الباحث القرآني

العزة والعلو إنما هما لأهل الإيمان الذي بعث الله به رسله، وأنزل به كتبه، وهو علم وعمل وحال، قال تعالى: ﴿وَأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾. فللعبد من العلو بحسب ما معه من الإيمان، وقال تعالى: ﴿وَللهِ العِزَّةُ ولِرَسُوِلهِ ولِلْمُؤْمِنِين﴾ [المنافقون: ٨]. فله من العزة بحسب ما معه من الإيمان وحقائقه، فإذا فاته حظ من العلو والعزة، ففى مقابلة ما فاته من حقائق الإيمان، علما وعملا ظاهرا وباطنا. وكذلك الدفع عن العبد هو بحسب إيمانه، قال تعالى: ﴿إنَّ اللهَ يُدافِعُ عَنِ الّذِينَ آمَنُوا﴾ [الحج: ٣٨]. فإذا ضعف الدفع عنه فهو من نقص إيمانه. وكذلك الكفاية والحَسْب هى بقدر الإيمان، قال تعالى: ﴿يأيُّها النَّبى حَسْبُكَ اللهُ ومَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ٦٤]. أى الله حسبك وحسب أتباعك، أي كافيك وكافيهم، فكفايته لهم بحسب اتباعهم لرسوله، وانقيادهم له، وطاعتهم له، فما نقص من الإيمان عاد بنقصان ذلك كله. ومذهب أهل السنة والجماعة: أن الإيمان يزيد وينقص. وكذلك ولاية الله تعالى لعبده هى بحسب إيمانه قال تعالى: ﴿واللهُ ولِى المُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ٦٨] وقال الله تعالى: ﴿اللهُ ولِى الّذِينَ آمَنُوا﴾ [البقرة: ٢٥٧]. وكذلك معيته الخاصة هى لأهل الإيمان، كما قال تعالى: ﴿وَأنَّ اللهَ مَعَ المُؤْمِنِينَ﴾ [الأنفال: ١٩]. فإذا نقص الإيمان وضعف، كان حظ العبد من ولاية الله له ومعيته الخاصة بقدر حظه من الإيمان. وكذلك النصر والتأييد الكامل. إنما هو لأهل الإيمان الكامل، قال تعالى: ﴿إنّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنا والّذِينَ آمَنُوا فِى الحَياةِ الدُّنْيا ويَوْمَ يَقُومُ الأشْهادُ﴾ [غافر: ٥١] وقال ﴿فَأيَّدْنا الّذِينَ آمَنُوا عَلى عَدُوِّهِمْ فَأصْبَحُوا ظاهِرِينَ﴾ [الصف: ١٤]. فمن نقص إيمانه نقص نصيبه من النصر والتأييد، ولهذا إذا أصيب العبد بمصيبة في نفسه أو ماله، أو بإدالة عدوه عليه، فإنما هي بذنوبه، إما بترك واجب، أو فعل محرم وهو من نقص إيمانه. وبهذا يزول الإشكال الذي يورده كثير من الناس على قوله تعالى: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللهُ لِلْكافِرِينَ عَلى المُؤْمِنِينَ سَبِيلًا﴾ [النساء: ١٤١]. ويجيب عنه كثير منهم بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الآخرة، ويجيب آخرون بأنه لن يجعل لهم عليهم سبيلا في الحجة. والتحقيق: أنها مثل هذه الآيات، وأن انتفاء السبيل عن أهل الإيمان الكامل، فإذا ضعف الإيمان صار لعدوهم عليهم من السبيل بحسب ما نقص من إيمانهم، فهم جعلوا لهم عليهم السبيل بما تركوا من طاعة الله تعالى. فالمؤمن عزيز غالب مؤيد منصور، مكفى، مدفوع عنه بالذات أين كان، ولو اجتمع عليه من بأقطارها، إذا قام بحقيقة الإيمان وواجباته، ظاهرا وباطنا. وقد قال تعالى للمؤمنين: ﴿وَلاَ تَهِنُوا ولا تحْزَنُوا وأنْتُمُ الأعْلَوْنَ إنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾ [آل عمران: ١٣٩] وقال تعالى ﴿فَلاَ تَهِنُوا وتَدْعُوا إلى السَّلْمِ وأنْتُمٌ الأعْلَوْنَ واللهُ مَعَكمْ ولَنْ يَتِرَكم أعْمالَكُمْ﴾ [محمد: ٣٥]. فهذا الضمان إنما هو بإيمانهم وأعمالهم، التي هى جند من جنود الله، يحفظهم بها، ولا يفردها عنهم ويقتطعها عنهم، فيبطلها عليهم، كما يَتِرُ الكافرين والمنافقين أعمالهم إذ كانت لغيره ولم تكن موافقة لأمره.
    1. أدخل كلمات البحث أو أضف قيدًا.

    أمّهات

    جمع الأقوال

    منتقاة

    عامّة

    معاصرة

    مركَّزة العبارة

    آثار

    إسلام ويب