤال ويده مبسوطة لهم بالعطاء والنوال يمينه ملأى لا يغيضها نفقة سجاء الليل والنهار وعطاؤه وخيره مبذول للأبرار والفجار له كل كمال ومنه كل خير له الحمد كله وله الثناء كله وبيده الخير كله وإليه يرجع الأمر كله تبارك اسمه وتباركت أوصافه وتباركت أفعاله وتباركت ذاته فالبركة كلها له ومنه لا يتعاظمه خير سئله ولا تنقص خزائنه على كثرة عطائه وبذله فلو صور كل كمال في العالم صورة واحدة ثم كان العالم كله على تلك الصورة لكان نسبة ذلك إلى كماله وجلاله وجماله دون نسبة سراج ضعيف إلى عين الشمس.
* (فصل)
وأما الأقسام الخمسة الباقية فلا يدخل منها في الوجود إلا ما كانت المصلحة والحكمة والخير في إيجاده أكثر من المفسدة والأقسام الأربعة لا تدخل في الوجود أما الشر المحض الذي لا خير فيه فذاك ليس له حقيقة بل هو العدم المحض.
فإن قيل فإبليس شر محض والكفر والشرك كذلك وقد دخلوا في الوجود فأي خير في إبليس وفي وجود الكفر؟
قيل في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله كما سننبه على بعضه فالله سبحانه لم يخلقه عبثا ولا قصد بخلقه إضرار عباده وهلاكهم فكم لله في خلقه من حكمة باهرة وحجة قاهرة وآية ظاهرة ونعمة سابغة وهو وإن كان للأديان والإيمان كالسموم للأبدان ففي إيجاد السموم من المصالح والحكم ما هو خير من تفويتها
وأما الذي لا خير فيه ولا شر فلا يدخل أيضا في الوجود فإنه عبث فتعالى الله عنه وإذا امتنع وجود هذا القسم في الوجود فدخول ما الشر في إيجاده أغلب من الخير أولى بالامتناع ومن تأمل هذا الوجود علم أن الخير فيه غالب وأن الأمراض وإن كثرت فالصحة أكثر منها واللذات أكثر من الآلام والعافية أعظم من البلاء والغرق والحرق والهدم ونحوها وإن كثرت فالسلامة أكثر ولو لم يوجد هذا القسم الذي خيره غالب لأجل ما يعرض فيه من الشر لفات الخير الغالب وفوات الخير الغالب شر غالب ومثال ذلك النار فإن في وجودها منافع كثيرة وفيها مفاسد لكن إذا قابلنا بين مصالحها ومفاسدها لم تكن لمفاسدها نسبة إلى مصالحها وكذلك المطر والرياح والحر والبرد وبالجملة فعناصر هذا العالم السفلي خيرها ممتزج بشرها ولكن خيرها غالب وأما العالم العلوي فبريء من ذلك.
فإن قيل فهلا خلق الخلاق الحكيم هذه الدنيا خالية من الشر بحيث تكون خيرات محضة؟
فإن قلتم اقتضت الحكمة خلق هذا العالم ممتزجا فيه اللذة بالألم والخير بالشر فقد كان يمكن خلقه على حالة لا يكون فيه شر كالعالم العلوي.
سلمنا أن وجود ما الخير فيه أغلب من الشر أولى من عدمه، فأي خير ومصلحة في وجود رأس الشر كله ومنبعه وقدوة أهله فيه إبليس، وأي خير في إبقائه إلى آخر الدهر، وأي خير يغلب في نشأة يكون فيها تسعة وتسعون إلى النار وواحد في الجنة، وأي خير غالب حصل بإخراج الأبوين من الجنة حتى جرى على الأولاد ما جرى ولو داما في الجنة لارتفع الشر بالكلية.
وإذا كان قد خلقهم لعبادته فكيف اقتضت حكمته أن صرف إليهم عنا، ووفق لها الأقل من الناس، وأي خير يغلب في خلق الكفر والفسوق والعصيان والظلم والبغي، وأي خير في إيلام غير المكلفين كالأطفال والمجانين؟
فإن قلتم فائدته التعويض أنقض عليكم بإيلام البهائم ثم وأي خير في خلق الدجال وتمكينه من الظهور والافتتان به وإذ قد اقتضت الحكمة ذلك فأي خير حصل في تمكينه من إظهار تلك الخوارق والعجائب وأي خير في السحر وما يترتب عليه من المفاسد والمضار وأي خير في إلباس الخلق شيعا وإذاقة بعضهم بأس بعض وأي خير في خلق السموم وذات السموم والحيوانات العادية المؤذية بطبعها وأي خير في خراب هذه البنية بعد خلقها في أحسن تقويم وردها إلى أرذل العمر بعد استقامتها وصلاحها وكذلك خراب هذا الدار ومحو أثرها فإن كان وجود ذلك خيرا غالبا فإبطاله إبطال للخير الغالب دع هذا كله فأي خير راجح أو مرجوح في النار وهي دار الشر الأعظم والبلاء الأكبر ولا خلاص لكم عن هذه الأسئلة إلا بسد باب الحكم والتعليل وإسناد الكون إلى محض المشيئة أو القول بالإيجاب الذاتي وأن الرب لا يفعل باختياره ومشيئته وهذه الأسئلة إنما ترد على من يقول بالفاعل المختار فلهذا لجأ القائلون إلى إنكار التعليل جملة فاختاروا أحد المذهبين وتحيزوا إلى إحدى الفئتين وإلا فكيف تجمعون بين القول بالحكمة والتعليل وبين هذه الأمور فالجواب بعد أن نقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر بل في تحقيق هذه الكلمات الجواب الشافي: ﴿رَبَّنا ما خَلَقْتَ هَذا باطِلًا سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ﴾
﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما لاعِبِينَ ما خَلَقْناهُما إلاّ بِالحَقِّ﴾، ﴿وَما خَلَقْنا السَّماءَ والأرْضَ وما بَيْنَهُما باطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ﴾ ﴿أفَحَسِبْتُمْ أنَّما خَلَقْناكم عَبَثًا وأنَّكم إلَيْنا لا تُرْجَعُونَ فَتَعالى اللَّهُ المَلِكُ الحَقُّ لا إلَهَ إلاّ هو رَبُّ العَرْشِ الكَرِيمِ﴾
﴿اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَماواتٍ ومِنَ الأرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الأمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وأنَّ اللَّهَ قَدْ أحاَطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا﴾: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الكَعْبَةَ البَيْتَ الحَرامَ قِيامًا لِلنّاسِ والشَّهْرَ الحَرامَ والهَدْيَ والقَلائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ ما في السَّماواتِ وما في الأرْضِ وأنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾، ﴿صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ﴾، ﴿أحسن كل الَّذِي أحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾، ﴿ما تَرى في خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِن تَفاوُتٍ﴾
بل هو في غاية التناسب واقع على أكمل الوجوه وأقربها إلى حصول الغايات المحمودة والحكم المطلوبة فلم يكن تحصل تلك الحكم والغايات التي انفرد الله سبحانه بعلمها على التفصيل وأطلع من شاء من عباده على أيسر اليسير منها إلا بهذه الأسباب والبدايات وقد سأله الملائكة المقربون عن جنس هذه الأسئلة وأصلها فقال: ﴿إنِّي أعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ﴾
وأقروا له بكمال العلم والحكمة وأنه في جميع أفعاله على صراط مستقيم وقالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ولما ظهر لهم ببعض حكمته فيما سألوا عنه وأنهم لم يكونوا يعلمون قال: ﴿قالَ ألَمْ أقُلْ لَكم إنِّي أعْلَمُ غَيْبَ السَّماواتِ والأرْضِ وأعْلَمُ ما تُبْدُونَ وما كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ﴾.
* (فائدة)
والله تعالى إنما نسب إلى نفسه الخير دون الشر فقال تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ مَن تَشاءُ وتُذِلُّ مَن تَشاءُ بِيَدِكَ الخَيْرُ إنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِير﴾
وأخطأ من قال المعنى بيدك الخير والشر لثلاثة أوجه.
أحدها أنه ليس في اللفظ ما يدل على إرادة هذا المحذوف بل ترك ذكره قصدا أو بيانا أنه ليس بمراد.
الثاني أن الذي بيد الله تعالى نوعان فضل وعدل كما في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: "يمين الله ملأى لا يغيضها نفقة سحاء الليل والنهار أرأيتم ما أنفق منذ خلق الخلق فإنه لم يغض ما في يمينه وبيده الأخرى القسط يخفض ويرفع" فالفضل لإحدى اليدين والعدل للأخرى وكلاهما خير لا شر فيه بوجه.
الثالث أن قول النبي ﷺ لبيك وسعديك والخير في يديك والشر ليس إليك كالتفسير للآية ففرق بين الخير والشر وجعل أحدهما في يدي الرب سبحانه وقطع إضافة الآخر إليه مع إثبات عموم خلقه لكل شيء.
* (فصل)
«اللهم» لا خلاف أن لفظ «اللهم» معناها: يا الله: ولهذا لا تستعمل إلا في الطلب. فلا يقال: اللهم غفور رحيم، بل يقال: اللهم اغفر لي وارحمني.
واختلف النحاة في الميم المشددة من آخر الاسم.
فقال سيبويه: زيدت عوضا من حرف النداء. ولذلك لا يجوز الجمع بينهما في اختيار الكلام، فلا يقال «يا اللهم» إلا فيما ندر، كقول الشاعر:
؎إني إذا ما حدث ألمّا ∗∗∗ أقول: يا اللهم، يا اللهم
ويسمى ما كان من هذا الضرب عوضا. إذ هو في غير محل المحذوف. فإن كان في محله سمّي بدلا، كالألف في «قام، وباع» فإنها بدل من الواو والياء. ولا يجوز عنده أن يوصف هذا الاسم أيضا. فلا يقال:
يا اللهم الرحيم ارحمني، ولا يبدل منه.
والضمة التي على الهاء ضمة الاسم المنادى المفرد. وفتحت الميم لسكونها وسكون الميم التي قبلها. وهذا من خصائص هذا الاسم.
كما اختص بالتاء في القسم. وبدخول حرف النداء عليه مع لام التعريف، وبقطع همزة وصله في النداء، وبتفخيم لامه وجوبا غير مسبوقة بحرف إطباق. هذا ملخص مذهب الخليل وسيبويه.
وقيل: الميم عوض عن جملة محذوفة. والتقدير: يا الله أمنّا بخير، أي اقصدنا ثم حذف الجار والمجرور، وحذف المفعول. فبقي في التقدير:
يا الله أمّ. ثم حذفت الهمزة، لكثرة دوران هذا الاسم في الدعاء على ألسنتهم، فبقي «يا اللهم» وهذا قول الفراء.
وصاحب هذا القول يجوّز دخول «يا» عليه. ويحتج بقول الشاعر:
يا اللهم ما اردد علينا سحا مسلما
وبالبيت المتقدم وغيرهما.
ورد البصريون هذا بوجوه.
أحدها: أن هذه التقادير لا دليل عليها، ولا يقتضيها القياس، فلا يصار إليها بغير دليل.
الثاني: أن الأصل عدم الحذف، فتقدير هذه المحذوفات الكثيرة خلاف الأصل.
الثالث: أن الداعي بهذا قد يدعو بالشر على نفسه وعلى غيره. فلا يصح هذا التقدير فيه.
الرابع: أن الاستعمال الشائع الفصيح يدل على أن العرب لم تجمع بين «يا» و «اللهم» ولو كان أصله ما ذكره الفراء لم يمتنع الجمع. بل كان استعماله فصيحا شائعا. والأمر بخلافه.
الخامس: أنه لا يمتنع أن يقول الداعي: اللهم أمّنا بخير. ولو كان التقدير كما ذكره، لم يجز الجمع بينهما، لما فيه من الجمع بين العوض والمعوض عنه.
السادس: أن الداعي بهذا الاسم لا يخطر ذلك بباله، وإنما تكون عنايته مجردة إلى المطلوب بعد ذكر الاسم.
السابع: أنه لو كان التقدير ذلك لكان «اللهم» جملة تامة، يحسن السكوت عليها. لاشتمالها على الاسم المنادى وفعل الطلب. وذلك باطل.
الثامن: أنه لو كان التقدير ما ذكره لكتب فعل الأمر وحده، ولم يوصل باسم المنادى كما يقال: يا الله قه «١»، ويا زيد عه «٢»، ويا عمرو فه «٣».
لأن الفعل لا يوصل بالاسم الذي قبله حتى يجعلا في الخط كلمة واحدة. هذا لا نظير له في الخط وفي الاتفاق على وصل الميم باسم الله دليل على أنها ليست بفعل مستقل.
التاسع: أنه لا يسوغ ولا يحسن في الدعاء أن يقول العبد: اللهم أمّني بكذا بل هذا مستكره من اللفظ والمعنى. فإنه لا يقال: اقصدني بكذا إلا لمن كان يعرض له الغلط والنسيان، فيقول له: اقصدني. وأما من كان لا يفعل إلا بإرادته، ولا يضل ولا ينسى. فلا يقال له: اقصد كذا.
العاشر: أنه يسوغ استعمال هذا اللفظ في موضع لا يكون بعده دعاء.
كقوله ﷺ في الدعاء «اللهم لك الحمد، وإليك المشتكي، وأنت المستعان، وبك المستغاث، وعليك التكلان، ولا حول ولا قوة إلا بالله»
وقوله «اللهم إني أصبحت أشهدك وأشهد حملة عرشك، وملائكتك وجميع خلقك: أنك أنت الله لا إله إلا أنت وحدك لا شريك لك، وأن محمدا عبدك ورسولك»
وقوله تعالى: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مالِكَ المُلْكِ تُؤْتِي المُلْكَ مَن تَشاءُ وتَنْزِعُ المُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وتُعِزُّ مَن تَشاءُ وتُذِلُّ مَن تَشاءُ﴾ - وقوله:
﴿قُلِ اللَّهُمَّ فاطِرَ السَّماواتِ والأرْضِ عالِمَ الغَيْبِ والشَّهادَةِ أنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبادِكَ في ما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾
وقول النبي ﷺ في ركوعه وسجوده «سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي».
فهذا كله لا يسوغ فيه التقدير الذي ذكروه. والله أعلم.
وقيل: زيدت الميم للتعظيم والتفخيم، كزيادتها في زرقم، لشديد الزرقة، وابنم في ابن.
وهذا القول صحيح. لكن يحتاج إلى تتمة. وقائله لحظ معنى صحيحا، لا بد من بيانه.
وهو أن الميم تدل على الجمع وتقتضيه، ومخرجها يقتضي ذلك.
وهذا مطرد على أصل من أثبت المناسبة بين اللفظ والمعنى. كما هو مذهب أساطين العربية. وعقد له أبو الفتح ابن جنى بابا في الخصائص. وذكره عن سيبويه. واستدل عليه بأنواع من تناسب اللفظ والمعنى.
ثم قال: ولقد مكثت برهة يرد عليّ اللفظ لا أعلم موضوعه، فأجد معناه من قوة لفظه، ومناسبة تلك الحروف لذلك المعنى. ثم أكشفه فأجده كما فهمته أو قريبا منه.
فحكيت لشيخ الإسلام هذا عن ابن جني. فقال:
وأنا كثيرا ما يجرى لي ذلك. ثم ذكر لي فصلا عظيم النفع في التناسب بين اللفظ والمعنى، ومناسبة الحركات لمعنى اللفظ، وأنهم في الغالب يجعلون الضمة التي هي أقوى الحركات للمعنى الأقوى. والفتحة الخفيفة للمعنى الخفيف. والمتوسطة للمتوسط. فيقولون: عزّ يعز. بفتح العين - إذا صلب. وأرض عزاز: صلبة. ويقولون: عز يعزّ - بكسرها - إذا امتنع.
والممتنع فوق الصلب، فقد يكون الشيء صلبا ولا يمتنع على كاسره. ثم يقولون: عزّه يعزّه. إذا غلبه.
قال الله تعالى في قصة داود عليه السلام ﴿وَعَزَّنِي في الخِطابِ﴾
والغلبة أقوى من الامتناع، إذ قد يكون الشيء ممتنعا في نفسه، متحصنا عن عدوه، ولا يغلب غيره. فالغالب أقوى من الممتنع، فأعطوه أقوى الحركات - وهو الضمة - والصلب أضعف من الممتنع. فأعطوه أضعف الحركات - وهو الفتحة - والممتنع المتوسط بين المرتبتين حركة الوسط.
ونظير هذا قولهم «ذبح» - بكسر أوله - للمحل الذبوح: و «ذبح» - بفتح أوله - لنفس الفعل. ولا ريب أن الجسم أقوى من العرض، فأعطوا الحركة القوية للقوي، والضعيفة للضعيف، وهو مثل قولهم «نهب، ونهب» بالكسر للمنهوب وبالفتح للفعل. وكقولهم «ملء، وملء» بالكسر، لما يملأ الشيء، وبالفتح للمصدر، الذي هو الفعل. وكقولهم «حمل، وحمل» فبالكسر لما كان قويا مثقلا لحامله على ظهره أو رأسه، أو غيرهما من أعضائه، و «الحمل» بالفتح، لما كان خفيفا غير مثقل، كحمل الحيوان، وحمل الشجرة به أشبه، ففتحوه.
وتأمل هذا في «الحبّ والحبّ» فجعلوا المكسور الأول لنفس المحبوب، ومضمومه للمصدر، إيذانا بخفة المحبوب على قلوبهم، ولطف موقعه من أنفسهم وحلاوته عندهم، وثقل حمل الحب ولزومه، كما يلزم الغريم غريمه، ولهذا يسمى غراما. ولهذا كثر وصفهم تحمله بالشدة والصعوبة، وإخبارهم بأن أعظم المخلوقات وأشدها من الصخر والحديد ونحوهما لو حمله لذاب من حمله، ولم يستقل به. كما هو كثير في أشعار المتقدمين والمتأخرين وكلامهم. فكان الأحسن: أن يعطوا المصدر هنا الحركة القوية، والمحبوب الحركة التي هي أخف منها.
ومن هذا: قولهم «قبض» بسكون وسطه للفعل، و «قبض» بتحريكه للمقبوض. والحركة أقوى من السكون والمقبوض أقوى من المصدر.
ونظيره: «سبق» بالسكون للفعل، و «سبق» بالفتح: للمال المأخوذ في هذا العقد.
وتأمل قولهم «دار، دورانا» و «فارت القدر، فورانا» و «وغلت، غليانا» كيف تابعوا بين الحركات في هذه المصادر لتتابع حركة المسمى.
فطابق اللفظ المعنى.
وتأمل قولهم «حجر» و «هواء» كيف وضعوا للمعنى الثقيل الشديد هذه الحروف الشديدة، ووضعوا للمعنى الخفيف: الهواية، التي هي من أخف الحروف.
وهذا أكثر من أن يحاط به، وإن مد الله في العمر وضعت فيه كتابا مستقلا إن شاء الله تعالى.
ومثل هذه المعاني يستدعي لطافة ذهن، ورقة طبع. ولا تتأتى مع غلظ القلوب، والرضى بأوائل مسائل النحو والتصريف، دون تأملها وتدبرها، والنظر إلى حكمة الواضع، ومطالعة ما في هذه اللغة الباهرة من الأسرار التي تدق عن أكثر العقول. وهذا باب ينبه الفاضل على ما وراءه ﴿وَمَن لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَما لَهُ مِن نُورٍ﴾.
وانظر في تسميتهم الغليظة الجافي بالعتلّ والجعظري، والجواظ، كيف تجد هذه الألفاظ تنادي على ما تحتها من المعاني.
وانظر إلى تسميتهم الطويل بالعشنّق. وتأمل اقتضاء هذه الحروف ومناسبتها لمعنى الطول، وتسميتهم القصير بالبحتر، وموارتهم بين ثلاث فتحات في اسم الطويل، وهو العشنق، وإتيانهم بضمتين بينهما سكون في البحتر، كيف يقتضي اللفظ الأول: انفتاح الفم، وانفراج آلات النطق، وامتدادها، وعدم ركوب بعضها بعضا، وفي اسم البحتر الأمر بالضد.
وتأمل قولهم: طال الشيء، فهو طويل، وكبر كبير. فإن زاد طوله وكبره قالوا: طوالا، وكبارا، فأتوا بالألف التي هي أكثر مدا، وأطول من الياء في الأطول. فإن زاد كبر الشيء، وثقل موقعه من النفوس ثقّلوا اسمه، فقالوا: كبّارا بشد الباء.
ولو أطلقنا عنان القلم في ذلك لطال مداه، واستعصى على الضبط.
فلنرجع إلى ما جرى الكلام بسببه فنقول: الميم حرف شفهي يجمع الناطق به شفتيه، فوضعته العرب علما على الجمع، فقالوا للواحد: أنت، فإذا جاوزوه إلى الجمع قالوا: أنتم. وقالوا للواحد الغائب: هو، فإذا جاوزوه إلى الجمع، قالوا: هم. وكذلك في المتصل يقولون: ضربت، وضربتم، وإياك، وإياكم، وإياه، وإياهم، ونظائره، نحو: به وبهم. ويقولون للشيء الأزرق، فإذا اشتدت زرقته واجتمعت واستحكمت قالوا: زرقم ويقولون للكبير الاست: ستهم بوزن قنفذ.
وتأمل الألفاظ التي فيها الميم، كيف تجد الجمع معقودا بها، مثل لمّ الشيء يلتمه، إذا جمعه. ومنه لمّ الله شعثه، أي جمع ما تفرق من أموره. ومنه قولهم: دار لمومة. أي تلم الناس وتجمعهم. ومنه: الأكل اللّمّ، جاء في تفسيرها: يأكل نصيبه ونصيب صاحبه. وأصله من اللم، وهو الجمع، كما يقال: لفه يلفّه. ومنه: ألم بالشيء، إذا قارب الاجتماع به والوصول إليه.
ومنه اللمم. وهو مقاربة الاجتماع بالكبائر. ومنه الملمة، وهي النازلة التي تصيب العبد. ومنه اللّمّة، وهي الشعر الذي قد اجتمع، وتقلص حتى جاوز شحمة الأذن، ومنه لمّ الشيء، وما تصرف منها.
ومنه: بدر التّم: إذا كمل واجتمع نوره.
ومنه: التوأم للولدين المجتمعين في بطن.
ومنه: الأم. وأم الشيء: أصله الذي تفرع منه. فهو الجامع له، وبه سميت مكة أم القرى، والفاتحة أم القرآن. واللوح المحفوظ: أم الكتاب.
قال الجوهري: أم الشيء أصله، ومكة: أم القرى. وأم مثواك:
صاحبة منزلك. يعني التي تأوى إليها وتجتمع معها، وأم الدماغ: الجلدة التي تجمع الدماغ ويقال لها: أم الرأس.
وقال تعالى في الآيات المحكمات ﴿هُنَّ أُمُّ الكِتابِ﴾
والأمة: الجماعة المتساوية في الخلقة، أو الزمان، أو اللسان، قال تعالى: ﴿وَما مِن دابَّةٍ في الأرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إلّا أُمَمٌ أمْثالُكُمْ﴾
وقال النبي ﷺ «لولا أن الكلاب أمة من الأمم لأمرت بقتلها»».
ومنه: الإمام الذي يجتمع المقتدون به على أتباعه.
ومنه: أمّ الشيء يؤمه إذا جمع قصده وهمه إليه.
ومنه: رمّ الشيء يرمه، إذا أصلحه. وجمع متفرقه.
قيل: ومنه سمي الرمان: لاجتماع حبه وتضامه.
ومنه: ضم الشيء يضمه: إذا جمعه.
ومنه: هم الإنسان، وهمومه، وهي إرادته وعزائمه التي تجتمع في قلبه.
ومنه: قولهم للأسود: أحم، والفحمة السوداء: حممة، وحم رأسه إذا اسود بعد حلقه كله. هذا لأن السواد لون جامع للبصر، لا يدعه يتفرق.
ولهذا يجعل على عيني الضعيف البصر لوجع أو غيره شيء أسود، من شعر أو خرقة، ليجمع عليه بصره فتقوى القوة الباصرة.
وهذا باب طويل. فلنقتصر منه على هذا القدر.
وإذا علم هذا من شأن الميم، فهم قد ألحقوها في آخر هذا الاسم «اللهم» الذي يسأل العبد به ربه سبحانه في كل حاجة، وكل حال، إيذانا بجمع أسمائه تعالى وصفاته. فإذا قال السائل: اللهم إني أسألك، كأنه قال: أدعو الله الذي له الأسماء الحسنى والصفات العلى بأسمائه وصفاته.
فأتى بالميم المؤذنة بالجمع في آخر هذا الاسم، إيذانا بسؤاله تعالى بأسمائه كلها. كما قال النبي ﷺ في الحديث الصحيح «ما أصاب عبدا قط همّ ولا حزن، فقال: اللهم إني عبدك، ابن عبدك، ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيّ حكمك، عدل فيّ قضاؤك، أسألك بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك: أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي، إلا أذهب الله همه وغمه، وأبدله مكانه فرحا. قالوا: يا رسول الله، أفلا نتعلمهن؟ قال: بلى، ينبغي لمن سمعهن أن يتعلمهن» «١».
فالداعي مندوب إلى أن يسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته، كما في الاسم الأعظم
«اللهم إني أسألك بأن لك الحمد، لا إله إلا أنت، الحنان المنان، بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام، يا حي يا قيوم» «٢»
وهذه الكلمات تتضمن الأسماء الحسنى، كما ذكر في غير هذا الموضع «٣».
والدعاء ثلاثة أقسام.
أحدها: أن تسأل الله تعالى بأسمائه وصفاته. وهذا أحد التأويلين في قوله تعالى: ﴿وَلِلَّهِ الأسْماءُ الحُسْنى فادْعُوهُ بِها﴾.
والثاني: أن تسأله بحاجتك وفقرك، وذلّك. فتقول: أنا العبد الفقير المسكين البائس الذليل المستجير، ونحو ذلك.
والثالث: أن تسأل حاجتك ولا تذكروا أحدا من الأمرين.
فالأول أكمل من الثاني. والثاني أكمل من الثالث. فإذا جمع الدعاء الأمور الثلاثة كان أكمل.
وهذه عامة أدعية النبي ﷺ.
وفي الدعاء الذي علمه صدّيق الأمة رضي الله عنه «١» ذكر الأقسام الثلاثة.
فإنه قال في أوله «اللهم إني ظلمت نفسي ظلما كثيرا»
وهذا حال السائل. ثم
قال: «وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت»
وهذا حال المسؤول، ثم قال «فاغفر لي» فذكر حاجته وختم الدعاء باسمين من الأسماء الحسنى تناسب المطلوب وتقتضيه.
وهذا القول الذي اخترناه قد جاء عن غير واحد من السلف. قال الحسن البصري «اللهم» مجمع الدعاء وقال أبو رجاء العطاردي: إن الميم في قوله «اللهم» فيها تسعة وتسعون اسما من أسماء الله تعالى، وقال النضر بن شميل: من قال «اللهم» فقد دعا الله بجميع أسمائه.
وقد وجه طائفة هذا القول بأن الميم هنا بمنزلة الواو الدالة على الجمع، فإنها من مخرجها. فكأن الداعي بها يقول: يا الله الذي اجتمعت له الأسماء الحسنى، والصفات العليا، ولذلك شددت لتكون عوضا عن علامة الجمع. وهي الواو والنون في «مسلمون» ونحوه.
وعلى الطريقة التي ذكرناها وهي أن نفس الميم دالة على الجمع لا يحتاج إلى هذا.
بقي أن يقال: فهلا جمعوا بين «يا» وبين هذه الميم، على المذهب الصحيح؟
فالجواب: أن القياس يقتضي عدم دخول حرف النداء على هذا الاسم، لمكان الألف واللام منه. وإنما احتملوا ذلك فيه لكثرة استعمالهم دعاءه، واضطرارهم إليه، واستغاثتهم به. فإما أن يحذفوا الألف واللام منه. وذلك لا يسوغ للزومهما، وإما أن يتوصلوا إليه بأيّ، وذلك لا يسوغ، لأنها لا يتوصل بها إلا إلى نداء اسم الجنس المحلى بالألف واللام. كالرجل والرسول والنبي. وأما في الأعلام فلا.
فخالفوا قياسهم في هذا الاسم لمكان الحاجة. فلما أدخلوا الميم المشددة في آخره عوضا عن جمع الاسم، جعلوها عوضا عن حرف النداء، فلم يجمعوا بينهما، والله أعلم.
{"ayah":"قُلِ ٱللَّهُمَّ مَـٰلِكَ ٱلۡمُلۡكِ تُؤۡتِی ٱلۡمُلۡكَ مَن تَشَاۤءُ وَتَنزِعُ ٱلۡمُلۡكَ مِمَّن تَشَاۤءُ وَتُعِزُّ مَن تَشَاۤءُ وَتُذِلُّ مَن تَشَاۤءُۖ بِیَدِكَ ٱلۡخَیۡرُۖ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَیۡءࣲ قَدِیرࣱ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق