الباحث القرآني
في الحَدِيثِ الصَّحِيحِ لِلرَّجُلِ الَّذِي قَضى عَلَيْهِ، فَقالَ «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» فَقالَ: «إنَّ اللَّهَ يَلُومُ عَلى العَجْزِ، ولَكِنْ عَلَيْكَ بِالكَيْسِ، فَإذا غَلَبَكَ أمْرٌ فَقُلْ: حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ»
فَهَذا قالَ «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» بَعْدَ عَجْزِهِ عَنِ الكَيْسِ، الَّذِي لَوْ قامَ بِهِ، لَقُضِيَ لَهُ عَلى خَصْمِهِ، فَلَوْ فَعَلَ الأسْبابَ الَّتِي يَكُونُ بِها كَيِّسًا، ثُمَّ غُلِبَ فَقالَ: «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» لَكانَتِ الكَلِمَةُ قَدْ وقَعَتْ مَوْقِعَها، كَما أنَّ إبْراهِيمَ الخَلِيلَ، لَمّا فَعَلَ الأسْبابَ المَأْمُورَ بِها، ولَمْ يَعْجِزْ بِتَرْكِها، ولا بِتَرْكِ شَيْءٍ مِنها، ثُمَّ غَلَبَهُ عَدُوُّهُ، وألْقَوْهُ في النّارِ، قالَ في تِلْكَ الحالِ: «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» فَوَقَعَتِ الكَلِمَةُ مَوْقِعَها، واسْتَقَرَّتْ في مَظانِّها، فَأثَّرَتْ أثَرَها، وتَرَتَّبَ عَلَيْها مُقْتَضاها.
[التَّوَكُّلُ]
وَكَذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ، وأصْحابُهُ، يَوْمَ أُحُدٍ، لَمّا قِيلَ لَهم بَعْدَ انْصِرافِهِمْ مِن أُحُدٍ: ﴿إنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكم فاخْشَوْهُمْ﴾ فَتَجَهَّزُوا وخَرَجُوا لِلِقاءِ عَدُوِّهِمْ، وأعْطَوْهُمُ الكَيْسَ مِن نُفُوسِهِمْ، ثُمَّ قالُوا: ﴿حَسْبُنا اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ﴾ فَأثَّرَتِ الكَلِمَةُ أثَرَها، واقْتَضَتْ مُوجَبَها، ولِهَذا قالَ تَعالى: ﴿وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويَرْزُقْهُ مِن حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ومَن يَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ فَهو حَسْبُهُ﴾ فَجَعَلَ التَّوَكُّلَ بَعْدَ التَّقْوى الَّذِي هو قِيامُ الأسْبابِ المَأْمُورِ بِها، فَحِينَئِذٍ إنْ تَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ، فَهو حَسْبُهُ، وكَما قالَ في مَوْضِعٍ آخَرَ: ﴿واتَّقُوا اللَّهَ وعَلى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنُونَ﴾ [المائدة: ١١] فالتَّوَكُّلُ والحَسْبُ بِدُونِ قِيامِ الأسْبابِ المَأْمُورِ بِها عَجْزٌ مَحْضٌ، فَإنْ كانَ مَشُوبًا بِنَوْعٍ مِنَ التَّوَكُّلِ، فَهو تَوَكُّلُ عَجْزٍ، فَلا يَنْبَغِي لِلْعَبْدِ أنْ يَجْعَلَ تَوَكُّلَهُ عَجْزًا، ولا يَجْعَلَ عَجْزَهُ تَوَكُّلًا، بَلْ يَجْعَلُ تَوَكُّلَهُ مِن جُمْلَةِ الأسْبابِ المَأْمُورِ بِها الَّتِي لا يَتِمُّ المَقْصُودُ إلّا بِها كُلِّها.
وَمِن هاهُنا غَلِطَ طائِفَتانِ مِنَ النّاسِ: إحْداهُما: زَعَمَتْ أنَّ التَّوَكُّلَ وحْدَهُ سَبَبٌ مُسْتَقِلٌّ كافٍ في حُصُولِ المُرادِ، فَعُطِّلَتْ لَهُ الأسْبابُ الَّتِي اقْتَضَتْها حِكْمَةُ اللَّهِ المُوصِلَةُ إلى مُسَبِّباتِها، فَوَقَعُوا في نَوْعِ تَفْرِيطٍ وعَجْزٍ، بِحَسَبِ ما عَطَّلُوا مِنَ الأسْبابِ، وضَعُفَ تَوَكُّلُهم مِن حَيْثُ ظَنُّوا قُوَّتَهُ بِانْفِرادِهِ عَنِ الأسْبابِ، فَجَمَعُوا الهَمَّ كُلَّهُ، وصَيَّرُوهُ هَمًّا واحِدًا، وهَذا وإنْ كانَ فِيهِ قُوَّةٌ مِن هَذا الوَجْهِ، فَفِيهِ ضَعْفٌ مِن جِهَةٍ أُخْرى، فَكُلَّما قَوِيَ جانِبُ التَّوَكُّلِ بِإفْرادِهِ أضْعَفَهُ التَّفْرِيطُ في السَّبَبِ الَّذِي هو مَحَلُّ التَّوَكُّلِ، فَإنَّ التَّوَكُّلَ مَحَلُّهُ الأسْبابُ، وكَمالُهُ بِالتَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ فِيها، وهَذا كَتَوَكُّلِ الحَرّاثِ الَّذِي شَقَّ الأرْضَ، وألْقى فِيها البِذْرَ، فَتَوَكَّلَ عَلى اللَّهِ في زَرْعِهِ وإنْباتِهِ، فَهَذا قَدْ أعْطى التَّوَكُّلَ حَقَّهُ، ولَمْ يَضْعُفْ تَوَكُّلُهُ بِتَعْطِيلِ الأرْضِ، وتَخْلِيَتِها بُورًا، وكَذَلِكَ تَوَكُّلُ المُسافِرِ في قَطْعِ المَسافَةِ مَعَ جِدِّهِ في السَّيْرِ، وتَوَكُّلُ الأكْياسِ مِنَ النَّجاةِ مِن عَذابِ اللَّهِ، والفَوْزِ بِثَوابِهِ، مَعَ اجْتِهادِهِمْ في طاعَتِهِ، فَهَذا هو التَّوَكُّلُ الَّذِي يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أثَرُهُ، ويَكُونُ اللَّهُ حَسْبَ مَن قامَ بِهِ.
وَأمّا تَوَكُّلُ العَجْزِ والتَّفْرِيطِ، فَلا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أثَرُهُ، ولَيْسَ اللَّهُ حَسْبَ صاحِبِهِ، فَإنَّ اللَّهَ إنَّما يَكُونُ حَسْبَ المُتَوَكِّلِ عَلَيْهِ إذا اتَّقاهُ، وتَقْواهُ فِعْلُ الأسْبابِ المَأْمُورِ بِها، لا إضاعَتُها.
والطّائِفَةُ الثّانِيَةُ: الَّتِي قامَتْ بِالأسْبابِ، ورَأتِ ارْتِباطَ المُسَبِّباتِ بِها شَرْعًا وقَدَرًا، وأعْرَضَتْ عَنْ جانِبِ التَّوَكُّلِ، وهَذِهِ الطّائِفَةُ وإنْ نالَتْ بِما فَعَلَتْهُ مِنَ الأسْبابِ ما نالَتْهُ، فَلَيْسَ لَها قُوَّةُ أصْحابِ التَّوَكُّلِ، ولا عَوْنُ اللَّهِ لَهم وكِفايَتُهُ إيّاهم ودِفاعُهُ عَنْهُمْ، بَلْ هي مَخْذُولَةٌ عاجِزَةٌ، بِحَسَبِ ما فاتَها مِنَ التَّوَكُّلِ.
فالقُوَّةُ كُلُّ القُوَّةِ في التَّوَكُّلِ عَلى اللَّهِ، كَما قالَ بَعْضُ السَّلَفِ: مَن سَرَّهُ أنْ يَكُونَ أقْوى النّاسِ، فَلْيَتَوَكَّلْ عَلى اللَّهِ، فالقُوَّةُ مَضْمُونَةٌ لِلْمُتَوَكِّلِ، والكِفايَةُ والحَسْبُ والدَّفْعُ عَنْهُ، وإنَّما يَنْقُصُ عَلَيْهِ مِن ذَلِكَ بِقَدْرِ ما يَنْقُصُ مِنَ التَّقْوى والتَّوَكُّلِ، وإلّا
فَمَعَ تَحَقُّقِهِ بِهِما، لا بُدَّ أنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لَهُ مَخْرَجًا مِن كُلِّ ما ضاقَ عَلى النّاسِ، ويَكُونُ اللَّهُ حَسْبَهُ وكافِيَهُ.
والمَقْصُودُ أنَّ النَّبِيَّ ﷺ أرْشَدَ العَبْدَ إلى ما فِيهِ غايَةُ كَمالِهِ، ونَيْلُ مَطْلُوبِهِ، أنْ يَحْرِصَ عَلى ما يَنْفَعُهُ، ويَبْذُلَ فِيهِ جَهْدَهُ، وحِينَئِذٍ يَنْفَعُهُ التَّحَسُّبُ، وقَوْلُ «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» بِخِلافِ مَن عَجَزَ وفَرَّطَ، حَتّى فاتَتْهُ مَصْلَحَتُهُ، ثُمَّ قالَ «حَسْبِيَ اللَّهُ ونِعْمَ الوَكِيلُ» فَإنَّ اللَّهَ يَلُومُهُ، ولا يَكُونُ في هَذا الحالِ حَسْبَهُ، فَإنَّما هو حَسْبُ مَنِ اتَّقاهُ وتَوَكَّلَ عَلَيْهِ.
{"ayah":"ٱلَّذِینَ قَالَ لَهُمُ ٱلنَّاسُ إِنَّ ٱلنَّاسَ قَدۡ جَمَعُوا۟ لَكُمۡ فَٱخۡشَوۡهُمۡ فَزَادَهُمۡ إِیمَـٰنࣰا وَقَالُوا۟ حَسۡبُنَا ٱللَّهُ وَنِعۡمَ ٱلۡوَكِیلُ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق