الباحث القرآني
وأصل الخذلان: الترك والتخلية، ويقال للبقرة والشاة إذا تخلفت مع ولدها في المرعى وتركت صواحباتها: خذول.
قال محمد بن إسحاق في هذه الآية: إن ينصرك الله فلا غالب لك من الناس ولن يضرك خذلان من خذلك، وإن يخذلك فلن ينصرك الناس، أي لا تترك أمري للناس، وارفض الناس لأمري.
والخذلان: أن يخلق الله تعالى بين العبد وبين نفسه ويكله إليها والتوفيق ضده: أن لا يدعه ونفسه، ولا يكله إليها، بل يصنع له ويلطف به ويعينه، ويدفع عنه، ويكلؤه كلاءة الوالد الشفيق للولد العاجز عن نفسه، فمن خلى بينه وبين نفسه فقد هلك كل الهلاك.
ولهذا كان من دعائه ﷺ
«يا حي يا قيوم يا بديع السماوات والأرض يا ذا الجلال والإكرام لا إله إلا أنت،
برحمتك أستغيث، أصلح لي شأني كله، ولا تكلني إلى نفسي طرفة عين ولا إلى أحد من خلقك».
فالعبد مطروح بين الله وبين عدوه إبليس، فإن تولاه الله لم يظفر به عدوه. وإن خذله وأعرض عنه افترسه الشيطان، كما يفترس الذئب الشاة.
فإن قيل: فما ذنب الشاة إذا خلى الراعي بين الذئب وبينها، وهل يمكنها أن تقوى على الذئب وتنجو منه؟
قيل: لعمر الله، إن الشيطان ذئب الإنسان، كما قال الصادق المصدوق، ولكن لم يجعل الله لهذا الذئب اللعين على هذه الشاة سلطانا، مع ضعفها. فإذا أعطت بيدها وسالمت الذئب ودعاها فلبت دعوته وأجابت أمره ولم تتخلف، بل أقبلت نحوه سريعة مطيعة، وفارقت حمى الراعي الذي ليس للذئاب عليه سبيل، ودخلت في محل الذئاب الذي من دخله كان صيدا لهم، فهل الذئب كل الذئب إلا الشاة؟ فكيف والراعي يحذرها ويخوفها وينذرها؟ وقد أراها مصارع الشاة التي انفردت عن الراعي، ودخلت وادي الذئاب.
قال أحمد بن مروان المالكي في كتاب المجالسة: سمعت ابن أبي الدنيا يقول: إن لله سبحانه من العلوم ما لا يحصى، يعطي كل واحد من ذلك ما لا يعطي غيره لقد حدثنا أبو عبد الله أحمد بن محمد بن سعيد القطان حدثنا عبيد الله بن بكر السهمي عن أبيه: أن قوما كانوا في سفر فكان فيهم رجل يمر بالطائر، فيقول: أتدرون ما تقول هؤلاء؟ فيقولون: لا، فيقول:
تقول كذا وكذا فيحيلنا على شيء لا ندري أصادق فيه هو أم كاذب؟ إلى أن مروا على غنم وفيها شاة قد تخلفت على سخلة لها، فجعلت تحنو عنقها إليها وتغثو، فقال: أتدرون ما تقول هذه الشاة؟
قلنا: لا. قال: تقول للسخلة: الحقي، لا يأكلك الذئب كما أكل أخاك عام أول في هذا المكان.
قال: فانتهينا إلى الراعي، فقلنا له: ولدت هذه الشاة قبل عامك هذا؟
قال: نعم ولدت سخلة عام أول، فأكلها الذئب بهذا المكان، ثم أتينا على قوم فيهم ظعينة على جمل لها وهو يرغو، ويحنو عنقه إليها. فقال:
أتدرون ما يقول هذا البعير؟ قلنا: لا. قال: فإنه يلعن راكبته ويزعم أنها رحلته على مخيط وهو في سنامه. قال: فانتهينا إليهم. فقلنا: يا هؤلاء، إن صاحبنا هذا يزعم أن هذا البعير يلعن راكبته، ويزعم أنها رحلته على مخيط، وأنه في سنامه، قال: فأناخوا البعير وحطوا عنه، فإذا هو كما قال.
فهذه شاة قد حذرت سخلتها من الذئب مرة فحذرت. وقد حذر الله سبحانه ابن آدم من ذئبه مرة بعد مرة، وهو يأبى إلا أن يستجيب له إذا دعاه، ويبيت معه ويصبح ﴿وَقالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللَّهَ وعَدَكم وعْدَ الحَقِّ ووَعَدْتُكم فَأخْلَفْتُكم وما كانَ لِي عَلَيْكم مِن سُلْطانٍ إلّا أنْ دَعَوْتُكم فاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي ولُومُوا أنْفُسَكم ما أنا بِمُصْرِخِكم وما أنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إنِّي كَفَرْتُ بِما أشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ إنَّ الظّالِمِينَ لَهم عَذابٌ ألِيمٌ﴾.
(فائِدَة)
التَّوَكُّل على الله نَوْعانِ أحدهما توكل عَلَيْهِ في جلب حوائج العَبْد وحظوظه الدُّنْيَوِيَّة أو دفع مكروهاته ومصائبه الدُّنْيَوِيَّة والثّانِي التَّوَكُّل عَلَيْهِ في حُصُول ما يُحِبهُ هو ويرضاه من الإيمان واليَقِين والجهاد والدعوة إلَيْهِ وبَين النَّوْعَيْنِ من الفضل ما لا يُحْصِيه إلّا الله فَمَتى توكل عَلَيْهِ العَبْد في النَّوْع الثّانِي حق توكله كَفاهُ النَّوْع الأول تَمام الكِفايَة ومَتى توكل عَلَيْهِ في النَّوْع الأول دون الثّانِي كَفاهُ أيْضا لَكِن لا يكون لَهُ عاقِبَة المتَوَكل عَلَيْهِ فِيما يُحِبهُ ويرضاه فأعظم التَّوَكُّل عَلَيْهِ التَّوَكُّل في الهِدايَة وتَجْرِيد التَّوْحِيد ومتابعة الرَّسُول وجِهاد أهل الباطِل فَهَذا توكل الرُّسُل وخاصة أتباعهم
التَّوَكُّل تارَة يكون توكل اضطرار وإلجاء بِحَيْثُ لا يجد العَبْد ملْجأ ولا وزرا إلّا التَّوَكُّل كَما إذا ضاقَتْ عَلَيْهِ الأسْباب وضاقَتْ عَلَيْهِ نَفسه وظن أن لا ملْجأ من الله إلّا إلَيْهِ وهَذا لا يتَخَلَّف عَنهُ الفرج والتيسير ألْبَتَّةَ.
وَتارَة يكون توكل اخْتِيار وذَلِكَ التَّوَكُّل مَعَ وجود السَّبَب المفضي إلى المُراد فَإن كانَ السَّبَب مَأْمُورا بِهِ ذمّ على تَركه وإن قامَ السَّبَب وترك التَّوَكُّل ذمّ على تَركه أيْضا فَإنَّهُ واجِب بِاتِّفاق الأمة ونَصّ القُرْآن والواجِب القيام بهما والجمع بَينهما وإن كانَ السَّبَب محرما حرم عَلَيْهِ مُباشَرَته وتوحد السَّبَب في حَقه في التَّوَكُّل فَلم يبْق سَبَب سواهُ فَإن التَّوَكُّل من أقوى الأسْباب في حُصُول المُراد ودفع المَكْرُوه بل هو أقوى الأسْباب على الإطْلاق وإن كانَ السَّبَب مُباحا نظرت هَل يضعف قيامك بِهِ التَّوَكُّل أو لا يُضعفهُ فَإن أضعفه وفرق عَلَيْك قَلْبك وشتت همك فَتَركه أولى وإن لم يُضعفهُ فمباشرته أولى لِأن حِكْمَة أحكم الحاكِمين اقْتَضَت ربط المُسَبّب بِهِ فَلا تعطل حكمته مهما أمكنك القيام بها ولا سِيما إذا فعلته عبودية فَتكون قد أتيت بعبودية القلب بالتوكل وعبودية الجَوارِح بِالسَّبَبِ المَنوِي بِهِ القرْبَة والَّذِي يُحَقّق لتوكل القيام بالأسباب المَأْمُور بها فَمن عطلها لم يَصح توكله كَما أن القيام بالأسباب المفضية إلى حُصُول الخَيْر يُحَقّق رَجاءَهُ فَمن لم يقم بها كانَ رجاؤه تمنيّا كَما أن من عطّلها يكون توكله عَجزا وعجزه توكلا.
وسر التَّوَكُّل وحَقِيقَته هو اعْتِماد القلب على الله وحده فَلا يضرّهُ مُباشرَة الأسْباب مَعَ خلو القلب من الِاعْتِماد عَلَيْها والركون إلَيْها كَما لا يَنْفَعهُ قَوْله: توكلت على الله مَعَ اعْتِماده على غَيره وركونه إلَيْهِ وثقته بِهِ فتوكل اللِّسان شَيْء وتوكل القلب شَيْء كَما أن تَوْبَة اللِّسان مَعَ إصْرار القلب شَيْء وتوبة القلب وإن لم ينْطق اللِّسان شَيْء فَقَوْل العَبْد توكلت على الله مَعَ اعْتِماد قلبه على غَيره مثل قَوْله تبت إلى الله وهو مصر على مَعْصِيَته مرتكب لَها.
{"ayah":"إِن یَنصُرۡكُمُ ٱللَّهُ فَلَا غَالِبَ لَكُمۡۖ وَإِن یَخۡذُلۡكُمۡ فَمَن ذَا ٱلَّذِی یَنصُرُكُم مِّنۢ بَعۡدِهِۦۗ وَعَلَى ٱللَّهِ فَلۡیَتَوَكَّلِ ٱلۡمُؤۡمِنُونَ"}
- أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.
أمّهات
جامع البيان
تفسير الطبري
نحو ٢٨ مجلدًا
تفسير القرآن العظيم
تفسير ابن كثير
نحو ١٩ مجلدًا
الجامع لأحكام القرآن
تفسير القرطبي
نحو ٢٤ مجلدًا
معالم التنزيل
تفسير البغوي
نحو ١١ مجلدًا
جمع الأقوال
منتقاة
عامّة
عامّة
فتح البيان
فتح البيان للقنوجي
نحو ١٢ مجلدًا
فتح القدير
فتح القدير للشوكاني
نحو ١١ مجلدًا
التسهيل لعلوم التنزيل
تفسير ابن جزي
نحو ٣ مجلدات
موسوعات
أخرى
لغة وبلاغة
معاصرة
الميسر
نحو مجلد
المختصر
المختصر في التفسير
نحو مجلد
تيسير الكريم الرحمن
تفسير السعدي
نحو ٤ مجلدات
أيسر التفاسير
نحو ٣ مجلدات
القرآن – تدبّر وعمل
القرآن – تدبر وعمل
نحو ٣ مجلدات
تفسير القرآن الكريم
تفسير ابن عثيمين
نحو ١٥ مجلدًا
مركَّزة العبارة
تفسير الجلالين
نحو مجلد
جامع البيان
جامع البيان للإيجي
نحو ٣ مجلدات
أنوار التنزيل
تفسير البيضاوي
نحو ٣ مجلدات
مدارك التنزيل
تفسير النسفي
نحو ٣ مجلدات
الوجيز
الوجيز للواحدي
نحو مجلد
تفسير القرآن العزيز
تفسير ابن أبي زمنين
نحو مجلدين
آثار
غريب ومعاني
السراج في بيان غريب القرآن
غريب القرآن للخضيري
نحو مجلد
الميسر في غريب القرآن الكريم
الميسر في الغريب
نحو مجلد
تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن قتيبة
نحو مجلد
التبيان في تفسير غريب القرآن
غريب القرآن لابن الهائم
نحو مجلد
معاني القرآن وإعرابه
معاني الزجاج
نحو ٤ مجلدات
معاني القرآن
معاني القرآن للنحاس
نحو مجلدين
معاني القرآن
معاني القرآن للفراء
نحو مجلدين
مجاز القرآن
مجاز القرآن لمعمر بن المثنى
نحو مجلد
معاني القرآن
معاني القرآن للأخفش
نحو مجلد
أسباب النزول
إعراب ولغة
الإعراب الميسر
نحو ٣ مجلدات
إعراب القرآن
إعراب القرآن للدعاس
نحو ٤ مجلدات
الجدول في إعراب القرآن وصرفه وبيانه
الجدول في إعراب القرآن
نحو ٨ مجلدات
الدر المصون
الدر المصون للسمين الحلبي
نحو ١٠ مجلدات
اللباب
اللباب في علوم الكتاب
نحو ٢٤ مجلدًا
إعراب القرآن وبيانه
إعراب القرآن للدرويش
نحو ٩ مجلدات
المجتبى من مشكل إعراب القرآن
مجتبى مشكل إعراب القرآن
نحو مجلد
إعراب القرآن
إعراب القرآن للنحاس
نحو ٣ مجلدات
تحليل كلمات القرآن
نحو ٩ مجلدات
الإعراب المرسوم
نحو ٣ مجلدات
المجمّع
بالرسم الجديد
بالرسم القديم
حفص عن عاصم
شُعْبة عن عاصم
قالون عن نافع
ورش عن نافع
البَزِّي عن ابن كثير
قُنبُل عن ابن كثير
الدُّوري عن أبي عمرو
السُّوسِي عن أبي عمرو
نستعليق