الباحث القرآني
(قاعِدَة جليلة)
أصل الخَيْر والشَّر من قبل التفكّر فَإن الفِكر مبدأ الإرادَة والطلب في الزّهْد والتّرْك والحب والبغض وأنفع الفِكر الفِكر في مصالح المعاد وفي طرق اجتلابها وفي دفع مفاسد المعاد وفي طرق اجتنابها فَهَذِهِ أرْبَعَة أفكار هي أجلّ الأفكار ويليها أرْبَعَة فكّر في مصالح الدُّنْيا وطرق تَحْصِيلها وفكّر في مفاسد الدُّنْيا وطرق الِاحْتِراز مِنها فعلى هَذِه الأقْسام الثَّمانِية دارت أفكار العُقَلاء ورَأس القسم الأول الفِكر في آلاء الله ونعمه وأمره ونَهْيه وطرق العلم بِهِ وبأسمائه وصِفاته من كِتابه وسنة نبيه وما ولاهما وهَذا الفِكر يُثمر لصاحبه المحبَّة والمعرفة فَإذا فكر في الآخِرَة وشرفها ودوامها وفي الدُّنْيا وخستها وفنائها أثمر لَهُ ذَلِك الرَّغْبَة في الآخِرَة والزهد في الدُّنْيا وكلما فكّر في قصر الأمل وضيق الوَقْت أورثه ذَلِك الجدّ والِاجْتِهاد وبذل الوسع في اغتنام الوَقْت وهَذِه الأفكار تعلي همّته وتحييها بعد مَوتها وسفولها وتجعله في واد والنّاس في واد وبإزاء هَذِه الأفكار الأفكار الرَّديئَة الَّتِي تجول في قُلُوب أكثر هَذا الخلق كالفكر فِيما لم يُكَلف الفِكر فِيهِ ولا أعْطى الإحاطَة بِهِ من فضول العلم الَّذِي لا ينفع كالفكر في كَيْفيَّة ذات الرب وصِفاته مِمّا لا سَبِيل للعقول إلى إدْراكه ومِنها الفِكر في الصناعات الدقيقة الَّتِي لا تَنْفَع بل تضر كالفكر في الشطرنج والموسيقى وأنواع الأشكال والتصاوير ومِنها الفِكر في العُلُوم الَّتِي لَو كانَت صَحِيحَة لم يُعْط الفِكر فِيها النَّفس كمالا ولا شرفا كالفكر في دقائق المنطق والعلم الرياضي والطبيعي وأكْثر عُلُوم الفلاسفة الَّتِي لَو بلغ الإنْسان غايتها لم يكمل بذلك ولم يزك نَفسه ومِنها الفِكر في الشَّهَوات واللَّذّات وطرق تَحْصِيلها وهَذا وإن كانَ لنَفس فِيهِ لَذَّة لَكِن لا عاقِبَة لَهُ ومضرّته في عاقِبَة الدُّنْيا قبل الآخِرَة أضْعاف مسرّته ومِنها الفِكر فِيما لم يكن لَو كانَ كَيفَ كانَ يكون كالفكر فِيما إذا صار ملكا أو وجد كنزا أو ملك ضَيْعَة ماذا يصنع وكَيف يتصرّف ويَأْخُذ ويُعْطِي وينتقم ونَحْو ذَلِك من أفكار السّفل ومِنها الفِكر في جزيئات أحْوال النّاس وما جراياتهم ومداخلهم ومخارجهم وتوابع ذَلِك من فكر النُّفُوس المبطلة الفارغة من الله ورَسُوله والدّار الآخِرَة ومِنها الفِكر في دقائق الحِيَل والمَكْر الَّتِي يتَوَصَّل بها إلى أغراضه وهواه مُباحَة كانَت أو مُحرمَة ومِنها الفِكر في أنْواع الشّعْر وصروفه وأفانينه في المَدْح والهجاء والغزل والمراثي ونَحْوها فَإنَّهُ يشغل الإنْسان عَن الفِكر فِيما فِيهِ سعادته وحياته الدائمة ومِنها الفِكر في المقدرات الذهنية الَّتِي لا وجود لَها في الخارِج ولا بِالنّاسِ حاجَة إلَيْها ألْبَتَّةَ وذَلِكَ مَوْجُود في كل علم حَتّى في علم الفِقْه والأُصُول والطب فَكل هَذِه الأفكار مضرّتها أرجح من مَنفَعَتها ويكتفي في مضرّتها شغلها عَن الفِكر فِيما هو أولى بِهِ وأعود عَلَيْهِ بالنفع عاجلا وآجلا.
* (فصل)
عَن بعض السّلف أنه قالَ تفكر ساعَة خير من عبادَة سِتِّينَ سنة
وسأل رجل أم الدَّرْداء بعد مَوته عَن عِبادَته فَقالَت كانَ نَهاره أجمعه في بادية التفكر.
وَقالَ الحسن تفكر ساعَة خير من قيام لَيْلَة.
وَقالَ الفضل التفكر مرْآة تريك حَسَناتك وسيئاتك.
وَقيل لإبراهيم إنَّك تطيل الفكرة؟ فَقالَ الفكرة مخ العقل.
وَكانَ سُفْيان كثيرا ما يتَمَثَّل:
؎إذا المَرْء كانَت لَهُ فكرة ∗∗∗ فَفي كل شَيْء لَهُ عِبْرَة
وَقالَ الحسن في قوله تَعالى: ﴿سأصرف عَن آياتي الَّذين يتكبرون في الأرض بِغَيْر الحق﴾
قالَ أمنعهم التفكر فِيها.
وَقالَ بعض العارفين لَو طالعت قُلُوب المُتَّقِينَ بفكرها إلى ما قدر في حجب الغَيْب من خير الآخرة لم يَصْف لَهُم في الدُّنْيا عَيْش ولم تقر لَهُم فِيها عين.
وَقالَ الحسن طول الوحدَة أتم للفكرة وطول الفكرة دَلِيل على طَرِيق الجنَّة.
وَقالَ وهب ما طالَتْ فكرة احْدُ قطّ إلا علم وما علم امْرُؤ قطّ إلا عمل
وَقالَ عمر بن عبد العزيز الفكرة في نعم الله من أفضل العِبادَة
وَقالَ عبد الله بن المُبارك لبَعض أصحابه وقد رَآهُ مفكرا ايْنَ بلغت قالَ الصِّراط
وَقالَ بشر لَو فكر النّاس في عَظمَة الله ما عصوه.
وَقالَ ابْن عَبّاس رَكْعَتانِ مقتصدتان في تفكر خير من قيام لَيْلَة بِلا قلب
وَقالَ أبو سُلَيْمان الفِكر في الدُّنْيا حجاب عَن الآخرة وعقوبة لأهل الولايَة والفكرة في الآخرة تورث الحِكْمَة وتجلي القُلُوب
وَقالَ ابْن عَبّاس التفكر في الخَيْر يَدْعُو إلى العَمَل بِهِ
وَقالَ الحسن أن أهل العلم لم يزالُوا يعودون بِالذكر على الفِكر والفكر على الذّكر ويناطقون القُلُوب حَتّى نطقت بالحكمة.
وَمن كَلام الشّافِعِي اسْتَعِينُوا على الكَلام بِالصَّمْتِ وعَلى الاستنباط بالفكرة وهَذا لأن الفكرة عمل القلب والعِبادَة عمل الجوارج والقلب أشرف من الجَوارِح فَكانَ عمله أشرف من عمل الجَوارِح، وأيضا فالتفكر يُوقع صاحبه من الإيمان على ما لا يوقعه عَلَيْهِ العَمَل المُجَرّد فإن التفكر يُوجب لَهُ من انكشاف حقائق الأمور وظهورها لَهُ وتميز مراتبها في الخَيْر والشَّر ومَعْرِفَة مفضولها من فاضلها وأقبحها من قبيحها ومَعْرِفَة أسبابها الموصلة إليها وما يُقاوم تِلْكَ الأسباب ويدْفَع مُوجبها، والتمييز بَين ما يَنْبَغِي السَّعْي في تحصيله وبَين ما يَنْبَغِي السَّعْي في دفع أسبابه والفرق بَين الوَهم والخيال المانِع لأكثر النُّفُوس من انتهاز الفرص بعد إمكانها وبَين السَّبَب المانِع حَقِيقَة فيشتغل بِهِ دون الأول فَما قطع العَبْد عَن كَماله وفلاحه وسعادته العاجلة والآجلة قاطع أعظم من الوَهم الغالِب على النَّفس والخيال الَّذِي هو مركبها بل بحرها الَّذِي لا تنفك سابحة فِيهِ، وإنَّما يقطع هَذا العارِض بفكرة صَحِيحَة وعزم صادِق يُمَيّز بِهِ بَين الوَهم والحقيقة، وكَذَلِكَ إذا فكر في عواقب الأمور وتجاوز فكره مباديها وضعها مواضعها وعلم مراتبها فَإذا ورد عَلَيْهِ وارِد الذَّنب والشهوة فَتَجاوز فكره لذته وفَرح النَّفس بِهِ إلى سوء عاقبته وما يَتَرَتَّب عَلَيْهِ من الألم والحزن الَّذِي لا يُقاوم تِلْكَ اللَّذَّة والفرحة ومن فكر في ذَلِك فَإنَّهُ لا يكاد يقدم عَلَيْهِ وكَذَلِكَ إذا ورد على قلبه وارِد الرّاحَة والدعة والكسل والتقاعد عَن مشقة الطّاعات وتعبها حَتّى عبر بفكره إلى ما يترب عَلَيْها من اللَّذّات والخيرات والأفراح الَّتِي تغمر تِلْكَ الآلام الَّتِي في مباديها بِالنِّسْبَةِ إلى كَمال عواقبها وكلما غاص فكره في ذَلِك اشْتَدَّ طلبه لَها وسَهل عَلَيْهِ معاناتها اسْتَقْبلها بنشاط وقُوَّة وعزيمة وكَذَلِكَ إذا فكر في مُنْتَهى ما يستعبده من المال والجاه والصور ونظر إلى غايَة ذَلِك بِعَين فكره اسْتَحى من عقله ونَفسه أن يكون عبدا لذَلِك كَما قيل:
؎لَو فكر العاشق في مُنْتَهى ∗∗∗ حسن الَّذِي يسبيه لم يسبه
وَكَذَلِكَ إذا فكر في آخر الأطعمة المفتخرة الَّتِي تفانت عَلَيْها نفوس اشباه الأنعام وما يصير أمرها إليه عند خُرُوجها ارْتَفَعت همته عَن صرفها إلى الاعتناء بها وجعلها معبود قلبه الَّذِي إليه يتَوَجَّه وله يرضى ويغضب ويسْعى ويكدح ويوالي ويعادي كَما جاءَ في المسند عَن النَّبِي أنه قالَ
"إن الله جعل طَعام ابْن آدم مثل الدُّنْيا وإن قزحه ملحه فَإنَّهُ يعلم إلى ما يصير "
أوْ كَما قالَ.
فَإذا وقع فكره على عاقِبَة ذَلِك وآخر أمره وكانَت نَفسه حرَّة أبيه ربابها أن يَجْعَلها عبدا لما آخِره أنتن شَيْء وأخبثه وأفحشه.
* فصل إذا عرف هَذا فالفكر هو إحضار معرفتين في القلب ليستثمر مِنهُما معرفَة ثالِثَة، ومِثال ذَلِك إذا أحضر في قلبه العاجلة وعيشها ونعيمها وما يقْتَرن بِهِ من الآفات وانقطاعه وزواله ثمَّ أحضر في قلبه الآخرة ونَعِيمها ولذته ودوامه وفضله على نعيم الدُّنْيا وجزم بِهَذَيْنِ العلمين أثمر لَهُ ذَلِك علما ثالِثا وهو أن الآخرة ونَعِيمها الفاضِل الدّائِم أولى عند كل عاقل بإيثاره من العاجلة المنقطعة المنغصة، ثمَّ لَهُ في معرفَة الآخرة حالتان إحداهما أن يكون قد سمع ذَلِك من غَيره من غير أن يُباشر قلبه برد اليَقِين بِهِ ولم يفض قلبه إلى مكافحة حَقِيقَة الآخرة، وهَذا حال أكثر النّاس فيتجاذبه داعيان أحدهما داعِي العاجلة وإيثارها وهو أقوى الداعيين عِنْده، لأنه مشاهد لَهُ محسوس وداعي الآخرة وهو أضعف الداعيين عِنْده لأنه داع عَن سَماع لم يُباشر قلبه اليَقِين بِهِ ولا كافحه حَقِيقَته العلمية فَإذا ترك العاجلة للآخرة تريه نَفسه بأنه قد ترك مَعْلُوما لمظنون أو متحققا لموهوم فلسان الحال يُنادي عَلَيْهِ لا أدع ذرة منقودة لدرة موعودة وهَذِه الآفة هي الَّتِي منعت النُّفُوس من الاستعداد للآخرة وأن يسْعى لَها سعيها وهِي من ضعف العلم بها وتيقنها، وإلّا فَمَعَ الجَزْم التّام الَّذِي لا يخالج القلب فِيهِ شكّ لا يَقع التهاون بها وعدم الرَّغْبَة فِيها ولِهَذا لَو قدم لرجل طَعام في غايَة الطّيب واللذة وهو شَدِيد الحاجة إليه ثمَّ قيل لَهُ إنَّه مَسْمُوم فَإنَّهُ لا يقدم عَلَيْهِ لعلمه بِأن سوء ما تجني عاقِبَة تناوله تربو في المضرَّة على لَذَّة أكله فَما بال الإيمان بالآخرة لا يكون في قلبه بِهَذِهِ المنزلَة ما ذاك إلا لضعف شَجَرَة العلم والإيمان بها في القلب وعدم استقرارها فِيهِ وكَذَلِكَ إذا كانَ سائرا في طَرِيق فَقيل لَهُ إن بها قطاعا ولصوصا يقتلُون من وجدوه ويَأْخُذُونَ مَتاعه فإنه لا يسلكها إلا على أحد وجْهَيْن:
إما أن لا يصدق المخبر، وإمّا أن يَثِق من نَفسه بغلبتهم وقهرهم والانتصار عَلَيْهِم وآلاف فَمَعَ تَصْدِيقه للْخَبَر تَصْدِيقًا لا يتمارى فِيهِ وعلمه من نَفسه بضعفه وعجزه عَن مقاومتهم فَإنَّهُ لا يسلكها ولَو حصل لَهُ هَذانِ العلمان فِيما يرتكبه من إيثار الدُّنْيا وشهواتها لم يقدم على ذَلِك فَعلم أن إيثاره للعاجلة وترك استعداده للآخرة لا يكون قطّ مَعَ كَمال تَصْدِيقه وإيمانه أبدا.
الحالة الثّانِيَة أن يتَيَقَّن ويجزم جزما لا شكّ فِيهِ بِأن لَهُ دارا غير هَذِه الدّار ومعادا لَهُ خلق وأن هَذِه الدّار طَرِيق إلى ذَلِك المعاد ومنزل من منازِل السائرين إليه ويعلم مَعَ ذَلِك أنها باقِيَة ونَعِيمها وعذابها لا يَزُول ولا نِسْبَة لهَذا النَّعيم والعَذاب العاجل إليه إلّا كَما يدْخل الرجل أصبعه في اليم ثمَّ يَنْزِعها فالَّذِي تعلق بها مِنهُ هو كالدنيا بِالنِّسْبَةِ إلى الآخرة فيثمر لَهُ هَذا العلم إيثار الآخرة وطلبها والاستعداد التّام لَها وأن يسْعى لَها سعيها، وهَذا يسْعى تفكرا وتذكرا ونظرا وتأملا واعتبارا وتدبرا واستبصارا، وهَذِه معان مُتَقارِبَة تَجْتَمِع في شَيْء وتتفرق في آخر ويُسمى تفكرا لأنه اسْتِعْمال الفكرة في ذَلِك وإحضاره عِنْده ويُسمى تذكرا لأنه إحضار للْعلم الَّذِي يجب مراعاته بعد ذُهُوله وغيبته عَنهُ ومِنه قوله تَعالى: ﴿إن الَّذين اتَّقوا إذا مسهم طائف من الشَّيْطان تَذكرُوا فَإذا هم مبصرون﴾
وَيُسمى نظرا لأنه التِفات بِالقَلْبِ إلى المنظور فِيهِ ويُسمى تأملا لأنه مُراجعَة للنَّظَر كرة بعد كرة حَتّى يتجلى لَهُ وينكشف لِقَلْبِهِ ويُسمى اعْتِبارا وهو افتعال من العبور لأنه يعبر مِنهُ إلى غَيره فيعبر من ذَلِك الَّذِي قد فكر فِيهِ إلى معرفَة ثالِثَة وهِي المَقْصُود من الِاعْتِبار ولِهَذا يُسمى عِبْرَة وهِي على بِناء الحالات كالجلسة والركبَة والقتلة إيذانا بِأن هَذا العلم والمعرفة قد صار حالا لصاحبه يعبر مِنهُ إلى المَقْصُود بِهِ وقالَ الله تَعالى ﴿إن في ذَلِك لعبرة لمن يخْشى﴾ وقالَ ﴿إن في ذَلِك لعبرة لأولي الأبصار﴾ ويُسمى تدبرا لأنه نظر في أدبار الأمور وهِي أواخرها وعواقبها، ومِنه تدبر القَوْل وقالَ تَعالى ﴿أفلم يدبروا القَوْل﴾ ﴿أفلا يتدبرون القُرْآن ولَو كانَ من عند غير الله لوجدوا فِيهِ اخْتِلافا كثيرا﴾
وتدبر الكَلام أن ينظر في أوله وآخره ثمَّ يُعِيد نظره مره بعد مرّة ولِهَذا جاءَ على بِناء التفعل كالتجرع والتفهم والتبين وسمى استبصارا وهو استفعال من التبصر وهو تبين الأمر وانكشافه وتجليه للبصيرة وكل من التَّذَكُّر والتفكر لَهُ فائِدَة غير فائِدَة الآخر فالتذكر يُفِيد تكْرار القلب على ما علمه وعرفه ليرسخ فِيهِ ويثبت ولا ينمحي فَيذْهب أثره من القلب جملَة، والتفكر يُفِيد تَكْثِير العلم واستجلاب ما لَيْسَ حاصِلا عند القلب فالتفكر يحصله والتذكر يحفظه، ولِهَذا قالَ الحسن: ما زالَ أهل العلم يعودون بالتذكر على التفكر وبالتفكر على التَّذَكُّر ويناطقون القُلُوب حَتّى نطقت بالحكمة فالتفكر والتذكر بذار العلم وسقيه مطارحته ومذاكرته تلقيحه كَما قالَ بعض السّلف: ملاقاة الرِّجال تلقيح لألبابها فالمذاكرة بها لقاح العقل فالخير والسعادة في خزانَة مفتاحها التفكر فَإنَّهُ لا بُد من تفكر وعلم يكون نتيجته الفِكر وحال يحدث للقلب من ذَلِك العلم فَإن كل من عمل شَيْئا من المحبوب أوْ المَكْرُوه لا بُد أن يبْقى لِقَلْبِهِ حالَة وينصبغ بصبغة من علمه وتلك الحال توجب لَهُ إرادَة وتلك الإرادة توجب وُقُوع العَمَل
فهاهُنا خَمْسَة أمور الفِكر وثمرته العلم وثمرتهما الحالة الَّتِي تحدث للقلب وثَمَرَة ذَلِك الإرادة وثمرتها العلم فالفكر إذا هو المبدأ والمفتاح لِلْخَيْراتِ كلها وهَذا يكْشف لَك عَن فضل التفكر وشرفه وأنه من أفضل أعمال القلب وانفعها لَهُ حَتّى قيل تفكر ساعَة خير من عبادَة سنة فالفكر هو الَّذِي ينْقل من موت الفطنة إلى حَياة اليَقَظَة ومن المكاره إلى المحاب ومن الرَّغْبَة والحرص إلى الزّهْد والقناعة، ومن سجن الدُّنْيا إلى فضاء الآخرة، ومن ضيق الجَهْل إلى سَعَة العلم ورحبه، ومن مرض الشَّهْوَة والإخلاد إلى هَذِه الدّار إلى شِفاء الإنابة إلى الله والتجافي عَن دار الغرُور، ومن مُصِيبَة العَمى والصمم والبكم إلى نعْمَة البَصَر والسمع والفهم عَن الله والعقل عَنهُ، ومن أمراض الشُّبُهات إلى برد اليَقِين وثلج الصُّدُور.
وَبِالجُمْلَةِ فَأصل كل طاعَة إنَّما هي الفِكر وكَذَلِكَ أصل كل مَعْصِيّة إنَّما يحدث من جانب الفكرة فَإن الشَّيْطان يُصادف أرْض القلب خالِيَة فارغة فيبذر فِيها حب الأفكار الردية فيتولد مِنهُ الأرادات والعزوم فيتولد مِنها العَمَل فَإذا صادف أرْض القلب مَشْغُولَة ببذر الأفكار النافعة فِيما خلق لَهُ وفِيما أمر بِهِ وفيم هيئ لَهُ واعد لَهُ من النَّعيم المُقِيم أو العَذاب الاليم لم يجد لبذره موضعا وهَذا كَما قيل:
؎أتاني هَواها قبل أن اعرف الهوى ∗∗∗ فصادف قلبا فارغًا فتمكنا
{"ayah":"ٱلَّذِینَ یَذۡكُرُونَ ٱللَّهَ قِیَـٰمࣰا وَقُعُودࣰا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمۡ وَیَتَفَكَّرُونَ فِی خَلۡقِ ٱلسَّمَـٰوَ ٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ رَبَّنَا مَا خَلَقۡتَ هَـٰذَا بَـٰطِلࣰا سُبۡحَـٰنَكَ فَقِنَا عَذَابَ ٱلنَّارِ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق











